بدعم أمريكي وشراكة معارضة مزيفة
النظام يزداد توحشاً
قنابل مسيلة للدموع، رصاص حي، جرحى بالعشرات ومعتقلين بالمئات. هكذا يواجه النظام الحملة الدعائية لمرشحي الإخوان المسلمين. كان الكل، بما فيهم الإخوان، يتوقعون ذلك، بل أن الأيام الباقية قبل الانتخابات ستشهد دون شك تصعيداً لهذا القمع الهمجي، والتضييق المنهجي لقدرة الإخوان على الحركة. وكل ذلك كمقدمة لانتخابات مزورة، ستقلص من الوجود الإخواني في مجلس الشعب، إن لم تقصيه بالمرة. ولكن ما الجديد هذه المرة؟ كيف تختلف 2010 عن 2005؟
تختلف أولاً في كون النظام قد نجح في إستخدام الإخوان في 2005 كــ”فزَّاعة” لتخويف الغرب، من إمكانية وصول الإسلاميين للسلطة، وبالتالي فرض نفسه كبديل وحيد لإبقاء التحالف الاستراتيجي المصري الأمريكي، والذي تحتاجه إدارة أوباما الضعيفة أكثر من أي وقت سابق. ولذلك نجد الإنتقادات الأمريكية والأوروبية للقمع الحالي وللتزوير القادم لا تتعدى المناشدات الخافتة والمحدودة. ومن يقرأ مقال يوسف بطرس غالي في جريدة الواشنطن بوست سيرى بوضوح أن موقف النظام أصبح أقوى كثيراً اليوم، مقارنة بموقفه في 2005. فهو يقول بصراحة للأمريكان أنه لا بديل للحزب الوطني فإما مبارك وحزبه أو الطوفان وحكم الملالي.
الاختلاف الثاني عن 2005 هو النمو السريع لمعارضة ليبرالية متمثلة أساسًا في حزب الوفد “الجديد”، وهي معارضة مدججة بالمال والإعلام الخاص المرئي والمنشور. وهي معارضة من نوع خاص، لعب النظام دورًا أساسيًا في دفعها للصفوف الأمامية. هذه هي المعارضة التي يريدها النظام في مجلس الشعب، معارضة ليبرالية رأسمالية لا تختلف مع النظام في شيء فهي تريد الإبقاء على التحاف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة (راجع، مثلا، دور الإعلام البرجوازي المستقل في حملات الترهيب ضد حماس وحزب الله وإيران والشيعة وحتى الجزائر) وكيف يكون الأمر غير ذلك، فمصالح رأس المال سواء المنضوي تحت راية الحزب الوطني، أو “المعارض” تربطه بالفعل مصالح استراتيجية اقتصادية مع الغرب لا يمكنه المجازفة بها.وهذه المعارضة بالطبع لا تختلف في شيء مع النظام في السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة التي ينتهجها النظام فثرواتهم هي نتاج لتلك السياسات.
ولكن ماذا عن ليبراليتهم المزعومة؟! إنهم يتحدثون طوال الوقت عن الديمقراطية، والإنتخابات النزيهة، وضرورة الإصلاح الدستوري، إلى غير ذلك من الشعارات الليبرالية المعروفة. ولكن كما عودتنا المعارضات الليبرالية في مختلف أنحاء العالم، وعبر تاريخ القرن الماضي فهذه الشعارات تخفي ورائها خوفاً جسيماً من أي تغيير. فالليبرالي يحب الديمقراطية ولكنه يخاف منها يخاف من تدخل الجماهير في السياسة، يخاف من مواجهة الإستعمار، بينما يفضل دائمًا الحلول الديبلوماسية الرقيقة، ومقابلات السفارات بالبدل الرسمية، يحب أن يظهر للمستعمر أنه يتحدث لغتهم وينتمي لحضارتهم، وليس مثل “ذوي اللحى المتطرفين البدائيين أو الفقراء الأميين”، يخاف من الثورة و”الفوضى” والانفجار- الليبرالي ببساطة يخاف من خياله- سيتحدث عن الديمقراطية ثم يرتمي في أحضان الأمن عند أول مظاهرة. هذه هي المعارضة الجديدة في مصر. وهي لا تقتصر على الوفد بل تشمل الغد والجبهة، وحتى والتجمع والناصري، بوضعهم الحالي، وربما لو كان الدكتور البرادعي قد بقي في البلاد لكان ممثلاً نموذجياً للمعارضة الليبرالية الرقيقة التي يريدها النظام، بدليل موقفه من أحداث 6 أبريل، والمظاهرة الصامتة في الأسكندرية!.
هذه المعارضة لم تجد أي مشكلة في التعاون مع الأمن للتخلص من إبراهيم عيسى، بهدف القضاء على الخط التحريري للدستور، ولكتم أي أصوات أو أقلام معارضة جادة، في جرائدهم وقنواتهم التلفزيونية، ثم يتحدثون بكل بجاحة وثقة عن الحرية والديمقراطية. ولن تجد أيضاً أية غضاضة في أن يتم التزوير لصالحهم وضد الإخوان في الانتخابات.
إذاً فهذا هو المشهد: قمع وتقليص وربما إقصاء الإخوان عن مجلس الشعب، استبدال الإخوان في المجلس بالمعارضة الجديدة الموصوفة أعلاه، ومجلس شعب جديد يعبر بحق، نظاماً ومعارضة، عن مصالح رجال الأعمال وهذا يأتي بنا للاختلاف الثالث بين 2010 و2005، وهو ما يعطي أملاً حقيقيًا للتغيير في هذه الأيام السوداء وهو استمرار موجة الاحتجاج الاجتماعي، وعلى رأسها العمالي. وقد أصبحت بالفعل عنصرًا أساسيًا في المشهد السياسي ولكنه عنصراً منفصلاً بشكل تام، عن مهرجان الانتخابات. هذه الحركة رغم استمرارها وتوسعها مازالت تفتقد منبرًا يعبر عن مصالحها، منبرًا للعمال والفلاحين الفقراء، منبرًا يمكنه أن يواجه أعداء الجماهير سواء في شكلهم الحكومي، أو في شكلهم الليبرالي، ويمكنهم في الوقت ذاته أن ينافس الاتجاه الإصلاحي للإخوان، ويطرح بديلاً مقنعاً لرؤيتهم الدينية المحافظة، بديلاً يطرح رؤية برنامجية واضحة تعبر عن المصالح التاريخية للجماهير. هذا هو ما يجب أن يركز عليه ويناضل من أجله كل اشتراكي اليوم بالارتباط بالجماهير في معاركهم المباشرة والربط بينها وبين برنامج سياسي مستقل وشامل، وليس بالإرتماء في أحضان أحد، سواء كان الإخوان أو بالطبع الليبراليون أعداء الجماهير.
هل يعني ذلك، الانعزال عن معارك البرلمان، والتركيز فقط على ذلك المشروع طويل الأمد؟ بالطبع لا، فعلينا أن نشارك بقدر استطاعتنا في فضح ومواجهة حملة القمع الأمني، وعلينا فضح أبرز رموز النظامن والاستفادة من فترة الدعاية الانتخابية، في التشهير بهم وبجرائمهم ضد الشعب، وعلينا النضال مع الجماهير الذين سيمنعون بالقوة من دخول اللجان الانتخابية للإدلاء بأصواتهم. كل ذلك يمثل مهام مباشرة ولكن علينا أيضاً أن نستعد للمدى الأطول وألا نحبط أو نهتز مهما فعل النظام، وحلفائه الجدد بل أن نعمل بدأب وإصرار على أن يصبح لجماهير العمال والفلاحين حزبهم السياسي.