ورقة سياسية
كيف نفهم إضراب 6 إبريل
كان يوم السادس من ابريل بلا شك يوما فاصلا في تطور الحركة العمالية والجماهيرية الصاعدة من جانب وفي تطور الحركة السياسية الديمقراطية بمختلف الوانها وفصائلها من الجانب الاخر.
وأول ما يجب التاكيد عليه هو ان الدعوة للاضراب في غزل المحلة لم تاتى في الاصل من النخبة السياسية او من نشطاء وسط القاهرة، بل كانت من عمال المحلة الذين كانوا يريدون تنظيم إضرابهم الثالث في اقل من عام ونصف لتحقيق مطالبهم الخاصة بالأجور والحوافز وظروف العمل لتطوير تلك المطالب لتشمل مطلب الحد الأدنى للأجور يخص كافة العاملين باجر في مصر.
وعلى الرغم من تمكن النظام بتهديدات وبطش أجهزته الأمنية وخيانة تنظيمه النقابي الحكومي من إجهاض الإضراب فقد تحول بفعل الغضب الاجتماعي العارم في أوساط عمال وجماهير المحلة بشكل عام إلى انتفاضة شملت عشرات الالاف من عمال وفقراء المدينة واللذين تصدروا للترسانة الامنية الضخمة التى احتلت المدينة لقمع الاضراب. وبدلا من ان يهنىء وزراء الداخلية والعمل والقيادات النقابية انفسهم بإجهاض الإضراب وجدوا انفسهم مواجهين بانتفاضة جماهيرية لم يتمكنوا من اخمادها الا بحملة من القمع الوحشى بالرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع واعتقالات عشوائية شملت المئات.
ان الطريقة التى واجه بها النظام 6 ابريل نفسها تحمل دلالة هامة. لقد استخدم النظام كل ترسانته الامنية في مواجهة الحركة ولكنه كان يدرى جيدا ان كل هذه الترسانة واكثر منها لم تكن قادرة وحدها على مواجهة الحركة فكان يجب ان يقوم إلى جانب القمع تنازلات هامة وفي المكان الصحيح، ومن هنا جاء قرار رفع بدل الوجبة لعمال الغزل والنسيج إلى 90 جنيها شهريا بدلا من 43 جنيه ومن هنا جائت زيارة احمد نظيف والمجموعة الوزارية للمحلة في 8 ابريل لتقديم منحة شهر للعمال ومضاعفة حصة الدقيق في المدينة وسلع مدعومة هذه التنازلات التى حاول بها النظام تهدئة الحركة كانت موجهة فقط للمكان الذى اعتبره النظام مكمن الخطورة الحقيقي.
جاءت أحداث المحلة يومى 6 و 7 ابريل اذا في سياق تطورين هامين الاول هو الحركة العمالية والاجتماعية الصاعدة منذ 2006 والتى امتدت لتشمل ليس فقط العاملين في الصناعة والخدمات بل ايضا قطاعات واسعة من المهنيين. والسياق الثانى هو الارتفاع السريع للأسعار خلال العام الماضى وهو ما خلق خلفية من الغضب الجماهيرى رائنا بشائر انفجارها في انتفاضة المحلة.
وبالطبع لم يقتصر حدث 6 ابريل على المحلة فدعوة الاضراب لاقت تجاوبا واسعا بدا بالتضامن مع مطالب عمال المحلة وتطور إلى عدد من الدعوات الموازية للإضراب والتظاهر ولعل أكثر هذه الدعوات صيتا كانت حملة ” خليك في البيت ” والتى بدات بدعوة على شبكة الانترنت وبعض قطاعات النخبة السياسية وسرعان ما انتشرت لتجد صدى واسع النطاق في الشارع وفي اماكن العمل، ولعل اهم مقياس لتاثير تلك الدعوات المتنوعة كان رد فعل النظام والذى خلق حالة من الاستنفار الامنى وحول الميادين الكبرى إلى ثكنات عسكرية واجهض بالقوة محاولات التظاهر في ذلك اليوم وقام بحملة اعتقالات شملت غالبية من حاول التظاهر مع التركيز على رموز وقيادات حركة كفاية.
كان يوم 6 ابريل وما سبقه من تعبئة بمثابة فرزا جديدا للقوى السياسية في مصر. الاحزاب السياسية الرسمية وعلى راسها التجمع استمرت على نهج المهادنة والتذيل للنظام. فقد اعلنت هذه الاحزاب سواء بشكل مباشر او غير مباشر عن رفضها المشاركة في الاضراب ومساندتها الضمنية للنظام بما في ذلك ترديد اكاذيبه عن التخريب والفوضى والمؤامرات، ولعل موقف تلك الاحزاب من الاضراب ومشاركتها في مهزلة المحليات رغم كل ما حدث فيها من قمع وبطش وتزوير واستبعاد، والتنسيق مع الحزب الحاكم من اجل بضعة مقاعد في مجالس محلية لا سلفة لها الا الفساد وقد اكد من جديد اين تقع تلك الاحزاب في الخريطة السياسية والاجتماعية في مصر والموقف الذى يجب ان يتخذ تجاهها.
اما الاخوان المسلمين فرغم كل ما حدث ويحدث لهم من قمع واعتقال لكوادرهم ومن محاكمات عسكرية والاستبعاد الكامل من الانتخابات المحلية ورغم الغضب العارم في صفوف قواعدهم فقد كان موقفهم من دعوة الاضراب سلبيا واكتفت قيادتهم بعدم معارضتهم للاضراب من حيث المبدا ولكن عدم المشاركة بشكل تنظيمى فاعل في التعبئة له. ويفسر البعض هذا الموقف كتكتيك مهادن يتبعه الاخوان عندما يتعرضون لضغط شديد من قبل النظام، اى محاولة تخفيف الضغط ليس من خلال توسيع وتعميق التعبئة ضد النظام لخلق ضغط مضاد ولكن من خلال تقديم تنازلات بل وتسويق الاخوان كقوة مساعدة على الاستقرار ومناهضة للفوضى الجماهيرية، والاخوان بالطبع دائما ما تبنوا هذا التكتيك في لحظات الازمة ولكن في هذه الحالة المسالة اكثر عمقا من مجرد تكتيك انتهازى عابر فموقف الاخوان يعبر بحق عن خوف اصيل من الحركات الجماهيرية التى يكونون مهيمنين ومسيطرين على توجهاتها وعلى احتمالات نتائجها. هذا الامر يتعلق بتركيبة الاخوان الطبقية والنخبوية. فهم يعارضون النظام ويقدمون تضحيات ضخمة ثمنا لمواقفهم ولكنهم في ذات الوقت يخافون من حركة الجماهير بكل ما تطرحه من مطالب اجتماعية واقتصادية وكل ما تعكسه من امكانية تجذير وتهديد ليس فقط لرموز النظام الحاكم بل للنظام الا جتماعى الراسمإلى واستقراره الطبقى بشكل عام.
ولكن لهذا الموقف ولهذه التركيبة ثمنا سياسيا باهظا في لحظة مثل هذه فالاخوان اكبر قوة سياسية معارضة في البلاد وظلت لفترة في اعين قواعدها وقطاعات واسعة من الجماهير كالبديل الوحيد المطروح للنظام الحاكم ولكنها تظهر الان كعملاق عاجز غير قادر على القيادة ومعزول رغم حجمه عن امال وطموحات الجماهير.
اما حركة كفاية فقد شاركت بايجابية في احداث 6 ابريل سواء بالتضامن مع المطالب العمالية ومع دعوة عمال المحلة للاضراب او بالموقف الايجابى من حملة خليك في البيت ومشاركة رموزها ونشطائها في محاولات التظاهر التى تم اجهاضها امنيا، وهو موقف ميز الحركة بوضوح عن الاحزاب الرسمية والاخوان ودفعت ثمنا باهظا له باعتقال الكثير من رموزها وكوادرها ولكن ورغم ايجابية موقف كفاية وممارستها فقد اظهرت احداث 6 ابريل عدد من التناقضات ونقاط الضعف في الحركة وربما حان وقت مناقشتها بوضوح وصراحة.
اول مشكلة تتعلق بطبيعة الحركة فقد تشكلت كفاية كحركة جبهوية ذات مطالب ديمقراطية محددة واستطاعت خلال عام 2004 – 2006 بمظاهرتها ومؤتمراتها ودعايتها ان تجذب المئات من الشباب النشط الراغب في التغيير ولكن طبيعة برنامجها الديمقراطى المحدود لم تمكنها من تجاوز الحدود الضيقة للنخبة السياسية او خلق جذور حقيقية في اوساط الجماهير. وقد ظهر ذلك جليا عندما انتقل مركز الثقل في المعارضة للنظام من المطالب الديمقراطية العامة إلى المطالب الاقتصادية والاجتماعية ومن اوساط النخب السياسية إلى العمال والفلاحين وفقراء المدن خلال فترة 2006-2008 واصبحت كفاية وكانها معلقة في الهواء غير قادرة على لعب دورا حقيقيا غير قادرة على لعب دورا حقيقيا في الاشتباك مع الحركات الاجتماعية الاحتجاجية بسبب برنامجها المحدود وغير قادرة على الربط بين مطالبها الديمقراطية وبين مطالب الجماهير الاجتماعية والاقتصادية.
ولولا ما حدث في المحلة ماكان تحرك كفاية والثمن الذى دفعه نشطائهما سيكون له اى اثر اما المشكلة الثانية وهى مرتبطة بالاولى فهى العلاقة بين الحجم والجذور من جهة والتاثير من الجهة الثانية فلا اظن ان احدا سيختلف معنا حول حدود حجم حركة كفاية بكل الفصائل المنخرطة فيها من حيث عدد الكوادر والنشطاء ولا حول محدودية جذورها في اوساط الحركة العمالية والفلاحية والحركات الاحتجاجية لفقراء المدن بل وحتى في اوساط المهنيين. ومن اكبر المخاطر التى يمكن ان تواجه حركة لها هذا الحجم المحدود هو ان يتصور قادتها انهم قادرون على لعب دورا قياديا في الاحداث ببعض الشعارات البراقة دون جيشا حقيقيا من المناضلين المنغرسين في اوساط الجماهير والمشتبكين مع احتجاجاتهم ومطالبهم وهو تصور يعبر اما عن حالة الهوس السياسى ( مثل من يتصور انه نابليون بمجرد ارتدائه لقبعة تشبه قبعته او نوع من الانتهازية السياسية – اى الرغبة في استخدام حركة الجماهير كوقود لايهام الخصم بالقوة وايهام الجماهير بانهم قيادة حقيقية قادرة على قيادة المعركة وربما كانت طبيعة الشعار الذى ايدته الحركة خلال 6 ابريل ” خليك في البيت ” تعبيرا عن هذه المشكلة فالشعار كان له صدى واسع النطاق ولكنه شكل احتجاجى له طابع فردى وسلبى وهو ليس اضرابا بالمعنى الايجابى للكلمة اى انه لا يعبر عن حركة جماعية منظمة في اماكن العمل ذو مطالب واهداف واضحة وهذا ما لا يمكن تحقيقه دون وجودا حقيقيا في اوساط الجماهير فرغم امتناع الكثيرين عن الذهاب إلى العمل او الدراسة يوم 6 ابريل ورغم الانتشار الواسع لدعوة الاضراب في اوساط الشباب على شبكة الانترنت ( مجموعات الفيس بوك ) ورغم ما يمثله ذلك من امكانيات للمستقبل فهناك احتياج لتحويل حالة الغضب والتجاوب هذه من حدودها السلبية والفردية والافتراضية إلى حركة حقيقية وفعالة على ارض الواقع، والمشكلة الثالثة تتعلق بالطبيعة الجبهوية لحركة كفاية، فالتنوع الذى تميزت به كفاية 2004- 2006 كان احد عوامل نجاحها فمطلب ” لا للتمديد – لا للتوريث ” هو مطلب تجمع عليه كافة القوى السياسية رغم اختلاف برامجها الاجتماعية واهدافها الاستراتيجية ولكن عندما تتغير اللحظة السياسية وتقتحم الجماهير وعلى راسها الحركة العمالية بمطالبها الاقتصادية والاجتماعية الساحة السياسية تصبح اسئلة اى جبهة تحتاجها هذه الحركة الصاعدة؟ ومع من؟ وما هو برنامجها؟ ليس فقط برنامجها السياسى العام (الديمقراطية، ورفض الاستبداد، والفساد، الخ) بل الاهم ما هو برنامجها الاقتصادى والاجتماعى، ما هى سياساتها الاقتصادية البديلة القادرة على تحقيق طموحات ومطالب الجماهير ما هو موقفها من الخصخصة وسياسات التحرير الاقتصادى والتى تصطدم بها بشكل تلقائى الحركة الجماهيرية الصاعدة؟
ان الازمة السياسية الراهنة والتى عبرت عنها بوضوح احداث 6 ابريل وفي القلب منها انتفاضة المحلة ليس لها مخرج بالنسبة للنظام، فهو لم يعد قادرا على السيطرة في ظل المصالح الطبقية التى يعبر عنها فاسعار السلع الغذائية والطاقة ستظل في ارتفاع حاد ليس فقط بسبب الاحتكارات والفساد ولكن اتيضا بسبب ازمة الاقتصاد الراسمإلى العالمى والذى يعتمد وجود النظام والطبقة الحاكمة على الاندماج فيه والحركة العمالية والاحتجاجات الاجتماعية ستظل في صعود متفجر لن يتمكن النظام من اخمادها الا بالقمع الوحشى بكل احتمالاته التى راينا بشائرها في المحلة.
يعنى كل ما سبق ان التحضير لما بعد 6 ابريل يجب ان يكون من قلب الحركة العمالية والاجتماعية الصاعدة يجب ان يكون التحضير على المستوى التنظيمى والنضإلى والمطلبى على مستوى عمق وحجم 6 ابريل وهو امر لم يتوفر في الدعوة ليوم احتجاج 4 مايو نعم علينا في ذلك اليوم فضح نظام يحتفل بالعام السابع والعشرين لحكمه ورئيس يحكمنا وهو في الثمانين من عمره ولكن علينا الا نتوهم بامكانية ان يكون ذلك اليوم بعمق واهمية وتاثير 6 ابريل لابد الا ننسى انه بدون تحرك عمال المحلة وانتنفاضة جماهيريها لما كان هناك 6 ابريل. ذلك اليوم بمثابة معركة كبرى في حرب طويلة مع الطبقة الحاكمة ونظامها ويجب ان يتناسب التحضير للمعارك التالية مع طبيعة هذه الحرب ومع مركزية الجماهير وعلى راسهم العمال في المعارك القادمة.
لحظة ما بعد 6 ابريل تصرخ باحتياجها لحركة سياسية جديدة تبنى من اسفل وليس في اوساط النخبة، حركة تبدا من مطالب العمال وفقراء الفلاحين، حركة تعيد صياغة المطالب الديمقراطية والوطنية في ارتباطها بحركة الجماهير وليس بمعزل عنها.
مركز الدراسات الاشتراكية
10 مايو 2008