بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

خسرنا المونديال وكسبنا العنصرية.. هنيئا لمبارك ونظامه

لا يمكن لأي شخص لديه معرفة بحيل وألاعيب نظام مبارك أن يفسر ما حدث من أعمال عنف عقب مباراة مصر والجزائر بأنه دفاع عن الوطن في مواجهة من أهانوا كرامته وكرامة مواطنيه. فالمدقق قليلا سيفهم أنه لا المباراة، ولا الهزيمة، ولا خسارة حلم الوصول للمونديال، ولا الجزائريين أنفسهم، ولا حتى مناوشات المشجعين، هي التي أغضبت الجماهير على الجانبين وأوصلتهم ليس فقط إلى حد الكراهية، بل لاستخدام العنف كتعبير عن العدائية الصريحة، والدعوة إلى قطع العلاقات وسحب السفراء، وربما عند البعض من أصحاب المصلحة في ذالك إعلان الحرب على الدولة “الشقيقة”.

لقد سبقت مباراة الخرطوم أبواق إعلامية أقل ما توصف به أنها غاية في القذارة والانحطاط وإذكاء روح التعصب والعنصرية. كانت هذه الأصوات أقل حدة قبل مباراة القاهرة التي كان يتحتم فيها للصعود للمونديال تحقيق مكسب كبير بعد أن كان المشجعين فقدوا الأمل منذ شهور قليلة للصعود بسبب نتائج المنتخب المخيبة لآمالهم، ولكن بعد إتاحة الفرصة مرة أخرى بالفوز في مباراة القاهرة، اندفعت كل الأصوات التي تلعب في خندق النظام بالحشد والتعبئة لتحقيق نصر تاريخي سيضعنا للمرة الثالثة في الفردوس المونديالي.

وأصبح لدى النظام فرصة جديدة لإخراس الألسنة والتشويش على مشاريع التوريث وقمع المعارضين وتعذيب المعتقلين وطرد العمال وقتل الفلاحين، بذهاب مصر للمونديال، وإن كانت فكنا سوف نسبح حتى يونيه القادم في نشوة الانتصار داخل الحلم السرمدي بالصعود وقوة مصر وريادتها العربية والإفريقية. بالتأكيد لم يكن النظام مغفلا للحد الذي يجعله يراهن على مباراة يمكن تحويل نتيجتها بهدف واحد مثلما حدث بالفعل لهزيمة تجعله يدفع ثمن شحنه وتعبئته للجماهير في اتجاه الصعود والمكاسب المتتالية لمنتخب مصر الفائز بالدورتين الإفريقيتين السابقتين، غير هزيمته المشرفة أمام البرازيل وانتصاره على إيطاليا بطلة المونديال السابق، في بطولة كأس القارات الأخيرة.

كان السيناريو الثاني الجاهز تماما كالأول هو تحويل غضب الجماهير من السخط على لاعبي المنتخب والنظام الذي هيأ الجمهور للفوز والاحتفال بانتصاراتنا التي لا تضاهى، إلى أن سبب الهزيمة والخروج هو خشونة لاعبي الجزائر في الملعب وإجرام مشجعيهم في المدرجات وخارج المباراة. بدأ الإعداد للقصة من القاهرة بعد الفوز الذي حققه المنتخب المصري والسماح بمسيرات المشجعين ورفعهم للأعلام رمز الوطن والعزة، ولكن كالعادة تم إرسال مشجعين من نوع مختلف للسودان، فجمال مبارك الذي قرر منذ الدورة الأفريقية في 2006 استبدال جمهور الدرجة الثالثة الفقير المحب الحقيقي للكرة بجمهور آخر من فنانين وشباب الحزب الوطني وفتيات على الموضة، فعل نفس الشيء وقام بحشد حاشيته لتشجيع المنتخب والعودة مكللين معه بالانتصار، ولكن انقلب السحر على الساحر فالجزائريين الذين انتشرت بينهم أخبار عن مقتل ثمانية من مواطنيهم عقب مباراة القاهرة احتشدوا للأخذ بثأرهم من غريمهم المشجع المصري، وشهدنا أحداث العنف لترتفع أكثر أبواق النظام القذرة مطالبة بالثأر مما حدث.

ولم تمض سويعات قليلة حتى بدأ شباب الفقراء المتعطشين للثأر من أي شيء في التجمع والتوجه لسفارة الجزائر لإحراقها ومن ثم حدثت المصادمات التي شاهدتها الزمالك منطقة البرجوازية وحاضنة أكبر نسبة من السفارات، وأسفرت عن إصابات في صفوف الغاضبين والشرطة، لتتحول المعركة بين المشجعين الغيورين على بلادهم وقوات القمع.

لم يخلو الأمر من عنصرية مضادة على الجانب الجزائري ففي الجزائر وفرنسا وبلدان أخرى كان المصريون هدفا للعنف من قبل الجزائريين، وبصرف النظر عن من قام بالاعتداء أولا، أو حجم الإصابات في الجانبين، فالواقع يثبت أن النظامين الحاكمين في مصر والجزائر لعبا دورا منحطا في إشعال نيران العنصرية، وبين عشية وضحاها أصبح الشعبان أعداء في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

بالتأكيد لعبت عناصر مهمة دورا في الإعداد لهذه المهزلة التي جلبت لنا عار العنصرية واستخدام العنف بين أناس من الجانبين لا يأخذون من وراء تشجيع كرة القدم سوى حرق الأعصاب والدم وتبني آراء متعصبة عمياء لا ترى سوى فخر الأنا في مواجهة الآخر الذي لا يستحق شيئا سوى أن يمنى بهزائم ساحقة. الأهم هو أن هذه الخسائر في صحة الناس ولا عقلانية آرائهم ومواقفهم يقابلها الألوف والملايين في جيوب لاعبي كرة القدم علاوة على الهدايا في نهائي المنافسات من سيارات فارهة وشقق فاخرة، واستخدامهم كمروجي سلع الرأسمالية عبر الإعلانات، هذا غير النجومية والشهرة التي تظل مرتبطة باللاعب حتى بعد اعتزاله والتي تستكمل إما بتدريب إحدى الفرق أو بالظهور كنجم إعلامي رياضي في واحدة من الفضائيات التي تبث سموم الكراهية والتعصب بين مشجعي الفرق داخل البلد الواحدة أو بين مشجعي منتخبات بلادهم، في وضع لا يمت بأي صلة للرياضة كشيء هام وضروري للإنسان.

فبجانب التشجيع الأعمى لمنتخب “بلادي” حتى لو كان تنقصه المهارات والإمكانيات لتأهله، والعشق المجنون للعبة الأكثر شعبية على الإطلاق في العالم، وكبت من كل شيء انفجر وأصبح مثل القشة التي قطمت ظهر البعير، استخدمهم النظامين مجتمعين لتزكية نار الكراهية والتعصب لعدو وهمي ابتدعاه لتحويل الأنظار عن الكوارث التي أوصلانا إليها بفعل سياساتهما.

فالنظام المصري الذي لا يتحرك ساكنا جراء قتل جيش العدو الصهيوني لجنوده على المناطق الحدودية، أو لتعذيب عاملين مصريين في بلدان كالسعودية أو اختفاء بعضهم في دول أخرى، فجأة انتفض في وجه من أهانوا المصريين بالتعدي عليهم بعد إلحاق الهزيمة الكروية بهم. فجأة أصبح النظام من يبحث عن مصالحنا ويدافع عنا!! لم نسمع عن استدعاء أي سفير في أي من الأحداث السابقة. هذا غير أن كرامة المصريين لم تهدر فقط خارج الوطن بل يتم إهدارها مئات الآلاف من المرات على يد زبانية النظام ومسئوليه السياسيين ورجال أعماله بشكل يومي في إغلاق المصانع وتسريح عمالها بلا أي دخل أو حقوق تذكر، وطرد الفلاحين من أراضيهم والوصول إلى حد قتل بعضهم، وتعذيب المواطنين إلى حد الموت أو في أقل الأحوال إحداث عاهات مستديمة بهم في سجون الداخلية ومقار أمن الدولة، والتنكيل بالمعارضين باعتقالهم. هذا النظام المسئول عن غرق مئات الفقراء المغتربين في عبارة متهالكة، وحرق أمثالهم في قطارات لا تصلح للاستعمال الآدمي، هذا النظام لا يستحق سوى تدميره لأنه يعمل ضد مصالحنا ويخلق لنا معارك وهمية لكي لا نواجه الأسباب الحقيقية لما نعانيه وهي وجود هذا النظام نفسه.