المحمول في مواجهة ماسبيرو (1)
لا يستطيع أي نظام حاكم منذ نشأة المجتمع الطبقي إلى يومنا هذا السيطرة على الجماهير بالقمع وحده. من أجل أن تحمي الطبقة الحاكمة -المحدودة العدد- مصالحها وسيطرتها على جماهير تحتاج إلى جيوش وأجهزة أمن وسجون.. لكن تحتاج أيضا إلى جهاز إعلامي يزيف الحقائق، يقنع الجماهير بأفكار الطبقة الحاكمة، يصور لهم الواقع بصورة وردية ويلقي باللوم إذا وقعت كوارث أو مشاكل على أي طرف ما عدا جذور المشكلة وهي النظام ومن يديرونه.
ويعمل هذا الجهاز الإعلامي على تكريس عزلة الفرد ومحو تاريخ الثورات والمقاومة ضد الإستبداد، فلا يخلف ورائه سوى أفكارا مثل: المصريين طول عمرهم عايشين في ذل، إحنا شعب ما يتحكمش إلا بالكرباج، نحن نعبد الفرعون والحاكم منذ قديم الأزل، إلخ.
ولكن لا يحدثنا ماسبيرو عن أن أول إضراب عمالي سجل في التاريخ كان في عهد رمسيس الثالث، ولا يحدثنا عن التاريخ الطويل للإنتفاضات الشعبية منذ عهد الفراعنة إلى العصر الحديث، وإذا حدثنا ماسبيرو عن التغيير السياسي فهو دائما نتاج صنيعة “الفرد البطل الملهم الزعيم” وليس الجماهير.
فثورة 1919 صنعها سعد زغلول وتتغافل إضرابات عمال الترام التي كانت شرارة الثورة، يقولون لنا بأن عبد الناصر” بنى” السد العالي ولا ذكر لعشرات الآلاف من العمال والمهندسين منهم من فقد حياته أثناء إقامة هذا الصرح، يطنطنون بأن السادات “حارب” في أكتوبر 1973 ولا يذكرون السبب الرئيسي وهو الضغط الشعبي العنيف من 1971 إلى 1973 الذي أجبره على إتخاذ القرار… وها هي ثورة يناير 2011 تأخذ نصيبها من التشويه اليومي الذي ألفناه جميعا.
السيطرة الإعلامية للنظام المتمثل في العسكر ورجال الأعمال على السواء يعني طول الوقت أن على الثوار أن يخوضوا معارك ليس فقط في الشوارع، بل أيضا على صفحات الجرائد وموجات الراديو والفضائيات والإنترنت لمواجهة تلك الأفكار الرجعية، إيصال الحقيقة، نشر الوعي الثوري، ولا توجد وسيلة أفضل من الصورة في معظم الأحيان.
مع بداية شتاء الغضب العمالي في يناير 2007 لم أزر مصنعا مضربا أو أقابل عمال معتصمين بدون سماع جملة “رأينا المحلة تنصر فتشجعنا على التحرك للمطالبة بحقوقنا أيضا”، لقد كان لإنتصار عمال غزل المحلة في ديسمبر 2006 وقع الزلزال على الصراع الطبقي في مصر، ولكن كان يجب أن “يرى” زملائهم ما حدث ليتشجعوا على الحركة.. قابلت في السنوات الماضية العديد من الشباب الذين إنضموا للحراك السياسي بعد أن “رأوا” بأعينهم على اليوتيوب فيديوهات لمظاهرات ومواطنين يهتفون ضد النظام.. كان ذلك كاف لتشجيعهم على الحذو بهم.
لن يسقط ماسبيرو إلا بسقوط النظام، ولكن حتى يحدث ذلك يجب على الثوار العمل بجدية على خلق إعلامهم المرئي البديل بكل السبل المتاحة أمامهم.
كل منا يجب أن يستعمل تليفونه المحمول في تسجيل وقائع الثورة من إضرابات ومظاهرات واعتصامات ومواجهات مع قوات القمع، وفلنحاول أن ننشر تلك الصور والفيديوهات على أوسع نطاق ممكن من دوائر أصدقائنا ومعارفنا وغيرهم عبر البلوتووث والإنترنت.
فلنعمل جديا على إستغلال أي فرصة تتاح لنا لنشر أخبار الحراك الشعبي.. الكثير منا يفقد الأمل فقط لعدم معرفته بأن هناك نجاحات بالفعل تتحقق على الأرض وإنتصارات في معارك جزئية أهمها حركة الاعتصامات الواسعة من أجل تطهير الشركات والمؤسسات.