القضاء الذي اختار أن يكون «شامخا»

الآن يستطيع القاضي “الشامخ” أن يستريح على مقعده الوثير، فقد أدى واجبه من جديد كما يجب أن يكون “الشموخ”؛ الشموخ في تنفيذ دوره المرسوم في دولة الظلم هو شعارها و”لانحياز لمصالح الطبقة الحاكمة هو نبراسها، ها هو القضاء يلعب دوره كأروع ما يكون.
فها هي محكمة جنح سيدي جابر برئاسة قاضيها “الشامخ جدا” المستشار أحمد عبد النبي تقوم بالحكم بـ 11 عاما سجن على 14 فتاة بتهمة التظاهر في الطريق العام وبعد اٌقل من شهر من توجيه التهمة إليهم، وقامت أيضا في نفس اليوم النيابة العامة الذي تقاسم القضاء شموخه بحبس طالب ثانوي في مركز البرلس الذي يقع في محافظة كفرالشيخ لمدة 15 يوما على ذمة التحقيقات على الجرم الكبير الذي ارتكبه في حق الإنسانية وحق العالم الذي نعيش فيه وهو امتلاكه “مسطرة” عليها شعار رابعة!
نعم نختلف مع الإخوان، ونعم نقول أنهم أجرموا في حق الثورة وفي حق الشعب في الفترة التي حكم فيها محمد مرسي ويجب أن يحاسب كل من أجرم منهم على جريمته، ونعم نقول أن مرسي الذي يطالبون بعودته هو رئيس فاقد للشرعية بعد أن خرجت ضده الملايين لإسقاطه في انتفاضة شعبية كبيرة في 30 يونيو الماضي قبل أن ينقلب العسكر في 3 يوليو على هذه الانتفاضة، ولكن إنسانا صاحب ضمير أبدا لن يقبل أن يكون الحكم على من يتظاهر سلميا مهما رفع من شعارات، أو على طالب لحيازته “مسطرة” عليها شعار سياسي.. إنها ببساطة مبادئ العدل التي ننادي بها والتي هي تختلف تماما عما يتبعه قضاؤهم “الشامخ” الذي ترتكز على الانحياز إلى الطبقة الحاكمة التي يعد النظام القضائي الحالي أحد أدوات حماية مصالحها.
إن ما يثير الغثيان ويكشف هذا النظام على حقيقته ويفضح بشكل أكبر دور القضاء فيه هو حكم نفس القضاء “الشامخ” بالبراءة للواء السفاح حسن عبد الرحمن، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق، من التهم التي وُجهت إليه، وقد صدر هذا الحكم في اليوم التالي للحكم على فتيات الإسكندرية. من منا لا يعرف حسن عبد الرحمن، ومن منا لا يعرف جرائم التعذيب والانتهاكات ضد الإنسانية التي كانت تحدث في عهده – ولازالت تحدث تحت مسمى جهاز الأمن الوطني حاليا – ضد المصريين بهدف حماية النظام السياسي الفاسد. من منا لا يتذكر جرائم القتل التي ارتكبها هذا الجهاز سيء السمعة مثل قتل الشهيد سيد بلال وغيره من الشهداء تحت وطأة التعذيب، ورغم كل هذه الجرائم فإن القضاء “الشامخ” مازال يرى أن المجرم حسن عبدالرحمن بريء حتى اللحظة!
وليست القضية السابقة هي الوحيدة التي تظهر تناقض أحكام القضاء الشامخ حسب موقع أطراف القضية من السلطة؛ فها هو قناص العيون الضابط محمد الشناوي الذي صورته الكاميرات وهو يحصد عيون العديد من الثوار وُجهت له تهمة الشروع في القتل ينال فقط حكما بالسجن 3 سنوات! وبالرجوع بالذاكرة للوراء قليلا سنجد أن قتلة الشهيد خالد سعيد قد حصلوا على حكم بالسجن 7 سنوات فقط بينما فتيات الإسكندرية فقد حصلت كل منهن على حكم بالسجن 11 سنة فقط لأنهن تظاهرن!
على الجانب الآخر فإن نفس القضاء “الشامخ” الذي يخدم من بالسلطة هو من حكم في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي على المناضل الثوري السكندري حسن مصطفى بالسجن سنتين بتهمة ملفقة له وهي التسبب في “احمرار خدود وكيل النيابة أحمد درويش” الذي حصل على تقرير طبي يفيد بأن احمرت خدوده بعد واقعة الاعتداء المزعومة بـ 4 ساعات ! نفس القضاء الذي يلاحق الإخوان الآن هو من كان يلاحق خصومهم السياسيين عندما كانوا في السلطة! فقد كانوا خصوما للنظام ككل، وليس فقط لمندوب الإخوان في الرئاسة – محمد مرسي.
ولا يغيب عن أحد كم الفساد الذي يدب في مؤسسات الدولة المختلفة، وبدلا من أن يطبق القضاء “الشامخ” العدالة معصوبة العينين بين الخصوم، نجده يكتفي بأن يعصب عينيه فلا يرى – متعمدا – الفساد المستشري في كل أركان الدولة، الفساد الذي يحميه نظام مجرم يعد القضاء أحد دعائمه الأساسية.
إن جرائم “الشامخ” ضد العدالة حاليا لا يمكن اعتبارها مجرد استثناءات فردية من القاعدة العامة؛ بل أصبحت هي القاعدة من قضاء منحاز للسلطة ضد الشعب، قضاء رضى بأن يكون أداة في أيدي الحكام للتنكيل بخصومهم، قضاء اختار أن ينحاز لدولة ظالمة يسعى كل ذي ضمير للثورة على فسادها، وقضاء بمثل هذه المواصفات هو أبعد ما يكون عما نحتاج؛ فنحن لا نحتاج قضاءا “شامخا” لتحقيق “السلم الاجتماعي” والقضاء على الفساد. بل أن كل ما نحتاجه هو قضاء “عادل” لا ينحاز سوى للحق.. والثورة هي الحق.