المجلس العالمي لانتهاك حقوق الإنسان
في الوقت الذي كانت تنتشر فيه «كليبات التعذيب» لعماد الكبير الذي تم اغتصابه على يد أحد ضباط الشرطة، وكليب آخر لفتاة تضرب بعصاه في أحد أقسام الشرطة، وكليب ثالث لشاب يضرب على قفاه من أحد أمناء الشرطة بأوامر أحد الضباط، وكليب رابع لمواطنين يضربون بوحشية من الخلف، وغيرها من الكليبات التي كشفت ما يدور في سلخانات الداخلية؛ وقبل أيام من الذكرى الثانية لهتك عرض المتظاهرات وسحل المتظاهرين على سلم نقابة الصحفيين في 25 مايو 2005. في هذا الوقت وبالتحديد في 17 مايو الماضي جاءت الأخبار بفوز مصر بعضوية المجلس العالمي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وسط تهليل وتطبيل من أبواق دعاية النظام باعتبار فوز مصر بعضوية المجلس يعنى ثقة المجتمع الدولي بحالة حقوق الإنسان في ظل حكم مبارك. في حين انقسمت الآراء بين الحقوقيين، حيث رحب بعضهم بفوز مصر من منطلق أن التعهدات التى تقدمت بها الحكومة المصرية كبرنامج عمل لتحسين حالة حقوق الإنسان على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ربما تجبر النظام على عمل تحسينات حقيقية في مجال حقوق الإنسان، بينما استنكر آخرون عضوية مصر في المجلس لسجلها الأسود في مجال حقوق الإنسان، واصفين العملية برمتها بأنها تخضع لاعتبارات المصالح السياسية وليس حقوق الإنسان.
المجلس العالمي لحقوق الإنسان
نشأ المجلس الجديد وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 60/251 بتاريخ 15/3/2006، ليحل محل لجنة حقوق الإنسان التي عاشت من 16/12/1946 حتى 15/3/2006، والتي كانت تتبع الأمم المتحدة بشكل غير مباشر حيث كان ينتخبها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بموجب المادة 68 من الفصل العاشر من الميثاق والتي تنص على ما يلي: ( ينشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجانا للشؤون الاقتصادية والاجتماعية ولتعزيز حقوق الإنسان كما ينشئ غير ذلك من اللجان التي قد يحتاج إليها لتأدية وظائفه).
ووفقا للفقرة 7 من قرار الجمعية العامة 60/251 يتألف مجلس حقوق الإنسان من 47 دولة من الدول الأعضاء تنتخبها أغلبية أعضاء الجمعية العامة بالاقتراع السري المباشر وبشكل فردي. وتستند عضويته إلى التوزيع الجغرافي بين المجموعات الإقليمية على النحو التالي: ثلاثة عشر لمجموعة الدول الأفريقية؛ وثلاثة عشر لمجموعة الدول الآسيوية؛ وستة لمجموعة دول أوروبا الشرقية؛ وثمانية لمجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي؛ وسبعة لمجموعة دول أوروبا الغربية ودول أخرى؛ وتمتد فترة ولاية أعضاء المجلس ثلاث سنوات ولا تجوز إعادة انتخابهم مباشرة بعد شغل ولايتين متتاليتين.
وفي الانتخابات الأخيرة كان يجري التنافس علي شغل مقاعد الدول المنتهية ولايتها، وهي أربعة مقاعد في المجموعة الأفريقية، وأربعة في المجموعة الآسيوية، وثلاثة مقاعد في مجموعة دول أوروبا الشرقية، ومقعدين في مجموعة دول أمريكا اللاتينية وبحر الكاريبي، وثلاثة مقاعد لدول أوروبا الغربية.
ونظرة سريعة على الدول التى فازت بشغل مقاعد المجموعة الأفريقية التي بينها مصر يتضح لنا ماهية هذا المجلس بالضبط. فقد فازت كل من مدغشقر بواقع 182 صوت من أصل 192 صوت، جنوب أفريقيا (175 صوت)، أنجولا (172 صوت)، مصر (168صوت)، بينما خرجت كل من تونس والمغرب بواقع صوت واحد لكل منهما.
وبصرف النظر عن كون مصر حصلت على أدنى الأصوات في حين حصلت دولة مثل مدغشقر على أعلى الأصوات، فقد أكد الحقوقيون الذين راقبوا الانتخابات أنه كان هناك اتفاق داخل المجموعة الأفريقية علي تزكية هذه الدول الأربعة، بما يعني أن مصر فازت بالتزكية دون إجراء انتخابات، فمن الواضح أن المغرب وتونس لم يبذلا أي مجهود لحصد الأصوات.
والسؤال المنطقي هنا، رغم أن معايير انتخاب دولة ما كعضو بمجلس حقوق الإنسان تشمل تقييم حالة حقوق الإنسان بهذه الدولة ومدى التزامها بالمواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان..إلخ، لماذا تم انتخاب مصر وغيرها من الدول التي يحفل سجلها بانتهاكات حقوق الإنسان والعصف بكافة الاتفاقات والمواثيق الدولية في هذا الشأن؟
لماذا مصر؟
للإجابة على هذا التساؤل يجب معرفة أولاً حقيقة الأمم المتحدة كمنظمة دولية لأنظمة سياسية بينها مصالح مشتركة، تتحكم فيها بالأساس الدول الكبرى المتحالفة مع نظم ديكتاتورية في مختلف أنحاء العالم للحفاظ على مصالحها. وبالتالي قضية حقوق الإنسان تصبح كغيرها من أوراق اللعبة السياسية، الهدف الأساسى منها الحفاظ على المصالح السياسية لهذه الأنظمة فيما بينها، ويمكن التلويح بها في الوقت المناسب للضغط على هذا النظام أو ذاك لتمرير مصالح معينة، والتغاضي عنها طالما هناك تعاون. على سبيل المثال رغم ترحيب الولايات المتحدة بفوز مصر بعضوية المجلس، أصدر الكونجرس الأمريكي بعد أقل من شهر من هذا الترحيب مشروع قرار بتجميد 200 مليون دولار من المعونة العسكرية لمصر لسجلها السيء في مجال حقوق الإنسان !!
في هذا الإطار يصبح مفهوماً لماذا يتشكل مجلس عالمي لحقوق الإنسان من أكثر الدول انتهاكاً لهذه الحقوق، فالنظام المصري صاحب أسوأ سجل في مجال انتهاكات حقوق الإنسان يلعب دوراً رئيساً في خدمة مصالح الدول الكبرى في المنطقة. فنظام مبارك يلعب أدواراً هامة في قمع المقاومة في فلسطين، والتسويق لإسرائيل والتطبيع معها، مبارك ونظامه أيضاً لعبا دوراً أساسياً في تسهيل احتلال العراق وتشويه سمعة المقاومة هناك. بالإضافة للتحالف مع الولايات المتحدة في معركتها ضد إيران. باختصار مبارك هو حليف الإمبريالية المطيع، إذا هو يستحق عضوية مجلس حقوق الإنسان. هذه هي المعايير الحقيقية التي يتم الإنتخاب في مجلس حقوق الإنسان على أساسها، هذه المعايير التي تؤدي في نهاية المطاف إلي جملة من انتهاكات حقوق الإنسان، كما يحدث من مذابح ومجازر في العراق وفلسطين، وأفغانستان ولبنان، وغيرها. لذلك فإن الوصف الدقيق لهذا المجلس أنه مجلس عالمي لانتهاك حقوق الإنسان.