بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الإخوان المسلمون وحديث الحزب

ماذا لو وصل الإخوان المسلمون للحكم في مصر؟ هل يعترفون بإسرائيل؟ هل يساوون بين الرجل والمرأة في تولي المناصب القيادية؟ هل يقبلون تولي الأقباط رئاسة الدولة؟ هل يواصلون البرامج الليبرالية الجديدة التي تنفذها حكومات مبارك على قدم وساق؟ وما هو الحل الذي يطرحونه لحل الأزمة الاجتماعية المتفاقمة في مصر؟ أسئلة كثيرة وقضايا جوهرية طرحها مشروع برنامج حزب الإخوان المسلمين، خالقا جدلا واسعا، ليس فقط في أوساط النخبة السياسية المصرية، ولكن أيضا بين صفوف جماعة الإخوان نفسها. فوجدنا تيارا داخل الجماعة يبدي تحفظه على بعض القضايا التي وجدها تراجعا عن “حالة التحديث” التي لحقت أفكار الجماعة في السنوات الماضية مع الانخراط فى الحركة السياسية المطالبة بالتغيير الديمقراطي. ومرة أخرى أصبح طرح برنامج حزب يعبر عن الجماعة مناسبة لفرز المواقف المتناقضة داخلها.

لماذا الحزب الآن؟

إن سعي الإخوان لتأسيس حزب سياسي ليس جديدا. فقد نشأت فكرة تكوين حزب سياسي للجماعة عندما قررت دخول انتخابات مجلس الشعب عام 1984. وكان يتعين عليها، وفقا للنظام الانتخابي القائم آنذاك، أن ينتمي مرشحوها لحزب سياسي كي يحق لهم المشاركة. وقد استدل المرشد العام للجماعة حينذاك، محمد حامد أبو النصر، بما قاله المرشد الثالث للجماعة عمر التلمساني بضرورة أن يكون هناك حزب ينهض بجانب من نشاط الجماعة السياسي لتحقيق التكامل والشمول. وقد ظهرت الفكرة إلى النور قبيل وفاة التلمساني عام 1986 وحملت اسم “حزب الشورى”.

ثم تكررت المحاولة أوائل التسعينات تحت اسم “الإصلاح”، وتكررت للمرة الثالثة بالاسم نفسه عام 1995، وقادها هذه المرة عبدالمنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد. وتم الكشف عن المحاولة الثالثة قبل القبض على مجموعة الـ82 عام 1995 وتحويلهم للمحاكمة العسكرية. وجرى الحديث عن محاولة رابعة قام بها عضو الإخوان محمد السمّان عام 1995 تحت اسم “الأمل”، لكنها بدت كموقف شخصي من السمّان ولا يعتبرها البعض محاولة إخوانية. ثم جاءت المحاولة الخامسة التي حملت اسم “الوسط”، والتي أثارت جدلا كبيرا داخل أروقة الجماعة أسفر عن انشقاق جزئي وخروج بعض الشباب، في مقدمتهم أبو العلا ماضي وعصام سلطان.

ومع صعود الحركة السياسية والاجتماعية في السنوات الماضية ظهر الإخوان المسلمون باعتبارهم القوة السياسية الأكثر تأثيرا في الشارع المصري. فهم الجماعة السياسية الوحيدة التي استطاعت أن تضم في صفوفها عشرات الآلاف من الكوادر ومثلهم من الأنصار والمتعاطفين. برز ذلك جليا في العديد من المناسبات. فمع اندلاع مظاهرات التغيير عام 2004، نظّم الإخوان مظاهرات حاشدة ضمت الآلاف، في إعلان عن دخول الجماعة حلبة التحدي للنظام. وتأكد ذلك الإتجاه مع حلول ميعاد الانتخابات البرلمانية عام 2005، إذ حصد الإخوان 88 مقعدا من مقاعد مجلس الشعب مشكلين بذلك أكبر كتلة للمعارضة ربما في تاريخ البرلمان المصري في العصر الجمهوري.

ويمكن وصف الخيط المشترك الذي حكم الأداء السياسي للإخوان خلال هذه الفترة بلعبة الموازنة والمواءمة مع النظام. كان واضحا منذ البداية أن تكتيك الإخوان – وبالأدق قيادتهم – هو تلافي الصدام مع النظام واستغلال الانفراجة التي خلقتها حالة الحراك السياسي في إحراز مكاسب سياسية عبر المؤسسات الشرعية للدولة. بكلمات أخرى: وجد الإخوان حالة الحراك هذه فرصة تاريخية لإظهار قوتهم على الساحة السياسية بغرض الضغط لاحتلال مساحات أوسع دون الدخول في مواجهة شاملة لإزاحة النظام.

وهنا يجب الأخذ في الإعتبار أن هذا التكتيك الإخواني لم يكن متوافقا عليه داخل الجماعة، بل إنه عكس مجددا التناقضات داخلها. فموقف الجماعة من الانخراط في حركة التضامن مع الإنتفاضة، ثم حركة مناهضة الحرب على العراق، ثم حركة التغيير الديمقراطي، كان مترددا بوضوح، بين قيادة الجماعة التي سعت إلى ضبط النفس، والشباب المتحمس والراغب في الانخراط بقوة. وتحت الضغط من قواعد الجماعة، وبسبب ظروف أخرى، اتخذت القيادة قرار المشاركة المحسوبة. فكانت المرة الأولى والأخيرة التي يشارك فيها الإخوان بمظاهرات بعشرات الآلاف في العديد من محافظات مصر في حركة التغيير. ثم بعد ذلك تراجعت مشاركة الإخوان بشكل ملحوظ لتقتصر على المشاركة الرمزية. واستمرت لعبة التوازنات الإخوانية حتي بعد هبوط حركة التغيير واتجاه الدولة للهجوم الشرس على الجماعة واعتقال العشرات من كوادرها وتقديمهم للمحاكمات العسكرية.

على هذه الخلفية ظهرت فكرة حزب الإخوان على لسان المرشد العام مهدي عاكف في يناير من العام الحالي، في محاولة جديدة من جانب الجماعة للتأكيد على مدنيتها وقبولها بالاندماج فى العملية السياسية وفق قواعد الشرعية، خاصة وأن توقيت إعلان برنامج الحزب جاء في أعقاب أحداث جامعة الأزهر والحملة الشعواء ضد الإخوان باعتبارهم جماعة دينية تمتلك ميلشيات مسلحة. فسرعان ما ظهرمشروع الحزب الذي أصرت قيادات الإخوان علي التأكيد أنه مجرد مسوّدة أولية. وبقدر وزن الإخوان في الحياة السياسية المصرية بقدر ما ثار الجدل حول مشروع حزبهم، وبقدر التناقض داخل صفوف الجماعة بقدر ما أثار طرح الإخوان حول قضايا جوهرية صراعا خفيا بين أجنحة داخل الجماعة.

برنامج الإخوان والتراجع يمينا

مثّل الطرح الذي قدمه مشروع برنامج حزب الإخوان تراجعا كبيرا نحو اليمين، مما شكل صدمة لكثير من المراقبين. ورغم أن البرنامج مليء بالقضايا التي تستحق النقاش، إلا أننا سنركز هنا على أهم القضايا التي أثارت جدلا واسعا.

ربما كانت أولى هذه القضايا ما يتعلق بشكل الدولة ونظامها السياسي. حيث يشير البرنامج، في بابه الأول الخاص بمبادئ وتوجهات الحزب، إلى ضرورة “تطبيق مرجعية الشريعة الإسلامية، بالرؤية التي تتوافق عليها الأمة”، وهو ما يجب أن يتم – وفقا للبرنامج – من خلال “هيئة من كبار علماء الدين” يتم انتخابها بشكل مباشر وتكون مستقلة استقلالا تاما عن السلطة التنفيذية.”

هنا تثار مسألتين، أولاهما تتعلق بشكل وصلاحيات هذه الهيئة، وهي وفقا للبرنامج منتخبة من كبار علماء الدين، يعاونها لجان ومستشارين من ذوي الخبرة، وتتمتع بصلاحيات مطلقة، حيث يتم اللجوء إليها قبل سن التشريعات عن طريق البرلمان، وقراراتها نافذة على السلطتين التشريعية والتنفيذية. أي أنها ستكون بمثابة طرفا “وصيا” على بقية مؤسسات الدولة، ومسئولة عن جميع القرارات التي تسيّر شئون الدولة والمجتمع.

أما ثاني المسائل فهي مرجعية الهيئة، وحدود الرقابة عليها، وهي وفقا للبرنامج، لا تخضع لأي رقابة دستورية أو تشريعية.

كان هذا البند كفيلا بأن يدفع البعض للإشارة إلى رغبة جماعة الإخوان المسلمين في إقامة دولة دينية في مصر في ما يشبه نموذج “ولاية الفقيه” القائم في إيران الذي يستند في حكمه على ما يطلق عليه “مجلس تشخيص مصلحة النظام” الذي يعد مرجعية أساسية في إدارة الدولة.

والأكثر من ذلك ما يشير إليه البرنامج فيما يخص وظائف الدولة. حيث يشير إلى أن ثمة وظائف “دينية” يجب على الدولة القيام بها، تأتي في مقدمتها وظيفة “حماية وحراسة الدين”. وهنا يؤكد البرنامج أن الوظيفة الأساسية لرئيس الدولة أو رئيس وزرائه العمل على حماية “الدولة الإسلامية” وتأمين ممارسة العبادات وإزالة ما يعترضها.

ولا يفهم من هذا النص سوى رغبة الجماعة في تفعيل مبدأ “الحسبة” وإقامــته على المجتمع من خلال سلطة ولي الأمر، وهو ما يستدعي للذاكرة نموذج “طالبان” في أفغانستان، حين كان الملا عمر ووزراؤه مشغولين بضرورة التزام الأفغان بالسلوكيات والتقاليد الإسلامية، وذلك على رغم تأكيد البرنامج على حرية ممارسة العقيدة.

فضلا عما سبق فقد استخدم البرنامج مصطلح “الدولة الإسلامية” في أكثر من موضع، وهو مصطلح هلامي وفضفاض، يثير شكوك الكثيرين تجاه موقف الجماعة من مسائل كالخلافة الإسلامية ودولتها، وإن كان يبدو متناغما مع بقية البنود التي تكمل منظومة الدولة “الدينية” التي يحاول البرنامج تدشينها.

سقطة أخرى في برنامج الإخوان تجسدت في قضية كانت الجماعة تحاول في الفترة السابقة تطوير أفكار أكثر حداثة بخصوصها، وهي قضية المساواة في الحقوق بين المواطنين (الرجل والمرأة، والمسلم والقبطي). فقد فشل البرنامج في صياغة موقف محدد وواضح من مسألة المساواة بين الأفراد داخل المجتمع. فهو إذ يؤكد في البند السابع من القسم الخاص بالأسس والمنطلقات على “الحرية والعدالة والمساواة بين الجميع من دون تمييز بسبب المعتقد أو الجنس أو اللون”، يعود ليشير إلى عدم أهلية الأقباط تولي منصب الولاية العامة (أي رئاسة الدولة). ذلك أن حديث البرنامج عن الوظائف الدينية للدولة، وأهمها حراسة الدين، يشترط ابتداء معرفة رئيس الدولة أو رئيس الوزراء بأمور الدين والشريعة. ثم يستطرد البرنامج “وما دام غير المسلم لا يفقه عقيدتنا وشريعتنا فهو معفى من هذه المهمة”، وذلك في التفاف واضح على مبدأ المساواة المطلقة الذي أقره البرنامج سابقا. فوفقا لهذا النص لا يجوز لأي قبطي، فضلا عن أي شخص آخر غير متفقه في أمور الدين والشريعة، الترشّح لمنصب الولاية العامة. وقد أكد البرنامج على هذه الفكرة بما طرحه في القسم الخاص بإعلان الحرب، فيقول “يضاف لذلك أهمية التنويه إلى أن قرار الحرب يمثل قرارا شرعيا، أي يجب أن يقوم على المقاصد والأسس التي حددتها الشريعة الإسلامية، مما يجعل رئيس الدولة أو رئيس الوزراء طبقا للنظام السياسي القائم، إذا اتخذ بنفسه قرار الحرب مسائلا عن استيفاء الجانب الشرعي لقيام الحرب، وهو بهذا يكون عليه واجب شرعي يلتزم به.”

أما بالنسبة للمرأة، فقد وضعها البرنامج ضمن قسم خاص سماه “قضايا ومشكلات”. وبعيدا عن رمزية تسكين المرأة ضمن هذا القسم بصفتها معضلة للجماعة، فقد بدا الموقف من أحقية المرأة في الولاية العامة منسجما مع الموقف التاريخي للجماعة الذي يرفض ذلك مطلقا.

بيد أن صوغ هذا الموقف حمل قدرا من التناقض والاستخفاف. فبينما يؤكد البرنامج مكانة المرأة وأهميتها في الإسلام، يحدد واضعوه أن المساواة التامة بين الرجل والمرأة يجب أن تكون في “الكرامة الإنسانية”! وفضلا عن هلامية المصطلح، فإن البرنامج يلتف على هذه المساواة التامة، حين يحيل أي قرار في شأن تولي المرأة الوظائف العامة، بخاصة منصب القضاء، إلى التوافق المجتمعي. وإذ يرى البعض أن الجماعة تبدو منسجمة مع نفسها في رفض ولاية المرأة، فإن دليلها لم يكن مقنعا، وجاء هذه المرة تحت ذريعة تعارض ذلك مع طبيعة المرأة وأدوارها الاجتماعية والإنسانية الأخرى.

أما بالنسبة للرؤية الاقتصادية التي يطرحها البرنامج، فقد تحدث عن “مرجعية النظام الاقتصادي الإسلامي”، وهو مصطلح، فضلا عن طبيعته الغامضة، إلا أنه لا يقدم حلولا للمسائل التي يطرحها البرنامج نفسه كمشاكل. فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي يرفض فيه البرنامج ما أسماه “تجارة الأموال”، أي البورصة وسوق الأوراق المالية وما شابه، إلا أنه لا يضع نظاما بديلا يمكن من خلاله استبدال هذه الأشكال الرأسمالية بأشكال تستطيع توفير التمويل اللازم للقيام بالمشاريع التنموية التي يطرحها البرنامج في مواضع أخرى. وفي حين يشدد البرنامج على ضرورة إلغاء العمل بنظام الفائدة في إدارة الأصول والأرباح، فإنه لا يضع أداة بديلة مناسبة للتعاطي مع مسائل الإدخار والاستثمار، أو تصميم نظام مصرفي يمكنه العمل من دون نظام الفائدة.

قضية أخرى في غاية الأهمية تناولها برنامج الإخوان وهي الموقف من الخصخصة. فبعد سرد البرنامج لسلبيات الخصخصة “الحالية”، حيث يرى البرنامج أن الخصخصة عموما ضرورية ومطلوبة، لا نجده يطرح لعلاج مساوئها الاجتماعية والاقتصادية أكثر مما يردده الخطاب الحكومي، معتمدا على دراسات أعدتها المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي! بكلمات أخرى يريد البرنامج أن يقول لنا أن الإخوان يمكنهم أن يبنوا “الرأسمالية في بلد واحد” بعد تهذيبها، متناسيا الارتباطات العضوية للرأسمالية على مستوى العالم.

التناقض الطبقي للإخوان

في الوقت الذي أكدت الجماعة فيه أن البرنامج ما هو إلا مجرد نسخة أولية قابلة للنقاش والتعديل، تشير مصادر أخرى داخلها إلى أن ما تم طرحه أخيرا يختلف بوضوح عن المشروع الذي قدمته “اللجنة السياسية”، المكلفة بإعداد المشروع، لمكتب الإرشاد بوصفه المسئول عن قرار طرحه، وهو ما يعكس قدرا من الخلاف داخل الجماعة ترك أثره في صوغ بعض البنود.

هذا الخلاف لا يمكن فهم حقيقته دون معرفة الطبيعة الطبقية المتناقضة لجماعة الإخوان المسلمين. فمن الخطأ الجسيم تصنيف تنظيم بحجم جماعة الإخوان – أخذا في الإعتبار ظروف نشأته وتطوره – تصنيفا طبقيا واحدا. فكما يضم تنظيم الإخوان قسما كبيرا من الطبقة الوسطى يشكل عموده الفقرى، وعشرات الآلاف من الأنصار من الفقراء والعمال والفلاحين، إلا أنه أيضا يضم شريحة من البرجوازية الكبيرة تهيمن على قيادة الجماعة.

ففي الوقت الذي كان فيه التيار الأكبر من اليسار المصري يتجه يمينا خلال حقبتى الثمانينات والتسعينات نحو التصالح مع العدو الطبقي الحقيقي، وهو الدولة، تحت مزاعم الحرب ضد الجماعات الإسلامية والرجعية، كان هناك ملايين الشباب يئنون تحت نير الفقر والقهر والإستبداد، الأمر الذي مثل أرضية خصبة لنمو جماعة الإخوان، بعد عودة قادتها من دول الخليج محملين بأموال طائلة وبمنهج جديد في العمل، منهج لا يعتمد الصدام مع النظام الحاكم لإحداث التغيير بقدر ما يعتمد على الضغط من أجل كسب مساحة ونفوذ أكبر على الساحة السياسية، على عكس طموحات بعض هؤلاء الشباب الغاضب الطامح إلى نظام جديد أكثر عدلا وحرية.

وفي خضم حركة السنوات القليلة الماضية، بدأ يتبلور داخل الجماعة تيار من الشباب، تسانده بعض القيادات الأكثر انفتاحا على الحركة وعلى الأفكار الجديدة، يتوق إلى عملية تحديث شاملة في فكر الإخوان. فبدأنا نسمع ونري شبابا من الإخوان يدافعون عن الحقوق والحريات بمفهومها الحديث – تبني بعض شباب الإخوان على سبيل المثال المطالبة بحرية أحد المدونين المتهم في سب الذات الإلهية – وبلورة مفاهيم عن المواطنة وحرية المرأة أكثر حداثة؛ شبابا يطالبون بالديمقراطية الداخلية في الجماعة كما يطالبون بها على مستوى المجتمع؛ شبابا (وبعض القيادات) أصبح يُطلق عليهم داخل الجماعة بالإصلاحيين، لكن يبدو أن هذا التيار مازال الأقل وزنا داخل الجماعة، ومازالت الغلبة للتيار المحافظ الأكثر مهادنة مع النظام.

على هذه الخلفية يمكن فهم إشكالية صياغة برنامج الإخوان. فالتيار الأكثر محافظة داخل مكتب الإرشاد يسعى إلى بسط نفوذه وإحكام سيطرته على الجماعة، ومن ثم كان لا بد أن يظهر برنامج الحزب محافظا علي ما يسمى بـ”التقاليد الأصيلة في فكر الإخوان” في قضايا جوهرية مثل الأقباط والمرأة وغيرها كما أوضحنا.

لكن من ناحية أخرى أدى ذلك إلى مأزق حقيقي للإخوان في الوسط السياسي المصري. فبعد المحاولات المضنية التي بذلوها طوال السنوات الماضية لطمأنة الجماعة السياسية المصرية حول نواياهم كجماعة سياسية مدنية تحترم الحقوق والحريات بمفهومها الحديث، جاء البرنامج صدمة نسفت كل هذا المجهود، لكنها رغم ذلك دفعت إلى الأمام أكثر في بلورة موقف ما للتيار الاصلاحي داخل شباب الإخوان، صحيح أن هذا الإتجاه غير واضح المعالم بشكل كاف حتى الآن، إلا أن احتدام الصراع الطبقي في مصر والتطورات الاقتصادية والاجتماعية قد تدفع إلى مزيد من بلورته.