بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

مبايعة الديكتاتور

إن نتيجة استفتاء مبارك جاهزة سلفا ومعروفة مقدمًا، وتزييف إرادة الجماهير السياسية دأبت عليها السلطات البرجوازية الاستبدادية والقمعية. ونحن إذ نرفض دولة مبارك ونظامه، فليس ذلك لأن الدولة الرأسمالية يمكن أن تكون أفضل من رئيس آخر أيًا كان، ولكن لأننا نرفض النظام الرأسمالي نفسه أيًا كان ممثله لأنه نظام يقوم على استغلال العمال وتكديس الأموال من دماء الجماهير وقمع كل من يحتج على هذا الاستغلال. إن موقفنا من الرأسمالية المصرية التي أفرخت مبارك ويمكن أن تأتي بمن هو أسوأ، موقف من علاقات تقوم على عبودية العمال المأجور وقمع الجماهير لتعظيم أرباح الرأسماليين سواء في الريف أو في المدن، من نظام يخشى حرية الكلمة ويخالف من أصوات الجماهير المطالبة بأبسط حقوقها، وهو موقف من طبقة دينها الربح وإلهها الدولار وقبلتها تكديس الأموال.

إن مبارك، بسياسته مجرد تعبير عن درجة الانحطاط التي وصلت إليها الرأسمالية المصرية، مبارك ليس سوى واجهة يحكم من خلالها رجال الأعمال والمستثمرين المصريين والأجانب يختفي وراءها توحش الرأسمالية المصرية ومصالحها المعادية للجماهير.

ومسرحية الاستفتاء الممجوجة السخيفة مؤشر لحالة الأحزاب المدجنة وحالة الإفلاس السياسي لنظام الحكم وخوف النظام من أي تغيير ولو كان من داخل وفي حدود الطبقة الرأسمالية نفسها، والطبقة الحاكمة لا تهتم لذلك الأمر، فليست الحياة السياسية نفسها عندها سوى وسيلة لحماية الأرباح والاستثمارات من الغضب الشعبي، وما دامت قوات قمع مبارك تحقق هذا الهدف فهذا يكفي، ولتذهب الحياة السياسية نفسها إلى الجحيم لأنها قد تسمح بتدخل الجماهير في صنع القرار، وهو أمر مرعب بالنسبة لها لأنه يمكن أن يعكر صفو المصالح الرأسمالية لدى الاستثمارات المحلية والأجنبية.

إن الجماهير التي ترزح تحت وطأة سلطة الطوارئ البوليسية والعسكرية، والتي تعاني من الإفقار والاستغلال الرأسمالي، ويهددها أشباح المرض والبطالة والعوز لن تظل صامته أو صابرة على تلك الأوضاع. إن الاحتجاجات الجزئية تتزايد وتتسع، ومهرجو المبايعة في الاستفتاءات المقززة لا يقدمون لها سوى الأكاذيب والمناورات والتحالف مع الجلادين والمستغلين، وبالممارسة سوف تتعلم الجماهير أكثر فأكثر أن تعتمد على سواعدها في المطالبة بحقوقها المنهوبة، وفي طرح الثوريون يقفون مع الجماهير في ذات الخندق ضد سلطة المستغلين، وسنصل بطبيعة الحال، كما تعلمنا خبرات التاريخ، إلى لحظة المواجهة الحاسمة ووضع بدائلنا وبدائل الحركة الجماهيرية على جدول الأعمال، وما من بديل لنا في مواجهة المستغلين إلا سلطة الكادحين، كل الكادحين.

لا لمبارك عدو الجماهير:
منذ عدة أسابيع انتشرت في الشوارع والميادين صور الديكتاتور المصري حسني مبارك استعدادًا لمهرجانات الاستفتاء والتي فيها مورست كل أشكال النفاق والتزييف التي تهدف إلى إخفاء الوجه الحقيقي لنظامه البشع الذي تعاني الجماهير في ظله منذ ثمانية عشر عامًا، وبدأت كل وسائل الإعلام (التلفزيون والصحافة.. الخ) تعدد إنجازاته العظيمة على كل المستويات وتصوره كما لو كان إليها لا تسير الحياة إلا بإذنه وتحت رعايته، وفي نفس الوقت يتقدم الدجالون والمنافقون ليبرز كل منهم قدراته الفائقة في مباريات الدعارة السياسية على صفحات الجرائد وفي المحافل ومواكب الاستقبال.

ولكن الواقع الأليم الذي نعاني منه الجماهير لا يمكن أن تخفيه الرقصات البهلوانية لهؤلاء الأفاقين، ففي عهد مبارك كشفت البرجوازية المصرية عن وجهها البشع، من استبداد وطغيان وفساد ووحشية وقذارة وتلك المظاهر التي أستحق عنها بجدارة لقب “مبارك عدو الجماهير”، فالفقر والفساد والقمع هي العلامات المميزة لحكم مبارك البغيض الذي قاد حملة شاملة ضد الجماهير بكل قطاعاتها، فتحت دعاوي الإصلاح الاقتصادي كانت البطالة وتكثيف الاستغلال والتجويع من نصيب الطبقة العاملة، وكان التشريد والمهانة والذل من نصيب الفلاحين من صغار الملاك والمستأجرين، وتحت دعاوي التحرير الاقتصادي والمشروعات الكبرى عانى فقراء المدن من التهميش وأزيلت بيوتهم، وتحت شعار السياسة الحكيمة والدول الصديقة أخفت البرجوازية المصرية خيانتها وتحالفها مع الإمبريالية والصهيونية ضد مصالح الجماهير.

لكن دولة مبارك كانت تعلم أن طبول النفاق ورنين المصطلحات لا يمكن أن تخدم الجماهير، فحشدت جيوشًا من القمع وأطلقها لتشيع الرعب في كل مكان على أرض مصر، وطوال حكمه لم ترفع حالة الطوارئ ساعة واحدة، فاستحق بذلك أيضًا لقب “السفاح” وعلى أيدي زبانية التعذيب الذين أعدهم مبارك في مواجهة الجماهير سقط العديد من الأبرياء ضحايا التعذيب الوحشي في السجون وأقسام الشرطة، واكتظت السجون والمعتقلات بأعداد واسعة من سجناء الرأي والسياسيين، وانتشر الذعر في الشوارع، وهوجمت الجامعات والمصانع بجحافل الأمن المركزي والقوات الخاصة، فضربت واعتقلت وقتلت، وضمت قائمة الشهداء الشهيد عبد الحي من عمال الصلب في 1989 وأربعة شهداء أحدهم طفل في العاشرة في كفر الدوار 1994، ومن الطلاب الشهيد خالد الوقاد خلال المظاهرات التي اعترضت على ضرب العراق في 1991، كما ضمت كذلك من الجنود سليمان خاطر في 1987، هذا بالإضافة إلى أعداد واسعة من الفلاحين الفقراء خلال جملة أكتوبر 1997 لتنفيذ قانون الإيجارات.. وغيرهم الكثير والكثير.

وفي نفس الوقت كسف مبارك عن ولائه الحقيقي فكان أكبر راعي للفساد خلال فترة حكمه الطويلة، وأنتشر تهريب الأموال وسرقة شركات القطاع العام خلال عمليات الخصخصة وأنتشر الفساد والرشوة على أعلى المستويات وأفاد منها أسرته وأجهزة حكمه وأهمها وزراء حكومته، كما شمل الفساد أيضًا بيع سلع فاسدة لتلاميذ المدارس، وانتشرت فضائح تهريب الأموال ونواب القروض في مجلس الشعب المزيف.

ورغم ذلك لا زال مبارك يتباهى بأن عهده هو أرقى عهود الديمقراطية وحرية الرأي بينما يزج العديد من الصحفيين في السجون بسبب قضايا النشر وآخرهم كان مجي حسين الصحفي بجريدة الشعب بسبب حملته على يوسف وإلى وزير الزراعة، وأغلقت العديد من الصحف التي حاولت انتقاد وكشف الفساد كان أهمها صحيفة الدستور، وطورد صحفيو الشرق الأوسط بسبب فضحهم لتورط أولاد مبارك في فضائح فساد، كما كبلت الأحزاب السياسية حتى تحولت إلى أدوات لخداع الجماهير، أو ديكور ديمقراطي زائف لنظام مستبد في أفضل الأحوال… وغير ذلك الكثير والكثير.

لقد كان جميع الطغاة من أعداء الجماهير أمثال الشاه رضا بهلوي وتشاوشيسكو وسفاح إندونيسيا سوهارتو يحققون أغلبية ساحقة في الاستفتاءات المزيفة، ولكن حركة الجماهير أثبتت حقيقة موقفها من هؤلاء السفاحين وأطاحت بهم إلى غير رجعة بين عشية وضحاها، وأثبتت أيضًا أن آلة القمع مهما بلغت من الجبروت لا يمكنها حمايتهم إلى الأبد. وبغض النظر عن نتيحة الاستفتاء القادم، فإن التغيير الحقيقي لن يحدث إلا بأيدي الجماهير المسحوقة والتي عانت طويلاً من ديكتاتورية واستبداد مبارك.

لا للخصخصة وتشريد العمال.. ولا للقمع والاستبداد.. لا للفساد وتكثيف الاستغلال..

مبارك عدو الطبقة العاملة:
منذ بداية توليه الحكم أصدر مبارك العديد من التشريعات المعادية للعمال ابتداء من تعديل قانون النقابات ومد الدورة النقابية لضمان ولاء النقابيين للنظام وعزلهم عن قواعد العمال، إلى إصدار قانون قطاع الأعمال 203 الذي يتيح بيع شركات القطاع العام والعصف بحقوق العمال من حوافز وبدلات وإجازات، ثم أنه يستعد الآن لإصدار قانون العمل الموحد الذي يجهز تمامًا على كافة حقوق العمال ويعيد علاقات العمال إلى عهد الرقيق من خلال إطلاق سلطة الإدارة في التنكيل بالعمال وفصلهم وحرمان العمال من حقوقهم ومكتسباتهم، ثم طرد عشرات الآلاف من العمال سواء من خلال تصفية الشركات العامة أو الفصل والتسريح أو النقل أو المعاش المبكر. وكانت هذه السمات هي الطابع المميز لسياسات مبارك تجاه العمال التي أجراها تحت شعار الخصخصة والإصلاح الاقتصادي والتي تهدف لجذب الاستثمارات ورجال الأعمال.

ولم يسلم عمال القطاع الخاص، وخاصة في المدن الجديدة، من سياسات مبارك المشجعة للاستثمار، بل أن أوضاعهم أشد سوءًا، فالأجور لا تتناسب مع الأسعار، وظروف العمل لا تناسب السجناء وليس العمال، فأغلب هذه الشركات تهمل وسائل الأمن الصناعي غير مكترثة بما قد يحدث للعمال من إصابات وحوادث، وإجراءات السلامة والصحة المهنية تكاد تكون غائبة تمامًا، ولا توجد لجان نقابية في أغلب هذه الشركات تعبر عن مصالح العمال ومطالبهم وأي محاولة لتشكيل نقابات تواجه بالفصل والتشريد، بل أن صاحب العمل لا يضطر عادة لفصل العامل حيث عادة ما يجبر العمال على توقيع استقالتهم قبل العمل، وأحيانًا يجبرون على توقيع شيكات لضمان خضوعهم الكامل لصاحب العمل. بالإضافة لذلك فإن قطاعًا واسعًا من العمال في تلك المدن الجديدة يعملون بشكل غير رسمي وغير مقيدين وليس لهم أي ضمانات. هذه هي المدن الجديدة، أ؛د أهم إنجازات مبارك الذي يتباهى بأن نسبة القطاع الخاص في الاستثمار تجاوزت 60% وواقع الأمر أن تلك الأوضاع تعبر عن أعلى أشكال استغلال واضطهاد الطبقة العاملة.

ولا شك أن هذا ما يعده مبارك أيضًا لعمال القطاع العام، فالخصخصة في حقيقتها تعني فصل العديد من العمال وتشريدهم وتكثيف استغلال من تبقى منهم، وما المعاش المبكر إلا جزءًا من هذه السياسة. ففي الوقت الذي يدعى فيه مبارك أن المعاش المبكر اختياريًا، نجد إدارات الشركات تزيد من تعسفها تجاه العمال بالهجوم المنظم على الحوافز والبدلات والمزايا الأخرى، كما تتوسع الإدارات في تطبيق الجزاءات من خصم الراتب وتقليص الأجازات والحرمان من المزايا العينية، هذا إلى جانب التهديد المستمر بالفصل والتشريد. أو بيع الشركة بما يعنيه من فصل وتشريد العمال.

وكان طبيعيًا ألا تمر هذه السياسات دون أن يعبر العمال عن غضبهم المتزايد في نضالات متكررة لمواجهة هجمات النظام، ويعد ذلك أيضًا أحد أهم السمات التي ميزت عهد مبارك والتي استحق عنها بجدارة لقب “عدو الطبقة العاملة”، فمنذ توليه السلطة وحتى الآن كان مبارك بالمرصاد للحركة العمالية، ويحول كل إضراب أو اعتصام أو مظاهرة إلى معركة حربية بين العمال وجيوش الأمن المدربة والمسلحة بأحدث وسائل القمع المستوردة والمحلية.

ففي نوفمبر 1983 وخلال فترة رئاسته الأولى وجد عمال شركة النقل الخفيف أنفسهم في مواجهة قوات هائلة من الأمن المركزي حينما أعلنوا الإضراب مطالبين بزيادة بدل طبيعة العمل، ونفس هؤلاء العمال واجهوا قوات الأمن مرة أخرى في 1986 عندما أعلنوا الإضراب للمطالبة بتنفيذ حكم قضائي ببعض حقوقهم المسلوبة واستخدمت الدولة عملاءها في حل النقابة العمالية. وفي يناير عام 1984، عندما أعلن عمال شركة النصر لصناعة المواسير إضرابهم للمطالبة برفع الحوافز وبدل طبيعة العمال فوجئا بحصار عسكري من قوات الدولة. وفي نفس العام اقتحمت قوات الأمن شركة الغزل والنسيج بكفر الدوار أثناء إضراب عمال الشركة للمطالبة بتعديل نسب خصم التأمينات الاجتماعية والتراجع عن رفع أسعار السلع الأساسية، وكانت نتيجة هذا الاقتحام سقوط عدد من الشهداء بين صفوف العمال. وبعد ذلك بعشر سنوات (في سبتمبر 1994) قام قوات مبارك باقتحام شركة الغزل والنسيج بكفر الدوار بوحشية أكبر لفض إضراب سلمي للعمال احتجاجًا على تعسف واستبداد رئيس مجلس الإدارة الملقب بالبلدوزر بسبب سياسياته التعسفية وعدائه الشديد للعمال، ومرة أخرى يسقط أربعة شهداء بينهم طفل في الإعدادية وتتحول المدينة إلى أشلاء وثكنات عسكرية، ومرة أخرى يملاً مبارك سجونه من العمال الذين يدافعون عن لقمة عيشهم.

وفي عام 1986 أضرب عمال المحلة وإسكو للمطالبة بحقهم في أجر العطلات الرسمية، ولكنهم وحدوا أنفسهم تحت حصار ضربته جحافل النظام، حيث صرح وزير الداخلية بمنتهى الصلف آنذاك أنه سيزيل شركة إسكو ويبني مكانها حديقة يلقي بها الرئيس مبارك خطبة عيد العمال! ونفس المواجهات تكررت مع عمال مصنع 110 الحربي بالإسكندرية وعمال مصنع 18 الحربي بأبي زعبل عندما تحرك العمال للمطالبة بالحوافز والأجر الإضافي، وفي نفس العام (1986) اقتحمت قوات الأمن المدعومة بفرق الكاراتيه والقوات الخاصة مقر رابطة عمال السكة الحديد الذين اعتصموا بمقر الرابطة للمطالبة بزيادة حافز الكيلو، وألقت قوات مبارك القبض على كل العمال المعتصمين بعد أن أوسعتهم ضربًا وركلاً وسحلاً.

وفي أغسطس 1989 أدار نظام مبارك معركة حربية ضد عمال الحديد والصلب بحلوان، فقد اجتاحت قوات هائلة مصنع الحديد والصلب لفض اعتصام العمال والمطالبين برفع بدل الوجبة وزيادة الحافز والإفراج عن العمال المعتقلين. ولم توفر دولة مبارك أيا من أدوات القمع من قنابل مسيلة للدموع ورصاص مطاطي أو هراوات بل والرصاص الحي أيضًا ليسقط عند الحي العامل بالحديد والصلب شهيدًا برصاص مبارك، وتلقي قوات الأمن القبض على ما يزيد على ألف عامل من الشركة، وعند سئل زكي بدر، وزير داخلية مبارك وقتها، في مجلس الشعب عن استشهاد عبد الحي وواقعة الاقتحام واستخدام الذخيرة الحية في فض اعتصام سلمي يجيب في تنجح أن الاقتحام كان ناجحًا وأن نسبة الخسائر في الأرواح المسموح بها في هذه العمليات 2.5% أي أكثر من 250 عاملاً كان من الممكن التضحية بهم.

هذه فقط بعض الأمثلة في سجل مبارك الوحشي تجاه العمال، فمنذ توليه السلطة لا يكاد يمر عام لا تحاصر فيه المصانع وتقتحم، ويتم اقتياد العمال إلى السجون والمعتقلات فضلاً عن الدور المتزايد للأمن في الإدارات.

إن مهرجان المبايعة التي يديرها النظام ويتسابق فيه بهاليل السلطة في إثبات ولائهم وخضوعهم المطلق لقبضة مبارك الحديدية، ومظاهر الإمبراطورية التي يعيشها مبارك وعائلته وحاشيته على حساب الجماهير الكادحة، وجيوش الأمن المركزي التي تحاصر الجماهير بشكل دائم، وأبواق الإعلام المزيف والمعارضة الانتهازية، كل ذلك لن يجعل التاريخ يسير في عكس اتجاهه. فرغم كل ما أعداه مبارك لقمع الحركة العمالية، ما زال العمال يناضلون من أجل حقوقهم، وما زالت أصوات الإضرابات والنضالات العمالية تشق ضجيج الإعلام الرسمي.

إن الاستفتاء المزيف والمبايعة المأجورة لن تضمن لمبارك الاستقرار ولن تحقق له الشرعية، ولن يشهد عهد مبارك سوى تصاعد النضال من جانب جماهير الكادحين وفي مقدمتهم الطبقة العاملة من أجل القضاء على الاستغلال والاضطهاد والرأسمالية.

مبارك عدو الفلاحين الفقراء:
بعد فترة وجيزة من توليه الحكم كشف مبارك عن وجهة القبيح المعادي للجماهير، فاستمر في تنفيذ برنامج التكيف الهيكلي الذي بدأ أثره يمتد إلى فقراء الفلاحين بداية من النصف الثاني من عقد الثمانينات. فقد اتخذ مبارك سلسلة من الإجراءات الموجهة ضد فقراء الفلاحين بدأت بإلغاء الدعم على مستلزمات الإنتاج الزراعي مثل الأسمدة والمبيدات والتقاوي، وفتح المجال للشركات الخاصة للاتجار في الأسمدة، ثم رفع سعر الفائدة على القروض، وانتهت بصدور قانون العلاقة بين المالك والمستأجر في الأراضي الزراعية، والذي اشتهر بقانون طرد المستأجرين الذين دارت حوله معارك كشف عن وحشية الرأسمالية التي وجدت أعلى تجسيد لها في مصر في شخص لها في مصر في شخص حسني مبارك.

بدأت الحكومة بتحرير أسعار المحاصيل الرئيسية وإلغاء التوريد الإجباري لمعظمها ولكن بعد أن انخفضت أسعار هذه المحاصيل في الأسواق العالمية وفقدت قدرتها على المنافسة في تلك الأسواق، فرأت الحكومة أنها لن تستطيع تحقيق الفائض الذي كانت تنهبه من الفلاحين من فورق الأسعار بين سعر التوريد الإجباري والسعر العالمي للمحاصيل، حيث كانت الدولة تحدد أسعار التوريد الإجباري في أفضل الأحوال ما بين 50% إلى 60% من الأسعار العالمية وتقوم هي بنهب الفارق.

لم ينته الأمر عند هذا الحد – بترك الفلاح أما قوى السوق وقد فقد كل قدرة على المنافسة – ولكن أيضًا قامت دولة مبارك بفرض أعباء إضافية عليه وإلغاء الدعم على مستلزمات الإنتاج وأسعار الفائدة على القروض. ففي عام 1992 قررت الدولة إلغاء الدعم على الأسمدة، وبدأت عدة شركات تتولى الاتجار فيها مما ساهم في زيادة التكلفة على الفلاحين، حيث انخفض دعم الأسمدة من 183 مليون جنيه إلى 62 مليون جنيه، وفرضت ضريبة المبيعات عليها، كما ارتفعت أسعار البيع في المصانع بعد إلغاء الدعم على المكونات والطاقة مما أدى إلى ارتفاع هائل في أسعار الأسمدة بلغت في بعض الأنواع 500% خلال السنوات من 1987 على 1992.

كما ألغت الحكومة الدعم على المبيدات بعد أن خفضت قيمته من 116.7 مليون جنيه في 1991 إلى 61.9 مليون جنيه في عام 1993، وتم إلغاؤه نهائيًا في عام 1994، وقد ارتفعت أسعار هذه المبيدات ارتفاعًا هائلاً في الفترة من 1987 وحتى عام 1992 بنسب تتراوح بين 30 إلى 50% مما أثقل كاهل الفلاح الفقير ورفع من تكلفة الإنتاج. وكانت الفائدة على القروض وجهًا آخر من أوجه الضغط على فقراء الفلاحين واستغلالهم، حيث قامت دولة مبارك بإلغاء الدعم على سعر الفائدة مما جعل الفلاحين عرضة للحجوزات والتشريد بسبب أعباء الديون وزيادة التكاليف، حيث تواكبت كل هذه الضغوط مع انخفاض حاد في الأسعار الحقيقية لجميع المحاصيل الرئيسية، فخلال الفترة من 1985 إلى 1992 انخفض السعر الحقيقي لمحصول القمح بنسبة 3%، والذرة الشامية بنسبة 28% والأرز بنسبة 43%، والقصب بنسبة 23%.

وهكذا تركت الدولة فقراء الفلاحين فريسة أمام قوى السوق بعد أن نهبتهم لعدة عقود وأفقدتهم أي قدرة على الصمود، مما أدى إلى تدهور مستوى معيشتهم إلى أقل من حد الكفاف فدفعوا بأبنائهم إلى العمل في مزارع الرأسماليين لتحسين دخولهم، فقد وصلت نسبة الأسر التي تعيش تحت خط الفقر في الريف المصري إلى 60%، وتزايدت بمعدلات سريعة ظاهرة عمالة الأطفال والتسرب من التعليم في سن صغيرة، كما انتشرت بينهم أمراض مثل الأنيميا نتيجة لسوء التغذية، وتزايدت معدلات هجرة الفلاحين ليعيشوا على هامش المدن الكبيرة بحثًا عن فرصة عمل.

ثم جاءت الطامة الكبرى في عام 1992 عندما اتخذت دولة مبارك خطوة حاسمة في مواجهة مستأجري الأراضي الزراعية كشفت انحيازها لمصالح كبار الملاك وعداءها السافر لجماهير الفقراء. فقد أصدرت الدولة قانون الإيجارات الزراعية الذي ألغي امتداد واستمرار عقود الإيجار منذ عام 1952 وأخضع العلاقة بين المالك والمستأجر لآليات السوق، وكان على المستأجرين حسب هذا القانون مغادرة الأرض بحلول أكتوبر 1997. ولكن المستأجرين لم يتنازلوا عن أراضيهم خلال تلك الفترة فبدأت الحكومة في شن حملة بوليسية همجية على المستأجرين استخدمت فيها كل الأساليب القذرة التي اعتاد عليها جلادو الشرطة المأجورين. وكلما كان الملاك من ذوي النفوذ أو من رجال الحكم كانت الحملة أكثر توحشًا وأشد همجية، وخلال تلك الأحداث الدامية قبل العشرات من فقراء المستأجرين كما قبض على العديد منهم ومارست الدولة ضدهم ألوان من التعذيب الوحشي في أكبر حملة قمعية ضد الريف المصري منذ عشرات السنين.

لقد كشفت هذه الحملة الدموية – إلى جانب السياسات الزراعية الأخرى – الولاء الحقيقي لنظام مبارك اللعين الذي ينحاز لكبار الرأسماليين وكبار ملاك الأرض ويدافع عن أرباحهم وسرقاتهم في مواجهة جماهير الفقراء. كما كشفت عن زيف ونفاق ادعاءات النظام حول الإنجازات وحماية محدودية الدخل، فأكبر إنجازاته خلال حكمه البغيض كان تكثيف استغلال الفقراء وحماية مصالح الأغنياء ومشاركتهم في نهب العمال وفقراء الفلاحين.

إن أبواق الدعاية المنافقة التي تتحدث صباح مساء عن ديمقراطي مبارك سماحته.. إلى أخر سلسلة الأكاذيب المشابهة، قد فضحتها سلطة نفسها حين مارست تعذيبًا وحشيًا صل إلى قتل العشرات من الفلاحين الذين طالبوا بحقهم في زراعة أراضيهم فواجهوا كرابيج الشرطة ورصاصها كما حدث في عزبة الزيني وقرية قوته قارون، ونزلة الأشطر… وغيرها.

إن هذه الأكاذيب لا تنطلي على أحد، فهؤلاء الفقراء الذين يعانون من وطأة سفالة نظام مبارك البوليسي يختزنون بداخلهم حقدًا وكراهية له ولحاشيته لا تمحوها السنين ولا يخفيها التزييف وطبول المنافقين التي تهلل له على شاشات التلفزيون وفي الصحف – حكومية ومعارضة – وسوف يعبر هذا الغضب الدفين عن نفسه عندما ينتقم التاريخ منه وأمثاله من السفاحين.

إن الفلاحين الفقراء الذين يلقي بهم نظام مبارك في مستنقعات الجوع والبؤس لن تخدعهم أيًا من هذه الأكاذيب، وقد عبروا عن موقفهم الحقيقي من نظامه الدموي خلال المواجهات العنيفة في معركة القانون وقاموا بتحطيم وحرق كل ما وجدوا فيه رمزًا لسلطته الغاشمة، ويومًا ما سوف يعبر هذا الغلين عن نفسه عندما ينضم فقراء الفلاحين إلى ثورة جماهير العمال لقطع الأيادي القذرة والملوثة بدماء شهدائهم… وإن غدًا لناظره قريب.

سجون مبارك شاهد على عصره:
في الوقت الذي لا يجد فيه ملايين الشباب سكنًا ملائمًا وتعيش آلاف الأسر في عشش الصفيح والجيوب القذرة على هامش المدينة، نجد أهم إنجازات مبارك شامخة وراسخة في عشرة سجون رئيسية تمتد على امتداد القطر المصري. وهي سجن الفيوم، استقبال طرة، ليمان طرة، سجن العقرب، سجن دمنهور، أبو زعبل، وادي النطرون (1)، وادي النطرون (2)، وسجن الوادي الجديد. وكل من هذه السجون يعد بالفعل مصنعًا حديثًَا مهمته الأولى والأخيرة تعذيب وقتل السجناء السياسيين والجنائيين على يد حفنة من الضباط لا يتمتعون بذرة واحدة من الصفات الآدمية.

لقد تم بناء معظم هذه السجون في عصر مبارك المجيد، إذ أفتتح سجن الفيوم في عام 1995، والعقرب في 1993، وأبو زعبل الصناعي في 1996 ووادي النطرون(1) في 1994، والوادي الجديد في 1995. ولا تذكر الموازنات العامة طبعًا كم الأموال صرفت على هذه السجون وعلى آلات التعذيب الحديثة والمستوردة التي تعد من أهم مكوناتها، كم من الأموال نهبت من عرق الكادحين ودمائهم لكي تستخدم في قمعهم وحماية جلاديهم؟!

يتراوح عدد المعتقلين السياسيين في مصر ما بين 20 إلى 30 ألف معتقل يعانون من شتى ألوان وصنوف التعذيب وسوء المعاملة وتدهور الأوضاع المعيشية وإهمال الرعاية الصحية وحملات العقاب الجماعي وصعوبة الزيارات العائلية. فعند دخولهم المعتقل يقوم القائمون على إدارة مصانع التعذيب بعمل حفلات استقبال للمعتقلين وإذلالهم. وعادة ما يجرد المعتقلون من ملابسهم وتعصب أعينهم، ثم تنقض فرقة الاستقبال عليهم لتقوى بضربهم بالأقدام والأيدي والكرابيج والشوم العصي الكهربائية، ويصاحب ذلك وابل من الشتائم البذيئة والسباب، ويجبر المعتقلون على تسمية أنفسهم بأسماء نسائية. وفي سجن الوادي الجديد يظل السجناء في حالة زحف على أرجلهم ويقوم أمناء الشرطة بالقفز على أجسادهم. وتختلف مدة حفلات الاستقبال من سجين إلى آخر، ولكنها في أحسن الأحوال لا تقل عن ثلث ساعة، وعادة ما يتبع ذلك حلق الشعر واللحية للمعتقلين بطريقة مهينة، وإدخالهم في زنازين تأديب لا تزيد مساحتها عن 1.25 × 2 متر بما في ذلك دورة المياه. ورغم أن هذه المساحة لا تصلح لفرد واحد إلا أنه يتم حبس 6 أفراد مما يضطر المعتقلين إلى تقسيم أنفسهم إلى مجموعتين، مجموعة تقف الليل بأكمله والأخرى تجلس بالتناوب.

ولا ينتهي احتفال إدارة السجن السادية بالمعتقلين عند هذا الحد، فهناك أيضًا “حفلات تفتيش” التي تختلف دوريتها من سجن إلى آخر، فقد تكون يومية أو أسبوعية أو نصف شهرية. وهنا يجرد المعتقلون من ملابسهم وتعصب أعينهم ويتم الاعتداء عليهم خارج زنازينهم ويصادر السجانون الممنوعات مثل الأقلام والكتب (حتى الدراسية منها) ويتم الاستيلاء على الملابس الخاصة، وأكياس البلاستيك والملح والحبال والستارة الخاصة بدوره المياه وطعام الكانتين، كما يتم حلق اللجية والشعر. وفي بعض السجون يقوم الشاويشية بعمل “حفلة وداع” للمفرج عنهم في الأعياد وتتضمن الضرب والسب والإجبار على الزحف.

وتكاد تكون تفاصيل تلك “الحفلات” متطابقة تمامًا من سجن إلى آخر، مما يوضح أنها سياسة عامة منظمة لوزارة الداخلية وليست انحرافات شخصية، ولا يوجد دليل أدمغ على ذلك من تصريح وزير الداخلية: “ما بقولش إحنا ما بنعذبش، وكننا نستهدف الإصلاح” – أي إصلاح يستهدفه هذا السفاح.

وقد منعت وزارة الداخلية الزيارات العائلية تمامًا في سجون استقبال طرة، والعقرب، والفيوم، وليمان أبي زعبل، وما زال المنع مستمرًا بالرغم من صدور أحكام قضائية بوقف تنفيذ قرارات المنع. وحتى في السجون التي تسمح بالزيارات يتم تعصيب أعين السجناء أثناء الزيارة في حالات عديدة ويتم أهانتهم أمام أسرهم، ولا تسمح كثيرة عدد الزائرين للسجناء بالحديث مع أسرهم ومحاميهم، ولا يسمح بإدخال أطعمة أو أدوية من الخارج أثناء الزيارة في بعض السجون، وأحيانًا يسلب بعضها من جانب المخبرين ويدخل جزء صغير منها في سجون أخرى، ولا تزيد مدة الزيارة في السجون عن 5 دقائق فقط، تنتظر الأسر قبلها لفترة طويلة تحت الشمس لمدد تصل إلى 3 ساعات لإتمام الزيارة.

أما عن حال العنابر والزنازين والسجون فحدث ولا حرج. تفتقد الزنازين الحد الأدنى من المواصفات الصحية، فقد تنعدم فتحات التهوية والضوء في بعض الزنازين، وتنبعث الروائح الكريهة. وتتكدس الزنازين بأعداد هائلة من المعتقلين تفوق قدراتها الاستيعابية، ويكون نصيب المعتقل أقل من متر مربع في أحسن الأحوال، وتنتشر الأمراض الجلدية والصدرية كالأوبئة بين المعتقلين، وينتشر الدرن والجرب والربو والروماتيزم والأنيميا وضعف الإبصار بسبب التكدس الهائل وسوء الطعام المقدم في الوجبات وسوء التهوية، ولا يتوفر العلاج في معظم السجون، فعادة ما يتواجد طبيب واحد فقط في السجن يرفض استقبال معظم الحالات، أو قد يعطي أدوية تافهة لا تصلح لعلاج المرض المستفحل مثل إعطاء برشام أسبرين للذين يعانون من فتاء وتتطلب حالتهم جراحة عاجلة! وبالطبع أثناء ذهابهم إلى العيادة يتلقي السجناء قسطًا وفيرًا من الرعاية تتمثل في الضرب والصفع والركل بالأقدام والصعق بالكهرباء، وفي حالات عديدة يصفق المسجون بالكهرباء إذا خرج واقفًا على قدميه من العيادة بتهمة التمارض!! وبالطبع يؤدي إهمال الرعاية الصحية المتعمد والتعذيب البدني المستمر إلى وفاة العديد من السجناء.

ويتم اعتقال المناضلين في حالات كثيرة إن لم يكن كلها تقريبًا بدون إذن من النيابة.إذ أننا نعيش في عصر الحريات التي من أجل حمايتها يجب أن تفرض حكومة مبارك قانون الطوارئ بصفة دائمة، ويلقي المعتقلون بالآلاف في السجون بدون توجيه التهم لهم، وفي الحالات التي تصدر النيابة فيها قرارًا بإخلاء سبيل المعتقل، تتدخل مباحث أمن الدولة وتكرر اعتقاله، وهناك آلاف القابعين في سجون مصر لم توجه لهم تهم حتى الآن ولم يقدموا للمحاكمة.

ولا تقتصر آلة التعذيب والاعتقال على السجون فقط، إذ تحولت جميع أقسام الشرطة في أرجاء مصر المحروسة إلى سلخانات لتعذيب المواطنين الأبرياء، وتمس آلة التعذيب الجميع بدون تفريق: السياسي والجنائي، المسلم والقبطي، الرجل والمرأة، البالغ والطفل. وعادة ما يمتد العذاب والاعتقال ليصل إلى جميع أقارب وأهل المعتقل، والذين تتخذهم الشرطة رهائن حتى يسلم الهارب نفسه، أو تذيقهم صنوف العذاب حتى تجبر المعتقل على الاعتراف، وفي حالات عديدة يقع التعذيب لا لشيء سوى إرضاء سادية جلاد وزارة الداخلية. كما انتشرت الحالات التي هاجمت فيها الشرطة مناطق الفقراء وأعملت آلات تعذيبها فيهم ولنا أن نذكر قرية الكشح، والحامول، وبلقاس التي انتشرت أنباء التعذيب فيها على نطاق واسع.

لقد حول الديكتاتور مبارك مصر إلى سجن كبير يرتع فيه الجلادون في كل مكان بسياطهم ومشانقهم. لكن التاريخ لن ينسى جرائمه، وجماهير مصر سوف تصرخ هاتفة: لا للاستبداد، لا للديكتاتورية، لا للسجون والمعتقلات، لا للتعذيب والوحشية، لا لمبارك.

مبارك عدو الطلاب:
على مدى العقدين الماضيين وطوال فترة حكم مبارك عاني الطلاب على كل المستويات من هذا النظام، فمن ناحية استمرت تكاليف التعليم في الارتفاع منذ 1981 وحتى الآن ليصل إلى أضعاف ما كانت عليه ولتصبح عبئًا كابوسيًا على الأسر الفقيرة لدرجة الاضطرار إلى ترك التعليم، فلقد أخذت مصاريف المدارس والجامعات في التضاعف عامًا بعد عام، وكذلك ارتفعت أسعار الكتب الجامعية بشكل جنوني على الرغم من رداءتها، ويضاف بالطبع إلى ارتفاع نفقات التعليم ارتفاع أسعار المواصلات والملابس وخلافه. ثم خرجت بعد ذلك الحكومة ببعض السياسات مثل الخاصة بنظام مصروفاته إلى مئات الجنيهات تحصل عليها الحكومة من أقوات الأسر الفقيرة. وكذلك التعليم المفتوح الذي لا يهدف إلى تقديم خدمة معرفية وثقافية لمن يريد وإنما يحول التعليم إلى تجارة رخيصة يستغل فيها راغبو الحصول على شهادات جامعية أبشع استغلال، ثم تأتي الجامعات والمعاهد الخاصة التي تتيح لأبناء الأغنياء خدمة تعليمية أفضل بسعر أعلى بدلاً من المدرجات المتهالكة والمعامل المنهارة والعجز في المدرسين والأساتذة وتكدس الطلاب في الجامعات الحكومية.

لقد تحول التعليم على يد مبارك إما إلى سلعة يملك ثمنها الأغنياء وتؤهلهم للمناصب الرفيعة، أو إلى صراع يخوضه الفقراء من أجل الحصول على شهادة يجلسون بها على رصيف البطالة.

وإلى جانب ذلك عاني الطلاب من السياسة الأمنية البشعة التي فرضت عليهم لائحة جامعية تحظر على الطلاب ممارسة الأنشطة وتضعهم تحت وصاية موظفي الجامعة وحرس الجامعة وضباط أمن الدولة داخل الجامعة، أضف إلى ذلك شطب الطلاب السياسيين النشطين المرشحين لانتخابات الاتحاد كل عام لكي يظل الاتحاد الطلابي حكرًا على العناصر العميلة للأمن وتصبح أموال الاتحاد المحصلة من اشتراكات الطلاب نهبًا لهم. وكانت فضيحة أعضاء اتحاد الطلاب بجامعة عين شمس الذين أدينوا في حادث سرقة خير دليل على ذلك، وفي كل مرة كانت تتصاعد فيها الحركة الطلابية للتصدي لإحدى القضايا الديمقراطية أو الطلابية كانت قوات الأمن لها بالمرصاد، منذ مظاهرات الطلاب في 1982 و1983 ضد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحتى الآن. وقد أصبح من المعتاد اقتحام قوات الأمن لأي جامعة (القاهرة، عين شمس، المنصورة، أسيوط، الإسكندرية، وغيرها) وردمها بقنابل الغاز المسيل للدموع والقبض على الطلاب، ولا مانع من سقوط قتلى مثلما حدث في فبراير 1991 في جامعة القاهرة وسقط الطالب خالد الوقاد شهيدًا، وحتى عندما تظاهر الطلاب المعاقين في جامعة عين شمس احتجاجًا على إلغاء استثنائهم وفصلهم من الجامعة اقتحمت قوات الأمن الجامعة مرتدية الزي المدني لتفريق المعاقين والمتضامنين معهم بالقوة وأحدثت إصابات بكثير من الطلبة والطالبات، هذا على الرغم مما يدعيه نظام مبارك من ديمقراطية، وضجيجه الزائف حول رعاية المعاقين.

إن اقتحام قوات الأمن لعدد من الجامعات كل عام وضرب قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي داخل الجامعة وشطب عشرات من الطلاب المرشحين للانتخابات وإلقاء القبض على العديد من الطلاب ورفع المصروفات وسعر الكتاب الجامعي، وأكثر من ذلك، أصبح روتينيًا في عهد مبارك، كل ذلك لم يمنع الحركة الطلابية من الاستمرار والتصدي لقضايا المجتمع، وسوف تستمر الحركة الطلابية في التقدم للأمام حتى تلتقي مع حركة الجماهير بقيادة الطبقة العاملة لسحق كل أشكال الاستغلال والقمع والإحاطة بالطبقة الحاكمة بقيادة مبارك.

مبارك عميل الإمبريالية:
لم تشهد منطقة الشرق الأوسط حليفًا للإمبريالية أفضل من مبارك سوى حكام إسرائيل، فمنذ بداية توليه السلطة وضع نفسه في خدمة المصالح الإمبريالية للرأسمالية العالمية بقيادة أمريكا وغرب أوروبا، فقام بمنتهى الطاعة بتطبيق شروط صندوق النقد الدولي كأي تلميذ مجتهد عاصفًا بمصالح الملايين من العمال والفلاحين الفقراء بوضعهم تحت رحمة السوق الرأسمالي لتحقيق مصالح حلفائه الإمبرياليين وأصدقائه وأبناء طبقته الحاكمة من رجال الأعمال، ولا زالت أبواق جهازه الإعلامي تتباهى بإشادة خبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بما حققه مبارك خلال فترات حكمه المتتالية وتنفيذه الدقيق لروشتة الصندوق، وما زالت الإمبريالية تراه أهم حليف لها في الشرق الأوسط، ولا زال رجال الأعمال يرونه أفضل من يمثلهم ويحقق مصالحهم.

ولم يتوقف تحالف مبارك مع الإمبريالية وعمالته لها عند حد تطبيق برامجهم في الاقتصاد والسماح لهم بالمشاركة في نهب واستغلال جماهير العمال، بل أنه آل على نفسه أن يكون رجلهم الأول في المنطقة ويساهم بالدور الأكبر في تحقيق “الاستقرار” الذي تريده الإمبريالية في المنطقة عن طريق دفن القضية الفلسطينية ومعها حقوق الشعب الفلسطيني فلم يكف عن إطلاق دعاوى التسوية السلمية حتى أثناء تنفيذ إسرائيل للمذابح الجماعية في فلسطين والجنوب اللبناني ومصادرة الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات، بل أنه لم يتردد في تنفيذ حكم الموساد بالإعدام على الشهيد سليمان خاطر في السجون المصرية، وقام كذلك بمنع المظاهرات الاحتجاجية والمطالبة بالتحقيق في قضية سليمان خاطر بمنتهى الوحشية.

وبعد أن كان العراق بلداً شقيقاً وصدام حسين الزعيم العربي والمدافع عن الحدود الشرقية ضد خطر الثورة الإيرانية تحول في ليلة وضحاها إلى شطار رحيم عندما قام بتهديد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة في أغسطس 1990. ووضع مبارك كل إمكانياته كعميل للإمبريالية في خدمة الولايات المتحدة ليس فقط جهازه الإعلامي الذي قام بجهد جبار في عمل الدعاية السوداء ضد العراق، أو قناة السويس التي تحولت إلى ممر خاص بقوات الولايات المتحدة والتحالف الغربي أو المطارات العسكرية المصرية التي كانت تنطلق منها طائرات ب 52 لتدمير العراق وقتل عشرات ومئات الآلاف من أبناء العراق في الوقت الذي منعت فيه الحكومة الهندية إقلاع هذه الطائرات من أراضيها تحت ضغط الحركة الجماهيرية. أو جنود الأمن المركزي التي سحقوا كل الاحتجاجات الجماهيرية على التدخل الأمريكي في المنطقة، بل أيضًا ولأول مرة حول مبارك الجيش المصري إلى مرتزقة حروب وأرسل قوات مصرية لمحاربة العراق. بالإضافة إلى ذلك كانت أغلب القوات المصرية من المشاة التي تحتاجهم قوات التحالف في تنظيف الألغام وفتح الثغرات الأولى والتي تكون نسبة الخسائر في الأرواح بينهم أعلى دائمًا، ولم يعبأ نظام مبارك كذلك بوجود مئات الآلاف من المصريين العاملين في ذلك الوقت في العراق تحت القصف الوحشي لقوات التحالف الإمبريالية التي لم تبدأ بالتدخل قبل خروج مواطنيها من العراق.

لا شك أن حليفًا للإمبريالية كمبارك كان لابد أن يلتزم الصمت التام تجاه العربدة الأمريكية والصهيونية في المنطقة من ضرب ليبيا بدعوى تطويرها لأسلحة كيماوية في 1998، إلى ضرب إسرائيل للمفاعل النووي العراقي، إلى ضرب أمريكا للسودان في 1998، وحتى خطف طائرات الأسطول السادس الأمريكي في البحر المتوسط لطائرة مصرية عائدة من ايطاليا بمختطفي السفينة أكيلي لاورو بعد أن أتفق على محاكمتهم في مصر، وهو ما يوضح أن الإمبريالية لا ترحم حتى عملاءها خاصة عندما يتدنوا إلى هذه الدرجة. وكذلك لم نسلم من التهليل الحكومي لما سمى بعملية استعادة الأمل في الصومال والتي قادتها الولايات المتحدة للتغطية على جرائمها التي فاقت جرائم الحرب الأهلية هناك.

إن الالتصاق الدائم لمبارك بالإمبريالية وتحالفه الوثيق معها ضد مصالح جماهير الكادحين والفقراء هو ما يثبت لنا للمرة الألف أن مواجهة الإمبريالية والانتصار عليها والتحرر من هيمنتها على المنطقة سيظل مرهونًا بسحق الأنظمة الرأسمالية في المنطقة التي تسهر على مصالح الإمبريالية وفي مقدمتها نظام مبارك الذي لا يتردد في استغلال وقمع واضطهاد الجماهير المطحونة لتحقيق مصالح الرأسمالية المحلية والإمبريالية العالمية.

مبارك حليف إسرائيل:
تتمثل فضيحة مبارك الكبرى تجاه الفلسطينيين في مواقفه تجاه الانتفاضة، فقد قامت الحكومة المصرية بقمع وحشي لكل حركات التضامن التي اشتعلت في أرجاء مصر، ونكلت تنكيلاً شديدًا بمظاهرات الطلبة في الجامعات (التي وصلت إلى اقتحام حرم جامعة عين شمس مرتين في يناير 1988) ومظاهرات النقابات المهنية ومظاهرات عمال الغزل والنسيج بالمحلة. وتقدم مبارك بمبادرة في 28 يناير 1988 للبيت الأبيض “لوقف أعمال العنف” في الأراضي المحتلة وساهم مع الإدارة الأمريكية والإسرائيلية في الضغط العنيف على الفلسطينيين “لنبذ الإرهاب والاعتراف بدولة إسرائيلية” والجلوس على مائدة التنازلات. وعند إعلان (دولة فلسطين المستقلة) عقب دورة الانتفاضة في الجزائر في 15 نوفمبر 1988 ترددت الحكومة المصرية في الاعتراف بها في الوقت الذي توالت فيه الاعترافات من الأنظمة العربية الأخرى ودول أجنبية تربطها علاقات مع إسرائيل. وفي النهاية تحت الضغط الشعبي الشديد اعترفت الحكومة المصرية بالدولة الفلسطينية يوم 20 نوفمبر مع التأكيد بأن هذا الاعتراف لا يتعرض مع التزامات القاهرة بكامب ديفيد.

وتكتمل الفضيحة بتقرير اللجنة الفلسطينية لحقوق الإنسان حول الممارسات التي تنتجها أجهزة الأمن المصرية تجاه أبطال الانتفاضة وأسرهم الذين يهربون من مطاردات الصهاينة في غزة إلى الحدود المصرية. أشار التقرير إلى اكتظاظ سجن أبو زعبل بعشرات المعتقلين الفلسطينيين حيث يتناوب أكثر من ثمانين معتقل النوم في 7 زنازين يتكدسون فيها ويطلق عليها معتقل الأجانب. وقد تحولت هذه الزنازين (لانعدام الشروط الصحية) إلى مقبرة للأحياء تنبعث مثل الروائح الكريهة وتختلط فيها الحشرات بالبشر حيث يتناولون وجبة غذاء فاسدة واحدة في اليوم ويشربون مياه ملوثة. ويتعرض المعتقلون إلى تعذيب رهيب على أيدي جزاري أمن الدولة بطرق مختلفة تتراوح بين الضرب والجلد والكي بالسجائر والصعق بالكهرباء، وفي سجون طرة والخليفة والقناطر تقبع عائلات بأكملها رهائن هذا القمع، ويتضاعف هذا القمع عندما يكون أحد هؤلاء من طلبة أو سكان غزة أومن نشطاء الانتفاضة المطاردين.

وفي حالات عديدة قامت أجهزة الأمن بالقبض على نشطاء الانتفاضة الذين نجحوا في الهروب من المطاردات الإسرائيلية عن طريق التسلل إلى الأراضي المصرية (وبعضهم كان مصابًا برصاص الجنود الصهاينة) ثم قامت السلطات المصرية بتسليمهم إلى أجهزة الأمن الإسرائيلية! وبالطبع لا يتم التسليم للصهاينة فورًا فيجب أن يزور المناضل الفلسطيني الهارب مذبح لاظوغلي للترحيب به على طريقة جزاري أمن الدولة. ثم يتم تسليمه لجزاري الموساد بعد ذلك لتكملة الحفل في غزة والسجون الإسرائيلية.

وفي واحدة من الحالات نجح فيها المناضل الفلسطيني عبد الناصر الخالدي (26 سنة) في القرار من سجن (أنصار) وعليه حكم بالسجن لمدة 99 عامًا بتهمة مقاومة الاحتلال، واستطاع في 18 أغسطس 1989 الوصول إلى نقطة عبور رفح، وتم إعلام الضابط المصري المسئول بالنقطة عن ظروف مغادرته الأراضي المحتلة فأظهر تفهمًا وتم الاتفاق على أن يغض البصر أثناء عبوره، وعندما حاول خالد العبور فوجئ بسيل من الرصاص ينهال عليه من الجانب الإسرائيلي والمصري معًا، فأصيب بثمانية عشر رصاصة وكان نصيب الجانب المصري منا 12 رصاصة!

وفي أغسطس 1988 حاول اللاجئون في مخيم كندا برفح القيام بمسيرة تضامن مع أخوتهم في غزة، وهنا قامت القوات المصرية بقمع المتظاهرين فسقط العديد من أبناء المخيم برصاص أجهزة الأمن المصرية واستشهد أطفال بسبب الاختناق بالغازات وأجهضت الحوامل. وفي مارس 1990 أطلقت القوات القنابل المسيلة للدموع لفض مظاهرة في المخيم تندد بوفاة أحد الفلسطينيين في ظروف غامضة وأسفرت المصادمات عن مقتل لاجئين.

ولا يختلف أسلوب معاملة الفلسطينيين اليوم عن أي وقت مضي، ولكن الاختلاف الوحيد هو زيادة التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل بعد أسلو وزيادة المشروعات المشتركة في مجال البترول والغاز الطبيعي والسياحة والغزل والنسيج. بل أصبحت إسرائيل من كبار مستوردي الأسمنت المصري وباقي بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة.

وفي الوقت الذي تدعم فيه الحكومة المصرية ياسر عرفات وتدفعه نحو مزيد من التنازلات، بينما تتشدق وسائل الإعلام بالدور “الوطني” الذي تلعبه الحكومة المصرية في مساندة القضية الفلسطينية، نجد أن مواقف مبارك تجاه القضية لا يمكن وصفها سوى بالخيانة والتقاعس والتخاذل، فبعد تولي مبارك الحكم حدث الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان في 1982 ثم اقتحام بيروت وذبح الفلسطينيين ومذابح صبرًا وشاتيلاً واستخدام قنابل الفسفور والقنابل العنقودية في قصف المدن والمخيمات، مما نتج عنه مصرع الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين، وفي تلك الأثناء اكتفي “زعيم العروبة” بالشجب وسحب السفير المصري بتل أبيب، ورفض تمامًا طرد السفير الإسرائيلي بل وسمح لإسرائيل بالمشاركة في معرض الكتاب بجناح كامل. وتبع ذلك سلسلة من القرارات الحكومية لمعاقبة الفلسطينيين المقيمين في مصر. بحرمانهم من العديد من الوظائف، أو تملك الأراضي، ومعاملتهم كأجانب في التعليم إلى آخر سلسلة الإجراءات القمعية التي يعاني منها الفلسطينيون في مصر.

إن الإمبريالية التي تقهر الجماهير الفلسطينية هي نفسها التي تساند الديكتاتور مبارك وباقي سفاحي الشعوب في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن نضال العمال المصريين ضد مبارك وانتصاراتهم هو انتصار لنضال الفلسطينيين.