ما بعد انتخابات الرئاسة: سقوط الأوهام والأقنعة

منذ انطلاق الثورة فى 25 يناير وحتى الآن تخوض جماهير الثورة معارك متتالية لتحقيق أهدافها من الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ولكن تغيرت آليات الصراع بسبب الموقف الانتهازي الذي اتخذته جماعة الإخوان المسلمون ووقوفها إلى جانب النظام فى إعادة إنتاجه على نفس القواعد الإقتصادية والسياسية.
ماذا يريد الإخوان من الثورة؟
ندرك أن الإخوان بحكم تكوينهم الطبقى الذى تنتمى قياداته الى البرجوازية العليا فيما تتشكل قواعده من شرائح الطبقة الوسطى والدنيا، وبالتالى ينتمى جوهر مشروعهم الاقتصادى-الاجتماعى فى الحفاظ على سياسات النظام وقواعده الاقتصادية للسوق الحرة وهو مشروع يطبق الليبرالية الجديدة والتى تقف ضد مفاهيم الثورة القائمة على التغيير الجذرى للمنظومة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة من خلال الحد الأدنى والأعلى للأجور وفرض ضرائب تصاعدية وإعادة هيكلة الموازنة العامة لتصب فى صالح الطبقات الفقيرة لدعم التعليم والصحة والإسكان والتموين والخدمات العامة وأيضا إرساء الديمقراطية الشعبية وتنظيم العمال والفلاحين فى مواقع الانتاج وانشائهم للنقابات المستقلة الداعمة لحقوقهم.
صفقة سعد الكتاتنى وعمر سليمان أثناء الثورة
ويظهر من خلالها التوجه الحقيقى للإخوان فى إجراء مصالحة مع نظام مبارك وعقد صفقة تقوم على استمرار مبارك لآخر فترته الرئاسية وفض اعتصام التحرير واستقرار النظام مقابل العفو عن أعضاء الجماعة وتشكيل حزب سياسى ومشاركتهم فى السلطة من خلال التعديلات الدستورية والبرلمان، وهنا نجد ان استراتيجية الإخوان قائمة على الدفع فى اتجاه تفريغ الثورة من مضمونها الاقتصادى-الاجتماعى وهو القضاء الكامل على النظام الطبقى وإعادة توزيع الثروة لصالح الطبقات الفقيرة.
استفتاء مارس والدخول فى النفق المظلم
وكانت استراتيجية النظام العسكري أن يقوم بمد الفترة الانتقالية لإعادة ترتيب الأوراق وإعادة بناء المؤسسات التى تضمن تجريف الثورة وإيقافها عند هذا الحد من الموجة السياسية التى أطاحت فقط برأس النظام وبعض نخبته الحاكمة، وأيضا شق الصف فى الشارع المصرى بين معسكرين متناقضين ما بين فريق ينادى بالانتخابات أولا وفريق آخر ينادى بالدستور أولا وهو المسار الذى حرف الثورة عن مرتكزاتها الأساسية ودخلنا بعد ذلك فى أوهام المعارك الانتخابية للبرلمان التى تعبر عن لعبة النظام فى إعادة تدوير السلطة لصالح النخب السياسية الجديدة متمثلة فى المجلس العسكري القابض على زمام السلطة، والتيار الإسلامى من الإخوان والسلفيين الذين هادنوه.
الأزمات المفتعلة وعزل القوى الثورية تمهيدا لسحقهم
نجحت هذه الاستراتيجية فى صرف الانتباه عن مطالب الثورة الحقيقية من خلال صنع الأزمات كنقص الطاقة من السولار والبنزين والفراغ الأمنى وإطلاق البلطجية وإشاعة الفزع والرعب بين الناس من عمليات السرقة والخطف واستخدام فزاعة وقف عجلة الإنتاج التى تضر بالاقتصاد الوطنى والوقوف ضد المطالب الاجتماعية للعمال والفلاحين واعتصاماتهم باعتبارها مطالب فئوية وعدم توافر الموارد الحكومية وإصدار مرسوم المجلس العسكري بتجريم الإعتصامات والإضرابات وكانت النتيجة محاولة القضاء على القوى الثورية فى معارك ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية.
انتخابات البرلمان :المناورة السياسية وتصدير الإخوان فى وجه الأزمة
نجح المجلس العسكري فى تجريف الأرض السياسية للإخوان من خلال تصديرهم فى وجه الأزمة الاجتماعية والاقتصادية وكانت نتيجتها تخفيض شعبية الإخوان فى الشارع واتجاه النخب الليبرالية للإرتماء فى أحضان المجلس العسكري وذلك بعد محاولات الإخوان فى السيطرة على دوائر السلطة من البرلمان وتشكيل الحكومة والرئاسة.
ولكن مع اشتداد الاحتجاجات الاجتماعية وفشل الإخوان فى إدارة الصراع لصالحهم كان لا بد لهم من طرحهم لمرشح رئاسى يساعدهم فى الحصول على الذراع التنفيذية الداعمة للمؤسسة البرلمانية التشريعية خصوصا بعد فشلهم فى محاولة إسقاط حكومة الجنزورى ودخولهم فى صراع على آليات السلطة مع المجلس العسكري.
الصراع داخل الطبقة الحاكمة :الإخوان ورهان الرئاسة
يعتمد الإخوان على قاعدة ان التمثيل السياسى فى المؤسسات الشرعية للدولة هى بمثابة القوة التى تمكنهم من الاستيلاء على مقاليد السلطة ولكن هذا يتنافى بالقطع مع القوانين الحاكمة لهذا الصراع وهى أن المجلس العسكري هو من يمتلك السلطة الحقيقية من خلال سيطرته على ما يزيد عن 35%من الاقتصاد وهو المتحكم الفعلى فى أجهزة الدولة من قوات الجيش والشرطة والأمن المركزي وأمن الدولة ومؤسسات القضاء والإعلام ورؤساء البنوك والجامعات والوزارات والمحافظات والإدارات المحلية.
إضافة الى أن المجلس هو من يحدد صلاحيات الرئيس القادم من خلال الإعلان الدستوري المكمل وينص فيه على أن الرئيس له فقط صلاحيات شكلية مثل تعيين شيخ الأزهر ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء ولكن للمجلس العسكري السيطرة على مؤسسة الجيش واقتصادها ومناقشة ميزانيتها ومراجعة وتعديل القوانين الصادرة باعتباره الحامى للشرعية الثورية والدستورية أى أنه دولة فوق الدولة وهو المتحكم الفعلى فى مقاليد السلطة.
لهذا فإن معركة الرئاسة بالنسبة للإخوان هى الحاسمة لهم فى إستيلائهم على السلطة ورهانهم على كسب الجماهير من خلال بعض الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية مثل تفعيل دور المجتمع الأهلى وإنشاء الجمعيات الخيرية والتكافلية المعتمدة على أموال الزكاة والصدقات والوقف فيما يقوم جوهر مشروع النهضة على تكوين شبكة علاقات إقتصادية مع أوروبا وأميركا وتشجيع الإستثمار الأجنبى والتخلص من القيادات المنافسة من رجال أعمال الوطنى وطرح البرجوازية الإخوانية باعتبارها الشريكة مع الرأسمالية العالمية فيما تستفيد الطبقة الوسطى للإخوان من شبكات العلاقات الاقتصادية /الاجتماعية التى أسسها الإخوان على مدى العقود السابقة.
ازدياد حدة الإستقطاب الطبقي وسقوط أوهام الرئاسة
ولكن هذا السيناريو الذى يضعه الإخوان لن ينجح بالتأكيد وذلك بعد اشتداد حدة الاستقطاب الطبقى ودخول الرأسمالية الاحتكارية فى مرحلة الأزمة التى تضغط بقوة رهيبة على طبقات العمال والفلاحين والمهمشين لزيادة فائض القيمة والحفاظ على الأرباح الضخمة التى تحققها الشركات الكبرى وهو ما تسبب فى تهشيم دور المجتمع الأهلى والمؤسسات الوسيطة التى لاتستطيع المنافسة مع توغل الرأسمالية الكبيرة وسيطرتها على دورة الانتاج والسلع وهذا ما تسبب فى التركيز المكثف لرأس المال فى أيدى قلة من رجال الأعمال.
يدفعنا ذلك للقول أن مؤسسة الرئاسة القادمة هى وجه من أوجه سيطرة النظام على المجتمع وعزل الحركات الاجتماعية والثورية وقمعها بحجة الشرعية الدستورية وإرساء الإستقرار ودفع عجلة الإنتاج للأمام.
وبالتالى فإن معركة الرئاسة ليست استراتيجية يعتمد عليها كفاح الطبقة العاملة فى استرداد حقوقها المنهوبة ولكنها تكتيك مهم يتكشف من خلاله الوجه القبيح لفساد الطبقة الحاكمة ومحاولة خداع الجماهير من خلال اللعبة الانتخابية التى لا تعمل إلا على مزيد من السيطرة والتحكم لصالح البرجوازية المستغلة.
ويأتى نمو وتصاعد الحركات الجماهيرية والعمالية وتزايد إنشاء النقابات العمالية المستقلة التى تعمل على إعادة ترتيب أوراق الطبقة العاملة، ونمو وعيها وإدراكها بضرورة تحديد إستراتيجية موحدة لاستكمال أهداف الثورة، وأهمها إعادة توزيع الثروة والتخلص نهائيا من النظام الطبقى وسيطرة البرجوازية على مقاليد السلطة السياسية والاقتصادية.