كيف ترى المعارضة صعود الإخوان؟
لن يختلف الكثيرون على أن صعود الإخوان كان واحدا من أهم التطورات التي حدثت على الساحة السياسية المصرية خلال العام الماضي. تستطلع جيهان شعبان موقف رموز قوى المعارضة المختلفة من صعود الإخوان ومن إمكانية وصولهم للحكم.
إن ما يجري في مصر الآن هو مزيج من فقدان الأمل والفزع. الجماهير العريضة المطحونة فقدت الأمل بالكامل في نظام الحكم الحالي. وفي المقابل، هناك فزع هستيري من صعود “الإخوان المسلمين” في أوساط المثقفين وأغلب القوى السياسية، وبين الأقباط، بينما الأقلية الفاعلة في المجتمع، التي قررت أن تدلي بصوتها في الانتخابات، أعطت أصواتها لأكثر القوى السياسية تنظيماً وقدرة على المنافسة وحماية صناديق الاقتراع. هكذا تبدو الصورة مرتبكة ومربكة: حزب سلطة ينهار وعصر يوشك على الغروب، يقابله صعود للإخوان بينما كل أشكال المعارضة الأخرى في النزع الأخير لا تملك سوى العويل من صعود جماعة سياسية ترفع شعار “الإسلام هو الحل”.
يرى مجدي أحمد حسين أمين حزب العمل أنه من غير الوارد وغير المحتمل أن تصل أي قوة معارضة للحكم في مصر عن طريق الانتخابات. فكما يؤكد لا سبيل لإسقاط هذا النظام إلا عن طريق إزالته عبر ثورة شعبية.. وعلى الرغم من أن بعض الأدبيات مثل “وثيقة التمكين”، أي الاستيلاء على الحكم تنسب للإخوان، إلا أنه يعتقد أن هذه المسألة بعيدة عن مخططاتهم. فهم كحركة إصلاحية، يميلون للتطور التدريجي: “هينزلوا المحليات بأعداد كبيرة.. وهيخوضوا انتخابات الشورى.. وهينتظروا خمس سنين”.. فالإخوان حسب رأيه ليسوا في عجلة من أمرهم. وهوينتقد الأصوات المفزوعة من صعود الإخوان بإدعاء أن ليس لديهم برنامج واضح: “طب هما اللصوص والحرامية، اللي بيحكمونا.. عندهم برنامج واضح..؟!” وهو يرى أن مشكلة الإخوان الرئيسية هي عدم الإيمان بالعمل الجماعي والانفراد بالتحرك. ومن وجهة نظره لا سبيل أمام القوى الوطنية إلا إقامة حوار هادئ غير علني مع الإخوان، تطرح فيه كل الملفات للمناقشة.
أما جورج إسحاق منسق حركة “كفاية” فيرى أن الإخوان من أقدم القوى الموجودة على الساحة السياسية: “يعني ما نزلتش على مصر بالباراشوت.. قوة على أعلى درجات التنظيم.. عملوا طويلا في المجال الخدمي الاجتماعي والاقتصادي.. ولذلك فالنتيجة التي حصلوا عليها طبيعية للغاية”. وقد أكد على اختلافه مع شعار “الاسلام هو الحل”، واعتبره يدخل في باب الاستبداد الفكري واحتكار الحقيقة. وقد أكد على أن “كفاية” لم تتوقف لحظه عن الحوار معهم، وأن عليهم أن يطرحوا موقفهم من بعض القضايا بشكل واضح. ومن وجهة نظره فإن العقل الجمعي المصري له موقف سلبي من الإخوان، وأن عليهم أن يثبتوا بالدليل العملي أنهم تحولوا من جماعة دعوية إلى جماعة سياسية تتعامل مع المعضلات السياسية بأدوات السياسة وليس على أرضية الدين.
ومن جانبه أكد حسين عبد الرازق الأمين العام لحزب التجمع أن التخوف من الاخوان ليس حالة نفسية، لأنه مبني على أسباب قوية. فمن وجهة نظره من حق الأقباط ان يتخوفوا من من يتحدث عنهم باعتبارهم أقلية و”أشقاء”، ولا بد للنساء أن تصاب بالذعر إذا اختصر دورهن “في البيت” وأعتبر عملهم أمرا اضطرارياً: “من الطريف أن شعار مرشحة الاخوان في مدينة نصر وهي أستاذة جامعية مرموقة كان عودة المرأة للبيت”. وقد أشار إلى أن السياسات الاقتصادية التي يتبناها الاخوان هي نفس السياسات التي يتبناها الحزب الوطني، التي قادتنا لكارثة اجتماعية واقتصادية. وفي تقديره أنهم غير جادون بشأن الاصلاح السياسي والدستوري: “فهل سيكون هناك مجال لمثل هذه الامور لو حكمنا المرشد، لو حكمتنا قوة دينية تخلط بين السياسة والدين”. وقد أكد على أنه لو وصل الاخوان للحكم بطريقة ديمقراطية، سيعتبروهم حكومة شرعية ولكنهم سيعارضوها، شرط أن يحدث هذا في مناخ ديمقراطي حقيقي، وتكون الانتخابات معبرة بصدق عن توجهات الرأي العام. كما أنه أكد على عدم رفضه مبدأ الحوار والعمل المشترك مع الإخوان، على غرار “لجنة التنسيق بين الأحزاب والقوى السياسية” إلا أنه يرفض فكرة الاختيار بين بديلين النظام والإخوان، لأنه ضد الإثنين.
عبد الله السناوي رئيس تحرير جريدة العربي يرى أن الإخوان يعبرون عن أحد التيارات العضوية في الحياة السياسية المصرية من بدايات القرن العشرين، جنباً إلى جنب مع التيار القومي والليبرالي والشيوعي. لذلك فمن رأيه ضرورة الاعتراف بحزب مدني له مرجعية إسلامية لدمجهم في الحياة السياسية، دون فرض قداسة الدين على الجماعة. لكنه يرى على جانب آخر أنه لا بد من صياغة عقد اجتماعي بين كل القوى السياسية لما بعد مبارك، على أساس دولة برلمانية توازن بين السلطات، وتمنع تغول إحداها على الأخريات عن طريق تقليص سلطات رئيس الجمهورية، وبما يضمن الحفاظ على حق المواطنة وعلى قيم الدولة المدنية في مصر التي ترسخت منذ حكم محمد علي. ولا يكفي في رأيه أن يصدر عن الإخوان تصريحات بشأن موقفهم من توريث الحكم أو أدواتهم للقضاء على الفساد، أو تطمينات للمجتمع ردا على تخوفات رجال الأعمال والأقباط من شعار “الإسلام هو الحل”، فلابد على سبيل المثال من تقديمهم حل حقيقي للمشكلة القبطية في إطار الجماعة الوطنية. لا بد من وجهة نظره وجود ضمانات سياسية ودستورية لا يملك أحد العبث بها، لذلك هو ينادي بتقنين الدور السياسي للقوات المسلحة باعتبارها القوة القادرة على الحفاظ على التوازن السياسي، عن طريق حماية الحدود وحماية الدستور، ومنع أية قوة تصل للحكم عن طريق الديمقراطية من أن تنقلب عليها.
المناضلة الشيوعية عايدة سيف الدولة أكدت على استغرابها من الفزع السائد فهي تتفهم أن تنزعج الحكومة وتفزع عندما يحصل تيار سياسي من خارج الحزب الوطني على هذا العدد الضخم من مقاعد البرلمان، لكن من غير المبرر على الإطلاق في رأيها أن تفزع قوى المعارضة الأخرى. وهي ترى أن هناك دائما خيارين أمام المعارضة للممارسات الاستبدادية للسلطة أيا كان شكلها: ستقاوم أم لا؟ “ممكن الإخوان ـ لو وصلو للسلطة ـ يفرضوا الحجاب، يمنعوا السينما، يضطهدوا الأقباط.. والله لو المعارضة اختارت ـ كما اعتدنا منها ـ طريق الحوار والحوار فقط يبقى الإخوان من حقهم يعملوا ما بدلهم”. وفي هذا السياق تؤكد أن الإخوان لو منعوا النساء من الذهاب للعمل بدون حجاب، هي لن ترتدي الحجاب وستذهب إلى العمل، وسيكون اختيارها دائماً هو مقاومة الدكتاتورية، كما يفعل الكثيرون الآن تجاه حكم مبارك. ومن وجهة نظرها لا محل لهذا الكلام الآن، فالذي يحكم اليوم هو مبارك، وهو الذي يستبد ويقمع الحريات ويعذب. وأن الذي يصادر الكتب والأفلام ليس الإخوان وإنما الأزهر، ذلك الجهاز الحكومي التابع لمبارك. وأن كل المشاكل التي يتكلم عنها البعض بسبب صعود الإخوان قائمة بالفعل: فهناك قمع للمبدعين، واضطهاد للأقباط، ..إلخ، ولم يقاوم أحد، على العكس تعالت أصوات المعارضة الرسمية مرددة كلام النظام عن الوحدة الوطنية! “الآن تذكر هؤلاء أن للمرأة حقوقا يجب ان نحميها من الإخوان؟! ألم يكونوا هم أنفسهم من يتهمون كل من يتحدث عن أي حق للمرأة يتجاوز العمل والتعليم، بالفوقية والاهتمام بمشاكل ليست في مركز اهتمام المرأة المصرية؟!”.
على جانب آخر يؤكد المناضل الشيوعي عماد عطية أن الضجة حول إبرام الإخوان لصفقة مع النظام لها أساس ولكن بها قدر كبير من المبالغة. والحقيقة في رأيه أن الإخوان هم الطرف الأقوى ولذلك استطاعوا فرض نفسهم في معركة الانتخابات. ومن وجهة نظره هناك التقاء مصالح موضوعي بين النظام والإخوان ـ أي أنه لم يحدث بالضرورة عن طريق اتفاق فعلي ـ لضرب أشكال المعارضة الأخرى، ولتكريس حالة استقطاب ثنائي في المجتمع. النظام في رأيه يستخدم فوبيا الإخوان داخليا وخارجيا مع القوى والأقليات التي تكرههم وتخشاهم، ليؤكد لهؤلاء أنه البديل الوحيد أمامهم، بينما لا يمكن استبعاد أن الإخوان أنفسهم يشجعون هذه الفوبيا، فهي تكرس وضعهم المتفوق، وتخلي الساحة لهم. لهذا في رأيه لا يوجد داخل الإخوان قوة جذرية تهدد النظام. رغم ذلك هو يدافع عن ضرورة العمل المشترك مع الإخوان في مواجهة النظام، لو توافرت مبررات وشروط هذا العمل المشترك. هذه الشروط يرى أنها يجب أن تتضمن عدم استخدام أي من ألأطراف للآخرين، أو فرض هيمنته عليهم. إلا أنه يعتقد أن الإخوان لا يدخلون في عمل مشترك مع آخرين إلا لتجميل صورتهم، ولا يقبلون به إلا لو هيمنوا عليه. وهو يعتبر أن نمط الدولة الدينية الذي يطرحه الإخوان كارثة، فالإخوان خاضوا الانتخابات على أساس طائفي، ورفعوا فيها شعارات من نوعية “لا إله إلا الله.. الأقباط عدو الله”. وقد ذكر أنه على سبيل المثال كانت هناك إعادة بين ثلاثة مرشحين أقباط في المنيا ومرشح للإخوان، إلا أن كل المرشحين الأقباط انسحبوا بعد ما ضغط عليهم الأهالي وقالوا لهم “إحنا هنندبح بسببكم”. والمهمة الملحة في رأيه هي بناء حزب لليسار يملك طرحا متكاملا أمام الجمهور تدعمه نضالات على كافة الأصعدة الجماهيرية، وأن هذا هو السبيل لفضح حقيقة الإخوان أمام االجمهور، وليس التحول إلى ذيل لأجهزة الحكم وبوق من أبواقها، تُفتح له محطات التلفزيون والصحف، بما يؤدي إلى دعم النظام الفاسد المستبد. ولا يمكن النظر في رأيه إلى صعود الإخوان على أنه أمراً سلبياً في المطلق، لكنه سلبي في ظل الوضع الحالي حيث قوى المجتمع السياسية والاجتماعية شديدة الضعف، لن تقدر على منعهم من الوصول للحكم، كما أنها لن تستطيع بقدراتها الحالية معارضتهم لو وصلوا للحكم. وهو لا يجد حلاً لهذا إلا بتغيير أجندة النضال، فلا بديل في رأيه إلا بطرح النضال الاجتماعي والمطلبي، وأن تكون المصالح الاجتماعية للجماهير هي هدف كل النضال القادم.
المناضل الاشتراكي كمال خليل يرى أن الإخوان حازوا على 88 مقعد في الانتخابات الأخيرة، وكان من الممكن أن يحصلوا على 120 مقعد لولا حالات التزوير المتعمدة ضدهم في العديد من الدوائر. فوزهم يرجع إلى أنهم أكبر قوة منظمة في الواقع المصري، ولأن الناس وخاصة في المرحلة الثانية والثالثة من الانتخابات رأت فيهم القوة التي ربما تسطيع كسر شوكة النظام فانحازوا لهم. وهو يؤكد أن أسباب انتصار الإخوان واضحة، فطوال 25 عاما مضت كانت رايتهم مرفوعة دائما فالتف الجمهور حولهم “جدوا فوجدوا.. زرعوا فحصدوا”. أما من رأوا أن واجبهم الأساسي هو التحالف مع الدولة لمواجهة الاسلاميين، كان من الطبيعي أن يراهم الجمهور كمخبرين و”دلاديل” للسلطان. هو يرى أن صرخات الفزع التي تعتري البعض من فوز الاخوان لن يفهمها البسطاء من الشعب، سوى أنها صرخات لاستعداء السلطان على الإسلاميين، حتى ولو كان صاحب الصرخة برئ من هذا الاستعداء. ومن وجهة نظره فإن شعار “مع الاسلاميين أحياناً.. وضد الدولة دائماً” هو الشعار الصحيح، معهم ضد الاعتقال والتعذيب والمحاكمات العسكرية وحالة الطوارئ وانتزاع الحرية للناس والوطن. ودائما ضد الدولة وضد نهب الجماهير واستغلالها وضد الفساد، “وطالما كنا مع الإسلاميين أحياناً فسنكون ضدهم أحياناً، في كل موقف يهادنون فيه الدولة، أو يتحالفون معها على حساب الجماهير أو يرتدون فيه عن الديمقراطية وحرية الرأي”. هو يرى أنه لا ينبغي أن نفزع حتى ولو وصل الإسلاميون للحكم، ففي هذه الحالة سنظل معارضة ثورية ونثق في انتصارنا، لاننا نؤمن بالشعب و”الشعب هو اللي باقي.. هو إللي كان.. وإللي جاي.. طوفان شديد.. لكن أكيد.. يقدر يعيد صنع الحياة”. على كل ثوري في رأيه أن يرفع رايته واضحة وقوية وشجاعة، وعليه أن يدافع عن مصالح كل مضطهد وينحاز ويتضامن معه، عليه أن يلتصق ويرتبط بالناس وأن يثق فيهم، عليه أن يبني قواعده بين الجماهير، وأن يزرع لكي يحصد. وهو يؤكد أن فزع الكسالى هو “جعجعة بلا طحن.. فالذين يقولون: إننا لسنا مع الدولة.. ولسنا مع الاخوان.. نحن طريق ثالث، دون أن يحددوا هوية وراية هذا الطريق.. هم لا يقدمون شيئاً”. هؤلاء في تقديره: “مكسوفين يقولوا إحنا اشتراكيين.. بتوع الصراع الطبقي ومصالح الفقرا”، وهم بذلك يستبدلون الراية الاشتراكية براية علمانية منعزلة عن الصراع الطبقى. لهذا فإنه يقول لهؤلاء: “لا نفهم طريق ثالث ولا رابع.. الناس تفهم مصالحها وتنحاز لمن يحارب معها”.