السيادة المصرية وحماية أمن إسرائيل
وظف الإعلام الحكومي كل طاقته، خلال الأيام الماضية، بحديث لا ينقطع عن «السيادة المصرية»، وضرورة احترامها، ظهر هذا الحديث عندما كشف النقاب عن «الجدار الفولاذي»، الذي يزرع الحدود بين مصر وقطاع غزة، وزاد وتيرة هذا الكلام عند محاولة قافلة شريان الحياة العبور إلى القطاع بعد وصولها معبر نويبع، ورفض حكومة مبارك لمرورها، إصرارها على العودة إلى دمشق، ومنه إلى ميناء العريش، وبعد أن وصلت القافلة زادت نغمة «السيادة» مع زيادة تعنت الحكومة المصرية، ووضعها لعدد من القيود على القافلة، قيود على الأفراد، وعلى السيارات التي يجب أن تمر إلى غزة.
الحكومة وخطاب السيادة
لكن الخطاب الحكومي عن السيادة بلغ الذروة بعد مقتل الجندي المصري «أحمد شعبان» على الحدود، وقالت الحكومة أنه قتل برصاص قناص من حماس! جاء هذا الحادث بعد اعتصام شارك فيه فلسطينيين غاضبين على استمرار الحصار من الجانب المصري، حيث وقعت مصادمات بين الفلسطينيين الغاضبين والقوات المصرية عقب انتهاء الاعتصام، قام المتظاهرين برشق القوات المصرية بالحجارة وقامت القوات بإطلاق النار على المتظاهرين، مما أدى إلى إصابة أكثر من ثلاثين فلسطيني، وفي هذه الأجواء تم إطلاق رصاصة على المجند المصري.
هذا الحديث المكرر عن السيادة المصرية، سبق أن سمعناه في يناير عام 2008 عندما حطم الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة جزء من الحائط الفولاذي العازل بين مصر والقطاع، وخرج عدة الآلاف من الفلسطينيين لأيام قليلة من هذا السجن، الذي يقف النظام المصري حارس على بابه، وكلنا يتذكر الحملة الإعلامية الضخمة التي نفذها الإعلام الحكومي بعد مقتل الضابط مصري ياسر فريج، في 28 ديسمبر 2008، حيث سارعت الحكومة كعادتها بالقول بأن حماس هي من قتلته! هذه الحملة لم تشمل التشهير وتشويه صورة حماس فحسب، بل امتدت لتشمل الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
التهاون في السيادة
لكن في المقابل رغم أن القوات الإسرائيلية قتلت ما لا يقل عن 13 جنديا وضابطا مصريا على الحدود، على فترات متباعدة، فإننا لم نشاهد جنازات عسكرية لهؤلاء الشهداء، ولا حملات إعلامية للتشهير بإسرائيل، بل كل ما رأيناه صمت مريب، أو تصريحات تخرج على استحياء.
من منظور الحكومة المصرية يعد عبور الفلسطينيين، الفارين من جحيم غزة ، اعتداءاً على السيادة المصرية، وتعد الأنفاق تخريب للأمن القومي المصري، لكن تلك الأبواق لم نسمع لها أي صوت، رغم أن القوات الإسرائيلية قتلت 59 مصرياً، خلال الثلاثين عام الماضية، منهم 18 مصريا خلال عامين2007 و 2008. الحكومة المصرية كعادتها ظلت تتكتم على تلك الحوادث، و ظلت علاقتها بإسرائيل بنفس القوة.
هناك العديد من المفارقات تتعلق بالسيادة المصرية على سيناء، منها على سبيل المثال أنه عقب تفجيرات طابا، أكتوبر 2004، تدفقت القوات الإسرائيلية مخترقة الحدود، لنقل القتلى والجرحى الإسرائيليين، حتى قبل الحصول على أذن من الحكومة المصرية! لكن عندما نجح الفلسطينيين المحاصرين في غزة من اجتياز معبر رفح لعدة أيام، في يناير 2008، قامت الدنيا ولم تقعد.
السيادة ومعاهدة السلام
هذه التناقضات تجعلنا نطرح السؤال التالي، ما معنى السيادة المصرية، في ظل شروط معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل؟ التي تجعل من السيادة المصرية على سيناء مسألة رمزية فحسب. حيث تفرض تلك الاتفاقية قيود على عدد أفراد القوات المسلحة في سيناء، وكذلك تسليحهم، وقيود على نوع التسليح، من يطلع على هذه الاتفاقية يدرك أن ما يقرب من ثلثي سيناء خالي من أي قدرات دفاعية. ووفق هذه المعاهدة لا وجود سوى للشرطة المصرية في الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة، هذه الشرطة المتواضعة التسليح لا تستطيع أن تحمي حدود مصر، في حالة أي اجتياح إسرائيلي. دفع هذا بعض المحللين العسكريين المصرين للقول بأن إسرائيل تستطيع احتلال سيناء في ساعات معدود. هكذا يصبح دور القوات المصرية على الشريط الحدودي هو منع التسلل عبر الحدود. بمعنى أن الدور الفعلي لقوات حرس الحدود (الشرطة) هو منع المصريين أو الفلسطينيين أو أفارقة من العبور إلى فلسطين المحتلة، أي حماية أمن إسرائيل!
حماية أمن إسرائيل
لقد حدث تحول نوعي في دور القوات المصرية على الحدود، بعد الصدام بين حماس وفتح، وهروب فتح من غزة، وانفراد حماس بحكم القطاع، حيث أصبح دور القوات المصرية هو إحكام الحصار على الشعب الفلسطيني في غزة. والتصدي لأي محاولة لكسر الحصار، من قبل الشعب الفلسطيني المحاصر، الذي عاني من نقص الغذاء والدواء والكهرباء، الأمر الذي أدى إلى وفاة مئات المرضى، نظراً لنقص الدواء و لعدم السماح لهم بتلقي العلاج خارج القطاع.
دور مصر في حماية أمن إسرائيل يمكن فهمه من خلال تصريحات مبارك ، في اليوم الخامس من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في العام الماضي، حيث قال ما نصه : «طالما معبر رفح، في أرض محتلة، فإنه لابد لسلطة الاحتلال أن تراقب ما يدخل وما يخرج». وأعرب مبارك عن تضامنه مع إسرائيل، بقوله، أنه يمنع فتح معبر رفح «حتى لا يدخل سلاح». هكذا يتعامل مبارك مع الاحتلال باعتباره شرعياً، في تناقض واضح مع القانون والأعراف الدولية، التي تعتبر الاحتلال أمراً غير شرعي، وأن مقاومته هي الأمر الشرعي الوحيد. كما أن القوانين الدولية لا تعطي أي حقوق للمحتل، بل تلزمه بواجبات، منها حماية المدنيين والممتلكات. هذا القوانين، لا وجود لها في الواقع الفعلي، خاصة عندما نتحدث عن حقوق الشعب الفلسطيني. ونعتقد أن مبارك لا يستطيع أن يقول السبب الحقيقي لغلق معبر رفح، و هو يحاول تبرير موقفه بكلام متناقض، لأنه بالفعل يشارك إسرائيل الرغبة في القضاء على المقاومة.
إن السيادة المصرية على أرض سيناء ليس لها وجود، في واقع الأمر، إنما يتم استحضارها فحسب عندما تكون في خدمة أمريكا وإسرائيل فحسب. فالسيادة المصرية على سيناء منقوصة، في الأساس، بحكم معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. إن حديث الحكومة المصرية عن انتهاك السيادة لا يظهر إلا في مواجهة الشعب الفلسطيني فحسب، ومن هنا يتضح أن هذه الرطانة حول السيادة لها هدف واحد فحسب ، وهو تشويه صورة المقاومة الفلسطينية، حتى تحد من تضامن المصرين معها، لكن هيهات.
وأخيراً يجب أن النظر إلى مقتل المجند المصري أحمد شعبان، يناير 2009 و كذلك الضابط ياسر فريج، ديسمبر 2008، باعتبارها جريمة بحق، لكن أرتكبها من جعل منهما ومن غيرهما من أفراد الأمن المصري أداة لحماية أمن إسرائيل، وسجان يحاصر الشعب الفلسطيني، ويقوم بدوره في منع الدواء والغذاء، والغاز. في الوقت الذي تمد فيه مصر إسرائيل بالغاز والأسمنت، وبأرخص الأسعار. أن المجرم الحقيقي هو نظام مبارك، الذي حول تلك السيادة المزعومة إلى أداة لحماية أمن إسرائيل.