الأستاذ نبيل الهلالي يحدد المتهمين الحقيقيين في حادثة قطار دهشور

بقلم: أحمد خليفة وبولا ناجي
ثلاثون قتيلا وثمان وعشرون مصابا من بينهم 9 أطفال هم ضحايا حادث قطار دهشور الذي دهس أتوبيس رحلات في الساعات الأولى من صباح الإثنين الماضي، لاتنزعجوا أيها السادة الحكام فإنه لا شيء جديد, كعادته يحصد الإهمال والفساد أرواح المصريين، السيد الموت يزورنا حيث يجب أن نموت.. غرقى في العبارات أو محروقين ومدهوسين تحت عجلات القطار.
وصلت جثامين الضحايا متكدسة في عربات نقل بضائع في مشهد ربما كان أشد إيلاما من منظر الجثث التي فرمتها عجلات القطار، الآلاف من أبناء الفيوم احتشدوا أمام كنيسة مار جرجس للصلاة على الضحايا، الذي ينتمي أغلبهم لعائلة واحدة من الأقباط الأرثوذكس.
المصابون أكدوا في أقوالهم لفريق النيابة المكلف بالتحقيق في الحادث أنهم كانوا قادمين من مدينة حلوان، بعد حضورهم حفل زفاف أحد أقاربهم، عائدين إلى منازلهم بمحافظة الفيوم، وعند وصولهم إلى مزلقان دهشور لم يجدوا أي حاجز يغلق الطريق أو يمنع مرور العربات، كما كانت المصابيح الموجودة على حافتي المزلقان مطفأة تماما.
التحقيقات الأولية في الحادث تشير إلى أن عاملي المزلقان لم يقوما بإغلاقه، النيابة بدورها أمرت بالتحفظ على عاملي المزلقان وسائق القطار الذي قام بتسليم نفسه، بوصفهم مسئولين بشكل مباشر عن الحادث، حسنا.. ولكن من هم المسئولون عن تدهور هيئة السكك الحديدية وتهالك معداتها ونقص احتياطات الأمان؟ من هو المسئول عن أن يكون الحاجز الموجود على مزلقان دهشور على طريق القاهرة – الفيوم السريع عبارة عن سلسلة تستطيع دراجة بخارية قطعها لو اصطدمت بها؟ من المسئول عن المصابيح المطفأة على حافتي المزلقان؟، بالتأكيد ليسوا المتحَفَظ عليهم الآن من قبل النيابة.
“أنا مش فاضى لشغل الصحافة وموضوع الرأي العام”، هذا ما قاله العميد أحمد سعيد سكرتير وزير النقل نقلا عن سيادة الوزير الدميري والذي رفض التحدث إلى الصحفيين (هذا وفقا لما أوردته جريدة اليوم السابع)، فيما أصدر الوزير بيانا أكد فيه براءة وزارة النقل وهيئة السكك الحديدية من أية مسئولية تجاه الحادث، وقال أن الحادث نتيجة “لسلوكيات المواطنين!!”، قال هذا قبل أن يستمع حتى للنتائج الأولية للتحقيقات.. الدميري كان وزيرا للنقل عام 2002، وقد وقعت في عهده حادثة حريق قطارالصعيد التي راح ضحيتها أكثر من 350 قتيلا كانوا عائدين إلى منازلهم لقضاء عيد الأضحى، استعادته حكومة الثورة بالتأكيد لخبراته القديمة في قطاع النقل واعتياده على حوادث من النوع الثقيل.
الوزير أكد في حديث لجريدة اليوم السابع في 23 سبتمبر الماضي أن حادث حريق قطار الصعيد في عام 2002 والذي استقال بسببه كان نتيجة لعمل إرهابي وأنه أثبت ذلك للقاضي، ويقول الآن أن المسئول عن الحادث هو سلوكيات المواطنين.. دعونا نعود قليلا إلى قضية السكة الحديد (قطار الصعيد المحترق) الجناية رقم 2816 لسنة 2002 محكمة جنايات الجيزة (دائرة 20 جنايات) فلربما نعلم من المتهم الحقيقي في كلتا القضيتين.
وهذا بعضٌ من نص مرافعة المناضل الأستاذ المرحوم أحمد نبيل الهلالي المحامي:
سيدي الرئيس.. حضرات المستشارين:
يوم وقعت الكارثة المشئومة أمطرتنا الحكومة بوابل معتاد ومعاد من الوعود والعهود لتؤكد أن المسئولية عن الحادثة / الكارثة ستتحدد بكل الوضوح، ولن يُسمح أبدا بأية محاولة لإخفاء الحقائق، ولن يفلت أبدا مقصر أو مهمل من الحساب والعقاب. ورغم أن النيابة العامة فى مذكرتها الممتازة بشأن نتائج التحقيق، التي تستحق كل التحية والتقدير، قد أشارت بأصابع الاتهام العشر إلى كبار كبار المسئولين، فإن نظرة واحدة إلى القفص وإلى أهل القفص تكفى للتدليل على أن “المية في مصر يستحيل أن تجري في العالي”، وعلى أن المآسي في مصر “يعملوها الكبار ويُحاكم بسببها الصغار.
الأمر الذي يكشف بكل الجلاء كيف يُفهم ويُطبق حكم الدستور القائل (المواطنون أمام القانون سواء)، صحيح أن هناك وزيرا قد استقال أو استقيل، صحيح أن هناك مسئول أو أكثـر قد أُقيـل، لكن هذه الإجراءات الشكلية الهادفة لاحتواء النقمة الشعبية لا تشفي الغليل، لأن السوابق وما أكثر السوابق تشهد بأن كل مسئول سابق ضُحِّيَ به لتهدئة الخواطر لم يُكسر له خاطر، وسرعان ما شق طريقه إلى منصب مرموق في هيئة دولية أو شركة استثمارية.
عذرا يا أستاذ نبيل الهلالي، فالمسئول السابق الذي ضُحِّيَ به لتهدئة الخواطر يعود بعد الثورة إلى نفس منصبه القديم معززا مكرما، هذا بعد مرور 11 عاما على جريمته الأولى.
ويستكمل الأستاذ الهلالي مرافعته قائلا:
الفلسفة الاجتماعية للحكومة أيضا تتحمل المسئولية الكبرى في قضيتنا، فحتى الاعتمادات المحدودة المعدودة التي تخصص للتطوير يتحكم فيها هاجس تحقيق مصالح رجال المال والأعمال الأكابر، وتَغْلبها على مصالح سكان الأرصفة والمقابر، فالاعتمادات توجَّه لتحقيق المزيد من الرفاهية والأمان لأهل التوربيني والأسباني.
رغم أن المادة 8 من الدستور تلزم الدولة بكفالة تكافؤ الفرص لجمهور المواطنين، حتى أن صحيفة الأخبار الحكومية في عدد 26 فبراير 2002 هاجمت هيئة السكك الحديد قائلة: “لم يكن حادثا عارضا نتج عن تجمع صدف غير سعيدة، وإنما كانت نتاجا طبيعيا لمنظومة وضعت البشر في مرتبة أدنى من مرتبة الإنسانية، هذه المنظومة التي تُفرد 350 مليون جنيه في تجهيز قطارات للنوم 7 نجوم لا يركبها أحد، بينما لا تخصص لقطع الغيار المطلوبة بصورة عاجلة سوى نصف مليون جنيه”. (منظومة يتحول فيها حاميها إلى حراميها).
لقد حدد الأستاذ الهلالي في مرافعته المتهمين الحقيقيين في حوادث القطارات والطرق، بل والمسئولين الحقيقيين عن كل المصائب التي نعيشها اليوم، إنهم ليسوا من يوضعون عادة في قفص الاتهام، ولا الإرهابيين الذين اتهمهم الدميري في حريق قطار الصعيد عام 2002، ولا بالطبع هذا المتهم الافتراضي المدعو “سلوكيات المواطنيين”، إن المسئولين الحقيقيين عن كل الحوادث السابقة وعن حادثة قطار دهشور هم واضعو السياسات العليا للبلاد، واضعو الموازنة العامة للدولة، رعاة الصفقات المشبوهة داخل القطاعات الحيوية، منظومة الفساد التي تديرها مؤسسات دولة مبارك ورموزها القدامى الجدد من الوزراء وكبار المسئولين ورجال المال والأعمال اللصوص المعتمدون لدى الدولة ناهبي ثروات المجتمع وسارقي أمواله.