الجبهة الوطنية من أجل الإصلاح والتغيير
ليست معركة الانتخابات البرلمانية القادمة كأي من المعارك السابقة لأن مناخ التغيير الذي يهز المجتمع المصري بأكمله كان طبيعيًا أن يعكس على توجهات القوى المشاركة في الانتخابات. تعرض شيماء وجيه في التقرير التالي أهم التطورات في مسار المعركة الانتخابية.
اتخذت التحالفات الانتخابية استعدادًا للانتخابات مجلس الشعب القادمة أبعادًا جديدة لم نشهد مثيلاً لها في انتخابات الدورات السابقة. فهذه المعركة التي يتنافس فيها آلاف المرشحين (نحو 2500 مرشح) على شغل مقاعد البرلمان الـ 444 في 222 دائرة انتخابية، اتسمت بنوع جديد من التنسيق بين المعارضة من أجل درجة أكبر من التعاون في مواجهة الحزب الوطني. في البداية، شهدت ساحة المعارضة تحركات كثيرة منها التنسيق الثلاثي بين الإخوان والعمل والكرامة، والتنسيق الثلاثي بين الناصري والوفد والمجتمع، وغيرها.
غير أن التطور الأهم كان اتفاق الأحزاب والقوى السياسية على تشكيل “الجبهة الوطنية للتغيير” تحت برنامج حد أدنى للإصلاح الديموقراطي مع الاحتفاظ بحق هذه الأحزاب والقوى في تبني برامجها الخاصة. وشارك في الجبهة أحزاب الوفد، والتجمع، والناصري، والعمل، والكرامة، والتجمع الوطني للتحول الديمقراطي، والحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية)، والحملة الشعبية من أجل التغيير، والتحالف الوطني من أجل الإصلاح والتغيير.
واجهت جبهة المعارضة أثناء الإعداد لتشكيلها عقبتين رئيسيتين، أثارا الكثير من الشد والجذب والتصريحات الصحفية الملتهبة. الأولى كانت حول مشاركة جماعة الإخوان المسلمين في الجبهة، حيث تحفظ التجمع على مشاركتها، بينما أصرت باقي الأطراف على ضرورة وجودها. وانتهى الأمر بالاتفاق على مشاركة الإخوان، مع تحفظ الإخوان على المشاركة في قائمة موحدة واكتفاءهم بالتنسيق مع باقي الأطراف في بعض الدوائر. أما الثانية فكانت حول مشاركة حزب الغد الذي طلب علنًا المشاركة في الجبهة، لكن تحفظ الوفد بشكل متشدد على مشاركة الغد، وأيده في ذلك التجمع استنادًا إلى فكرة أن حزب الغد “منقسم” بطريقة لا تسمح له بالمشاركة، ووافقت بقية الأطراف على ذلك.
ومع إعلان تشكيل الجبهة أعلن عن اختيار عزيز صدقي ممثلاً عامًا لها، ونعمان جمعة متحدثًا رسميًا عنها، كما تقرر تشكيل لجنتين، الأولى لإعداد الوثائق السياسية، والثانية لإعداد قائمة موحدة في الانتخابات. وقد توصلت أطراف الجبهة إلى مبادئ للاسترشاد بها في المسألة الأخيرة، كإخلاء دوائر رؤساء الأحزاب والنواب الحاليين ومن دخلوا من قبل في انتخابات الإعادة. حتى لا يدخل مرشحو الأحزاب في صدام يؤدي إلى تفتيت الأصوات، وأن يساند كل حزب مرشح الحزب الآخر في إطار نقاط برنامجية مشتركة، مع استقلال الأحزاب والقوى السياسية في الدعاية حول باقي القضايا. وتقدمت جبهة المعارضة بـ 222 مرشحًا في 179 دائرة. لم يشارك الإخوان المسلمون في القائمة الموحدة، وقرروا خوض الانتخابات بشكل مستقل تحت شعار “الإسلام هو الحل”. وأعلن، تفسيرًا لذلك الموقف، أن السبب هو الخلاف بين البرنامج المدني الذي تطرحه الجبهة والبرنامج ذو المرجعية الإسلامية الذي يطرحه الإخوان، كما أن الإخوان بدأوا منذ شهور في اختيار مرشحيهم مما يصعب من إمكانية إعادة النظر في عمليات الترشيح تلك قبل فترة قصيرة من الانتخابات.
وإذا كانت الجبهة استطاعت التوافق على برنامج حد أدنى يتعلق بالحريات والإصلاح السياسي، بهدف مواجهة قائمة الحزب الوطني واحتكاره للسلطة وأجهزة الدولة وإعلامها الرسمي، فإن تشكيلها وطريقة عملها تشير إلى أنه يصعب اعتبارها قطبًا معارضًا قويًا يمكنه الصمود إلى وقت طويل في مواجهة الحزب الحاكم.
لعل أو مظاهر ذلك هو غياب حزب الغد، رغم أهميته التي برزت مؤخرًا كأهم الأحزاب الليبرالية، وأكثرها قدرة على جذب الأعضاء خاصة بين الشباب الذين يمثلون دعامته الأساسية. ولم يكن الصراع الداخلي في الحزب هو المبرر الحقيقي لاستبعاده من الجبهة، السبب الحقيقي يعود إلى الخلاف بين رئيسه أيمن نور ورئيس الوفد نعمان جمعة. والجدير بالذكر هنا أن الغد يسعى إلى تقديم 150 مرشحًا في الانتخابات.
أما الأزمة التي واجهت الجبهة بعد تشكيلها فكانت هي النزاع بين الأطراف المشاركة على الدوائر الانتخابية ذلك أن عدم قدرة هذه الأطراف على التوصل إلى تسويات فيما يتعلق بالترشيحات في عديد من الدوائر المهمة، مثل خطرًا شديدًا على مساعي المعارضة على أن تمثل تحديًا حقيقيًا للحزب الوطني في هذه الدوائر. وانتهى الأمر إلى التوافق – في العديد من الدوائر – على أن يكون هناك أكثر من مرشح أحدهم باسم الجبهة والباقين بأسماء أحزابهم. وفي عدد من الدوائر لم تنجح الجبهة حتى في تسمية مرشح واحد لتمثيلها. أهم هذه الدوائر هي: إمبابة التي يتنافس فيها كمال خليل مرشح الاشتراكيين الثوريين، ونشوى الديب مرشحة الحزب الناصري. وبولاق الدكرور التي يتنافس فيها كمال أبو عيطة مرشح الكرامة، ومنتصر الزيات مرشح الوفد. ومصر القديمة التي يتنافس فيها أحمد عبد الله رزة مرشح الحملة الشعبية، وعصام شيحة مرشح الوفد. ولم يكن الوضع أفضل حالاً في دوائر الإسكندرية حيث تنافس مرشحان من الوفد والتجمع على مقعد العمال في دائرة الجمرك والمنشية، وثلاثة مرشحين من التجمع والناصري والوفد على مقعد العمال في دائرة كرموز.
الخلاف الأخير الذي شهدته الجبهة تعلق بمسألة المطالبة بمراقبة دولية للانتخابات التشريعية القادمة. ففي حين أكدت قيادات من الجبهة أنها خاطبت عددًا من المنظمات الدولية على رأسها الأمم المتحدة ومنظمة هيومان رايتس ووتش، من أجل مراقبة الانتخابات، فقد سارعت قيادات أخرى بمعارضة مبدأ الرقابة الأجنبية. وفي هذا الصدد برز الخلاف بين جورج إسحاق منسق حركة كفاية وحسين عبد الرازق الأمين العام لحزب التجمع من جهة، وبين مصطفى بكري عن التجمع الوطني للتحول الديمقراطي من جهة أخرى. فبينما أشار إسحاق وعبد الرازق إلى أن الرقابة الدولية على الانتخابات أصبحت أمرًا معترفًا به في كل دول العالم، فإن بكري رأي في مبدأ القبول بالرقابة الدولية على الانتخابات السماح بالتدخل الخارجي المباشر في الشئون الداخلية.
وإذا كانت الجبهة الوطنية من أجل الإصلاح والتغيير قد تشكلت لتصنع قطبًا معارضًا قويًا يطالب بالإصلاح السياسي والديموقراطي، فإن ولادتها المتعثرة والسياق الذي ظهرت فيه – معركة الانتخابات البرلمانية – والمعضلات التي واجهتها وهي تحاول تحقيق التوافق بين أطرافها جميعها تؤشر على صعوبة نجاحها وتحقيقها لأهدافها.