هزيمة جديدة لأمن الدولة..والثورة لازالت مستمرة
بعد مرور أكثر من 3 أسابيع منذ الإطاحة بالرئيس مبارك، وعلى خلفية حملة لا هوادة فيها تقوم بها الحكومة ضد المظاهرات والإضرابات، سجلت الحركة الثورية في مصر انتصارين هامين هذا الأسبوع.
فتحت الضغوط علي النظام الحاكم من استمرار احتلال ميدان التحرير من قبل المتظاهرين، فضلاً عن انتشار الإضرابات العمالية في جميع أنحاء البلاد، فقد أقال المجلس الأعلى للقوات المسلحة مجلس وزراء أحمد شفيق والذي تم تعيينه من قبل الرئيس مبارك في الأيام الأخيرة له في السلطة. وعين المجلس الأعلي عصام شرف – و هو وزير نقل سابق الذي استقال من مجلس الوزراء في أحد وزارات مبارك السابقة للاحتجاج على الفساد والذي شارك أيضا في مظاهرات التحرير- رئيساً جديداً للوزراء.
و في اليوم التالي، الجمعة 4 مارس، تدفق مليون شخص على ميدان التحرير للاحتفال بسقوط مجلس الوزراء. وألقى رئيس الوزراء الجديد خطاب قبول في ساحة التحرير. ووعد الحشد الهائل بتلبية مطالب الثورة وأعلن أنه سيعود إلى الاحتجاج في التحرير معهم إذا فشل في القيام بذلك.
ولاسترضاء المحتجين، قام رئيس الوزراء الجديد على الفور باستبدال معظم الوزراء في الحكومة القديمة من أولئك الذين لم يحظوا بشعبية وتصدرت قائمة هؤلاء وزراء العدل والداخلية والخارجية.
وأدت الاطاحة بمجلس الوزراء القديم فوراً إلى تجدد ثقة الملايين الشعبية، الذين صنعوا هذه الثورة، في قدراتهم على الفوز بمطالبهم في مواجهة الطبقة الحاكمة المتعنت.
في في ذات ليلة الجمعة، و بينما كان الناس مازالوا يحتفلون في ميدان التحرير، توغل مئات الثوريين في الأسكندرية، ثاني أكبر مدينة في مصر، لتطويق مقر جهاز أمن الدولة القمعي.
و قد تجمع المتظاهرين بعد انتشار شائعات بأن ضباط أمن الدولة يقومون بتمزيق وحرق الوثائق التي من شأنها إدانتهم في أعمال التعذيب والاعتقالات غير القانونية واعتقال الآلاف من السجناء السياسيين وغير السياسيين. وهرع مئات من المتظاهرين باقتحام المبني عندما فتح الضباط النار من شرفات المبنى وألقوا بقنابل مولوتوف عليهم. وتدخلت وحدات الجيش على الفور واحتجزت ضباط أمن الدولة وأخرجتهم من المبنى لأنقاذ حياتهم.
أما داخل المبنى، فقد وجد المتظاهرون كم هائل من الوثائق المحروقة والممزقة. ومع ذلك، استطاع المتظاهرون إنقاذ الآلاف من الوثائق. وسلم المتظاهرون معظم تلك الوثائق للجيش، ولكن بعد تصوير جزء كبير منها للنشر علي الجماهير. واستطاع المتظاهرون أيضاً العثور على بعض السجناء السياسيين الذين كانوا يتعرضون للتعذيب في الزنازين السرية وأطلقوا سراحهم.
و أدي اقتحام مقر أمن الدولة في الأسكندرية من قبل الثوار والظهور الفوري على موقع يوتيوب ووسائل الإعلام للوثائق السرية التي تحكي قصص هائلة عن الفساد والتعذيب بالكهرباء من حجم لا يمكن تصوره، إلي اشتعال الغضب في البلاد.
و بحلول منتصف ظهر اليوم التالي، احتشد الآلاف من المتظاهرين للسيطرة على مقر جهاز أمن الدولة في مدينة بعد مدينة – في القاهرة، الجيزة، شبرا والزقازيق وسوهاج وأسوان ودمياط ومطروح.
و في بعض الحالات، نجح المتظاهرون في السيطرة المباشرة علي مباني أمن الدولة، تكرراً لما فعله ثوار الأسكندرية. ولكن في حالات أخرى استبقت وحدات من الجيش المتظاهرين في الوصول إلى مقرات جهاز أمن الدولة، واعتقل الجيش الضباط واستولي بنفسه علي الوثائق التي لم تكن قد حرقت بعد.
و في مبنى لاظوغلي، المقر الرئيسي لوزارة الداخلية في القاهرة، صد الجيش المحتجين الذين حاولوا اقتحام المبنى وألقي القبض على بعض منهم. وحث المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الفور جميع المحتجين الذين صادروا وثائق سرية علي عدم نشرها للحفاظ علي الأمن القومي (!!)
و بعث الرئيس أوباما وزير الدفاع الأمريكي إلى القاهرة للتباحث مع المجلس الأعلى في كيفية التعامل مع العواقب الممكنة لظهور ونشر الوثائق التي يمكن أن تسلط الضوء على التعاون بين الولايات المتحدة و جهاز أمن الدولة المصري في تعذيب المشتبه بهم فيما يسمى الإرهاب.
و لسوء حظ المجلس الأعلي فإن الثوارلم يستمعوا لنداءاته. و في غضون 24 ساعة من عمليات اقتحام المقرات نشر مئات من الثوار وثائق بالإضافة إلى أشرطة الفيديو التي سجلوها داخل مباني أمن الدولة في جميع أنحاء شبكة الإنترنت. واستولي المتظاهرون علي أجزاء من الآلات التي استخدمها أمن الدولة لصعق الناس تحت وطأة التعذيب وأظهروها على الملأ للعالم كله.
ومن خلال الوثائق السرية، حصلت الجماهير وأخيراً على فرصة مشاهدة ما عرفت به بالفعل، على الملأ، سواء من تجربة شخصية أو من القصص التي سمعناها من قبل، مراراً وتكراراً، من عشرات الآلاف من الناس العاديين والناشطين الذين تعرضوا للتعذيب من قبل أمن الدولة، والذين كانوا يعدوا من المحظوظين الذين خرجوا من معسكرات الاعتقال و التعذيب الوحشي على قيد الحياة.
وعلاوة على ذلك، أثبتت العديد من الوثائق أن أمن الدولة قام بمحاولات متكررة لزرع الكراهية بين المسلمين والمسيحيين باتباعه تاكتيك فرق تسد. و قد دبر وزير الداخلية السابق حبيب العادلي شخصياً الهجوم الشنيع على كنيسة القديسين في الأسكندرية ليلة رأس السنة الجديدة، والتي قتل وجرح فيها العشرات، وذلك بغرض إشعال الحرب الأهلية بين المسلمين والمسيحيين وكمحاولة يائسة من النظام البائد لتجنب أكبر موجة من الاحتجاجات الاجتماعية والعمالية في تاريخ البلاد.
و علي مدارأسابيع منذ بدء ثورة 25 يناير، طالب المتظاهرون من الحكومة تفكيك وحل جهاز أمن الدولة القمعي. وهو المطلب الذي رفضته الحكومة وكل ما فعلته هو أن وعدت فقط بإصلاح وإعادة هيكلة هذه المؤسسة.
وتبين أن الحكومة كان تكذب وتخادع حتى في مسألة ‘إصلاح’ الجهاز؛ حيث كشفت وثيقة سرية مصادرة من أحد مباني جهاز أمن الدولة ونشرت على الإنترنت أن الحكومة كانت تخطط وتناقش ببساطة تغيير اسم جهاز أمن الدولة لخلق الوهم لدى الجمهور أنه قد تغير فعلاً (!!).
لكن اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يؤيد الملايين من المصريين تفكيك وحل جهاز أمن الدولة القمعي.
وقد أعلن مجلس الوزراء الجديد في تونس تفكيك الشرطة السرية في هذا البلد تحت ضغط الرأي العام، وبالتالي فإن مجلس الوزراء المصري الجديد أيضاً سيكون تحت ضغط هائل على أن يحذو حذو تونس.
وفي الواقع، فقد اتهم مكتب المدعي العام 47 من ضباط أمن الدولة بحرق وثائق والعبث بالأدلة. وفي غضون ذلك، أزالت الحكومة جميع ضباط الشرطة وضباط أمن الدولة ومن جميع الجامعات — حيث قمع ضباط أمن الدولة الحريات السياسية والأكاديمية على مدى عقود – وبالتالي اعترفت الحكومة أخيراً بالحكم الصادر من القضاء في هذا الشأن عام 2010.
وباختصار، أدي سقوط مجلس الوزراء الأخير لمبارك موجات الصدمة واقتحام مقرات أمن الدولة إلي إرسال موجات من العد في جميع أنحاء البلاد. من ناحية، وسيشجع أنصار الثورة على اتخاذ خطوات أكثر جرأة لتحقيق أهدافهم. من ناحية أخرى، وجهت هذه الأحداث ضربة لتلك الأجزاء من نظام مبارك المستمرين في التنظيم للحد من تصاعد المد الثوري وهزيمة الثورة.
و بمعنى ما، فإن هذه الانتصارات قد خلقت متنفساً للثوار من أجل تعزيز قواتهم. لأحد، ولا سيما أن العمال والطلاب المناضلين قد يتخلصوا من واحد من السيوف العديدة التي كانت موجهة إلى أعناقهم وستوجد مساحة أرحب من الحرية لتنظيم جبهات أقوى للنضال.
ومع ذلك، فإن هذه النكسات للطبقة الحاكمة تعني أنها ستكون أكثر ضراوة في حملتها ضد الثورة تحت مسمي عودة ‘القانون والنظام’ مرة أخرى. وسيلجأ المجلس الأعلي وفلول الحزب الوطني وأمن الدولة وأنصار النظام القديم لإيجاد وتفعيل وخلق آليات للقمع و الاضطهاد من جديد. ولا شك أن حرق الكنائس لاشعال الفتنة الطائفية كما يحدث الأن سيكون من أحد أسلحة هؤلاء المتربصين بالثورة. وبما أن الجيش في هذه اللحظة لم يستخدم بعد خيار أستخدام القوة علي نطاق واسع فأن وسائل الأعلام الحكومية و الليبرالية ستستمر بضراوة في حملاتها علي من يريد تحقيق و تصعيد مطالب الثورة. ولكن ولحسن الحظ فاللحظة ما زالت لحظة الثورة والثوار. وهي لحظة تتطلب الثقة في الطاقات الثورية للكادحين والعمال والطلاب الثوريين وبناء بدائل سياسية عمالية وثورية أكبر وأضخم في الأسابيع و الشهور القادمة.