بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

الثورة المضادة وأساطير المؤامرات الخارجية

السيسي عميل الإمبريالية

دائماً ما تستخدم الثورات المضادة والانقلابات العسكرية فكرة “المؤامرات الخارجية” لتخوين كل من يعارضها ولتبرير قمعها الوحشي وخلق حالة من الهيستريا الوطنية للتغطية على جرائمها.

ليس من الغريب إذاً أن نجد نفس أبواق نظام مبارك الخاصة والحكومية، والتي يبدو أن جميعها يعمل الآن تحت الإدارة المباشرة لأجهزة المخابرات والأمن، تتحدث ليل نهارعن “الإرهاب الإخواني” والمخططات الأمريكية والصهيونية في دعم ذلك الإرهاب، واعتبار كل التصريحات الأمريكية والأوروبية حول الإنقلاب أو المذابح والتهديدات بوقف المساعدات جزءاً من نفس ذلك المخطط الشيطاني لإعادة الإخوان للسلطة بل لتفتيت مصر وتخريب أمنها القومي.

إذاً كل من يعارض حكم العسكر لا يُتَهم فقط بكونه في خدمة الإخوان المسلمين والإرهاب، بل يُتهم أيضاً بالخيانة الوطنية والمشاركة في تلك المؤامرات الأجنبية لتخريب مصر. كل من يتظاهر من أجل الديمقراطية وكل من يحتج على سياسات الحكم وكل من يُضرب أو يعتصم يصبح عدواً للوطن عميلاً للمخطط الأمريكي الصهيوني. كل من ينتقد السيسي أو يعتبر ما يحدث في مصر اليوم انقلاباً عسكرياً دموياً وثورة مضادة لإعادة إنتاج نظام مبارك ليس فقط إخوانياً إرهابياً بل يستحق المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى!

من مبارك إلى السيسي
فلنعُد خطوة إلى الوراء لمحاولة فهم ما يحدث. قام نظام مبارك، والذي ثار عليه الشعب المصري في يناير 2011، على ثلاثة محاور إستراتيجية متداخلة.

المحور الأول كان سياسة رأسمالية ليبرالية جديدة أفقرت غالبية المصريين لصالح حفنة من كبار رجال الأعمال والشركات العالمية وقادة مؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسة العسكرية والأمنية. أما المحور الثاني فكان الاستبداد والديكتاتورية والذي مكن الدولة من تنفيذ سياسات المحور الأول. أما المحور الثالث فكان التحالف العسكري والأمني والسياسي مع الإمبريالية الأمريكية وخدمة مصالحها ومصالح شركائها الرئيسيين وهم الكيان الصهيوني من جانب ودول الخليج النفطية وعلى رأسها المملكة السعودية.

طوال ثلاثين عاماً من حكم مبارك ظل النظام أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في المنطقة وشارك في خنق الثورة الفلسطينية وفي الحرب الأمريكية على العراق وقدم كافة الخدمات الممكنة للاستعمار الأمريكي والصهيوني.

مثل ذلك التحالف جوهر الاستراتيجية الخارجية لدولة مبارك وعلى رأسها المؤسسة العسكرية والتي أصبح تدريبها وتسليحها وتمويلها مرتبطا بشكل عضوي بالجيش الأمريكي، وكذلك أجهزة المخابرات والأمن المصرية والتي لعبت دورا بارزا في خدمة الحرب الأمريكية على الإرهاب وعلى كل من يعادي المصالح الأمريكية في المنطقة.

هذه المحاور هي جوهر الدولة التي قامت ثورة يناير عليها. وظلت الإدارة الأمريكية تحاول إنقاذ مبارك إلى اللحظة الأخيرة حتى أدركت ومعها قيادة المؤسسة العسكرية المصرية أن التضحية بمبارك وبعض رموز حكمه هي الوسيلة الوحيدة لبقاء النظام. وجاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليحافظ على نفس محاور دولة مبارك، نفس الاستبداد، نفس الرأسمالية ونفس التحالف الاستراتيجي مع واشنطن وتل أبيب والرياض. ولكن الضربات الثورية كانت قد خلقت شروخاً عميقة في تلك الدولة، وكان لابد للمؤسسة العسكرية من إيجاد شريك سياسي قادر على استيعاب وإجهاض الثورة والتي لم تهدأ يوماً.

وهنا جاء دور الإخوان المسلمين أكبر التنظيمات السياسية وأكثرها تأثيراً جماهيرياً.

الإخوان والعسكر وأمريكا
الموقف الأمريكي والأوروبي في معارضة الانقلاب والمذابح لا ينبع بالطبع من أي بعد إنساني أو ديمقراطي أو غيره فهذه قوى امبريالية لا يحرك مواقفها سوى مصالحها وهو أيضاً لا ينبع من تفضيل للإخوان على العسكر والأمن ودولة مبارك، فهؤلاء هم حلفاؤهم التاريخيون.

ولكن ما هي استراتيجية الإمبريالية الأمريكية وحلفائها الأوروبيين تجاه منطقتنا عموماً وتجاه مصر بشكل خاص؟

تقوم هذه الاستراتيجية على محورين أساسيين. المحور الأول بالطبع هو الهيمنة الأمريكية سياسياً وعسكرياً على دول النفط العربية وعلى رأسها السعودية. والمحور الثاني ضمان أمن الكيان الصهيوني والذي يمثل المرتكز العسكري الأساسي للسيطرة الأمريكية في المنطقة. وقد زادت أهمية النفط العربي في العقود الثلاث الماضية بالنسبة لواشنطن لعدة أسباب، أولها أن النفط العربي مازال مصدر الطاقة الرئيسي لكثير من كبرى الدول الرأسمالية وعلى رأسها الصين واليابان والاتحاد الأوروبي وبالتالي فالسيطرة الأمريكية على هذا الكنز الثمين هو مكون أساسي في قدرة واشنطن على البقاء في قمة الهرم الرأسمالي في ظل التصاعد السريع لمراكز رأسمالية كبرى مثل الصين. وثانياً، وخاصة خلال العقد الأخير أصبحت السعودية ودويلات الخليج مركزاً تمويلياً أساسياً في المنظومة الرأسمالية العالمية. وقد زاد تأثير تلك الثروات مع اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008. وهكذا نرى استمرار أهمية “مبدأ كارتر” الذي طرح في أعقاب الثورة الإيرانية والذي يؤكد على أن أي تهديد لدول النفط العربية يعتبر تهديداً مباشراً للمصالح الحيوية للولايات المتحدة وسيتم التصدي له بالقوة المسلحة إذا لزم الأمر. وهو ما رأينا تنفيذه العملي في الحرب على العراق في 1991 وفي غزوها في 2003.

وهنا جاءت الثورات العربية وعلى رأسها الثورة المصرية ككابوس لواشنطن يتجاوز في خطورته الثورة الإيرانية في 1979. فإمكانية أن تمتد تلك الثورات لتشمل دول الخليج أو حتى تؤثر سلباً على استقرار تلك النظم المستبدة مثل ولا يزال يمثل تهديداً خطيراً للمصالح الاستراتيجية لأمريكا وحلفائها الأوروبيين.

والخطر الثاني بالتأكيد كان وصول قوى ثورية مستقلة إلى السلطة تطيح باتفاقيات السلام مع الكيان الصهيوني وتشكل انتقاصاً مباشراً لقوة ذلك الكيان الاستعماري ونفوذه وتهديداً لوجوده على المدى الأطول.

هذا هو منطق الرهان الأمريكي على الإخوان المسلمين، فعندما أصبح واضحاً خلال حكم المجلس العسكري أنه لا يمكن السيطرة على الحالة الثورية بالقمع وحده جاء الرهان على الإخوان المسلمين كقوة سياسية لها نفوذ جماهيري وفي نفس الوقت تريد الحفاظ على نفس التحالفات الاستراتيجية للنظام القديم.

وهنا جاءت الصفقة بين العسكر والإخوان بمباركة أمريكية، وهي القبول بوصول الإخوان إلى السلطة في مقابل التزام الإخوان بنفس سياسات وتحالفات نظام مبارك وعدم الاقتراب من المصالح الجوهرية لذلك النظام والعمل على استيعاب غضب الجماهير وإجهاض الثورة.

وبالفعل أثبت الإخوان أنهم مستعدون للعب ذلك الدور القذر وعلى الفور أكدوا ولاءهم لواشنطن ولكامب ديفيد ولملك السعودية والذي سارعوا بزيارته وتقبيل يديه، وضربوا عرض الحائط بمطالب الثورة وعلى رأسها القصاص للشهداء، وسمحوا بالخروج الآمن لقادة العسكر والشرطة ونفذوا نفس السياسات الاقتصادية لنظام مبارك بجنرالاته ورجال أعماله.

ولكن ما لم يتمكن الإخوان من تحقيقه هو استيعاب وإجهاض الثورة المصرية، بل أدت تلك السياسات إلى تعميق الأزمة الثورية، وانفجار موجات متتالية من المليونيات الثورية، واندلاع أكبر موجة من الإضرابات العمالية والاحتجاجات الاجتماعية منذ اندلاع الثورة.

وقد وصلت الاحتجاجات في ذروتها في الشهور الخمس السابقة  على 30 يونيو إلى أعلى معدلات للإضرابات والاحتجاجات في العالم، حيث تجاوز عددها في تلك الشهور الخمس إجمالي عدد الإضرابات والاحتجاجات في عام 2012، مع العلم أن عدد الإضرابات في 2012 وحده كان أكثر من تلك التي حدثت في الأعوام العشر السابقة (المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتقرير مؤشر الديمقراطية – المركز التنموي الدولي، مايو 2013).

وبدا جلياً أن استمرار حكم مرسي وتصاعد الغضب الثوري سيهدد ليس مرسي والإخوان وحدهم بل دولة مبارك وجنرالاته ورجال أعماله. ودب الرعب في قلب الإدارة الأمريكية إزاء التصاعد في الموجة الجماهيرية نحو 30 يونيو، وتخطيط العسكر والفلول لتحريف مسار تلك الموجة نحو انقلاب 3 يوليو وما أعقبه من سحق للإخوان ومذابح وعودة صريحة للفلول ولأجهزة الأمن القديمة تمهيداً لثورة مضادة نحن مازلنا في أيامها الأولى.

المشكلة الأمريكية مع هذه التطورات لا علاقة لها بمؤامرة ما لعودة الإخوان للحكم، فالخوف الأمريكي هو أن يكون رهان السحق الذي يمثله السيسي رهاناً مدمراً لجميع الأطراف ويهدد بتحويل مصر إما نحو السيناريو الجزائري، أي انتشار للإرهاب وحرب أهلية طويلة تهدد المصالح الاستراتيجية الأمريكية والأوروبية في قناة السويس وفي أمن إسرائيل وفي إمكانية موجات من الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط نحو الشواطئ الأوروبية. أو أن تؤدي مغامرة السيسي إلى موجة ثورية جديدة، كما حدث مع المجلس العسكري ومع مرسي من قبلهما، تهدد بالفعل هذه المرة مصالح الطبقة الحاكمة المصرية ودولتها العميقة وكافة المصالح الأمريكية والاستعمارية في المنطقة.

الخلاف بين واشنطن والسيسي خلاف تكتيكي حول سبل إعادة الاستقرار لنفس المصالح بين شركاء تاريخيين. ففي نهاية المطاف لن يصل الأمر إلى عداء أو قطيعة أو عقوبات حقيقية، فما استثمرته واشنطن سياسيا واقتصادياً على شراكتها مع الدولة المصرية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية لن تضيعه على رهان الإخوان والذي أثبت هو الآخر فشله.

وربما كان أكثر ما ساعد مشروع السيسي الدموي هو أن الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية بشكل عام تضمن رد فعلها على التنكيل والمذابح حملة إرهابية مسلحة استهدفت ليس فقط الجيش والشرطة بل عشرات الكنائس والمؤسسات المسيحية وسط موجة منحطة من التحريض الطائفي وكأن الذي انقلب على حكم مرسي وقام بالمجازر هم أقباط مصر وليس جنرالات الجيش والشرطة!

إن الهدف من ربط الحركة الإسلامية ومقاومتها (السلمية منها والمسلحة) بمؤامرات خارجية ليس فقط تخوين وشيطنة الإسلاميين وأي معارضين للثورة المضادة، بل أيضاً موجة دعائية كاذبة حول وطنية المؤسسة العسكرية وقائدها والربط الرمزي بينه وبين جمال عبد الناصر وعصر التحرير الوطني.

للأسف يشارك في هذه الحملة الدعائية الكثير من الليبراليين واليساريين السابقين فنجد على سبيل المثال بياناً للحزب الشيوعي المصري يتحدث عن “الإرهاب الإسلامي وارتباطه بالتحالف الأمريكي الصهيونى الذى يستهدف تفتيت وتفكيك بلادنا والمنطقة كلها وإعادة رسم خرائطها فى إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير الذى يجعل الولايات المتحدة سيدة على العالم ويجعل من دولة إسرائيل الأقوى فى المنطقة ويجعل من مصر دولة ضعيفة وبقية الدول العربية مجرد أطراف تابعة للتحالف الأمريكي التركى الإسرائيلى.”  وعن ضرورة “الوقوف إلى جانب الشرطة والجيش في الحرب على الفاشية الدينية الإرهابية” إلخ… وكأنها معركة استقلال وطني وكأن السيسي قد أمم لتوه قناة السويس.

وحزب التحالف الشعبي الإشتراكي يطرح نفس الكلام حول “المؤامرة” وينهي أحد بياناته الأخيرة بضرورة “العمل من أجل المواجهة وإجهاض المخطط الأمريكي الصهيوني”.

وكل ذلك في تناقض صارخ مع ما يحدث على الأرض، فأهم مؤيدي السيسي وحملته الدموية هم المملكة السعودية والإمارات من جانب وإسرائيل من الجانب الآخر. أي الركائز الأساسية للثورة المضادة في العالم العربي عبر العقود الست الماضية وأكبر مؤيدي نظام حكم مبارك.

السعودية والسيسسي والمعارضة
ازدادت القدرة والنفوذ الاقتصاديين لدول الخليج النفطية بشكل نوعي خلال العقدين الأخيرين. وتتركز القوة الأساسية في المحور السعودي الإماراتي والذي أصبح أحد المرتكزات الرئيسية للنظام الرأسمالي العالمي على المستوى التمويلي. فطبقاً لإحصائيات منشورة في مجلة فورتشون  الأمريكية وصلت قيمة صادرات البترول لدول مجلس التعاون الخليجي إلى 500 مليار دولار عام 2008. أما رأس المال الذي تم استثماره خارجياً من نفس هذه الدول فقد وصل 530 مليار دولار في الفترة بين 2002 إلى 2006، منهم: 300 مليار دولار في الولايات المتحدة و60 مليار دولار في المنطقة العربية والشرق الأوسط. وتضاعف حجم هذه الاستثمارات الخارجية ثلاث مرات بين 2002 و2009 ليصل إلى إجمالي يقدر بأكثر من 1.4 تريليون دولار. وأصبحت دول الخليج النفطية وعلى رأسها المحور السعودي الإماراتي ثالث أكبر مالك لسندات الخزينة الأمريكية بعد الصين واليابان.

انعسكت هذه الأهمية الاقتصادية ليس فقط على مركزية تلك الدول في السياسة الأمريكية ولكن أيضاً في نفوذها المتزايد في المنطقة العربية بشكل عام وفي مصر بشكل خاص. فعلاقة الاقتصاد المصري بالاقتصاد الخليجي تحولت من مجرد تصدير العمالة المصرية إلى دخول تلك الدول كشريك أساسي للطبقة الحاكمة المصرية وللمؤسسة العسكرية في كافة مجالات الاقتصاد من الزراعة والصناعة إلى الاستثمارات العقارية والتمويلية.

لا مجال هنا للدخول في تفاصيل وحجم تلك الشراكة ولكن يكفي القول أنها تتجاوز الاستثمارت الأمريكية والأوروبية في كثير من المجالات، خاصة البنوك وسوق العقارات والإنشاءات. (للتفاصيل أنظر: جلبير أشقر، الشعب يريد. آدم هنية، رأس المال الخليجي)

ليس غريباً إذاً أن تكون تلك الدول على رأس المؤيدين لدولة مبارك بجنرالاتها ورجال أعمالها، وليس غريباً أيضاً أن يكونوا أهم مؤيدي الفريق السيسي وثورته المضادة. وليس غريباً أيضاً أن يراهن السيسي على قدرة ورغبة الملك السعودي وشركائه في تمويل مشروعه لسحق الثورة المصرية وإعادة النظام القديم.

ملك السعودية، مركز الرجعية والاستبداد وواحة الوهابية والتطرف الإسلامي كان أول المهنئين بالانقلاب وخصص خطاباً لمدح السيسي ودعمه في حربه على الإرهاب ووعده بمليارات لا تحصى. والغريب ليس موقف الملك ولا إشادة السيسي بموقفه، الغريب هو رد فعل القوى السياسية التي كانت تحسب على المعارضة بل على الثورة. أشادت حركة تمرّد على سبيل المثال ، بالخطاب الذي “احترم شرعية مصر وإرادة شعبها”، مشيرة إلى أنها تكنّ التحية العميقة للملك عبدالله. وأشاد حمدين صباحي السياسي الناصري وزعيم التيار الشعبي بموقف العاهل السعودي الذي أكد فيه دعمه لإجراءات السلطة المصرية ضد المتظاهرين. وقال صباحي في تغريدة على حسابه الخاص في تويتر “تحية لموقف العاهل السعودي والموقف الإماراتي الداعم لمصر”.

هذا الملك العدو اللدود للثورة المصرية، خادم الحرمين الشريفين وواشنطن وتل أبيب أصبح بطلاً لدى هؤلاء!

إسرائيل والسيسي
أما الذي لا نجد له خبرا في الإعلام المخابراتي الحالي فهو موقف قادة العدو الصهيوني، فإذا كان السيسي بالفعل بطلاً وطنياً سيعيد الاستقلال لمصر لتوقعنا حالة من الرعب لدى الصهاينة وتأييدا واضحا لعودة الإخوان. ولكن الواقع بعيد كل البعد عن تلك الأوهام المصطنعة.

فوزير الدفاع الإسرائيلي السابق بنيامين بن اليعيزر المقرب من حسني مبارك أعلن “برأيي لو لم يتخذ الجنرال السيسي خطوات كاسحة في غضون وقت قصير لأصبح النظام المصري نظاما يشابه النظام في إيران، وعلى حدودنا الجنوبية كنا سنرى حرسا ثوريا بصيغة مصرية”. وقد صرح أيضاً أن اتفاقية السلام ستكون آمنة في أيدي السيسي وأن هناك تعاونا مستمرا بين الجيش المصري والإسرائيلي (معاريف 20/8/2013) .

وأعلن إيهود باراك رئيس الوزراء السابق أن على العالم كله دعم وتأييد السيسي (حوار مع شبكة سي.ن.ن. 16/8/2013).

و صرح مسئول إسرائيلي لجريدة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن نظام السيسي يجب أن يتم دعمه لأنه أفضل البدائل الآن. وقد عبر عن نفس الموقف موردخاي كدار الباحث في “مركز بيجن – السادات للدراسات الاستراتيجية” في تصريح لجريدة “جيروزلم بوست” الإسرائيلية.

بل إنه على المستوى العملي يقود اللوبي الصهيوني متمثلاً في منظمة “أيباك” في واشنطن حملة مكثفة لاستمرار المساعدات الأمريكية للجيش المصري ولدعم السيسي (نيويورك تايمز 18/8/2013).

أي أن العدو المفترض للجماهير المصرية والتي يدعي إعلام الثورة المضادة أنه مؤيد للإسلاميين والإرهابيين في مصر في معركتهم ضد الدولة والجيش هم في واقع الأمر أكثر المؤيدين للسيسي وللدولة المصرية وللمؤسسة المصرية في إنقلابها وثورتها المضادة وبالطبع في سحقها لكل من يعاديها وعلى رأسهم الإخوان. يا له من تضليل ويا لها من قدرة على الكذب واصطناع حقيقة بديلة لا علاقة لها بالواقع.

الاستثناء القطري والتركي
تشكل دولة قطر الاستثناء عن بقية دول الخليج النفطي، ففي حين تدور تلك الدول في فلك المحور السعودي الإماراتي ولا تخرج عن الخطوط السياسية التي يضعها ذلك المحور، قطر وحدها تحاول أن تخلق لنفسها حيزا من الاستقلال عن المملكة الأم. فهي في توتر دائم ومحاولات تنافس دائم مع السعودية وسياساتها الخارجية رغم قزمية حجمها وقلة عدد سكانها وحتى غياب أي أفق للنجاح في طموحاتها.

ما يجعل قطر قادرة أصلاً على هذه المغامرات هو بالطبع الحجم الهائل لإيراداتها من تصدير النفط والغاز الطبيعي التي تجاوزت 43 مليار دولار عام 2010/2011 والتحكم الكامل لأميرها على هذه الثروات الهائلة.

يتصرف أمير قطر في جزء هام من هذه الثروة الدائمة التدفق في محاولة شراء وزن سياسي إقليمي خارج السيطرة المباشرة للسعودية. والمغامرات لا تنتهي: إقامة علاقات مع إيران والتقرب منها، وفي نفس الوقت فتح باب العلاقات مع إسرائيل واستضافة أكبر مركز قيادة للجيوش الأمريكية في المنطقة. دعم حماس وتنظيم محادثات بينها وبين فتح. دعم تيار سعد الحريري ثم تمويل إعادة إعمار الجنوب بعد الحرب على حزب الله في 2006. ولكن لعل أكبر سلاحين استخدمتهما قطر لخلق صوت دولي مفترض هو تبني جماعة الإخوان المسلمين بعد توتر علاقة الجماعة بالسعودية والاستضافة الدائمة للشيخ القرضاوي، المنظر الرئيسي للجماعة منذ الثمانينات وقناة الجزيرة التليفزيونية والتي سمحت لها قطر، خاصة منذ اندلاع الثورة المصرية بأن تصبح بوقاً إعلامياً للإخوان. هذا طبعاً في إطار توتر طويل المدى بين الإخوان والسعودية منذ التسعينات بسبب موقف الجماعة حينذاك الرافض للحرب الأمريكية على العراق.

هذا هو السياق الذي يفهم فيه تأييد تلك الدويلة الصغيرة وأميرها المغامر للإخوان المسلمين قبل وصول مرسي للحكم وخلال رئاسة مرسي وموقفهم المناهض لحكم السيسي والإطاحة بالإخوان.

أما تركيا فموقفها أبسط وأكثر عقلانية من نظيرتها القطرية. فأردوغان بقاعدته الشعبية ذات التوجه الإسلامي ومع النمو السريع للاقتصاد التركي وغلق الباب أمام انضمامها للاتحاد الأوروبي أصبح في حاجة ماسة لخلق نفوذ إقليمي في النطاق الجغرافي العثماني القديم، ووصول الإسلاميين للحكم في كل من مصر وتونس مكنه في البدء من تنفيذ هذه الرؤية.

ولهذا فمن المفهوم تماماً أن يعارض أردوغان بعنف  انقلاب السيسي ووحشية سحق الإخوان، ليس لإنسانية أو ثورية أردوغان بالطبع ولكن لما يمثله ذلك التغيير من تأثير سلبي على مصالح ونفوذ الحكومة التركية في المنطقة.

الإخوان بالطبع كانو سيقبلون بالعون من الشيطان نفسه، ولكن الواقع يقول إن السيسي وانقلابه مدعوم بقوة من اسرائيل والسعودية وبشكل أقل مباشرة من الأسياد القلقين في واشنطن.

الثورة لن تنجح إلا في إطار استقلال حقيقي لإرادة الشعب المصري من الإمبريالية الأمريكية والصهيونية وشركائهم الإقليميين سواء السعودية والإمارات أو قطر وتركيا. لم يحقق مرسي أي استقلال حقيقي فأبقى على نفس قيود التبعية القديمة. والسيسي بدوره بالتأكيد لن يحقق أي استقلال بالارتماء في أحضان ملوك وأمراء النفط الخليجي.

ولكن للأسف فالوقائع والحقيقة لا تعني شيئا أمام عاصفة الأكاذيب التي تبرر بها الثورة المضادة جرائمها، والتخوين لن يتوقف عند الإسلاميين بل سيمتد كما طرحنا في بداية هذا المقال لكل ثوري وكل معارض وكل مطالب بحق، بتهليل ليس فقط من بلطجية النظام بل من ليبراليين ويساريين ومثقفين باعوا أرواحهم وضمائرهم خدمة لبيادة الجنرال.

وليس معنى ذلك الإحباط أو فقدان الأمل في الثورة المصرية. فهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها النظام القديم خداع الجماهير. فقد أثبتت الجماهير المصرية مرة تلو الأخرى أنها سريعاً ما تتجاوز الوعي الزائف وتكشف أعداءها من خلال خبرتها الثورية، ونحن مازال أمامنا معارك كثيرة، سنهزم في بعضها وننتصر في البعض الآخر ونتعلم من خبراتنا وتضحياتنا حتى تنتصر ثورتنا.