النظام المصري.. مزيد من القمع والتفاوت الطبقي
لم يعد خافياً على أحد ذلك التزايد غير المسبوق في استخدام أحكام الإعدام في مصر في قضايا مختلفة، فالأرقام تشير إلي أنه في الفترة من 1981 وحتي 1990 صدر 179 حكم بالإعدام نٌفذ منها 35 حكم، و530 حكم في الفترة من 1990 و 2000 نٌفذ منها 213 حكم، وكذلك صدر 108 حكم سنة 1999 وحدها، و383 حكم بين عامي 1996 و 2001 بمعدل 76 حكم سنوي، و رغم أن هذا يُعد معدل مرتفع للغاية إلا أنه يتضاءل بجانب عدد أحكام الإعدام في النصف الأول فقط من العام الحالي والذي بلغ أكثر من 80 حكما بالإعدام.
ذلك التزايد في معدلات استخدام أحكام الإعدام يتم تقديمه في وسائل الدعاية الحكومية على أساس أنه اتجاه نحو مزيد من الحزم في مواجهة المجرمين الذي يهددون أمن المجتمع وسلطة الدولة والقانون، بينما هو في الحقيقة ليس إلا دليل واضح على فشل الدولة في منع أسباب الجريمة مسبقاً قبل وقوعها، فتزايد معدلات الجريمة هنا هي دليل على وجود خلل في المنظومة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، وهي ذلك الدليل الحي والمتجدد على تخلي الدولة عن فقراء هذا الوطن وانحيازها لرجال الأعمال.
فالدراسات تشير إلى أن نسبة 44.9% من المتهمين بجرائم الاغتصاب وهتك العرض، و51.7% من المتهمين بجرائم تعاطي والاتجار في المخدرات، و46.4% من المتهمين بجرائم سرقات المساكن، و64.7% من المتهمين بجرائم سرقة المتاجر، و51.8% من المتهمين بجرائم سرقة السيارات سنة 1996 هم من المتعطلين عن العمل، فإذا كان هذا هو الوضع منذ 13 عام، فكيف هو الآن وقد بلغت نسبة السكان الذين يعيشون على إنفاق ما يوازي دولارين في اليوم الواحد إلي 43.5% من إجمالي عدد السكان في مصر.
وفي محافظة مثل أسيوط مثلا تبلغ نسبة الفقراء فيها 58.1% من إجمالي عدد السكان هناك، أما محافظة سوهاج فتبلغ نسبة الفقراء هناك 45.5%، كما يسكن 10.3 مليون شخص في أفقر 1000 قرية وفقاً لدراسات الحكومة ذاتها، هذه الأوضاع المعيشية والحياتية السيئة التي تنتهك أدمية الإنسان كل يوم من أيام حياته والتي تعكس حالة التجاهل التام من الدولة التي توجه طاقتها بالكامل لدعم رجال الأعمال ولحماية مصالحهم، هي المصدر الأساسي لهذه الجرائم التي نراها كل يوم، فرغم “تعملق” جهاز الأمن الداخلي في العقود الأخيرة حتى بلغ عدد العاملين في وزارة الداخلية 800 ألف شخص معظمهم من العسكريين، هذا بالإضافة إلي 450 ألف جندي يشكلون قوات الأمن المركزي، رغم هذه الضخامة المفرطة في حجم قوات الأمن الداخلي إلا أنها عديمة الفائدة في مجال حفظ أمن المواطن، فهي ليس أكثر من أداة للقمع في معظمها، فجرائم التعذيب التي تحدث بشكل مستمر في أقسام الشرطة في الأحياء والقرى والمدن المختلفة تؤكد أن دور الشرطة هي إرهاب المواطن، هيبة الدولة تأتي من إرهاب المواطن، هكذا يفكر هؤلاء، وجنود الأمن المركزي ليسوا سوا أداة لحصار بؤر الاحتجاج الساخنة، الجامعات، العمال المضربين عن العمل والمعتصمين في مصانعهم، النقابات، الفلاحين المحتجين على عودة الإقطاع والاستيلاء على أراضيهم في سراندو وبهوت وكمشيش، وبالتالي فتعملق جهاز الأمن الداخلي -أمن النظام في الواقع- بلا أي فائدة في حفظ أمن المواطن، بل هو على العكس يتضافر مع ظروف الفقر والظلم الاجتماعي في خلق معاناة هذا المواطن.
ظروف مثل هذه ستؤدي بطبيعة الحال إلي ارتفاع معدلات الجريمة داخل هذه الأوساط، البلطجة وجرائم السرقة بالإكراه والقتل والتحرش والاغتصاب وتجارة المخدرات كل هذه الجرائم تنتشر بسبب الفقر والقمع والقهر الاجتماعي والأمني، والدولة عندما تحاسب هؤلاء على جرائمهم فإنها هنا ترتكب جرائمها مرتين، الأولي عندما حرمتهم من حياة كريمة أدمية، والثانية عندما عاقبتهم على جرائم ارتكبوها -في معظم الحالات- بسبب ظروف لم يخلقوها هم، بل خلقها النظام.
الفقر والقهر الاجتماعي ليسا وحدهما المسئولان عن رفع معدلات الجريمة، فالإحساس المترسخ لدى البعض بأن الإفلات من العقاب أمر وارد و هين بسبب العلاقة مع النظام أو مع أطراف من النظام يؤدي في كثير من الأحيان إلى ارتكاب جرائم بشعة، ينكشف بعضها ويتوه البعض الأخر في متاهات النظام، مثل قضية هشام طلعت مصطفي ومقتل سوزان تميم، وكذلك جريمة القتل في مول أركيديا والتي جرت منذ عدة سنوات بين مجموعة من “شباب” رجال الأعمال، مثل هذه الجرائم لن يحلها تغليظ العقوبة، فمكافحة الفساد وإلغاء أسباب الإحساس بالتفوق والغلبة حتى على القانون هي الوسيلة لمنع هذه الجرائم، فهذه الجرائم ما يكشف منها أقل بكثير مما تخفيه سراديب النظام.
سياسات تغليظ العقوبة هنا في مواجهة كل هذا الخراب الاجتماعي ليست دليلاً على سيادة العدل، ولكنها صورة جديدة لعنف الدولة ضد المجتمع، هي دليل على عجز النظام عن إيجاد أي حلول لمشاكله إلا إشهار العصا في وجه الجميع، وكأن هذا يجدي.