السياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية: تغيير في الشكل.. لا في المضمون

لمع نجم الرئيس المصري محمد مرسي عقب العدوان الإسرائيلي على غزة، ولا شك أن الخطاب الرسمي للنظام قد اختلف 180 درجة عن سابقه، ولا شك أيضاً أن محمد مرسي يحمل في وجدانه مشاعر جياشة تجاه فلسطين، لكن السياسة لا تُعرف بالنوايا، ولا تكتفي بالخطب الرنانة. فالصدام الذي تم بين النظام المصري والإسرائيلي لم يتجاوز سحب السفير مؤقتاً، وهو الأمر الذي لم يكن من الصعب على مبارك فعله.
من ناحية أخرى كان النظام المصري شريكاً في مفاوضات بين حماس وإسرائيل، وكان أحمد الجعبري، قائد العمليات العسكرية في كتائب القسام، طرفاً فيها حيث تم التوصل بالفعل إلى مسودة اتفاق، وضمانة مصرية لعدم قيام إسرائيل بأي عمل عسكري، وهو ما كشفه “جرشون بسكين” الذي مثل الجانب الإسرائيلي في التفاوض. وبالطبع لم يتم احترام الضمانة المصرية ووقع العدوان، كما ظل هدير المدافع يذكر “هشام قنديل” خلال زيارته، بأن إسرائيل سيدة الموقف.
الهدف: حرب محدودة
في 2009 قامت إسرائيل بعدوان وحشي على غزة، خلف وراءه دماراً شديداً، ومئات الجرحى والقتلى، لكنه في المقابل منح حماس تعاطفاً دولياً، ولم يمنعها من إعادة مراكمة السلاح، علاوة على أن العمليات البرية تعني مصيدة للجنود الإسرائيليين. ولذلك كان المقصود من العملية العسكرية “عامود الضباب” أن تكون محدودة النطاق والزمان.
فالهدف المطروح هو فرض شروط جديدة للتفاوض، تجعل لإسرائيل اليد العليا، وتكفل لها هدنة طويلة الأمد، وستقابل بالترحيب من المجتمع الدولي وحتى من مصر والدول العربية. وبالرغم من التكلفة الباهظة للحرب (3 – 4 مليار دولار) فإن التنسيق المسبق مع أوباما يضمن مساعدات تفوق ذلك الرقم، في حين يرفع من أسهم نتنياهو في الانتخابات المقبلة.
فقد أصبحت غزة مستنقع يخشى الإسرائيليون التورط فيه أكثر، بل أن متخصصين في الأمن القومي الإسرائيلي قد دعوا حكومتهم للسماح بدخول المساعدات إلى غزة. كما دعوا إلى دعم سلطة حماس، حتى على الصعيد الأمني كي تستطيع الوقوف أمام الفصائل أو أمام انتفاضة شعبية.
حماس .. ومصر على مائدة التفاوض
طالما أن التفاوض هو المقصود من العملية العسكرية، فإن الشريك المطروح، في غزة على الأقل، هو حماس، فيرى “شلومي إلدار”، محلل الشئون العربية بالقناة العاشرة، قال أن حماس قد أدمنت السلطة وتركت فرصة لفصائل أخرى لتقوم بعمليات محدودة ومحسوبة، وأن “هنية” يتمسك بالخط النفعي، وحتى رجُله القوي “جعبري” فتح خطاً للحوار مع الإسرائيليين برعاية مصرية. وهي وجهة نظر يتبناها الكثير من المحللين، كما يكشف تقرير الشاباك (الأمن العام الإسرائيلي) أن حماس لم تشكل أي خطر عسكري طوال الشهور السابقة.
أما النظام الجديد في مصر، فهو مطلوب وبشدة من جانب الإسرائيليين من ناحية استيعاب الثورات العربية وخاصة إذا تمخضت تلك الثورات بصعود موجة الإسلام السياسي إلى السلطة مما يسهل استعمالها دبلوماسياً للقيام بدور الوسيط والضامن مع الحكومة الإسلامية بالقطاع، بغض النظر عن الخطب والتصريحات. فعلى حد تعبير يهودا بلنجا، أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة بر إيلان: “إن مرسي يرى من مقعد السلطة ما لم يكن يراه من موضع آخر”، وإنه “..بالرغم من تصريحاته، مستمر في الاتصال بالإسرائيليين، ويمكنه الضغط على حماس من أجل وقف إطلاق النار..”. فإسرائيل ليست واثقة من موقف الإخوان فحسب، بل وتعتمد عليهم أيضاً في إقناع حماس – إخوان فلسطين – بما لم يكن مبارك يستطيع إقناعها به. وأكثر ما نخشى أن تنزلق حماس إلى منحدر التنازلات، مثلما فعل عرفات من قبل.
من ناحية أخرى لا تزال إسرائيل محتفظة بعلاقتها بمراكز القوى الباقية من عهد مبارك، حيث أن التسوية التي كانت تعد قبل العدوان، كانت برعاية المخابرات العامة، التي قامت، حسب موقع دبكا الاستخباراتي، بإخراج إسماعيل هنية يوم السبت 17 نوفمبر سرا في قافلة وزير الخارجية التونسي رفيق عبدالسلام إلى العريش للتشاور مباشرة مع القاهرة بشأن الهدنة مع اسرائيل.
حالة الطمانينة لدى الإسرائيليين من ناحية الجانب المصري، مقارنة بحالة الفزع من الإسلاميين في العام الأول للثورة، تؤكد أن سكان “القصر” الجدد لم يطأوا أعتابه إلا بعد تقديم ضمانات للأمريكيين وأتباعهم في تل أبيب، بعدم تجاوز الخطوط الحمراء. لعل ذلك يتفق في السياق الذي أعلنت عنه مؤخراً صحيفة “نيويورك تايمز” حول التهديد بقطع المعونة إذا لم تتدخل السلطة المصرية في إحداث الهدنة، وبناءاً عليه لم يقم النظام المصري بأية خطوة ذات مغزى تجاه العدو الصهيوني، ولم يجرؤ حتى على المطالبة بتعديل اتفاقية كامب ديفيد التي تتنتقص من سيادة مصر على أراضيها.
وتبقى المقاومة.. هي الحل
لا شك أن هتاف “على غزة رايحين شهداء بالملايين” قد رماه الإخوان على سلالم نقابة الصحفيين، مع كل الشعارات التي صرخوا بها قبل أن يعتلوا السلطة. لكن الموقف من المقاومة لا يتوقف على الفصيل الذي يتصدرها؛ “حماس” أو “فتح” أو “الجبهة الشعبية” أو أي فصيل كان.. يستحق كل الدعم طالما حمل السلاح وانتفض ضد العدو الصهيوني، وليس هناك فصيل محصن من النقد إذا تراخى أمام العدو واستبد أمام شعبه.