"مرسي" و"شفيق" في الصدارة.. فلماذا؟
كلمة السر: “التنظيم”
بينما يُكتب هذا المقال، تتوالى النتائج الأولية من لجان الانتخابات الرئاسية، فتشير إلى تصدر كل من "محمد مرسي" و"أحمد شفيق"، يليهما حمدين صباحي في تفوق مبهر، وخاصة في المناطق العمالية، ثم عبدالمنعم أبو الفتوح وعمرو موسى، اللذان تصدرا الكثير من التوقعات والاستطلاعات قبل الانتخابات.
محمد مرسي مرشح الإخوان، الشهير بالـ"إستبن"، الذي تم ترشيحه كاحتياطي لخيرت الشاطر، الرجل القوي في الإخوان. ولا يتمتع مرسي بأية "كاريزما" أو تاريخ سياسي أو مواقف، أو قبول، كالذي تمتع به حمدين، أو أبو الفتوح مثلا، المنتمي للجماعة نفسها.
أحمد شفيق، صديق مبارك، ورئيس وزرائه في آخر أيامه، الذي افتخر بأن أسرته نزلت لتأييد مبارك يوم موقعة الجمل، والذي خرجت مليونية لتكنسه مع بقايا القصر. آخر أقواله، ليلة إقالته في مناظرة أمام علاء الأسواني "أنا رئيس حكومة تكنوقراط"، كل تاريخه الذي يفتخر به، هو صالة مطار معيبة وفق حكم المتخصصين، هذا إن اعتبرنا أن ذلك مبرر كاف لترشيحه. وكان آخر "استطلاع" شعبي حقيقي، يوم الانتخابات بالفعل، حيث انهالت عليه الأحذية خلال قيامه هو نفسه بالتصويت.
مقارنة بكل من حمدين وأبو الفتوح وحتى موسى،اللذين تمتعا بحضور وقبول لدى الجماهير، كما ظهر خلال المناظرات الإعلامية. كان مجرد ظهور أي من "مرسي" أو "شفيق" وفتح فمه، في حد ذاته، دعاية سلبية بالنسبة له.
والباحثين عن "الاستقرار" و"الأمان" قد يجده من يريدون أي شخص من "ريحة مبارك" لدى "موسى" مثلا –وإن كانت ريحة شفيقة اقوى بالتأكيد- ومن يريدون مرشحا إسلاميا، كان أمامهم أيضا ابو الفتوح، وقبله سليم العوا، صبي العسكر المحروق.
وقد لعبت "شنط التموين" خلال فترة الدعاية وأجهزة اللابتوب والتوجيه الناخبين للتصويت لـ"مرسي"، لعبتها. بينما كان التوجه الأمني لعمليات حشد أصوات، تقدر بملايين، لصالح "شفيق" من مجندي الأمن المركزي، وعائلات رجال الشرطة والقوات المسلحة…. وما خفي كان أعظم.
بالرغم من كل العوامل التي كانت تنقص من فرص "مرسي" و"شفيق" منطقيا، فقد تصدرا النتائج. وفي الوقت نفسه، بالرغم من أن خطاب "النهضة الإسلامية" لدى مرسي، و"الأمن والاستقرار" لدى شفيق، الذي لا يقتصر عليهما فقط، يجد صدى لدى الكثيرين، إلا أنه في النهاية، "خطاب" قد يلعب مع وسائل أخرى، غير/أونصف/أو ربع شريفة، دورًا كبيرا، لكنها في النهاية مجرد أدوات.
فالذي ميز كلا المرشحين المتصدرين للنتائج هو وجود "آلة" قوية، قادرة على تفعيل كل الأدوات المتاحة لديها، في السر والعلن، بصراحة وبوقاحة وبـ"قباحة" أحيانا.
الإخوان.. تاريخ من التنظيم
"مرسي" لا يخجل من لقب "إستبن"، كما لا يصدق عاقل أنه سيخرج عن عباءة الجماعة، صاحبة الفضل في ظهوره وترشيحه. جماعة الإخوان ذات تاريخ طويل في التنظيم، انقطع خلال العهد الناصري، ليعود من جديد، بتركيبة جديدة وانحيازات مختلفة، خلال عهد السادات.
الذراع الاقتصادي لجماعة الإخوان، هي مجموعة من المؤسسات الاقتصادية والشركات، التي تكونت من أموال الأخوان الذين هربوا من بطش عبد الناصر إلى الخليج ثم عادوا في عهد السادات. وإن لم يستطيعوا أن يناطحوا الشريحة الاحتكارية من الرأسمالية المصرية الطفيلية، أمثال عز ومنصور وساويرس… وغيرهم من شلة مبارك الذين يشرف بعضهم سجن المزرعة وبعضهم بالخارج –مش عارف ليه صحيح؟- إلا أنهم أي رجال الأعمال الإخوان، حصلوا على نصيب لا بأس به من الكعكة الاقتصادية، ولا يفرق بينهم وبين شلة جمال مبارك إلا المنافسة في السوق.
علاوة على ما تقدمه تلك المؤسسات من دعم مالي –إذا تغاضينا عما يقال عن دعم خارجي، أو أنهم بالفعل يستثمرون أموال الجماعة- فإنها تتمتع بجهاز إداري قوي، يتم خلاله تشغيل وتوظيف "الأخوة" و"الأخوات" وأقاربهم، بمبدأ حصري أو تفضيلي، حسب الأحوال.
ولو كانت المؤسسة الاقتصادية بجوار مكتب الإرشاد تلعبان دور المحرك القوي لجماعة، فإن تروس الآلة تتمثل في "المساجد" التي يسيطر عليها الإخوان بشكل كلي أو جزئي –صرح أحد كبار الجماعة أن "خريجي الجماعة" من معهد إعداد الدعاة بالأزهر بالآلاف كل سنة- مقابل تلك المساجد التي يسيطر عليها السلفيين.
هذه المساجد تمثل بؤر لجذب الجماهير، وخاصة الشباب، عبر خطاب ديني، أقل حدة وفجاجة من الخطاب السلفي، كما تقدم أنشطة ثقافية ورياضية وترفيهية، وإطار يجمع الشباب منذ حداثة سنهم، في حين يفتقرون بالفعل لأية أطر تقدمها الدولة لجمعهم وتنشيطهم. كما تقدم "لجان البر" المساعدات للأسر الفقيرة، وتوفير فرص تشغيل للعاطلين، بالتوظيف أو توفير إمكانات لمشروع أو نشاط اقتصادي صغير.
بطبيعة الحال توفر المساجد إمكانية لتجمع الشباب خلال الصلوات الخمس، وخلال صلاة الجمعة بشكل أساسي، وهو ما يعطي إمكانية أكبر لدمجهم بالجماعة وتشربهم بأفكارها من ناحية، وتنشيطهم وتنظيمهم في هيكلها من ناحية أخرى، بينما تلعب المساعدات المباشرة عبر "لجان البر" دورا في حشد جمهو كبير من المتعاطفين، يتم حشدهم خلال الفعاليات الكبيرة والأنشطة الجماهيرية، وعلى رأسها بالطبع الدعاية وقت الانتخابات البرلمانية، والرئاسية مؤخرا.
باختصار، يملك الإخوان جهازا تنظيميا قويا، يستطيع جذب وضم ودمج عضويات، ومتعاطفين. يستند هذا الجهاز إلى دعم مؤسسات اقتصادية، وإلى مرجعية إيديولوجية تجد صدى وقبول لدى الجماهير.
"الوطني".. النظام الذي لم يسقط بعد
"للأسف الثورة نجحت"..
"العباسية مجرد بروفة.."
تلك بعض تصريحات شفيق، الذي أكدت النتائج أن لديه ما هو أكثر من "البلوفر". وأن "الجزم" كانت تنهال عليه، في حين كانت الصناديق تتلقى بطاقات ترشيحه. فماذا ورائك يا "شفيق"؟
وراء شفيق جهاز عنكبوتي متداخل، ناتج عن علاقة –آثمة بالتأكيد- بين عناصر مختلفة؛ الحزب الحاكم، وأموال رجالاته، التي تكدست من خلال علاقتهم به، ثم وظفوها في دعم مراكزهم ودعمه أيضا، حتى وصلوا إلى الوزارة، ثم "بورتو-طرة". وكذلك جهاز الدولة، والمؤسسة العسكرية، وسيطرتها كانت أقدم من ظهور "الوطني" بأكثر من عشرين عاما.
"محرك" تلك الآلة بالتأكيد، أقوى بمراحل فهو يستند إلى مؤسسة عسكرية قابضة على جهاز الدولة، وكل المؤسسات التابعة لها، وعلى الحكم المحلي في المحافظات والمدن. وإلى مؤسسات اقتصادية نمت واستفحلت في ظل نظام فاسد حتى النخاع، وسيطر رجال الوطني على البرلمان والمحليات، وكونوا شبكة ضخمة من المنتفعين، على رؤوس ومفاصل وأحشاء كل المؤسسات تقريبا.
"لو طول عمرك واطي.. بس مش لاقي اللي يوجهك.. انضم للوطني"
ربما كان "الشحن الإيديولوجي" أداة أساسية لدى الوعاء السياسي للدولة الناصرية، إلا أنه تراجع تماما، مع دولة السادات-مبارك، التي هتكت كل محرمات الدولة الناصرية، من رعاية اجتماعية، ونزعة عروبية… حتى أصبح الوطني متخم بالأعضاء الذين تهافتوا للانضمام عبر خطاب انتهازي نفعي شديد الفجاجة، بوعود صريحة بأن تسجيل العضوية يعني فرصا في التوظيف والسكن، وحماية الشرطة.
وبينما كان دعم الدولة يتآكل، كان"الوطني" يسيطر على توزيع ما تبقى من هذا الدعم، فقام بتكوين جمعيات استهلاكية تابعة في الأحياء الشعبية والقرى، وسيطر على تقديم السلع والخدمات العامة، والفردية، "بدءا من قبول ابنك في المدرسة، وحتى ضمانه في القسم لما انشاء الله يكبر ويبقى صايع ومش لاقي شغل". فقد كان الوطني هو الحزب المسيطر على اتحادات طلاب الجامعات، وعلى مراكز الشباب، وكل الأنشطة المقدمة للشباب، وعلى المؤسسات الثقافية والصحفية والقنوات التابعة للدولة، أو لرجال الأعمال.
أما عن الجهاز الأمني.. فحدث ولا حرج
هذا الجهاز الذي تغير شكله وتركيبه، ولم يتغير دوره منذ أن تكون، فهو دائما ضد الناس وفي خدمة السلطان، وبقدر قربك منه تكسب، أو على الأقل تتجنب أذاه. ويبدا الفرز في هذا الجهاز منذ كشف الهيئة، الذي يصفي من يجب أن ينتمي لقيادات هذا الجهاز طبقيا، وبشكل أخف يكون انتقاء المستويات الأصغر، من أمناء شرطة ومندوبين وأفراد.
يعمل هذا الجهاز في وسط الجماهير، في القرى والأحياء الشعبية، عبر شبكة من المخبرين، والخارجين عن القانون، الذين يعملون في ظله، ويعاونوه. فيسمح لهم الأمن بمماسة انشطتهم، مقابل المساعدات التي يقدمونها، بدءا من التضحية ببعض الضعفاء لملء ملفات القضايا، والوشاية بأية أنشطة سياسية أو شعبية لا تأتي على هوى السلطة، ومساعدة مرشحي النظام في الانتخابات بالدعاية وحتى بالبلطجة والتزوير، وانتهاءا بما شاهدناه من تقديم جيوش البلطجية التي تضرب وتجرح وتقتل في وضح النهار. وإلى جانبهم شبكة ترويج إشاعات، نشطت بشكل فاضح خلال اعتصام يناير الأول، وكل هذه الشبكة استقوت واستفحلت خلال حكم العسكر.
"نظام الوطني"، الذي يقف وراء شفيق، وإن خلا من أي مرجعية إيديولوجية، واعتمد على المنطق النفعي الانتهازي بفجاجة، إلا أنه في الواقع استند إلى جهاز دولة عتيدة، سيطرت على الأجهزة التنفيذية والسلطات النيابية والتشريعية، مستعينة بمؤسسة اقتصادية مهولة لصيقة الصلة بها.
روح الثورة.. في جسد وليد
قد نتفق أو نختلف مع حمدين الصباحي، صاحب التاريخ النضالي الذي قدم خطابا اجتماعيا، وبرغم تواضع إمكانيات حملته، نجح في حشد الأصوات في المناطق العمالية بشكل أساسي. أو مع عبدالمنعم ابو الفتوح الذي قدم برنامجا توافقيا، وحشد مؤيدين من طيف واسع من الجمهور. لكن في النهاية، فإن المرشحين، الذين يعنيان بالنسبة لمؤيديهم استمرار الثورة، استطاعا أن يحشدا جماهير تتمتع بروح قوية وعالية. ولكن للأسف في جسد وليد رقيق، لم يستطع أن يصارع الجسد القوي للمرشحين المتصدرين "مرسي" و"شفيق".
ولكن.. لا يزال الأمل ساطعا–وإن نحينا مسألة التزوير لصالح/ أو ضد مرشح ما- تظل نسب المؤيدين لحمدين وابو الفتوح عالية. لا يجب أن تكون نتيجة الانتخابات سببا في إحباطنا، "فالثورة أكثر من ورقة في صندوق". ويبقى أن نستوعب الدرس في أهمية "التنظيم" لتصبح هذه الروح الثورية في جسد يافع فتي.