بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الحكومة تريد الاستقرار: جوع ومذلة وغلاء أسعار

أصدرت رئاسة الجمهورية في 10 ديسمبر قانوناً أثار الكثير من الجدل في الاقتصاد والسياسة، حيث تضمن رفع الضرائب على الكثير من السلع والخدمات. وبعد أقل من 6 ساعات قامت الحكومة بتأجيل تطبيق قانون الضراب الجديد في محاولة لقطع الطريق على الغضب الاجتماعي من زيادة الأسعار، والذي لن تُحمد عقباه إذا ما اندمج مع موجة النضال السياسي ضد إعلان مرسي ومن ثم دستوره.

 

أزمة وقرض وغلاء 

 

لكن تأجيل تطبيق القانون الجديد بعد إصداره لا يدل فقط على ارتباك مرسي وحكومته بقدر ما ينم أيضاً عن فزع حقيقي في رأس السلطة من احتمالية اندلاع انتفاضة اجتماعية تهدد الركائز الاقتصادية للنظام الحاكم. ومن الواضح أن مرسي وحكومته كانا يسعيان لكسب بعض الوقت إلى حين السيطرة على المجريات السياسية وتمرير الدستور الذي يعادي الحريات السياسية ويتحدى مطالب العدالة الاجتماعية والعيش الكريم.

 

لقد دفعت الأزمة الاقتصادية الراهنة مرسي وحكومته إلى اللهاث لتلقي قرض صندوق النقد الدولي الذي تبلغ قيمته 4,8 مليار دولار، لاسيما أن برنامج حزبه وجماعته ومشروعه نفسه هو مشروع ينفذ الأجندة الليبرالية الجديدة ويحرص على فتح الباب للاستثمارات الأجنبية وتعبيد الطريق أمامها، بل دعمها وتمويل بعضها أيضاً، الأمر الذي يقتضي تقليص شديد في الإنفاق الاجتماعي ودعم الفقراء. 

 

ومن الواضح أن هذه الأزمة ستستمر طويلاً، ولا تبدو لها أي حلول في الأفق ضمن إطار الرأسمالية وهذا النهب المنظم. فقد شهد الدين المحلي من 932 مليار إلى 1135 مليار جنيه، ذلك علاوة على تراجع الاستثمارات الأجنبية وهروب رؤوس الأموال المحلية، وتدهور عائدات السياحة التي تراجعت عام 2011 بنسبة 35% وشهدت خسائر تصل إلى 6 مليار دولار، وما إلى ذلك من مظاهر الأزمة التي وصلت إلى درجات غير مسبوقة في مصر. 

 

الاقتصاد والسياسة

 

أما من ناحية صندوق النقد الدولي، فهو أيضاً مهتم بهذا القرض وحريص على أن تتلقى الحكومة المصرية هذه الأموال، في محاولة يائسة لاستيعاب غضب جماهيري متصاعد جراء الفقر والغلاء والبطالة والظلم الاجتماعي. لكنه في المقابل لا يضحي بالمليارات للحكومة المصرية من دون شروط أو على الأقل بتسهيلات في السداد، مما ينفي الدعاية المضللة حول القرض غير المرهون بأي شروط، فذلك سوف يفتح الباب لأزمات أكثر عمقاً بين الصندوق ودول جنوب أوروبا الغارقة في الديون له وللبنك المركزي الأوروبي (اليونان وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال)، وغيرها. 

 

ومن زاوية أخرى، ونتيجة للاضطرابات السياسية التي ارتعدت منها السلطة طوال شهر ديسمبر، ينتاب صندوق النقد الدولي قلق بالغ حيال إمكانية تطبيق ما يشترطه من إجراءات تقشفية مجحفة، وما يبتغيه من انتعاش للاستثمارات الأجنبية في مصر ودعمها بكافة الأشكال. فالاستثمارات الأجنبية تنفر من التوترات السياسية التي لا توفر مناخاً مناسباً لها. وهذا بالذات ما دفع صندوق النقد الدولي، برغم أهمية هذا القرض بالنسبة له، لتأجيل تسليم القرض للحكومة المصرية لأجل غير مسمى. 

 

ولعل أكثر ما يعبر عن فزع السلطة من الإضرابات العمالية حين تتدخل، أو على الأقل تتوازى، مع الاحتجاجات السياسية، هو الاستجابة السريعة التي تعاملت بها الحكومة مع المطالب الاجتماعية لعمال الشرقية للدخان وألومنيوم نجع حمادي الذين أضربوا في الأسبوع الفاصل بين جولتي الاستفتاء عن الدستور. 

 

وهكذا أعرب الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء بكل تبجح عن رغبته وحكومته ورئيسه في إتاحة الفرصة من أجل استغلال الفقراء من دون عواقب سياسية، حيث قال في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في 11 ديسمبر بعد إلغاء قانون الضرائب: “أرجو أن نبعد الخلافات السياسية عن الاقتصاد.. فإذا استمرت الخلافات قد لا نجد أرضاً نقف عليها”. 

 

صعود اجتماعي 

 

لن يمر الكثير من الوقت حتى يصعد مارد الحركة الاجتماعية، والعمالية في القلب منها، من جديد ويفرض نفسه على ساحة الصراع بعد فترة الهدوء النسبي خلال الشهر الماضي. فكما شهدنا خلال ما يقرب من عامين من الثورة المصرية، بعد كل موجة من النضال السياسي تندلع موجة أشد ضراوة من النضال الاجتماعي يدافع فيها العمال والفقراء عن حقوقهم ومطالبهم في العدالة الاجتماعية. ولا يمكن أن ننسى في هذا السياق سير القوافل العمالية من مختلف المصانع للاعتصام أمام مقر قصر الاتحادية بعد أقل من 48 ساعة فقط من تولي مرسي رئاسة الجمهورية في 30 يونيو الماضي. 

 

لكن هذه المرة مختلفة بالتأكيد، فالنضال الاجتماعي وشيك الحدوث سيأتي بعد واحدة من أكبر وأضخم المعارك السياسية في الثورة المصرية، معركة الدستور التي – برغم الاستقطاب الإسلامي العلماني البغيض الذي شابها – خلقت زخماً سياسياً كبيراً بين الفقراء والمضطهدين، سواء أولئك الذين صوتوا بـ”لا” لإسقاط دستور لا يعبر عن مطالبهم ولا يضع مصالحهم في المعادلة السياسية، أو أولئك الذين صوتوا بـ”نعم” آملين في استقرار وهمي ويواجهون في المقابل المزيد من الإفقار والتجويع والتهميش.. وبموجب هذا الدستور الذي صوتوا لصالحه. 

 

وعلى هذه الخلفية، سينفتح الباب بلا شك أمام فرصة استثنائية لربط المطالب السياسية بالمصالح الاقتصادية والاجتماعية للعمال والفقراء، مما يتطلب على كافة الثوريين، ليس فقط الاشتباك معها والانخراط فيها بغية دعمها، لكن أيضاً السعي بدأب وجهد لتوحيدها واستخلاص خبراتها وتعميمها.