بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

جدار العار مقابل الرضا الأمريكي

في هذا الوقت من العام الماضي، عندما كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف منازل ومدارس ومستشفيات قطاع غزة، وتوقع الآلاف من القتلى والجرحى من المدنيين الفلسطينيين، أصر النظام المصري على الاستمرار في حصار الشعب الفلسطيني عبر إغلاق معبر رفح، وذلك بدعوى حماية الأمن القومي المصري والحيلولة دون تنفيذ الخطة الإسرائيلية بترحيل فلسطينيي القطاع إلى سيناء! ومن ذلك الحين وحتى يومنا هذا، تواصل مصر إغلاق المعبر بحجة أن إسرائيل، لا مصر، هي من يجب أن يتحمل المسئولية عن القطاع، وأنه لا يجب إعطاء إسرائيل الفرصة للتخلي عن مسئولياتها كقوة احتلال وتحميل هذه المسئولية لمصر. والنتيجة أن الفلسطينيين يموتون كل يوم بسبب نقص الأدوية والعجز عن السفر للخارج للعلاج. وفي الوقت نفسه، يعيش مئات الآلاف من الفلسطينيين ممن تهدمت بيوتهم في الحرب في خيام لا تحميهم من البرد القارس، بسبب عدم توفر مواد البناء. وقد دفع هذا الإصرار من قبل النظام المصري على حصار الشعب الفلسطيني شخصيات وهيئات دولية عدة، حتى تلك التي لا تعادي إسرائيل، إلى اتهام النظام المصري بالتعاون مع الإسرائيليين في تجويع الشعب الفلسطيني.

واليوم، يجري بناء جدار فولاذي، بسمك نصف متر، على عمق 20-30 مترًا تحت الأرض، بتمويل وتصميم أمريكي. وأشارت وكالات الأنباء إلى أن أفرادًا من سلاح المهندسين الأمريكيين متواجدون في مصر بالفعل من أجل المساعدة في بناء الجدار. وتقوم هذه العملية على تثبيت ألواح عملاقة تحت الأرض، أسفل الحدود من مصر وقطاع غزة، وهو ما يؤدي إلى إغلاق الأنفاق التي تمثل شريان الحياة الرئيسي بالنسبة للمليون ونصف المليون المحاصرين في القطاع. ويقول مسئولون مصريون إن الجدار الفولازي يأتي في إطار مشروع أمني أوسع يتضمن تركيب كاشفات أنفاق أمريكية على الحدود.

وتجدر الإشارة هنا إلى قوات الاحتلال كانت قد طرحت عطاءً لإنشاء قناةٍ مائيةٍ في ممر «فيلادلفيا» على طول الحدود بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية، حيث كان من المفترض أن يتم إنشاء هذه القناة بعرض 50 – 100 متر وعمق 10 – 15 مترًا، على أن يتم ملء هذه القناة بمياه البحر، إلا أن هذا المشروع لم ير النور آنذاك بفعل صعوبات فنية وسياسية.

وكما هي العادة عندما يرغب النظام المصري في اتخاذ إجراء من شأنه إيذاء الشعب الفلسطيني، يقوم برفع راية السيادة والأمن القومي، كما لو أن الفلسطينيين قد أصبحوا مصدر التهديد للأمن القومي المصري، متجاهلاً الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على منطقة الحدود، وهي الاعتداءات التي توقع ضحايا وتسبب أضرارًا للمنازل الواقعة في تلك المنطقة، والتي يبدي النظام المصري تجاهها تسامحًا لا يٌحسد عليه. ويجب هنا التذكير بأن أكثر من خمسين مصري، بينهم أطفال، قتلتهم القوات الإسرائيلية على الحدود المصرية، منذ توقيع «معاهدة الاستسلام» وحتى الآن.

تتمثل الحجة الرئيسية التي يطرحها النظام المصري في أن الأنفاق تستخدم في تهريب الأسلحة والمخدرات، وكأن السلاح والمخدرات لا يدخل مصر من أماكن أخرى، الجميع يعلم إن الهدف الرئيسي من حفر الأنفاق هو نقل الغذاء والدواء إلى الشعب الفلسطيني. كما أن التوسع في حفر الأنفاق جاء نتيجة إصرار مصر على إغلاق معبر رفح، وتشديد الحصار تنفيذاً للتعليمات الأمريكية الإسرائيلية، الهادفة للقضاء على المقاومة.

في الحقيقة، يأتي بناء الجدار في إطار عدة خطوات يقوم النظام المصري بتقديمها الآن من أجل الحصول على الرضا الأمريكي، كي تغمض واشنطن عينيها عما سيحدث خلال العامين القادمين. ذلك أن الانتخابات البرلمانية التي ستجري العام القادم من المتوقع أن تشهد العديد من الانتهاكات من أجل منع تكرار تجربة 2005، عندما حصل الإخوان المسلمون على نحو ثلثي مقاعد مجلس الشعب. من ناحية أخرى، فإن النظام لن يكون قادرًا على تمرير السيناريو الذي يريده بشأن الانتخابات الرئاسية ـ سواء كان التمديد أو التوريث ـ من دون الموافقة الأمريكية. وفي ضوء ذلك، فإننا نلاحظ أنه في الوقت الذي يرفض فيه نظام مبارك السماح بعبور قوافل الإغاثة والنشطاء، الذين جاءوا من مناطق العالم المختلفة، لمساندة أهالي غزة، عبر ميناء نويبع، وقد طالب النظام من تلك القوافل العودة إلى سوريا، وفي نفس الوقت يقوم مبارك باستقبال بنيامين نتنياهو في القاهرة، ويبدي مبارك استعداده للتدخل ـ أو بالأحرى ممارسة الضغط ـ من أجل إقناع السلطة الفلسطينية باستئناف مفاوضات السلام مع إسرائيل بينما تواصل الأخيرة بناء المستوطنات.

يبدو أن مساعي النظام المصري لنيل رضا السيد الأمريكي بدأت تأتي بثمارها، حيث خرجت تصريحات المسئولين الأمريكيين مؤخرًا بأن تعديل الدستور في مصر مسألة تخص الشأن الداخلي المصري، ولا دخل للولايات المتحدة بها.

لكن الكارثة هذه المرة أن ما يجري الإعداد له من شأنه أن يؤدي إلى خنق القطاع بشكل تام. بل أن الجدار سوف يهدد المخزون الجوفي للقطاع، أي أية إضافة إلى التجويع، سوف يخنق الفلسطينيين مائيًا. وفي ظل هذا الوضع، يبقى الأمر برمته في أيدي الشعب المصري، لأنه وحده القادر على الضغط على النظام من أجل وقف ممارساته ضد الشعب الفلسطيني.