المجلس القومي لحقوق الإنسان.. كلاكيت تاني مرة
مع بداية العام 2007 أعلن عن الدورة الجديدة للمجلس القومي لحقوق الإنسان والتي سوف تستمر لثلاث سنوات قادمة. استقبل الجميع التشكيل الجديد للمجلس بهدوء تام وربما بلا مبالاة. تعود حالة عدم الاكتراث هذه في حقيقة الأمر إلي سببين رئيسيين. ربما يكون أولهما أن المجلس خلال سنواته الثلاث الأولي لم يبين أي كرامة تذكر في مجال حقوق الإنسان المصري أو غير المصري. السبب الثاني والأهم هو أن تشكيل هذه الدورة لم يأت بأي جديد، فقد صدر قرار مجلس الشورى بتمديد عضوية جميع أعضاء المجلس باستثناء عضوين هما الأستاذ بهي الدين حسن –مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان- والدكتور أحمد يوسف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة. كان العضوان قد استبقا القرار وقدما اعتذاراً عن الاستمرار فى عضوية المجلس، فتم اختيار كلاً من الدكتور أحمد محمد رفعت أستاذ القانون الدولي ورئيس جامعة بني سويف، والدكتور محمد حسنين عبد العال أستاذ القانون الدستوري، ليكتمل العدد الرسمي للأعضاء والبالغ 25 عضو. وظلت رئاسة المجلس في يد الدكتور بطرس غالي كما بقي الدكتور أحمد كمال أبو المجد في موقعه كنائب للرئيس، كما تم التمديد أيضاً للطاقم الإداري المنتدب من مجلس الشورى. وبالتالي أصبح من المتوقع استمرار طاقم الأمانة العامة للمجلس برئاسة السفير مخلص قطب، حيث يقرر المجلس اختيار الأمين العام في أول اجتماع للدورة الجديد.
هذا التمديد يثير تساؤلات هامة حول هذا المجلس العجيب الملتصق بصفتي القومية وحماية حقوق الإنسان. هل هذا التمديد يعني نجاح المجلس القومي في أداء دوره في حماية حقوق الإنسان؟ إذا كان ذلك صحيحاً فما هو موقف المجلس من الأحداث الكبرى وقضايا حقوق الإنسان في دورته الأولى، من خلال تقاريره وبياناته الدورية؟ وكيف يدار المجلس، ومن يتخذ القرار؟ وهل كان المجلس حقاً مستقلاً في تقاريره وقراراته عن الحكومة؟
كل هذه الأسئلة يصعب الإجابة عليها دون إلقاء نظرة على خلفيات، وطبيعة التكوين الأول، الذي صنعه النظام بإحكام ليلعب الدور المحدد له دون الخروج علي النص.
خلفيات إنشاء المجلس
صاحب إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان، قبل ثلاثة أعوام بموجب القانون رقم 94 لسنة 2003، جدلاً واسعاً فى أوساط المجتمع المدني وبالذات العاملين بمجال حقوق الإنسان فى مصر. وذك خاصة أن المبادرة كانت من الدولة، المنتهك الأول لحقوق مواطنيها. وزاد من حدة هذا الجدل الطريقة التي أنشأ بها المجلس بمقترح من الحزب الوطني سرعان ما تحول إلى مشروع قانون تم إقراره فى مجلس الشعب.
ورغم أن فكرة المجالس القومية لحقوق الإنسان قديمة وطرحت قبل عشر سنوات، إلا أن نظام مبارك لم يتحمس لها إلا قبل ثلاث سنوات فقط، فلماذا؟ الحقيقة أنه لا يمكن فهم ذلك إلا علي خلفية الحراك الملحوظ فى الحياة السياسية فى مصر خلال السنوات الست الأخيرة وصعود حركة التغيير من ناحية. من ناحية أخرى هناك تطورات الإمبريالية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية فى أعقاب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001، والحرب الأمريكية المزعومة للقضاء على النظم الديكتاتورية ونشر الديمقراطية فى بلاد منطقة الشرق الأوسط. وبالطبع كانت ورقة حقوق الإنسان رئيسية فى التعامل مع مصر لإملاء الشروط الأمريكية خاصة مع امتلاء الملف الأسود للنظام المصري بانتهاكات حقوق الإنسان، وانتشار منظمات المجتمع المدني التي يعتمد عليها الخارج في التزود بمعلوماته من تقاريرها عن حالة حقوق الإنسان، وهي في الأغلب ليست في صالح النظام. ومن ثم كان لا بد من وجود جهاز يصحح الصورة على هوى النظام ويلعب دور المروج له باعتباره حامي حقوق الإنسان وراعيه، فكانت فكرة إنشاء مجلس تحت رعاية الدولة يقوم بهذه المهمة.
مجلس الحزب الوطنى لحقوق الإنسان
خصص التقرير الأول للمجلس فصلاً كاملاً للمرجعيات التي أنشأ عليها المجلس وكان من ضمنها المرجعية الدولية المستندة إلى الاتفاقات والإعلانات والمواثيق الدولية التى أرست مبادئ حقوق الإنسان ثم أسست لفكرة المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمعايير التي يجب أن تتوافر فيها وواجباتها. ومن تلك المواثيق مبادئ لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة المعلنة فى أكتوبر 1991 والتي تحدد فى بندها الثالت معايير اختيار أعضاء هذه المؤسسات فتقول: “أن يتضمن تشكيلها التمثيل التعددي للقوى الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني وأن تتضمن هياكلها الأساسية ما يضمن حسن عملها ويضمن استقلال أعضاء المؤسسة وتكون تسميتهم بوثيقة رسمية ولفترة محددة وقابلة للتجديد”. وكثيراً ما تتشدق رئاسة المجلس وأمانته العامة فى التصريحات الصحفية والبرامج التليفزيونية بهذا المبدأ الذى تم اختيار أعضاء المجلس على أساسه. والسؤال هنا هو هل التركيبة الحالية تضمن هذه المعايير فعلاً؟
صدر قرار رئيس مجلس الشورى رقم 1 لسنة 2004 بتشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان لتكون النتيجة فى النهاية مجلس الحزب الوطنى لحقوق الإنسان، فالتركيبة جاءت كالتالي: الدكتور بطرس غالى وزير الخارجية الأسبق والأمين العام للمنظمة الفرانكوفونية والأمين العام للأمم المتحدة السابق وأحد رجال الدولة المخلصين رئيساً للمجلس، الدكتور كمال أبو المجد وزير الإعلام الأسبق وأستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة القاهرة وأحد رجال الدولة المقربين أيضاً نائب لرئيس المجلس، أما الأعضاء فهم:
مجموعة الحزب الوطني
أسامة الغزالى حرب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية التى تصدرها مؤسسة الأهرام الصحفية وعضو لجنة السياسات آنذاك قبل أن يتركها مؤخرا، حسام بدراوى أستاذ بكلية الطب جامعة القاهرة وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطنى، سليمان عبد المنعم أستاذ القانون الجنائى بجامعة الإسكندرية وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني، محمد سعيد الدقاق أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية ونائب رئيس الجامعة وأمين الحزب الوطنى بالإسكندرية، مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني، وأصبح لاحقاً عضو مجلس الشعب عن الحزب الوطني، جورجيت قليني، المحامية وعضو المجلس القومى للمرأة وعضو بالحزب الوطني، زينب رضوان أستاذة متفرغ الفلسفة الإسلامية جامعة القاهرة وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني ووكيل مجلس الشعب، ومني ذو الفقار عضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري وعضو مجلس إدارة بنك القاهرة، وعضو الحزب الوطني.
مجموعة رجال الدولة
جمال شومان، المدعى الاشتراكي السابق، وعضو الأمانة العامة لشئون لجان التوفيق فى المنازعات بوزارة العدل، سامية عبد الغنى المتيم نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، وعضو الحزب والوطني، عادل قورة رئيس محكمة النقض السابق وعضو الحزب والوطني، المستشار الراحل ممدوح مصطفى حسن رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق، محمد نعمان جلال سفير سابق، ومستشار الدراسات الإسترايجية الدولية وحوار الحضارات بمركز البحرين للدراسات والبحوث، وفهمى ناشد عبد المسيح المحامي لدى محمكة النقد ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا.
مجموعة المجتمع المدنى
بهى الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، حافظ أبو سعدة أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، محمد فائق الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، جلال عارف نقيب الصحفيين، وسامح عاشور نقيب المحاميين.
مجموعة المستقلين
أحمد يوسف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومدير معهد البحوث والدراسات العربية، صلاح الدين عامر أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، فؤاد عبد المنعم رياض الأستاذ بكلية الحقوق، هدى الصدة الأستاذ بجامعة عين شمس، وليلا تكلا رئيس مجلس أمناء برنامج حقوق الإنسان بالأمم المتحدة. بالإضافة إلى منير فخري عبد النور من حزب الوفد.
وفى أعقاب غياب عضوين عن المجلس نتيجة وفاة أحدهما وهو المستشار ممدوح مصطفى وتقديم الثانية استقالتها وهي الدكتورة هدى الصدة، تم تعيين اثنين مكانهما هما السفير أحمد عبد الفتاح حجاج (المنسق الوطنى لمشروع دعم القرار فى مجال حقوق الإنسان بالأمم المتحدة)، والثانى الدكتور نبيل أحمد حلمى (عميد كلية الحقوق جامعة الزقازيق).
هذه هى خريطة القوى الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني كما يراها مجلس الشورى. فيبدو أن رجال الدولة والحزب الوطني – وخاصة أعضاء لجنة السياسات – يشكلون نسبة كبيرة من هذه القوى والمنظمات، لدرجة أن تمثيله فى المجلس جاء متجاوزاً لثلثي الأعضاء تقريباً، ناهيك عن رأس المجلس الذى يمسك بتلابيبه رجال الدولة المخلصين. وحتى إذا نظرنا إلى بقية المجموعات سنجدهم بدرجة أو أخرى تم اختيارهم بعناية من العناصر المحافظة أو القريبة بدرجة ما من الدولة. ويبدو أن هذا التمثيل القوي لأعضاء الحزب الوطني في المجلس كان السبب وراء اختيار مقر المجلس بمقر الحزب الوطني علي الكورنيش تسهيلاً علي الأعضاء وإحكاماً في السيطرة.
هذه التركيبة الحكومية العجيبة التى تختصر آلاف من منظمات المجتمع المدنى فى خمسة عناصر فقط، فى حين تعطى لتنظيم أو تيار وحيد هو تنظيم الحزب الحاكم أكثر من ثلثى الأعضاء لا يمكن فى الحقيقة أن يكون مصادفة، وإنما يعكس سياسة الدولة ورغبتها فيما تريده من هذا الكيان وأي وظيفة يجب أن يقوم بها فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخه.
وتكتمل التركيبة العجيبة باختيار من سيشغل منصب الأمين العام للمجلس، وهو منصب في غاية الأهمية، لأنه يمثل اليد الخفيه التي تمسك بتلابيب الأمور كلها بما له من صلاحيات واختصاصات تسمح له بالإطلاع والتحكم فيما لا يمكن للأعضاء أنفسهم الإطلاع عليه. ولأن التركيبة جاءت كما رأينا يصبح من الطبيعي والسهل أن يشغل عنصر آخر من عناصر الدولة المخلصين منصب الأمين العام، حيث يتم اختياره من قبل الأعضاء في أول اجتماع للمجلس بعد التشكيل. وبالفعل تم اختيار السفير مخلص قطب (مساعد وزير الخارجية السابق) الذى استطاع الجناح الحكومى تمريره رغم معارضة بعض الأعضاء، وكانت هذه الواقعة بداية تأكيد الطابع الحكومى للمجلس، فها هو الأمين العام هو الآخر أحد الرجال البارزين للدولة والذي تربى فى أعتى جهاز حكومي هو وزارة الخارجية.
إنجازات المجلس في حقوق الإنسان
خلاصة عمل الثلاث سنوات الماضية للمجلس ليس لها في الحقيقة أي علاقة بحقوق الإنسان من بعيد أو قريب، فالمتبع لبيانات المجلس وتقاريره وفعالياته المختلفة يكتشف علي الفور الدور الحقيقي له في تبييض وجه نظام مبارك القبيح وصحيفة سوابقه في مجال حقوق الإنسان. الأمر الذي يجعل المجلس ليس سوي أحد أجهزة الدولة المتخصصة في خدمتها.
بدا ذلك واضحاً في الطريقة التي يعمل بها المجلس، فكما تعلن رئاسته وأعضائه في الصحافة علي شاشات التليفزيون دائماً بأن المجلس لا يمتلك أي سلطة تنفيذية وإنما سلطته استشارية فقط، ينقل إلى الحكومة شكاوي المواطنين، ويوصل إليها تقارير عن الانتهاكات التي تحدث. بالبلدي يعني هم يريدون القول أن المجلس لا يعدو كونه “بوسطجي”. هذا هو بالضبط عمل لجنة الشكاوي – أكبر لجان المجلس – التي ينصب كل عملها على تلقي الشكاوي من المواطنين وإرسالها إلى المسئولين، وانتظار الرد، الذي غالباً ما يأتي “اصطنبة” واحدة تفيد بأن جميع المسائل تمام التمام ومافيش أي مشاكل!! ويدرج عدد الشكاوي والردود بالآلاف في التقرير السنوي للمجلس كدليل على النجاح الباهر له وإسهاماته الجبارة في حماية حقوق الإنسان.
ويعد التقرير السنوي للمجلس الوثيقة الأساسية التي يعدها المجلس، وهي عبارة عن رصد لنشاط المجلس خلال العام المنصرم وموقفه من أهم القضايا. ويقدم رئيس المجلس التقرير لرئيس الجمهورية في مارس من كل عام، ويتم ترجمته إلى الإنجليزية والفرنسية ويرسل إلي جميع السفارات المصرية في العالم لعمل الدعاية اللازمة.
ومن المفروض أن يعد هذا التقرير أعضاء المجلس ليعكس نشاطهم. لكن الواقع شئ آخر تماماً. فلأن التركيبة كما ذكرنا، ولأن الأعضاء لا يقومون بأي نشاط اللهم سوي الاجتماع الشهري الذي يحضرونه للحصول علي المكافأة (3000 جنيه)، فالتقرير يعد بالكامل بواسطة الأمانة العامة التي تستعين بما تراه مناسباً من الباحثين من داخل أو خارج المجلس. وبالطبع فمسودة التقرير تعرض أولاً على أجهزة الأمن لتقول رأيها أولاً، ثم أخيراً يعرض على الأعضاء ليقروه. ويصدر التقرير في النهاية تحية للحكومة على حسن تعاونها مع المجلس فيما يبديه من ملاحظات على حالة حقوق الإنسان في مصر (راجع تقريري المجلس الأول والثاني).
ومواقف المجلس في الأحداث الكبري الذي عبر عنها بياناته وتقاريره النوعية تصب في نفس الإناء الذي يغتسل منه النظام لتبييض وجه. خذ عندك مثلاً موقف المجلس من قضية التحرش بالصحفيات علي سلم نقابة الصحفيين من قبل بلطجية الأمن أثناء مظاهرة التنديد بتعديل المادة 76، تمخض المجلس فأصدر بياناً أدان فيه جميع المتظاهرين والبلطجية ووصف المشهد بأنه غير حضاري!! يعني اللوم علي المقتول. مثال آخر أفصح عنه تقريرا المجلس عن الانتخابات الرئاسية وعن البرلمانية والذين أشادا بالتجربة الديمقراطية الجبارة للسيد الرئيس. ولم يفوت المجلس توجيه التحية لوزارة الداخلية على تعاونها مع المجلس في التعامل مع البلاغات التي أرسلها المجلس من خلال الغرفة الوهمية لمتابعة الانتخابات التي أنشأها المجلس. وسكتت تقارير المجلس عن التزوير بالجملة الذي حدث لصالح الحزب الوطني سواء عن طريق التلاعب في نتائج الانتخابات أو البلطجة أو التدخلات الأمنية في عملية التصويت.
مثال ثالث كان أثناء مذبحة السودانيين التي نفذها الأمن ضد اللاجئيين السودانيين مع نهاية عام 2005، فكان كل مافعله المجلس بعد شهرين من المذبحة عقد جلسة استماع دعى إليها سفاحي الداخلية وممثلي وزارة الخارجية ليشرحوا مبرراتهم. ثم قام وفد من المجلس بزيارة للمعتقلات السودانيات في سجن القناطر وكفي الله المؤمنين شر القتال حتي أن الوفد “كسل” عن زيارة المعتقلين السودانيين في باقي السجون.
الأمثلة كثيرة وجميعها تؤدي إلي نتيجة واحدة، مفادها أن المجلس المسخ الذي أطلقوا عليه قومي ثم حقوق إنسان، لم يكن سوي مجلس الحزب الوطني لحقوق النظام المصري.