الميدان والمصنع إيد واحدة
(1)
كانت الفترة بين 29يونيو، عندما اعتدت الداخلية على أهالي الشهداء، والأول من أغسطس، والموافق أول رمضان، حيث تم فض الاعتصام بالقوة، وبأقصى درجة من التنكيل والاستهانة والاستعراض، فترة فرز حقيقي بين صفوف الثوار. إن الجمهور الأساسي للمعتصمين هو من الكادحين الحقيقيين، عمال، وفلاحين، ومهمشين، وهو ما انعكس في الشعارات المرفوعة ولافتات الخيام، التي حملت اسماء مناطق، ونقابات مستقلة.. وانعكس قبل ذلك في وجوههم التي لم تعجب بتوع الفضائيات.
القوى السياسية التي تضامنت مع الاعتصام، يمكن ان تُصنف كقوى يسار بالمعنى الواسع، فإلى جانب القوى المعروفة: اشتراكيون ثوريون، حزب العمال، حزب التحالف الشعبي، الاشتراكي المصري، ناصريون…كانت قوة الاعتصام والمد كفيلة بجذب قوى كانت تُحسب على الليبراليين، مثل حركة 6أبريل، لترفع شعار الفقراء أولا، لترتعش ارجل المجلس العسكري، ويقرر ان تكون أول ضحاياه في محاولته الفاشلة للتشهير بالقوى السياسية. يضاف إليهم تنويعات من الفنانين والادباء والمثقفين، والمهنيين الذين شكلوا لجان وائتلافات خاصة بهم.
كانت خطة المجلس العسكري هي دفع الحملة الإعلامية لتشويه الاعتصام، وذلك زرع عدد غير قليل من المخبرين، ربما يكون “سلاح” جديد في الجيش، ليس للاندساس فحسب بل وعند المداخل، والمنصات، لتوجيه الهتافات وجس النبض، وكذلك بعض الباعة، لحين الاشتراك في الانقضاض على الاعتصام كما حدث بالفعل.
أخيرا، وبعد محاولات أظنها كثيرة جاءت الفرصة بقرار النسبة الأكبر من القوى السياسية فض الاعتصام، ومع الاحترام لموقفها، إلا أن حقيقة كون الاعتصام تضامنا مع أهالي الشهداء كانت تحتم الوقوف معهم لآخر نفس، لأن تركهم كان يعني فقدهم الثقة في السياسيين كلية، وخضوع معظمهم لتهديدات ومساومات الداخلية التي لم تنقطع. وكان فض الاعتصام في هذا التوقيت وهذه الطريقة، اكبر دليل على عجز المجلس عن فضه طيلة شهر، رغم انخفاض عدده نسبيا، حتى في فترات الصباح الباكر.
على الجانب الآخر، كانت الإضرابات العمالية مستمرة تحقق مطالبها، المحدودة احيانا، من صرف حوافز أو رفع بدلات، والمطالب الأكثر عمومية، مثل الحق في التثبيت، والحد الأدنى للأجور، واسترداد الشركات المنهوبة، والاستقلال النقابي، ولم يردعهم قمع او محاكمات أو تشهير إعلامي، حتى جاءت الضربة القاضية للاتحاد الأصفر.
الجسر الواصل بين المصنع والميدان كان هو الفيصل في معركة إسقاط مبارك.. وتدعيم هذا الجسر من جديد هو الفاصل في المعركة القادمة، التي لا يمكن التراجع عنها.
(2)
في اعتصام السفارة الإسرائيلية لم تلحظ عيناي اية لا فتات موقعة باسم موقع عمالي، كما ان الحملة ضد المحاكمات العسكرية، لم تنجح في تكوين جبهة جماهيرية، رغم ان القمع والمحاكم العسكرية، طالت النشطاء والمدنيين والعمال.
كما تعرض اعتصام 8 يوليو – واعتصامات صغيرة قبله – ولم تحدث إضرابت عمالية تضامنية، وبالعكس، لم تحشد القوى المسيسة للتضامن مع إضراب السكة الحديد على سبيل المثال.
الجسر الواصل بين الميدان والمصنع، لا يمكن افتعاله، لكن في الوقت نفسه لا يمكن إنكار وجوده، وإنما الأصح هو أن نتبين نقاط الضعف، والقوة في هذه الصلة التي تتكون بين الميدان والمصنع.
في الوقت نفسه، هناك ظروف موضوعيه، تجعل هذا الرابط بين النضال في الميدان والمصنع يلتقي إن آجلا أو عاجلا. فالمطالب التي خرجت من أجلها الجماهير في يناير، كانت “عيش..حرية..عدالة اجتماعية”، وهي شعارات استطاعت بالفعل حشد تحتها الغالبية العظمى من الشعب، من العاملين بأجر.
ما العمل:
إن أي حزب لا يؤمن إيمانا عميقا متماسكا بوحدة المعركة في الميدان والمصنع، لا يمكن أن ينجح في تكوين هذا الجسر، وإن التفت إلى المعركة الاجتماعية، والنضالات العمالية فيكون ذلك استجابة لحركتها المتنامية، وسيتراجع اهتمامه بتراجعها.
والأمر لا يقتصر على وحدة المعركة، ولكن ايضا على توقيت النضال، أي بحتمية الربط التام بين النضال الديمقراطي والاجتماعي، دون طرح مسألة الثورة على مرحلتين، “يا عم عايزين ديمقراطية بس وبعدين كل حاجة هتيجي بعدين!”
ينعكس الأمر بالطبع في طبيعة البرنامج المقدم من الحزب، وماهي رؤيته للتغيير، إلا ان الأهم هو ترجمة كل ذلك عمليا.
لعل حملة استرداد الشركات المنهوبة، خطو ة على الطريق الصحيح، واظهرت درجة عالية من الوعي في الشارع، الذي لن يقتنع بشعارات عن “الدستور أولا…ومدنية/دينية” كما لن يقتنع بوعود الرخاء المؤجلة، وإنما يطالب بتغيير السياسات الاقتصادية تماما.
في الاتجاه نفسه يسير العمل في الأحياء الشعبية، فحملة عدم دفع رسوم الزبالة المحملة على ايصالات الكهرباء، وقبلها حملة تطهير المحليات، تربط بين قضية ديمقراطية، هي انتخاب المحافظين والمجالس المحلية، وقضية اقتصادية تتمثل في الخدمات المباشرة التي تمس حياة المواطن اليومية.
فكرة اتحادات المعطلين، يدعمها نموذج حركة المعطلين في المغرب، قطعت أشواطا في الحشد والتنظيم، فهي التي تجمع ملايين الشباب حول الحق في العمل، وبالتالي في مواجهة السياسات الاقتصادية للنظام.
مهمة الثوريين هي أن نأتي بمن في المصنع للميدان، ونأتي بمن في الميدان للمصنع. وذلك بواسطة الخطاب المبدئي البسيط والمباشر، الذي لا يفصل بين كل مطالب الثورة، ولا يقسمها إلى مراحل ولا يفتتها إلى ملفات. ربما تكون الحملات، مثل حملة استرداد الشركات، والحد الأدنى للأجور، والتأمينات… هي الأكثر عبقرية وعملية، لكن الامر يحتاج أيضا إلى الدعاية البسيطة المباشرة، بأن “الميدان و المصنع..إيد واحدة”