بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ساحة سياسية

سقط الباستيل متى يسقط العقرب؟

التعذيب في مصر

لو أمتد العمر بهتلر وموسولينى.. ولو أتيحت لهما فرصة التجول ورؤية ما يحدث داخل سجن العقرب (بمنطقة سجون طره) أو سجن الوادي الجديد أو داخل أروقة وطرقات لاظوغلي (مبنى وزارة الداخلية) سيدركما على الفور أن لهما تلاميذ أكفاء.. وجلادين نجباء داخل السلطة الحاكمة في مصر.

حالة الطوارئ.. والاعتقال لسنوات طويلة ممتدة ومفتوحة.. والمحاكمات العسكرية.. والتعذيب والصعق بالكهرباء.. وسياسة تجفيف المنابع.. والسجون الخاضعة لمباحث أمن الدولة… والزيارات الممنوعة في هذه السجون.. والإفراج الصوري عن المعتقلين داخل معسكرات الأمن المركزي ثم إعادة اعتقالهم.. وتعليق المعتقل كالذبيحة من خلف الأكتاف على الأبواب الخشبية…

والتشريفات التعذيبية داخل السجون للمعتقلين الجدد… والتعذيبات للمعتقلين القدماء إلى سجن الوادي الجديد.. ونعوش المواطنين الخارجة من السجون أو من أقسام الشرطة… الخ كلها مظاهر ملازمة لنظام مبارك طوال 18 عاماً مضت.. قمع وتدمير للبشر وإهدار لآدمية وكرامة الإنسان من أجل حماية جبروت الاستغلال الرأسمالي ومن أجل دعم عروس الاستبداد والنهب في بلادنا.

والحملة الإعلامية للحزب الحاكم في كل انتخابات برلمانية، وكذلك الحملة الإعلامية لزفة مبايعة مبارك في كل دورة رئاسية جديدة تتحدث دائماً عن الإنجازات بالأرقام… فهل يستطيع أصحاب هذه الحملات المضللة أن يتحدثوا إلى الجماهير (وبالأرقام أيضا) عن ثلاثة أرقام فقط:
· عدد المعتقلين بدون متهم أو محاكمات في السجون المصرية.
· عدد الذين قدموا لمحاكمات عسكرية (ظالمة) طوال الـ 18 عاماً الماضية.
· عدد الجثث من المعتقلين التي يتسلمها الأهالي من وزارة الداخلية في كل عام.

الأرقام سرية ومخيفة وتتجدد كل يوم..

صحيح أن آلة القمع تتمركز على عناصر الجماعات الإسلامية والتنظيمات الدينية (وبشكل لا يقبله أي مواطن مازال ضميره حيا وأيا كان انتماؤه الفكري والسياسي).. لكنها اليوم تمتد أيضا وتتسع لتطول المواطنين البسطاء داخل أقسام الشرطة، وتطول الفلاحين والعمال والموظفين في حركة احتجاجهم ضد الأوضاع الظالمة.. لا تندهش يا صديقي.. ولا تعتقد إننا نبالغ..

وحتى ندرك أن المسألة ليست إرهاب ومواجهة مع الإرهاب (كما يدعي الجنرالات والمضللون)… بل هي مواجهة مع الجماهير تتخذ من الإرهاب حجة لتدعم نظام استغلالي واستبدادي يجثم علي صدور المواطنين… تعالي معي حتى تدرك أن آلة القمع التي تمركزت على التنظيمات الدينية (مع صمت المعارضة الرسمية على هذا القمع وتحالف شرائح منها مع النظام بحجة مكافحة الإرهاب) أصبحت الآن (ومع التراجع النسبي للحركات الدينية) تستدير نحو الجماهير..

تعالى نستعرض الماضي، ونستعرض الحاضر، ونستعرض أوضاع عشرات الآلاف من المعتقلين داخل السجون المصرية:

· فحينما أضرب عمال الحديد والصلب بحلوان عن العمل (سبعة عشر ألف عامل) في عام 1989 (منذ عشر سنوات) اقتحمت المدرعات والقوات الخاصة لوزارة الداخلية المصنع، وقتلت العامل عبد الحي بالرصاص داخل المصنع، واعتقلت ما يزيد عن 180 عامل من عمال المصنع وما يزيد عن 60 من الطلائع السياسية المتضامنة مع عمال المصنع في إضرابهم، وتم التنكيل بالمعتقلين في عنبر التأديب وعنبر السجن الصناعي في معتقل أبي زعبل بالتعذيب والسحل داخل الزنازين وفي طرقات العنبر بفرق مدربة علي هذه الأعمال وتحت التهديد بالرشاشات والكلاب البوليسية.

· وفي الإضراب الأخير لعمال كفر الدوار (عام 1994) تم محاصرة المنطقة الصناعية بأكملها بالمدرعات وقتل ثلاثة مواطنين بالرصاص الحي داخل المظاهرات بينهم صبي لا يتعدى عمره أثني عشر عاماً… واعتقال قيادات الإضراب.

· وحينما أحتج الفلاحون ضد قانون ضد العلاقة بين المالك والمستأجر وضد طردهم من الأرض… تم اقتياد الآلاف منهم إلى السجون المصرية بكافة المحافظات.. والآلاف لتخشيبات أقسام الشرطة والمراكز، ودارت آلة القمع والتعذيب وحلق الشعر وامتهان كرامة وآدمية الفلاحين داخل السجون والأقسام.

· وكل عدة شهور تطالعنا الصحف القومية أو المعارضة بإنباء احتجاجات جماهيرية ضخمة وتظاهرات في المدن والأقاليم من أجل مواطنين دخلوا أقسام الشرطة (أحياء) وخرجوا منها في (نعوش طائرة) من جراء أعمال التعذيب.

· وهل تعلم يا صديقي أن عدد المعتقلين (بلا تهمة محددة ولمجرد الاشتباه) تتراوح تقديراته بين (20 ألف معتقل – 30 ألف معتقل) يعيشون في أسوأ الظروف ويعاملون بأشد المعاملات قسوة وامتهان. وأغلبهم معتقل منذ 7 سنوات أو أكثر، وهؤلاء المعتقلون (جميعاً وبلا استثناء): محرمون من زيارة الأهل والأقارب رغم أن لائحة السجون تنص علي حق الزيارة (لأي سجين كان) مرة على الأقل كل شهر.

· وهل تعلم يا صديقي أن نسبة كبيرة جداً من هؤلاء المعتقلين لم ينتموا للجماعة الإسلامية أو التنظيمات الدينية بل اعتقلوا لمجرد الاشتباه.. ولمجرد أنهم مواطنون متدينون يحرصون علي الصلاة بانتظام في أحد الجوامع… ساق هؤلاء الموطنون إلى المعتقل “سياسة فاشية” يلتزم بها جنرالات الداخلية وهي سياسة “تجفيف المنابع” ومضمون هذه السياسة: “أن المواطنين شديد التدين هم المنابع الأصلية والحقيقية التي تمد وتغذي التنظيمات الدينية بالعضوية.. فيجب تجفيف هذه المنابع بشكل دائم.. بالتعذيب تارة وبالاعتقال تارة أخرى”!!!

· وهل تعلم يا صديقي أنه نتيجة (للأوضاع السيئة للغاية التي يتعرض لها المعتقلون من حيث التغذية والرعاية الصحية وتلوث مياه الشرب وسياسة التعذيب والسحل الدائم لهؤلاء المعتقلين) يتسلم بعض أهالي المعتقلين كل عام وفي سرية تامة جثمان أبنهم تحت حراسة مشددة من قسم الشرطة التابع له، وتتم إجراءات الدفن تحت رعاية جنرالات ولواءات وباشوات الشرطة ثم يوضع علي المقبرة حراسة مشددة لعدة أسابيع (لحين تعفن الجثة) حتى لا يتمكن أحد من استخراج الجثة وإثبات حالة التعذيب!! كما يتواجد جنرالات أمن الدولة في سرادق العزاء لقمع أي بوادر للتعاطف أو الاحتجاج!!

فجنرالات مبارك مع الجماهير دائماً حتى في المقابر!!! وحتى في سرادقات العزاء!!! ويالها من محبة!!!

وهل تعلم أن دولتنا الظالمة والتي تتغنى بأنها حولت سجن القلعة إلي متحف تاريخي قد شيدت بمنطقة سجون طره سجنان بديلاً لهذا المتحف التاريخي…سجناً أشد ضراوة وأشد بأساً.. إنه “سجن العقرب”.. عقرب مبارك ونظامه:

في هذا السجن ذو الزنازين الخرسانية والمظلمة والتي لا يدخلها ضوء الشمس مطلقاً والتي لا يستطيع المعتقل أن يقف بداخلها منتصف القامة…في هذا السجن يقبع مئات المعتقلين الذين يتعرضون لأشد أنواع التعذيب والبطش.. يرتدي المعتقلين فيه بدلة رثة من قماش الدمور صيفاً وشتاءاً.. وغير مسموح لهم بدخول أي أطعمة من خارج السجن أو جرائد أو زيارات أو ملابس… وطعامهم الدائم هو الفول والعدس والأرز!!!

سجن العقرب هو باستيل مصر الجديد (الخارج منه مولود والداخل فيه مفقود) تسمية الدولة “سجن الحراسة المشددة”… لكن ما يدور بداخله (رغم كل ما يحاط به من كتمان وسرية) يفضح طبيعة الحاكمين والجلادين.

أما “الباستيل الثاني” في بلادنا.. فهو “باستيل التغريبة”.. باستيل معتقل الوادي الجديد..

وهو معتقل أعد خصيصاً لتأديب المعتقلين في السجون الأخرى وتغريبهم إلي الوادي الجديد.. حيث يساق المئات من السجناء في عربات الترحيلات مكبلين بالسلاسل والقيود الحديدية.. وما أن يدخل السجناء من باب المعتقل حتى يجدوا تشريفة التعذيب في استقبالهم.. ولساعات طويلة تنهال عليهم الكرابيج والعصي الكهربائية… ثم بعد ذلك يجرد المعتقلون من ملابسهم ولا يترك للمعتقل سوي الجزء السفلي من ملابسه الداخلية.. ويتم تزحيفهم عرايا علي بطونهم فوق لهيب الإسفلت الساخن من الشمس الحارقة لمسافات طويلة.. وبعد ذلك يحشر كل 40 سجين في زنزانة ضيقة ويتناولون وجباتهم من طعام سكب علي الأرض في مكان قذر… ويشرب المعتقلون في هذا السجن المياه ملوثة بأملاح الرصاص والمنجنيز ويوجد أكثر من عنبر من المعتقلين المصابين بمرض الدرن دون أي علاج.. الخ

إنه الموت البطئ للمعتقلين في سجن الوادي الجديد!!!

بعد ذلك كله إن آلة القمع تزداد حدة قمعها كل يوم، وتتسع، تحت حدة أزمة الرأسمالية وعلينا كاشتراكيين ثوريين إن نفضح القمع والتعذيب الذي يحدث للجماعات الدينية وامتهان وتعذيب المواطنين داخل أقسام الشرطة، إن إسقاط حالة الطوارئ، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين داخل السجون، ووقف وإلغاء المحاكم العسكرية وحق كل سجين أياً كان انتماءه في زيارة الأهل والأقارب والمحامين، ورفع قبضة مباحث أمن الدولة عن السجون، والهدم الفوري لسجن العقرب، وإغلاق سجن الوادي الجديد وأي سجن جديد ستبنيه البرجوازية، كل هذا لن يتحقق إلا في ظل حركة جماهيرية واسعة وقوية تقودها وفي القلب منها طبقة عاملة مصممة على تحطيم آلة الدولة الرأسمالية وجهازها القمعي بشرطته ومحاكمة وسجونه وقوانين طوارئه وجيشه من خلال حزبها الثوري على طريق إقامة سلطة العمال.