بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

النظام المصري والجزائري: وجهان لعملة واحدة

طالما استخدم النظام الحاكم كرة القدم كوسيلة لزيادة شعبيته ولإلهاء الجماهير وتسليتها عما تعانيه في حياتها. وفي ظل الوضع المأزوم للنظام، الذي يعيش على حماية أجهزته الأمنية، وفي ظل أزمة عالمية اقتصادية تحوم آثارها حول الاقتصاد المصري الهش والضعيف، تأتى مشكلة الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة لرئيس تعدى الثمانين عاماً، وابن وريث يلقى معارضة شعبية – في حين يلقى توافق وقبول من رجال الأعمال ومعظم الرأسماليين الكبار. وقد وجد النظام المصري في المباراة مع الجزائر مناسبة جيدة للّعب على أوتار الوطنية لحشد المصريين للتوحد معه “على قلب رجل واحد” وراء المنتخب الوطني.

ومن هنا كانت مظاهر الاستغلال السياسي والاعلامي في منتهى الوضوح والمباشرة والفجاجة. يكفي الإشارة إلى زيارة السيد الرئيس مبارك لتدريبات المنتخب قبل المباراة الأولى وتشجيعه لهم، وتصريحه الأخير بصرف 6 مليون جنبها مكافأت للاعبين بالرغم من خسارتهم لأدائهم الرجولي المشرف، مرورا بتصريح مدرب الفريق المصري بإهدائه فوز المباراة الأولى إلى الرئيس مبارك، والإشارات الواضحة من قبل وسائل الإعلام إلى دور مبارك في الفوز العظيم. على سبيل المثال: المصري اليوم في 17/11 الماضي “المنتخب فاز بالقرآن ودعاء 80 مليون ونصائح الرئيس مبارك”.

هذا بالنسبة للرئيس. أما بالنسبة للوريث وشقيقه، فأثناء المباراة قد بدوا وكأنهم داعمي المنتخب، أولاً بظهورهم في المدرجات، والتفات الكاميرات إلى وجوههم المبتسمة بعد كل هدف للمنتخب، وتصريحاتهم التشجيعية التي ملأت صفحات الجرائد.

أما بعد مباراة السودان بدا الشقيقان وكأنهم الأشد حرصا على كرامة المواطنين. يكفي الإشارة إلى التصعيد الذي جاء من طرف علاء مبارك ضد الجزائر، و تحريضه ضد دولة بأكملها و طالبته بالكف عن “التحسيس و الطبطبه” على الدول العربية، في موقف يثير الإعجاب حين نتساءل عن حصة إسرائيل من ذلك التحسيس وتلك الطبطبة!

لقد كان النظام الحاكم في احتياج إلى نصر رياضي يعزز مكانته السياسية المهتزة أمام المعارك القادمة من انتخابات وتوريث وخلافه، وفى حاجة إلى مشروع قومي يوحد طبقات المجتمع المصري وراء حلم واحد يقلل من حدة الصراع الطبقي المشتعل ويهيئ الأرضية لتدعيم مكانة جمال مبارك كمرشح شعبي للرئاسة، أو على الأقل استخدام الكرة كوسيلة للإلهاء لمدة طويلة قادمة. لكن مع هزيمة المنتخب استغلت الطبقة الحاكمة الفرصة في شحن التعصب القومي، وتوجيه الغضب المستعر ضد دولة الجزائر، واستعارة دور المدافع عن مصالح الشعب المصري المُعتدى عليه.

هذا فيما يخص النظام المصري، أما بالنسبة للنظام الجزائري فهو من القمعية والسلطوية والفساد والديكتاتورية بحيث ينافس نظيره المصري، وله سجل أسود في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان ناهيك عن تطبيق سياسات الخصخصة والليبرالية الجديدة التي أنهك بها الشعب الجزائري.

في الأيام الفاصلة قبل مباراة السودان عمد النظام الجزائري إلى استخدام نفس أساليب الحشد والتعبئة ضد المنافسة التي اتبعها النظام المصري، غير أن النظام الجزائري -الذي جند طائراته الحربية لنقل المشجعين، وخفض من أسعار التذاكر بشكل كبير- توجه إلى شريحة مختلفة عن تلك التي حشدها النظام المصري، فلم يحشد الفنانين والمغنين وجماهير الشرائح العليا من الطبقة الوسطى وأولاد الذوات، ولكنه عمل على حشد الآلاف من الفئات الشعبية المهمشة، التي تم تعبئتها بخطاب عنصري، وتم تغذية هذا الخطاب بالتهويل مما تعرض له الجزائريون في مصر. كما تم التعبئة ضد المصريين “الخونة المتعاونين مع اليهود والصهاينة” والمحاصرين للشعب الفلسطيني في غزة، وهو خطاب قد يكون صحيحاً بالنسبة للنظام الحاكم، لكنه لا يمكن أن يصدق على الشعب المصري، الذي يعاني من قمع واستبداد نظام مبارك.

النظام الجزائري الحاكم لا يختلف عن نظيره المصري فكلاهما نظام استبدادي، قمعي، لا يهدف إلى بقاءه واستمراره بغض النظر عن الوسيلة، حتى لو كانت إذكاء روح التعصب والعنصرية، فالنظام الحاكم في مصر الهادف لتوريث الأبن سلطة الأب، لا يختلف عن نظيره الجزائري الهادف إلى توريث السلطة لأخ الرئيس بوتفليقة، العجيب في الأمر أنه في هذه المعركة الكروية برزا كلا الوريثين “مبارك الابن” و”بوتفليقة الأخ” بقوة على مسرح الأحداث، الاختلاف بين النظامين يبدو فحسب في التفاصيل، حيث رغب النظام الجزائري في كسب شعبية عن طريق دعم تذاكر الطيران للسودان لتكون مناسبة لجمهور الكورة الفقير، بينما عمد نظام مبارك، إلى حشد أعضاء الحزب الوطني، “رجالته”، بعض رموز الفنية، بعض الشخصيات العامة، وعلى رأسهم جمال وعلاء مبارك.

هكذا تضافرت خيوط السياسة بالرياضة لترسم لنا هذه اللوحة الكثيفة من العنصرية والتعصب بين مشجعي بلدين شقيقين لخدمة أهداف وأغراض الطبقة الحاكمة فى كلا من البلدين، إلا أنه ينبغي الاعتراف بتفوق النظام المصري على نظيره الجزائري في كثافة وفجاجة عنصريته.

انتهت مباراة السودان بإطلاق الحكم صافرة النهاية، وأصبحت النتيجة ليست فقط تأهل الفريق الجزائري لكأس العالم وإنما أيضاً إلهاء جماهير الشعبين بوضع أكاليل الغار على رؤوس لاعبي الجزائر وتاج اللعب المشرف والرجولي على رؤوس لاعبي مصر، بدلا من وضع الخبز في أيدي مواطني الشعبين.