افتتاحية «الاشتراكي» - العدد 113:
الطريق إلى 30 يونيو.. وما بعده

تستمر حملة “تمرد” في جمع الملايين من التوقيعات على استمارات سحب الثقة من مرسي من الشوارع والأحياء والمواقع العمالية في مختلف محافظات مصر لتكشف عن حق مدى السخط الشعبي الهائل تجاه مرسي وسياساته التي يستكمل بها طريق الطاغية مبارك. وتعيد الحملة من جديد الشعارات والمطالب السياسية إلى الصدارة بعد حالة الإحباط التي أصابت الحراك السياسي على مدار شهور قليلة مضت. وفي المقابل، تواصل حملة “تجرد”، التي أطلقتها مجموعات إسلامية وأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، حصاد خيبة الأمل والرفض الجماهيري، مما يدل على التآكل المتسارع في شعبية مرسي بعد فشله في تحقيق مطالب وطموحات القطاعات العريضة والمحرومة من الشعب المصري، بل وعمله الدؤوب على وأد كل تحرك ينادي بهذه المطالب.
لقد كسرت حملة “تمرد” أسطورة “الزيت والسكر” التي تعتمد عليها الماكينة الانتخابية الجبارة للإخوان المسلمين، كما كسرت خطر عزلة طليعة الثوار والقوى الثورية عن الجامعة والمصنع والحي الشعبي، ذلك الخطر الذي يهدد القوى الثورية نفسها بفقدان الظهير الشعبي لها عند التحرك ضد مرسي وسلطته الاستبدادية. هذا بينما يواصل الآلاف من العمال والفقراء احتجاجاتهم لانتزاع حقهم في الحياة الكريمة. وها قد سجلت الجماهير المصرية أعلى معدلات احتجاج على مستوى العالم بأسره في العام الجاري، لتصل إلى أكثر من 5 آلاف احتجاج، 1500 منهم في مايو فقط، بواقع 42 احتجاج يومياً، وهو الأمر المرشح للتصاعد بشكل كبير خلال الأشهر المقبلة تحت تأثير الضغوط الاقتصادية الهائلة والموازنة العامة الجديدة بكل ما تتضمنه من انحياز صارخ لميزانية المؤسسة العسكرية والداخلية ودعم رجال الأعمال واستثماراتهم على حساب الإنفاق على الخدمات الاجتماعية والمرافق ودعم السلع الاستهلاكية، إلخ.
إن التوازي بين حملة “تمرد” وهذه الاحتجاجات الواسعة، المستمرة في موجات متتالية تعلو وتهبط منذ بداية الثورة، وفرص الدمج بين المطالب الاقتصادية والاجتماعية والقضايا السياسية المباشرة، هي أكبر خطر على مرسي وجماعته وحكومته ومجمل المصالح الرأسمالية التي يدافع عنها ويرعاها. لذا، فقد واجه نشطاء الحملة في العديد من المناطق، في العاصمة والمحافظات، الكثير من الاعتداءات من قبل أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين وبعض المجموعات الإسلامية، لعل أبرزها محاولة حرق مقر الحملة بوسط القاهرة قبل حوالي أسبوع.
ومحاولات الاعتداء هذه تمثل فقط جانب من الصورة الأكبر لسلطة القمع والاستبداد التي يقبع مرسي على قمتها. فالرئيس الذي لا يمل في كل مناسبة عن التذكير بأنه “مُنتخب” وأنه قد أتى إلى منصبه بـ”ديمقراطية الصندوق”، لا يكف عن استخدام عصى القمع في مواجهة الاحتجاجات العمالية والاجتماعية والمظاهرات السياسية على حد سواء، سواء بإرسال قوات الأمن المركزي أو بعضٍ من “أهله وعشيرته”، كما حدث في اعتصام وزارة الثقافة الذي دافع عنه منظموه بكل جرأة وبسالة وحالوا دون فضه. وفي المقابل، تعلن “تمرد” أن ديمقراطية الشارع، هذه الديمقراطية المباشرة التي تعبر عن إرادة الجماهير، أقوى وأعمق مائة ألف مرة من ديمقراطية صندوق نذهب إليه مرة كل 4 سنوات، وأنه من حق الجماهير سحب الثقة ممن انتخبتهم، بل وإسقاطهم ومحاكمتهم، إذا لم يحققوا المطالب التي يرفعونها ويناضلون من أجلها ويبذلون التضحيات في سبيل تحقيقها.
في كل مكان، يجري الحشد للتظاهر يوم 30 يونيو على قدم وساق. هذا اليوم سيكون مقدمة لموجة جديدة، أقوى وأعمق، من الثورة المصرية، موجة جديدة تشتد فيها حالة الفرز بين المعسكرات المختلفة، ليس بين مؤيدي مرسي ومعارضيه، أو بين ما يُطلق عليهم في وسائل الإعلام “التيار المدني” و”التيار الإسلامي”، بل بين المنحازين لاستكمال وتجذير وتعميق الثورة المصرية، وبين معارضي مرسي من الفلول والداعمين للعسكر والمنادين بالانقلاب العسكري على الإخوان، والذين يسعون خلال ذلك بجهد مرير محو جرائم العسكر والداخلية والفلول من ذاكرة وأذهان المصريين.
لا يمكن أن نتغافل عن مشاركة الفلول أيضاً في الحشد إلى 30 يونيو، لكننا في الوقت نفسه لا يمكن أن ننسى أن هؤلاء لا يعارضون مرسي وجماعته من أجل انتصار الثورة المصرية، بل من أجل عودة النظام القديم ببعضٍ من أقبح وجوهه وأكثرها عداءاً للثورة المصرية. ومن الكارثي على مسار الثورة أن يتوحد الثوريين مع هؤلاء على أرضية واحدة بدعوى أن “العدو واحد وهو الإخوان” أو “لننحي خلافاتنا جانباً حتى نزيح الإخوان عن السلطة”. سنكافح وسنعمل بكل قوة، في 30 يونيو وما قبلها وفيما بعدها، على تسييد شعارات الثورة في الميادين والأحياء والمصانع، الشعارات الاجتماعية والسياسية التي ناضل من أجلها الملايين في الموجات المتتالية والتي لا تهدأ من الثورة طيلة أكثر من عامين إلى الآن.
والطريق إلى ذلك هو بناء جبهة ثورية بديلة عن العسكر والفلول من ناحية وعن الإخوان وحلفائهم من ناحية أخرى، جبهة تمثل قطب جاذب لكل الملايين من الفقراء والمحرومين والمضطهدين في المصانع والجامعات والمدارس والقرى والمدن، هؤلاء الذين قد يقع الكثيرون منهم فريسة أمام دعوات عودة الحكم العسكري التي ينادي بها الليبراليون فاقدي الثقة في الجماهير، وينادي به الفلول، في ظل غياب بديل ثوري حقيقي أمامهم.
آن أوان الكفاح لبناء مثل هذه الجبهة، ولتوحيد كافة القوى الثورية التي تعلن صراحةً وبشكل عملي انحيازها لمطالب الثورة وأن السبيل الوحيد لتحقيقها هو النضال الجماهيري من أسفل. ما تحتاجه الثورة المصرية في هذه المرحلة هو بناء هذه الجبهة التي تعمل على توحيد المطالب الاجتماعية والاقتصادية للملايين من الشعب المصري مع الأهداف السياسية في إرساء نظام ديمقراطي حقيقي.
وإنها لثورة حتى النصر
كل السلطة والثروة للشعب