بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

اللجان الثورية في بورفؤاد وآفاق جديدة للنضال الاجتماعي

كان بطش قوات الداخلية بأهالي بورسعيد في الاشتباكات التي دارت على خلفية الأحكام المسيسة فى قضية مجزرة الإستاد، هو المحرك الأساسي لموجة ثورية عنيفة اجتاحت المحافظة خلال الأسابيع الأخيرة، تلك الموجة التى طالبت بإسقاط النظام، والقصاص للشهداء، وتحقيق العدالة. 
 
مارس أهالي بورسعيد خلال تلك الموجة شتى أشكال الاحتجاج، فمن الاشتباكات مع قوات الداخلية وإجبارها على الاختفاء من المدينة، إلى إعلان الإضراب في المدارس والمصالح الحكومية، مروراً بالتظاهرات المستمرة ليلاً ونهاراً، والتحدي الجماعي لقرار حظر التجوال.
 
إلا أن اعتصام أبناء مدينة بورفؤاد، والذي نجح في قطع طريق شرق التفريعة لخمسة أيام متواصلة، لايزال يمثل حالة خاصة بين تلك الأشكال المختلفة من الفعل الثوري والاحتجاجات، ليس فقط لأنه قد نجح في تعطيل العمل بميناء شرق التفريعة لعدة أيام، وهو ما شكل ضغطاً مؤلماً على النظام والمصالح الرأسمالية لكبريات الشركات العالمية التي يحميها، ولكن أيضاً لأنه قد ترك لنا شكلاً جنينياً من أشكال السلطة الشعبية البديلة، والتي يمكننا القول أنها قد نجحت في ملء بعض الفراغ الذي تركته سلطة الدولة، التي توارت في المدينة أثناء تلك الفترة وتقزمت أمام الفعل الثوري للجماهير.
 
فأبناء بورفؤاد الذين اكتسبوا الثقة في أنفسهم خلال اعتصامهم على أطراف المدينة، ونجاحهم فى ممارسة رقابة شعبية حقيقية في هذا المكان تمثلت في الحد من عمليات تهريب الدقيق والوقود، قرروا الاستمرار في ممارسة تلك الرقابة بعد انتهاء الاعتصام، من خلال تشكيل مجموعات منهم للقيام بهذا الدور الذي تبين لهم غياب الدولة المزمن عن أدائه، ولم يتوقف دور تلك المجموعات عند هذا الحد، بل تخطاه إلى التحرك في اتجاه القضايا الإجتماعية مثل أزمة الإسكان والكهرباء، وهو ما فتح طريقاً آخر لمواصلة النضال الاجتماعي واستمراريته بعد هدوء الأوضاع في المحافظة
 
كان هذا يجري فى الوقت الذي كانت الجماعات الدينية المتطرفة تمارس فيه دورها كظاهرة صوتية أثناء موجات المد الثوري المتكررة، وتلعب دور الفزاعة للجماهير من فكرة اللجان الشعبية، مصورة نفسها كما لو كانت وحدها القادرة على تشكيلها، وتحويلها بالتالي إلى شكل من أشكال جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – وهو ما أسعد النظام وذراعه القمعية كثيراً. 
 
لكن اللجان الثورية ببورفؤاد – والتي كانت بالفعل قائمة ومتواجدة في الشارع وتكتسب ثقة الأهالي يوماً بعد يوم، قررت أن تضع ميثاقها الأساسي – الذى ينسف تلك الصورة تماماً، وألزمت به أعضاءها وكل من يرغب في الانضمام إليها، حيث حظر هذا الميثاق على أعضاء اللجان التدخل في حياة الأفراد الخاصة أو تقييد حرياتهم، بل ألزمهم بحماية هذه الحريات، كما نص على عدم جواز التمييز ضد دين أو ضد المرأة والمغتربين، كما منع اللجان من التعبير عن دين أو حزب بعينه، وفتح الباب أمام الفتيات والسيدات من المدينة للانضمام.
 
جاء هذا الميثاق معبراً عن طبيعة تكوين تلك اللجان والظروف التي تشكلت فيها، فنواة هذا الكيان جاءت من الطليعة الثورية من أبناء المدينة، هذه الطليعة التي اجتمعت على مطلب القصاص لدماء الشهداء، ورأت أن هذا المطلب لن يتحقق إلا بإسقاط نظام مرسي وعصابته، الذي يمثل امتداداً لنظام مبارك بكل سياساته وجرائمه، وبتجربتها الذاتية أدركت أن الطريق إلى إسقاط هذا النظام لابد له إلا أن يمر عبر بناء نظام بديل، نظام تعتمد فيه الجماهير على أنفسها في مواجهة دولة لا تحمي سوى مصالح أقلية منتفعة على حساب الأغلبية الساحقة من الشعب.
 
نص البند الأول من الميثاق على أن: “أساس عمل اللجان هو تحقيق الصالح العام لأبناء المدينة، وبما يتفق مع تحقيق أهداف الثورة: العيش، الحرية، العدالة الاجتماعية، الكرامة الإنسانية”.