بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ساحة سياسية

طارق مصطفى ..أحد قيادات اعتصام الضرائب العقارية:

لا بديل للنظام الحالي سوى حزب للعمال أو الفوضى!

تواصل “الاشتراكي” سلسلة حواراتها مع قادة الإضرابات، محاولة استخلاص دروس نضالية جديدة من واقع تجربة ناجحة ومهمة، مرت بعدة مراحل لتجميع هذا العدد الهائل المتفرق على محافظات مصر وتوحيدهم من أجل هدف واحد .. الانتصار، تجربة اعتصام الضرائب العقارية.

طارق مصطفى، هو أحد قيادات اعتصام الضرائب العقارية في ديسمبر الماضي، وأحد الذين جاء مع زملائه من مديرية القليوبية محملا بآمال عريضة في القوة التي يكتسبها النضال الجماعي.

* لماذا نجح إضراب الضرائب العقارية في ديسمبر الماضي؟

نجح الإضراب لتوفر جميع أسباب النجاح، وأسباب نجاح أي عمل جماعي يضم أفراد من بيئات مختلفة ومستويات تعليمية متباينة، هي إرادة الناس بالأساس والتنظيم الدقيق والديمقراطية الداخلية أثناء الاضراب والاعتصام والالتزام الكامل من جميع الأفراد المشاركين في الإضراب ونكران الذات. هذه هي أهم الأسباب، والتي أظهرت إعتصامنا في صورة محترمة، وحتى من كانوا في الخندق المنافس (الحكومة والشرطة) لم يجدوا أي ذريعة لإدانة الإضراب، رغم توافر أجهزة الدعاية الحكومة ومسئوليها، إلا أنهم وقفوا جميعا عاجزين أمام الصورة الحضارية والمحترمة التي قدمناها.

* ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتكم في الإضراب؟

حتى يكون حواري إضافة واستكمالا لما ذكره الزميل والقائد الإضرابي في حواره السابق مع “الاشتراكي”، أرغب في الحديث عن نقاط جديدة وتفاصيل أصغر لكنها مهمة، الاشاعات مثلا، تلك التي حاولت الحكومة تسريبها داخل الإضراب، وأشاعتها وسط زملائنا. كانت من أبرز الصعوبات التي واجهتنا طوال الاعتصام. إحدى الشائعات ظهرت بعد تفاوض وفد من زملائنا في مجلس الشعب وعقب عودتهم لمقر الاعتصام وجدنا أحد زملائنا يقول أن وزير الداخلية أعطى أوامره لقيادات الأمن بفض الاعتصام بالقوة، وتزامن بث هذه الشائعة مع توافد أتوبيسات نقل عام بجوار مقر الاعتصام في “حسين حجازي”. وعقب سماعي لهذه الشائعة تدخلت على الفور وسألت هذا الزميل، “مين قالك الكلام ده؟”، فقال “سمعته من زميل”، فقلت “أولا، مصدر الكلام مجهول، يعني واحد نقل كلام لواحد تاني وهكذا، وبالله عليك هل من المنطق أن تعرف وأنت الموظف تعليمات وزير الداخلية التي أبلغها للقيادات الأمنية الموجودة بمقر الاعتصام؟”. وبالفعل، تمت مواجهة هذه الشائعة وقتلها قبل أن تنتشر وسط باقي الزملاء.

هذا النوع من الحرب النفسية واجهناه بالحديث والحوار مع زملائنا، وأي شائعة كنا نفضحها ونوجهها بالحقيقة ونطلب من زملائنا عدم تكرارها، وبالفعل كل من كان يردد الشائعة كان يستجيب على الفور ولا يعيد تكرارها مرة أخرى بعد الجلوس والنقاش معه.

* كيف استفدتم في تحرككم الأخير من التجارب السابقة؟

الإعداد الجيد للاعتصام كان أهم الأشياء التي قمنا بها قبل بداية الاعتصام الأخير، فاعتصامنا الأول أمام وزارة المالية في شهر أكتوبر أخذ شكل مطالبات، ثم بدأنا في تصعيد الشكل الاحتجاجي، مع مراعاة الاستفادة من الأخطاء السابقة. وفي النهاية وصلنا للإنتصار بعد أن مررنا بعدة مراحل، أخطأنا في بعضها وتعلمنا الدروس حتى وصلنا في النهاية بالاعتصام الأخير إلى بر الأمان.

المراحل التي مررنا بها قبل الوصول للشكل النهائي والمبيت في حسين حجازي 11 يوما في عز الشتاء كانت، التهديد بالاعتصام، ثم الشحن المعنوي، وتحفيز الزملاء في المديريات المختلفة، وتعريف الزملاء في المحافظات البعيدة بتحركات مديريات القاهرة والجيزة والقليوبية، فتشجعوا للانضمام إلى زملائهم في أقصى محافظات الصعيد وشمال وجنوب سيناء.

* كيف أدرتم العلاقة بين المسلمين والأقباط في ظل هذا الشحن المعنوي وحالة الطائفية التي يعاني منها المجتمع؟

أهم قيادتين في الإضراب أحدهما مسلم والآخر قبطي، وهذا لم يأت بتقسيم أو باختيار وإنما جاء نتيجة ظروف موضوعية، فهما الأبرز والأنشط والأكثر قدرة على التفاوض والحديث، ولو كانا قبطيين أو مسلمين ما حدثت مشكلة، لأن المعيار لم يكن الديانة وإنما الكفاءة، وهما الأكفأ.

هذا الوضع أفضل ألف مرة من عناق المفتي والبابا، أثناء الاعتصام الجميع كان ينام على الرصيف والجميع له نفس المطلب والجميع يعاني من نفس الضغوط المالية، الاشتراك في ظل هذه الظروف ذوب جميع الفوارق بيننا وبين زملائنا الأقباط، فعندما ينعدم المطلب الجماعي للفقراء والهم الجماعي المشترك تظهر الطائفية، هذه الطائفية تغذيها الدولة وتدفع الأوضاع بين الأقباط والمسلمين للاحتقان. مصر الآن تتعرض لمحنة الطائفية وهذه أرضية خصبة من المفروض أن تعمل عليها المعارضة السياسية وتكسب من حل هذا الاحتقان في صفوفها بين المسلمين والأقباط.

* هل لاحظتم طوال مدة الإضراب رغبة تيار سياسي في الإستيلاء على الإضراب؟

لم نلحظ ذلك، وإنما هي دعاية حكومية تريد اتهام الإخوان بالتحريض ومساندة الإضراب والتخطيط له، وهذا لم يحدث مطلقا، وإنما شارك زملائنا من الموظفين والمنتمين للإخوان في الاعتصام باعتبارهم موظفين في المقام الأول والأخير، وكذلك فعل كل من ينتمي لتيار سياسي ناصري أو يساري. وعندما عرض أعضاء مجلس الشعب من الإخوان المجئ إلى مجلس الشعب في مسيرة رفضنا ذلك بإصرار، معتبرين مثل هذا التصرف بمثابة “شو إعلامي” و”مزايدة” (على قفانا)، فقررت اللجنة العليا للإضراب رفض هذا العرض، كما تخوف بعض زملائنا من قطع طريق العودة “لحسين حجازي” مرة أخرى وإخلاء المكان من أجل المسيرة لمجلس الشعب.

* ماذا عن التضامن الذي جاءكم من السياسيين والمثقفين؟

التضامن الذي كنا نحتاجه لم يكن مجرد إلقاء خطبة أو قصيدة شعر تتحدث عن النظام والرئيس لأن معظم المشاركين في الاعتصام من الناس البسيطة التي لا تعتبر اعتصامها ومبيتها في الشارع نوعا من الممارسة السياسية، ولذلك تجدهم يخافون من الحديث في السياسة أثناء الاعتصام. الناس كانت محتاجة بطاطين زيادة .. وهذا التضامن الذي أراده معظم الزملاء.

* هل لاحظتم استعجالا من السياسيين للحديث عن النظام ومحاولة تسييس الإضراب؟

نعم.. لاحظنا استعجالهم. هم كانوا عاوزين يحلوا مشاكلهم السياسية والحزبية عن طريق استخدام الناس. كنا في احتياج لحضورهم وتضامنهم معنا، لكن كنا عاوزينهم يشوفوا إحنا عاوزين إيه!

* وما هي الجوانب الإيجابية لحضور السياسيين؟

تخويف الحكومة وخوفها من تسييس الحركة دفعها للتعجيل بالحل وعدم استمرار حالة التجاهل التي مارستها ضدنا. أذكر مرة أني حضرت ندوة ل……. الحسن – مستشار ياسر عرفات آنذاك – وعقدت الندوة بحزب التجمع، وأتذكر جيدا رده على سؤال عن سر الإلتصاق بالإتحاد السوفييتي، فقال لو وجدت صديق يمشي معي في طريقي خطوة، وآخر يمشي معي لآخر الطريق، مش مفروض أخسر تعاطف الأول مع قضيتي وأستبعده من المشاركة. ولذلك نحن لم نرفض حضور السياسيين، وإن كنا نتمنى منهم الاستماع لأجندتنا ومحاولة تنفيذها بدلا من فرض رؤيتهم علينا.

* كيف تفسر تراجع الحكومة بهذه السرعة أمام مطالبكم؟

باختصار الحكومة والنظام شارفا على الانتهاء، والحل هو نزع أنابيب الحياة التي تمدها أمريكا لهذا النظام وباقي الأنظمة العربية الحالية، الأوضاع في البلد وصلت لمرحلة مأزومة ولا يوجد مشروع كبير في البلد.

* والحل؟

أكبر طبقة في الشعب هم العمال بالمعنى الواسع للكلمة، وليس عمال المصانع فقط، لا يوجد حزب يمثلهم نتيجة لضعف الحياة الحزبية في مصر بشكل عام. ولذلك أرى أن الحل هو وجود قيادات عمالية مخلصة مرت بتجارب نضالية كبيرة واكتسبت الخبرة عن طريق خوض انتخابات النقابات. هذه القيادات تستطيع تجميع الناس حولها، وفي النهاية يستطيع العمال تكوين حزبهم المستقل الذي يجب أن تكون أهدافه كالتالي: التمثيل الحقيقي لأكبر طبقة في مصر، تسييس الشعب المصري، إحداث توازن في المجتمع بين العمال الذين يمثلهم الحزب وبين أصحاب الأعمال والدولة، رجال الأعمال والوصول في النهاية إلى العدالة الاجتماعية حقيقية وأخيرا تطوير مدنية الدول لتقوم على مؤسسات قوية وفاعلة، ولا يوجد بديل عن الحزب سوى الفوضى التي ستدمر مصر. فالحزب بجانب كونه ضرورة سياسية فهو ضرورة اقتصادية، لأن وجوده يعني فاعلية في عملية الانتاج والناتج القومي وهو ما ينعكس على قوة مصر الاقتصادية وما يترتب على ذلك من استعادة لدور مصر السياسي على المستوى العربي والدولي.

* تحدثت عن ضرورة خوض القيادات للانتخابات النقابية.. هل ترى أن الدخول في المعارك النقابية هو الحل؟

تحدثت عن ضرورة خوض القيادات للتجربة النقابية، على الرغم من معرفتي مدى الفساد الموجود بها، ومن يفسد من القيادات الطبيعية للاحتجاجات فهو بالأساس فاسد وهذه التجربة كشفت حقيقته، لكن بالمقابل من الممكن أن تفرز هذه التجربة قياديين حقيقيين صقلوا تجربتهم النضالية ليصبحوا سياسيين بالمعنى الكامل. فمصر حدث بها تجريف للقيادات، إلى أن اختفت تماما، هذا التجريف يحدث منذ 30 عاما، حتى أصبحت الحياة السياسية كبركة من المياه الراكدة، لا تفرز كوادر أو قيادات، ويستطيع أي فرد تغيير الواقع بسبب كم التجريف الذي حدث للشخصية المصرية. ولن يوجد الحزب الذي نتحدث عنه، بدون وجود قيادات خاضت كل هذه التجارب النضالية واكتسبت الخبرة ولا تقف عند حدود المطالب الاقتصادية وتسعى للحصول على مكاسب أخرى كجزء من العمل على رفع الوعي.

* تحدثت أيضا عن بديل الحزب واعتبرته الفوضى.. ماذا تقصد بالفوضى؟

بديل النظام الحالي يجب أن يكون هذا الحزب الذي تحدثت عنه منذ قليل، وبديله هو الفوضى. وهذه الفوضى يمكن أن تفرز نظام حكم ديني ووقوعنا تحت أيدي حكومة تمثل تيارا دينيا وهذا بكل المقاييس كارثة.

* هل ترى إذن إمكانية للتغيير السلمي وتداول السلطة تجنبا للفوضى؟

يستحيل حدوث أي تغيير سلمي.

* الحل؟

العمل الجماعي المنظم

* وهذا العمل يمكن أن يؤدي إلى انتفاضة؟

لا .. لأن الدولة أصبحت أضعف ولن تتحمل العمل الجماعي المنظم. لكن إذا استخدمت الدولة أدواتها العسكرية فأنا كمان عندي أدواتي التي ممكن أستخدمها ضدها مثل الإضراب العام أو العصيان المدني، وفي النهاية لا أتوقع حدوث مثل هذا السيناريو لأن النظام ضعيف ومأزوم ولا يستطيع استخدام ذراعه القمعي لآخر مدى. الانتفاضة التي أتمناها تختلف عن الفوضى، ولكني أتحدث عن “انتفاضة وعي” تتم بشكل جماعي وسلمي هذا ما أتمناه.

* هل تعتقد أننا نعيش حركة اجتماعية واسعة كالتي حدثت في أربعينات القرن الماضي؟

أعتقد أن الوضع الحالي يشبه أوضاع ما قبل 1952. فالإقطاع عاد مرة أخرى لكن بـ “موديلات” أخرى إقطاع موديل 2000 أو 2008. وكل المكتسبات التي تم تحقيقها تآكلت وتلاشت، وعدنا مرة أخرى لنقطة الصفر، لكن الوضع الآن أسوأ بكثير، لأنه قبل 52 كان الفقر متوارث من سابع جد ولم يكن هناك شباب متعلمون بهذا العدد الضخم، وبعد الثورة حدثت تغييرات اجتماعية هائلة في التعليم والصحة والتوظيف وبعد أن شاهدنا وتمتعنا بكل هذه المزايا يأت علينا الوقت لتشاهد سحبها وخصخصتها مرة أخرى. شعورنا الآن بالفقر أصبح أقوى مما كان عليه قبل 52. لكن انتهى الوضع آنذاك بالتغيير عن طريق الجيش وهو ما لا نتمناه، نتمنى تغييرا مدنيا، نتمنى انتفاضة في وعي الناس وطرق تفكيرهم.