مذبحة جنين ومذبحة اللاجئين السودانيين
هل تذكرون مذبحة جنين؟ تلك المذبحة التي أمر بها السفاح شارون عام 2002 لتصفية واحدة من أقوى بؤر الانتفاضة في الضفة الغربية. وقتها انطلقت موجة تالية من مظاهرات التضامن مع الانتفاضة الفلسطينية، بعد الموجة الأولى عام 2000، وخرجت مظاهرات الطلبة من المدارس والجامعات تطالب بطرد السفير الإسرائيلي، ونظمت اللجان الشعبية لدعم الانتفاضة العديد من المظاهرات والاحتجاجات، كما جمعت أطنان من التبرعات وأرسلتها في قوافل إلى الأراضي المحتلة. فجنين كانت مدينة محررة نجح رجال المقاومة الفلسطينية في انتزاعها من أسر جيش الاحتلال، وبعد فترة من الحصار اقتحم الجيش الصهيوني المدينة، ودارت حرب شوارع بينه وبين المقاومة استعاد من خلالها سيطرته على المدينة بعد مذبحة مشهودة.
هل تذكرون كم شهيداً سقط في مذبحة جنين؟ سبعة وخمسون شهيداً سقطوا دفاعاً عن الأرض، وعن الحق في تقرير المصير. صنعوا بدمائهم شهادة لن ينساها التاريخ تعلن اصرار المقاومة الفلسطينية على النصر، ومهما كان الثمن. جعلوا من أشلائهم علامة سوداء جديدة في سجل الصهيونية، وفي سجل مذابح السفاح شارون وجنوده المرتزقة.
هل تعرفون كم شهيداً سقط في مذبحة اللاجئين السودانيين بميدان مصطفى محمود يوم 30 ديسمبر الماضي؟ مائة وستة وخمسون شهيداً، حسب أقل التقديرات الموثقة والمثبتة. هؤلاء قُتلوا فقط لأنهم كانوا يدافعون عن حقهم في الحياة، عن فرصة للنجاة من الاضطهاد والعنصرية والحروب القذرة. قُتلوا ولم يقاتلوا، لم يرفعوا راية للعصيان، ولم يُشهروا سلاحاً في وجه أحد. قُتلوا بدم بارد على أيدي طغمة من الجنود فقدوا إنسانيتهم وتحولوا إلى آلات للقتل في يد الطغيان الذي يحكمنا.
ما الدافع وراء قتل عشرات من اللاجئين السودانيين العزل افترشوا نجيلة الميدان، بعد أن أعيتهم الحيل في البحث عن مأوى؟.. ما الدافع وراء قتل أطفال ليسوا بأية حال يمثلون خطراً أو تهديداً، وكيف سولت لقاتليهم أنفسهم بأن يفعلوا ذلك؟.. هؤلاء الذين أصدروا الأوامر بقتلهم هم أنفسهم من أججوا ومولوا الحرب الأهلية التي تدور في بلادهم، وهم من دفعوهم دفعاً إلى ترك أراضيهم بعد ما عاشوه من مذابح هناك، وهم من سمحوا لهم بالدخول وتاجروا بهم واستخدموهم كورقة ضغط في لعبة السياسة.. وأخيراً بعد أن أنهوا اللعبة القذرة، وأصبح اللاجئون عالة عليهم أصدروا أوامرهم بالقتل، هكذا بدم بارد وإرادة عنصرية وقحة وكريهة.
الأقدار تلعب اليوم لعبتها ليفلت شارون بجرائمه دون عقاب. يفلت بالموت ليرحل تاركاً وراءه سجلاً أسود من القتل والتنكيل والإرهاب. لكن الشعب الفلسطيني البطل سيظل صامداً يقاتل حتى يجني النصر الذي يستحقه. سيذهب شارون إلى مزبلة التاريخ، وسينتصر الشعب الفلسطيني رغم كل المذابح وكل الآلام. أما سفاحو ميدان مصطفى محمود فلن يفلتوا دون عقاب.. لن يفلتوا وأياً ما كان الثمن. لم يعد في قوس الصبر منتزعاً، كما يقولون، ولا معنى للصبر أصلاً على ثلة من الطغاة يحكمون مصر.
لن يفلت العادلي، ولن يفلت مبارك، ولن يفلت كل من أصدروا الأوامر وشاركوا في تلك المذبحة. لقد آن لهم أن يعرفوا أننا لن نتوقف عن المطالبة بمحاكمتهم حتى ينزل بهم العقاب. فلنتجمع اليوم تحت شعار: أقيلوا العادلي جزار الداخلية وحاكموه. فلنستجمع إرادتنا من دماء الضحايا ولا نتوقف حتى يسقط الجزار: دماء اللاجئين السودانيين، ودماء أهالي العريش وجنوب سيناء، ودماء الفلاحين في سراندو وصرد، ودماء المتظاهرين الذين قُتلوا واُعتقلوا وتعرضوا للتحرش والتنكيل على أيدي زبانية العادلي.
لا.. لن يفلتوا بجرائمهم.. ولن يُتركوا للأقدار..