بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الإخوان واليسار وكفاية ومعركة تعديل الدستور

دون سابق إنذار أعلن مبارك “موافقته على إعادة تعديل المادة 76 من الدستور، تلك المادة الخاصة بطريقة انتخاب رئيس الجمهورية، والتي كان قد جرى تعديلها لأول مرة وفي مفاجأة مماثلة في مايو 2005. بالرغم من علمنا الذي يصل إلى درجة اليقين بأن المبادرة المباركة (الثانية) ليست سوى إجراء شكلي، بمعنى أنها تستهدف، بحسب التصريحات الرسمية، الوصول إلى درجة أعلى من “المشاركة” – وليس المنافسة!- إلا أننا رأينا أنها تستحق تناولا من زاوية أعمق من تلك التي شهدناها حتى الآن سواء بالصحف القومية أو المعارضة. فالسائد حتى الآن هو تغطية رسمية حكومية من نوع المانشيتات التي تشير إلى العودة إلى طاولة “الحوار الوطني” ما بين الحزب الوطني والأحزاب الشرعية. الأكثر طرافة في الأمر هو استبعاد تنظيم جماعة الإخوان المسلمين من طاولة الحوار بالرغم من أن لديه 88 نائب برلماني بمجلس الشعب، الذي يفترض أن يقوم بالتصويت على التعديل الجديد. كما تجدر الإشارة إلى مشاركة حزب التجمع (نائب واحد) والحزب الناصري (لم ينجح أحد)، بينما يتم استبعاد حزب الكرامة تحت التأسيس ( له نائبان) من المباحثات!

بالرغم من ذلك فمن غير الممكن إغفال بعض الأسئلة التي أعاد التصريح الأخير طرحها بقوة على كافة القوى السياسية المعارضة للنظام. أسئلة من نوع: هل تشتبك القوى السياسية مع فكرة تعديل الدستور أم تعزف عنها باعتبارها تحصيل حاصل؟ ما الذي يتحتم على القوى السياسية عمله إذا ما صدقت الظنون حول أن السبب وراء تعديل المادة 76 هو تمرير مشروع التوريث لنجل الرئيس؟ وأسئلة أخرى تم توجيهها لبعض القيادات السياسية لتيارات مختلفة فضلا عن المستشار طارق البشري.

كيف نفهم التعديل الجديد؟

في أكتوبر 2004، وبعد شهر من انعقاد المؤتمر التأسيسي للحركة المصرية من أجل التغيير ( كفاية) تحت شعار ” لا للتمديد … لا للتوريث”، نشر المفكر الإسلامي المستشار طارق البشري مقالا في جريدة العربي الناصري تحت عنوان ” أدعوكم إلى العصيان”. أثار هذا المقال الجريء لشخص لعب دور قيادي في أجهزة الدولة كنائب أول لمجلس الدولة ورئيس للجمعية العمومية للفتوى والتشريع، جدلا واسعا بين صفوف نشطاء المعارضة حينها. عبر المستشار في مقاله هذا عن رؤية مفادها، إذا جاز التعبير، أن الدستور لا ينشئ واقعا سياسيا وتغييره لن يخلق الحركية السياسية أو القوى الحزبية المطلوبة. على العكس، تغيير الدستور في ظل الفراغ القائم، يحطم جميع أشكال العمل الأهلي والسياسي نتيجة لعدم وجود نقابات أو جمعيات أو أحزاب، وسيصب في مصلحة مبارك لأنه سيعطيه الفرصة للظهور بمظهر ديمقراطي.

بسؤال المستشار طارق البشري بعد عامين من كتابته للمقال وبعد الدور الذي لعبته حركة التغيير الديمقراطي طوال تلك الفترة عن رأيه في إعادة تعديل المادة 76، يجيب بأن تعديل الدستور هو آخر ما يجب أن يشغل بال القوى السياسية المصرية في اللحظة الراهنة. وذلك لعدد من الأسباب، منها أن دستور عام 71، الجاري تعديل أحد مواده اليوم، لم ينفذ من الأصل. ويؤكد المستشار البشري أنه لا يقول ذلك لأنه يرى أنه دستور جيد، بل لأن ما فيه من حقوق للشعب لم تطبق من الأصل.

كما يرى المستشار أنه من غير الصحيح العمل على إنشاء أو تعديل أو تغيير للدستور إلا من خلال نشاط سياسي واسع وحركة جماهيرية على الأرض. فالدستور، من الناحية القانونية، هو صيغة لتحديد العلاقات بين مؤسسات الحكم بعضها البعض وبين السلطة والجماهير الشعبية. أما من الناحية السياسية، فهو صيغة لتحقيق التوازن والتعامل السياسي بين القوى السياسية، الأمر الذي يعني ضرورة تبلور القوى السياسية الموجودة قبل صياغة أي دستور، كي تتم مراعاة القوى النسبية في صياغته.

يضرب المستشار البشري مثالا في هذا الصدد بالإشارة إلى دستور عام 1923 الذي نشأ على خلفية تحرك شعبي واسع على مدى 4 سنوات. ويضيف المستشار أن الوصول إلى مثل هذه الحالة من الوضوح في التوازن السياسي بين القوى الفاعلة على الأرض، يتطلب أشياء أخرى من نوع إلغاء قانون الطوارئ، ورفع القيود المفروضة على إنشاء الأحزاب السياسية، ورفع الحظر عن الأنشطة الأهلية. بعد كل ذلك، من الممكن الإعداد لخطوة كتعديل الدستور باعتبار أنه سيكون تجسيدا لما أسفرت عنه هذه الخطوات.

أما عبد الحليم قنديل، القيادي بحركة كفاية ورئيس تحرير جريدة الكرامة، فيتفق مع رأي المستشار البشري من حيث أن الأولوية يجب أن تكون للتغيير وليس للدستور، بمعنى أنه لا يرى معنى للدخول في مناقشة مع النظام القائم حول تعديل الدستور لأن ذلك لن يؤدي إلا للمزيد من تضييع الوقت. واستشهد في حديثه بالمثل المأثور “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين” مؤكدا على أننا قد لدغنا 25 مرة على الأقل. كما يؤكد قنديل أن ما يحدث اليوم ليس سوى تفصيل مواد مناسبة بغرض تمرير سيناريو التوريث، بالتالي لا مجال لتحقيق الإصلاحات السياسية المنشودة بدون ما أسماه “إنهاء سلمي للحكم القائم”.

وبالحديث مع عبد الغفار شكر، القيادي بحزب التجمع الاشتراكي التقدمي، وجدنا أن ثمة خلاف بين صفوف المعارضة حول الموقف من تعديل المادة 76. إذ يرى شكر أن موقف كافة القوى الاشتراكية واضح بشأن كل ما يبني باتجاه تحقيق الديمقراطية، معتبرا النقاش الدائر حول تعديل المادة خطوة في هذا الاتجاه. كما يؤكد على ضرورة قيام القوى السياسية المعارضة ببلورة رؤيتها حول التعديل المنشود باعتباره العملية المطروحة عليها في الفترة الراهنة.

وبسؤال عبد الغفار شكر عن إمكانية خلق تحالف سياسي يتعامل بجدية مع أجندة الحزب الوطني للإصلاح السياسي بما في ذلك التعديل الدستوري الجاري، يجيب بأن التحالف المطلوب هو بغرض توصيل رؤيتنا لأوسع دائرة من الناس وتوعية الرأي العام بأهمية الديمقراطية، وبغرض الضغط على النظام لوضع هذه الرؤية في حيز التنفيذ.

هنا تجدر الإشارة إلى موقف المقاطعة الذي تبناه حزب التجمع ومعه كلا من حزب الوفد والحزب الناصري في مواجهة الاستفتاء الشعبي على التعديل الأول للمادة 76 من الدستور. في تلك الآونة صدر بيان مشترك جاء فيه التالي: “تعلن الأحزاب الثلاثة مقاطعتها للاستفتاء المزمع إجراؤه في 25 مايو 2005 وتدعو الشعب المصري إلى مقاطعة الاستفتاء والتزام منازلهم في هذا اليوم لما تتضمنه المادة من شروط مستحيلة التنفيذ”. وأضاف البيان أن الأحزاب الثلاثة تعلن إنهاء حضورها جلسات الحوار الوطني (الذي بدأته نهاية عام 2004 مع الحزب الحاكم)، لأنه قد استنفذ أغراضه، ولأن الحزب الحاكم أثبت تمسكه بكل ما أراد عند صياغة المادة 76 من الدستور وتجاهل كل اقتراحات واعتراضات أحزاب المعارضة، ولأن الحزب الحاكم غير قابل لحوار جدي.

من ناحية أخرى هناك رؤية يتبناها كمال خليل، مدير مركز الدراسات الاشتراكية ترى التعديل الجديد باطلاً وغير دستوري، لأن مجلس الشعب المنوط بالتصديق على تعديل المادة 76 هو ذاته باطل، مشيرا إلى قرارات محكمة النقض ببطلان الانتخابات البرلمانية في 80 دائرة انتخابية، الأمر الذي يعني وجود 160 عضو داخل البرلمان بشكل غير قانوني.

التوريث قادم … ما العمل؟

تشترط صيغة التعديل الأول للمادة 76 والتي كانت نهائية حتى أسبوعين مضيا أن يحصل المرشح المستقل لمنصب الرئاسة على تأييد 250 على الأقل من الأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشورى ومجالس المحافظات. كما يحدد الحد الأدنى في أن يكون من بين هؤلاء 14 عضوا في مجالس المحافظات و65 عضوا في مجلس الشعب و25 في مجلس الشورى.

أما بالنسبة للأحزاب السياسية الشرعية (22 حزب) فقد سمحت بترشيح غير مشروط لقياداتها في الانتخابات الرئاسية التي تمت في سبتمبر 2005، بينما اشترطت مضي خمس سنوات على تأسيس الحزب المشارك بأحد قياداته في أي انتخابات رئاسية قادمة، وأن يكون المرشح قد أمضى عاما على الأقل في منصبه، وأن يشغل الحزب 5% على الأقل من مقاعد مجلسي الشعب والشورى!

يقول كمال خليل إن تعديل المادة 76 يحدث اليوم للمرة الثانية، وقد جاء التعديل في المرة الأولى من أجل تمرير تمديد حكم مبارك لولاية رئاسية خامسة. أما التعديل الثاني “كلاكيت تاني مرة” فيأتي لتمرير التوريث.

أما علي عبد الفتاح، القيادي بتنظيم جماعة الإخوان المسلمين، القوة السياسية الأهم على الساحة المصرية ، فيقول إن لدى تنظيم الإخوان اعتقاد جازم وراسخ، وهو أنه ما من قانون طرح للتعديل إلا وعدل للأسوأ. وبالتالي يرى عبد الفتاح أن الهدف من تعديل المادة 76 هو تفصيل مرشحين منافسين بمقاييس خاصة، أو بلغة أخرى خلق”ديكور” للإنتخابات الرئاسية القادمة باستخدام بعض رؤساء الأحزاب واستبعاد القوى الوطنية الشريفة من دخول غمار المنافسة.

ويلفت عبد الفتاح النظر إلى حقيقة أن الشخص الذي يستهدف النظام تمريره اليوم لا يتمتع بشرعية ثورة يوليو أو شرعية حرب أكتوبر وليس له أي قاعدة شعبية، الأمر الذي يجعل النظام يعمل على تسمية وتحريض أشخاص بعينهم للنزول بالانتخابات. فبحسب تصريحات مبارك لن يسمح التعديل الجديد بنزول مرشحين عدا الكومبارس.

طريق المواجهة

يرى عبد الحليم قنديل أن الطريق للتصدي لمخططات نظام مبارك للتوريث يستلزم العمل على خلق ملعب آخر عبر مبادرة متعددة العناصر يقدمها كالتالي: “عناصر المبادرة القادرة على إزاحة هذا النظام على النحو التالي: العنصر الأول هو تكوين تحالف وطني واسع جدا، يشمل “تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، تحت عنوان ” تحالف من أجل جمهورية ديمقراطية وطنية”. أما الثاني فهو صياغة برنامج العهد الانتقالي، برنامج من المفترض أن يخط طريق للتحول الديمقراطي خلال سنتين والعمل على إعداد دستور جديد عبر لجنة منتخبة”.

أيضا يشير قنديل إلى وجود خلل وتناقض في أوزان القوى السياسية يحتم خلق منطقة عازلة قادرة على استيعابه داخل التحالف المنشود. يقصد قنديل هنا فارق الأحجام الرهيب ما بين تنظيم الإخوان وسائر القوى السياسية الموجودة على الساحة، وبذلك يكون العنصر الثالث في تصوره هو اختيار أحد القضاة الشرفاء والمسيسين ليكون على رأس هذا التحالف.

أما العنصر الرابع بحسب رأيه فهو “سعي هذا التحالف بعد فترة عمل مناسبة إلى تنظيم مظاهرة الـ 100 ألف شخص، المظاهرة التي يرى أنها ستكون عنصر تحول هام، بالرغم من أن قوامها سيكون النشطاء السياسيين. والعنصر الأخير في هذا الصدد هو ضرورة تبني كافة الأطراف السياسية المعارضة لوثيقة تستند إلى الحق الطبيعي لحرية التنظيم السياسي وتكسر القوانين المقيدة للحرية السياسية ومن ثم يتم الإعلان عن الجمعيات والأحزاب السياسية من طرف واحد”.

وفي تعليق على فكرة التحالف التي أثارها عبد الحليم قنديل، يقول كمال خليل أنه يتبنى فكرة تحالف وطني واسع يضم جميع القوى السياسية الوطنية تحت شعار”لا للتوريث “. ويضيف أنه إذا أجمعت القوى الوطنية المعارضة على تبني هذا الشعار فهذا أمر إيجابي للغاية لأنه لا جدوى من مناقشة تعديلات دستورية تستهدف توريث البلاد، ولأنه يرى أن التغيير لن يكون ممكنا دون إزاحة نظام مبارك.

أما في حالة انقسام تيار المعارضة إلى فريقين، بمعنى أنه في حالة موافقة المعارضة (بالتحديد الإخوان المسلمين) داخل البرلمان على خوض النقاش حول تعديل الدستور والقبول بالتصويت عليه، فيوضح أنه يتحتم على حركة كفاية عندها أن ترفع شعار “لا للتوريث” وحدها، وأن تتفاعل مع معركة التعديلات الدستورية من خلال إثارة حق ترشيح المستقلين للرئاسة فضلا عن الضغط من أجل تعديل المادة 77 الخاصة بتحديد فترة الرئاسة في دورتين وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية.

ويقول كمال خليل إن هذه الشروط مرفوضة تماما من قبل النظام والهدف من إثارتها هو دفع الفريق الآخر، الذي قرر الدخول في معترك التعديلات الدستورية داخل البرلمان، إلى تبني شعار “لا للتوريث .. نعم للتغيير”. أما علي عبد الفتاح فيقول إن الجماعة على أتم الاستعداد للانضمام مع القوى السياسية الأخرى في أي مواجهة للنظام القمعي الذي يعمل على تغييب إرادة الشعب. ويشير إلى أن المهمة ستكون صعبة بقوله ” لن ننجح بين يوم وليلة”.

وأخيرا اتفق علي عبد الفتاح مع رؤية المستشار طارق البشري حول أهمية العمل على رفع القيود عن إرادة الجماهير وإلغاء قانون الطوارئ وقوانين الحبس الاحتياطي وكسب حرية الرأي والتعبير والتنظيم. يقول عبد الفتاح إن كل هذه نقاط تعطي الشعب الحق في الانحياز للفكر أو التيار السياسي الذي يختاره، الأمر الذي قد يجعل أي تعديل لاحق للدستور معبرا عن هذه التوجهات.