بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أهالي سيناء.. ضحية التهميش والدولة البوليسية

بالرغم من أنها من أكثر القضايا وضوحا، هناك تعمد للتشويش على قضية سيناء وتغليفها بتفاصيل وألغاز وهالة من الغموض، مع إطلاق شعارات مستهلكة لا تسمن ولا تغني من جوع.

شعار “سيناء جزء من الوطن” لا ينفي حقيقة إهمالها المتعمد، ولا حقيقة أن السيادة المصرية على سيناء منقوصة. وشعار “البدو جزء من شعب مصر” لا يصمد أمام معاملة البدو كمواطنين من الدرجة الثانية.

أما هالة الغموض والضبابية، فهي حالة مفتعلة وهدفها استغلال المسافة الشاسعة التي خلقت، بالصدفة والعمد، بين المواطن المصري في الوادي والدلتا وبين سيناء وأهلها، حتى أصبح التعامل معهم هو ملف أمني من الألف إلى الياء، كما تتعامل أية حكومة شوفينية مع الأقليات العرقية والدينية. فوصم البدو بالخيانة والولاء للخارج، وكذلك الكلام عن توغل القاعدة وحتى مؤامرة حماس، كلها حجج وذرائع للتهرب من مواجهة الحقيقة التي زرعتها الأنظمة ونحصد الآن جميعا ثمارها المرة.

سيناء.. نصف سيادة

بالرغم من أن هزيمة 1967 كانت قاصمة لظهور المصريين إلا أن أصوات الأغاني بعد حرب أكتوبر قد غطت على حقيقة أكثر قسوة، وهي أن السادات قد لفظ سيناء إلى حجر الإسرائيليين بعقد مفتوح المدة. بدءا من إعادة 90% من القوات المصرية التي عبرت القناة إلى الضفة الغربية، وحتى تمريغ أنفه في حبر المعاهدة التي جعلت مصر أسيرة غرام جبري. هذه المعاهدة جعلت سيناء في الواقع منزوعة السلاح والسيادة، ومنتهكة من قوات “دولية”  هي في معظمها قوات أمريكية تضمن تدابير أمنية لصالح إسرائيل بينما لا تتخذ ولو عُشر هذه الإجراءات على الجانب الإسرائيلي.

وليس أدل على ذلك من قدرة إسرائيل على انتهاك الحدود المصرية وقتل الجنود، قبل الثورة وبعدها، وسماحها بزيادة عدد الجنود فقط لحماية مبارك في شرم الشيخ عقب التنحي.

التهميش.. والنهب

لم تذق سيناء قطرة واحدة من أنهار اللبن والعسل التي وعد بها السادات كمقابل للسلام، وفي 1994 طرحت الحكومة مشروع تنمية سيناء، ورصدت 75مليار جنيه، مخصصة للخدمات والمرافق والاستثمار الزراعي والسياحي، بهدف توطين أكثر من ثلاثة ملايين شخص. تكلف شق ترعة السلام وفروعها مليارات الجنيهات، من أجل استصلاح 32 ألف فدان، ولكنها لم توزع على الشباب بل وُزعت على الشركات، فلم تشهد أي زيادة في السكان.

بالرغم من ازدهار السياحة المتوجهة إلى سيناء وإلى شرم الشيخ على وجه الخصوص، إلا أن السياحة في حد ذاتها مجرد نشاط ريعي، أي أنها تقوم على تحصيل الأموال مقابل تمتع آخرين بالمناطق السياحية، وبذلك تظل معلقة برغبة السياح في المجيء وقدرتهم عليه، والسياحة أول ما يتأثر بأزمة الرأسمالية. كما أن الاحتكارات العالمية، وأذيالها المصرية هي المسيطرة بالفعل على النشاط السياحي في مصر، أضف إلى ذلك استيراد نسبة كبيرة مما يستهلكه السياح في مصر من الخارج، وهو ما يعني ببساطة أن الجانب الأكبر من أرباح السياحة، يذهب إلى الخارج.

وهذا بالطبع بخلاف استنزاف المناطق الطبيعية التي تكونت عبر آلاف السنين، وإهمال الأنشطة الإنتاجية.

والعاملون في مجال السياحة أغلبهم غير معينين، وليست لهم أي حقوق، والأمر لا يقتصر عليهم بل نال أيضا من عمالة البترول. ويضاف إلى مشاكلهم أزمة إسكان، لأن الاستثمارات موجة لسياحة الأثرياء، ولا تعبأ الحكومة لا بأهالي سيناء ولا بتسكين العاملين القادمين من الوادي والدلتا.

وبعد أن بدأت الطموحات بإنشاء كليتين للتربية والزراعة، أصبح التعليم جزءا من الاستثمار السياحي، لجذب أبناء الأثرياء المصريين والعرب، لإنشاء معاهد، وجامعة خاصة يملكها حسن راتب عضو لجنة السياسات بالوطني المنحل.

لا ينال بدو سيناء من كل خيراتها سوى العمل الخدمي، وإقامة العروض التراثية للسياح، كأنهم جزء من المشهد السياحي، مثلهم مثل الجمال والشعاب المرجانية. في حين تتم إزالة مخيمات بدوية كاملة لصالح النشاط السياحي، وطرد أهلها، وتدمير مجتمعات الزراعة والرعي والصيد، القائمة بالفعل، بدلا من تنميتها، ليبقى المجال الوحيد أمام البدو هو قبول العمل بالخدمات، مثل النظافة وتقديم الأطعمة، وهو ما لا يتلائم مع طبيعة المجتمع البدوي، فيتم قبوله على مضض شديد، ولا يبقى لهم غير مجالات مشروعة محدودة مثل النقل والتوريد، وما عدا ذلك لا يوجد إلا التهريب. وتزيد المعاناة في شمال سيناء عن جنوبها، حيث أن 21% منهم محرومون من المرافق، ونسبة الوحدات الصحية واحدة لكل 20:25ألف مواطن، وتزيد نسبة التسرب من التعليم عن 65%.

لكن الجانب الأشد وطأة وسوء هو معاملة البدو باعتبارهم “خونة” وغير أهل للثقة، فهناك قانون غير مكتوب، لكنه معروف للجميع، باستبعاد البدو من الكليات العسكرية، ومن المناصب القيادية، ويظل تعامل الدولة معهم تعاملا أمنيا، وحسب قول أحد أبناء سيناء فإن كل التعاملات تكون بين أمن الدولة ومشايخ القبائل، الذين يشترط في تعيينهم رضا الأمن عنهم.

وبينما تفتح سيناء على مصراعيها أمام السياح الإسرائيليين، عاملت الأنظمة المتعاقبة أهل سيناء الذين قاوموا الاحتلال البريطاني، ورفضوا مشروع إسرائيل لتدويل سيناء مقابل منحهم حكما ذاتيا، وكأنهم ليسوا أبناء هذا الوطن، حتى النظام الناصري، تعامل مع سيناء باعتبارها تخوما وميدان قتال.

زاد نظام مبارك في العقد الأخير قبل الثورة من معاملته القمعية لبدو سيناء، وكان وقوع أي حادث يُعد مبرر لديه لاعتقال الآلاف منهم ولأجل غير مسمى.

لو كانت الجماعات الإرهابية قد وجدت في سيناء تربة خصبة، ولو استطاع شيوخ الوهابية التوغل في عقول السيناوية، فإن ذلك لم يحدث إلا نتيجة قرون من التهميش والإهمال، والحل ليس أبدا في تضخيم “غول” الجماعات الإرهابية، أو ابتداع مؤامرة حمساوية، وتحميل الأنفاق، المنفس الوحيد لأهل غزة المحاصرين، مسئولية فشل حكومة الإخوان في توفير الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية.

لكن الحل الوحيد هو مساندة أهالي سيناء في المطالبة بحقوقهم الأساسية وإدماجهم بشكل حقيقي في الإطار السياسي والاقتصادي لمصر، كمواطنين مصريين يعيشون في جزء منها، والكف عن التعامل مع سيناء وأهلها كملف أمني.