بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

أحمد شفيق .. “رئيس” هارب من العدالة

بداية يلح علينا تساؤل، لماذا، وفي حين أن أغلب رموز نظام مبارك من أمثال أحمد نظيف وسرور والعادلي وأحمد عز وغيرهم يقبعون الآن داخل سجن طرة، إلا أن الملفت للنظر أن واحداً من أركان هذا النظام وهو "شفيق" بصفته وزيراً للطيران المدني ثم رئيساً للوزراء وتطارده الاتهامات بالضلوع في التخطيط لـ "موقعة الجمل"، لم تطاله يد العدالة لا من قريب ولا من بعيد رغم كل البلاغات المقدمة ضده من العاملين بوزارة الطيران المدني. هذا أيضاً بخلاف شبهات الفساد الواضحة والتي تزكم رائحتها الأنوف وعلاقته بمبارك السياسية والشخصية، وربما يزيد عليها الآن علاقته بالمجلس العسكري الذي يضمن له الحماية، بل يدعمه ويسخر له كل أركان دولة الفساد كي ينتصر في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. ما هو السر وراء تلك الحصانة التي يتمتع بها شفيق، الحصانة التي لا تجعله يفر هارباً خارج البلاد راضياً بما نهبه طيلة هذه السنوات، شاكراً أنه يتمتع بحريته وليس قيد التحقيق كالبقية من زمرته الفاسدة، بل نجده ينافس على منصب الرئيس!!

شفيق ليس خياراً شعبياً

يحاول المجلس العسكري بمعاونة الجهاز الإعلامي الحكومي الترويج لفكرة أن "شفيق" هو اختيار شعبي، حيث حصد من خلال انتخابات "نزيهة" مايقرب من الخمسة ملايين وخمسمائة ألف صوت. كيف يتعامى المجلس العسكري وفلول النظام عن حقيقة أن هناك ما يقرب من تسعة ملايين صوت انحازوا للدولة المدنية بمرشحيها المتعددين، تسعة ملايين صوت لم يختاروا "شفيق" ولا الدولة العسكرية، كما لم يرتضوا بخيار الدولة الدينية متمثلاً في "مرسي" مرشح جماعة الإخوان المسلمين. مجرد الحديث عن دعاوى من هذا النوع ومحاولة الترويج له على أنه المرشح ذو الشعبية الواسعة محض كذب وافتراء.

لن ننزلق في جدل حول مدى نزاهة العملية الانتخابية، وعن سوء السمعة الذي يحيق بقضاتها أو عن رفض قبول الطعون الانتخابية – وياللعجب – لأن من قدمها تأخر عن الموعد الرسمي لتقديم الطعون بساعتين. ساعتان يا سادة يحددان مصير أمة وشعب!! ربما يكون "شفيق" حصد أصوات حقيقة، ولم لا، نحن على يقين من أن هناك كارهين للثورة، خائفين من سيف العدالة الذي سيطالهم عندما نتتصر. وهناك أيضاً المذعورين الراغبين في عودة الأمور لطبيعتها كي ينعموا بالأمان الزائف والحرية المشروطة التي ينعم أسيادهم بها عليهم. هؤلاء هم من اختاروا شفيق، عبر صندوق في حقيقة الأمر هو ومفتاحه في قبضة المجلس العسكري.

علاقة شفيق بمبارك

هل يشك أحد في الطريقة التي كان يتم بها اختيار الشخصيات لاعتلاء المناصب في عهد مبارك. هل هو سراً خفي عن الكثريين أن أولى تلك الشروط هي الولاء التام والانغماس الكامل في مستنقع الفساد. وربما زاد البعض بالتقرب من مبارك وعائلته لتقديم خدمات ليست دون مقابل بالطبع، على طريقة أغوت السلاطين والملوك. فمن مرشح الملابس الداخلية الذي تخصص في شراء الملابس الداخلية المفضلة لأبناء الرئيس، لمرشح حديقة الحيوان والـ "البيتش باجي"، تظهر لنا الحقيقة المؤسفة. وفقاً لمستندات قدمها العاملون في وزارة الطيران وشركة مصر للطيران وقامت بنشرها جريدة الشروق:

– قام أحمد شفيق بإنشاء حديقة حيوان خاصة لمبارك وحفيده على حساب القوات الجوية. كما قام بإرسال طائرة نقل من القوات الجوية لأوروبا لإحضار 2 حصان سيسي خصيصاً لحفيد المخلوع .
– كان يشرف بنفسه على المأكولات والمشروبات التي تقدم لأسرة المخلوع أثناء الرحلات الجوية، كما أرسل طائرة خاصة بطقم شاي فاخر إلى استراحة "برج العرب" بمجرد علمه بأن المخلوع أبدى استياءه من طقم الشاي الموجود.
– كان يتبرع من أموال وزارة وشركات الطيران المدني لمشروعات "سوزان" الخيرية.
– أسس شركة طيران زودها بطائرات نفاثة حديثة (بيزنيس جيتس) لتكون في خدمة جمال وعلاء.

صاحب المطار أولى بالاختيار

مللنا من كثرة ما حدثنا الفريق "شفيق" عن مواهبه الفذة وقدراته العبقرية التي تجلت في تطويره وتحديثه لمطار القاهرة الدولي. وكيف أن حسن إدارته للمطار تؤهله لإدارة بلداً بأكمله، في سابقة جديدة من نوعها تنفرد بها مصر دوناً عن بلدان العام التي لها أن تفخر بمطارات أكبر وذات سعة وقدرة على استيعاب وخدمة أعداد من الركاب أكثر بكثير من قدرة مطارنا الدولي، ومع ذلك لم نسمع عن أياً من مديري تلك المطارات قد أعلن عن ترشحه لرئاسة بلده. وأمام كل ما يتيه به السيد "شفيق" فخراً تأتي شهادات موظفي وزارة الطيران وموظفي مطار القاهرة الدولي التي تكشف عن رشاوى ومحسوبية وإستغلال للنفوذ وإهداراً للمال العام. بتاريخ السبت 12 مارس 2011 تقدم عدد من الموظفين والعاملين بوزارة الطيران المدنى، بـ24 بلاغاً للنائب العام ضده، يتهموه فيه بإهدار المال العام، وذكر العاملون فى بلاغاتهم التالي:

– قام بإرساء العديد من الأعمال الإنشائية بالمطار رقم 3 ورقم 2 بالأمر المباشر على أصدقائه خاصة على صهر علاء مبارك "مجدى راسخ" وصهر جمال مبارك "محمود الجمال" بملايين الجنيهات.

– قام ببيع 300 ألف متر من الأراضى الكائنة بزمام وزارة الطيران المدنى لرجل الأعمال "فهد الشبكشى" بسعر جنيه واحد للمتر، و300 ألف متر للسيد "وجدى كرارة" بسعر واحد جنيه للمتر، وأربعة آلاف متر لشركة مورتيل العالمية وذلك لبناء فندق بمطار 3 بالأمر المباشر وبدون مناقصة وهذا الفندق يمتلك فيه رجل الأعمال "فهد الشبكشى" حصة 50%.

– قام ببيع الطائرات المملوكة لمصر للطيران واستبدالها بطائرات جديدة غير مملوكة لمصر للطيران بل مؤجرة بنظام الشراء التأجيرى وبأقساط دائنة لأصول مصر للطيران بنظام الرهن، وقام بإدراج الطائرات المباعة بميزانية مصر للطيران على أنها إيرادات بدلا من أصول ثابتة للتغطية على الخسائر والأموال المنهوبة من الشركة، حيث بلغت خسائر شركة الخطوط الجوية بمصر للطيران بمفردها 500 مليون جنيه مصرى فى ميزانية العام السابق تحت علم الجهاز المركزى.

– قام ببناء ممر رابع بمطار القاهرة وكذلك برج مراقبة جديد تكلفتهما مليارا ومائتين وخمسون مليون جنيه على الرغم من وجود 3 ممرات وبرج مضيفاً أن كثافة حركة الطيران بمطار القاهرة لا تستدعى هذا الإنفاق قائلين إن مطار فرانكفورت بألمانيا به 3 ممرات فقط على الرغم من أن كثافة الطيران ثلاثة إضعاف حركة الطيران بمطار القاهرة.

– قام ببناء مول تجارى أمام صالة 2 بتكلفة قدرها مائة مليون جنيه ولم يتم استغلاله تجارياً حيث فشل المشروع لعدم تحقيق أى عائد مجزى فتم تحويل المول إلى كافتيريات ومحلات مغلقة لا تدر أى إيراد وجاء هذا الفشل نتيجة لدراسة الجدوى الخاطئة والمجاملة فى إرساء عقود هذه المشاريع على بعض المعارف والمقربين.

هذا غير استغلال "شفيق" لنفوذه في عسكرة وزارة الطيران المدني وذلك بتعيينه حوالي ستمائة لواء وعميد متقاعد وإلحاقهم بوظائف في وزارة الطيران المدني بمرتبات بلغت حوالي 9 ملايين جنيهاً شهرياً. كما قام بنقل ثلاثة من أصدقائه المقربين للعمل كمديرين لمكاتب مصر للطيران بالخارج، وهم محمد الكردي مدير مكتبه، وعبد الحميد شلبي لواء قوات جوية ومدير الأمن بالوزارة، وأحمد البلتاجي الملحق العسكري بفرنسا، ووصل مرتب كل منهم إلى حوالي 20 ألف يورو شهرياً. هذا في مقابل التنكيل بكل موظف يجرأ على إنتقاد ممارساته أو محاولة فضح أي منها ومن أمثلة ذلك:

– فصل "شفيق" الطيار "علي مراد" الذي رفض أن تقوم القوات الإسرائيلية بتفتيش طائرته أثناء هبوطه في مطار غزة في سبتمبر 2008، ورغم حصوله على أحكام قضائية تمكنه من العودة إلى عمله إلا أن الشركة ترفض تنفيذ تلك الأحكام بناءاً على أوامر من "شفيق" نفسه.
– والمحاسب "محمد عبد العزيز خفاجي" الذي تم فصله لأنه رفع دعوى قضائية ضد مطار القاهرة يتهمهم بإهدار المال العام وا لفساد.

هذا إلى جانب الشكاوى المتكررة من طياري شركة مصر للطيران من طريقة الفريق في التعامل معهم وإعتياده على سبهم بأقذع الألفاظ، حيث سبق وأن تقدموا بشكوى مكتوبة للرئيس المخلوع جاء فيها نصاً: "إعتياد سيادته التعدي بألفاظ مهينة ونابية في إجتماعات عامة. والتلويح بإيقاف أي طيار بالكشف الطبي إذا ما ناقش الإدارة في أمر. كما إعتاد رفع الطيارين من جداول الخدمة دون إبداء أسباباً واضحة، وهي الشكوى التي تقدم بها رئيس رابطة طياري مصر للطيران، الكابتن الطيار هشام الديب، عام 2004.

إسرائيل وكنزها الاستراتيجي الجديد

هلل الإسرائيليون لما حصده "شفيق" من أصوات في المرحلة الأولى من الانتخابات مما أهله للمنافسة على المقعد الرئاسي وفي هذا الصدد صرح "موشى يعلون" نائب رئيس الوزراء قائلاً: "فوز شفيق يعنى استعادة الشراكة الاستراتيجية بيننا وبين مصر، وعلى العالم تعزيز حظوظه فى النجاح فى انتخابات الإعادة". بينما صرح "بنيامين بن آليعازر"، النائب الحالى والوزير السابق، وأقرب الإسرائيليين لقلب مبارك قائلاً: "تراجع المصريين عن إلغاء صفقة الغاز أصبح احتمالا واقعيا وارداً بعد تقدم شفيق". وقال الوزير الإسرائيلى "شاؤول موفاز": "صعود شفيق يدلل على أنه يتوجب عدم الاستسلام لليأس وأنه بالإمكان تدارك ما فقدناه بخلع مبارك". أما رئيس الاستخبارات الإسرائيلى السابق "عاموس يادلين" فقال: "أفزعنا احتمال أن تقود مصر بعد الثورة تكتلا إقليميا معاديا لنا، لكن فى حال انتخاب شفيق، فإن ذلك الاحتمال لن يتحقق".

هل ترحيب الكيان الصهيوني بصعود "شفيق" واقترابه من كرسي الرئاسة نابع فقط من كون الرجل واحداً من أخلص رجال مبارك يتوسمون فيه السير على درب سيده وقائده؟! أم أن الأمر أبعد من هذا؟! بالعودة إلى المستندات المقدمة من موظفي وزارة الطيران المدني ضد "شفيق" نجد فيها ما يلي: أن شفيق قام بسحب جميع العاملين والمراقبين الجويين العاملين في الطيران المدني المصري من مطار "الجورة" المصري الموجود قرب الحدود مع إسرائيل، ومن ثم انعدمت السيادة المصرية على هذا المطار. كما أمر بتعطيل أجهزة الرادارات في مطار "طابا" الدولي، وتعمد عدم إصلاحها والمطار يعمل حالياً دون رادارات. كل تلك الأمور تفسر لنا الفرحة الإسرائيلية، فالرجل سبق وأن قدم خدماته الجليلة للكيان الصهويني وأصبح جديراً بلقب "الكنز الاستراتيجي". ولا عزاء لمصر الثورية.

لا أدري بعد هذا السرد المختصر عن تاريخ الرجل الأبعد ما يكون عن الشرف، أن يفكر أحداً ما يحمل الجنسية المصرية مجرد تفكير في إنتخاب شفيق. لا أتصور أن تنحاز بعض القوى السياسية من النخبة المصرية لجانب "شفيق" بحجة حماية الدولة المدنية. شفيق أيها السادة خطر على مصر الثورية كما هو خطر على مصر المدنية، بل هو خطر على الإنسانية بشكل عام. إعادة إنتاج نظام مبارك برجاله قبل مؤسساته خطر يحيق بنا، ويجب علينا جميعاً الوقوف صفاً واحداً وأن نتصدى له جميعاً بكل ما أوتينا من قوة وأمل ورغبة في مستقبل أفضل لأبنائنا. هذا هو واجبنا وهذا هو ديننا الذي نسدده لشهدائنا الذين كانت دمائهم الزكية الطاهرة ثمناً وفدائاً لنا ولحريتنا وكرامتنا.

المجد لشهداء الثورة المصرية .. يسقط شفيق .. يسقط حكم العسكر.