بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ملاحظات حول إضراب الثلاثاء وفتنة الخميس

يوم الثلاثاء 23 يناير كان يوم إضراب عام نظمته قوى المعارضة لتصعيد حركتها لتحقيق مطالبها: حكومة وحدة وطنية (11 وزيراً للمعارضة)، ووضع قانون انتخابات جديد، وانتخابات نيابية مبكرة.

منذ الصباح الباكر، كانت الإطارات المحروقة، والتراب، والحجارة تعطل أهم الشوارع الرئيسية والمخارج/ المداخل الأساسية للعاصمة بيروت وكافة المناطق اللبنانية.

كان الانطباع الأول، أن الإضراب كان منظما، والعناصر التي كانت أمام الحواجز على إدراك بما يجري ومسيطرة على الوضع. كانت المجموعات مدنية ومعها معدات لا سلكية وجوالة للاتصال ببعضها البعض. كان هناك تنسيق بين المجموعات، في المناطق المختلفة، التي تحرص على منع السيارات من المرور وتحاول تفسير الأسباب التي أدت إلى هذا النوع من التحرك.

الإطارات والسيارات القديمة والحجارة كانت تتدفق بشكل مستمر خلال اليوم وحتى آخر النهار. والانطباع الشائع كان أن الإضراب بإمكانه أن يستمر لعدة أيام سواء على المستوى العملي أومن حيث الإمدادات. في المواقع الهادئة – التي لم تشهد احتكاكا بين الجمهوريين ( معارضة وحكومة) – لم يكن الخطاب الطائفي أو المذهبي مهيمنا، وكانت السياسة هي الغالبة في الحوار.

الجيش كان حاضرا عند كل حاجز، وقد نزل إلى الشارع بكل ألويته وقواه: القوات الخاصة، قوى التدخل السريع، عناصر مكافحة الشغب، الطوارئ. وقد قرر الجيش، بحكمة، عدم التدخل في الشارع. فكان حرق عجلات السيارات يجري أمامه، كما لم يقدم على فتح الطرق، ولم يتدخل إلا عندما كانت المواجهة تحتدم بين الطرفين في الشارع.

وقد شهد لبنان مواجهات في عدة أماكن، للأسف كانت الطائفية تطغى فيها على الصراع السياسي. لكن، لوحظ أن مدينة صيدا شهدت صراع سياسي على مستوى نفس الطائفة (السنة) وأيضا بعض المناطق المسيحية. وبالتالي صبغ الصراع بالطائفية فقط غير دقيق بحسب تطور أحداث يوم الثلاثاء.

في يوم الثلاثاء، نجحت المعارضة في إضرابها، وقد شمل جميع المناطق اللبنانية، وهذا له دلالات سياسية كبيرة خصوصا أن الدعاية تهمش من دور الجمهور المسيحي في المعارضة. أيضا، لم يكن الجيش أداة السلطة، الفريق الآخر، فكان الجيش حيادي، وكانت السلطة مستاءة من تصرفاته.

أخيرا، قررت المعارضة وقف الإضراب ليل الثلاثاء أخذة في الاعتبار المشاكل الأمنية والفتنة، والعنف الذي حدث في بعض المناطق. إنسانيا، كانت حصيلة الخسارة كبيرة ومؤلمة: خمسة قتلى ومائة جريح.

بدأ الاشتباك يوم الخميس في داخل الجامعة العربية، في إحدى أحياء بيروت الموالية للسلطة، بين طلاب المعارضة والطلاب الموالين للسلطة. من بادر في المشكلة، ليس مهما، فالأنباء تتضارب بحسب الجهة التي تروي الحادثة. هنا تجب الإشارة إلى أن ردود الفعل العفوية والعنيفة هي، بالطبع، نتيجة للإضراب والاحتقان والإعلام المتطرف والهجومي من الطرفين. لكن التصعيد السريع خارج الجامعة، وتسليح هذا الصراع وإطلاق النار ووجود قناصين في بعض البنايات – وهي ظاهرة جديدة وخطيرة جدا– كل هذه العناصر تخرج من إطار العنفوان الشبابي وتدخل في إطار أعمق وله أبعاد سياسية.

التصعيد كان منظما، وقد طال 13 عنصرا من الجيش، الذي كان يحاول تفريق المتشابكين. الجهة التي دعمت هذا التصعيد المسلح هي الجهة المسيطرة على المنطقة التي وقع فيها الخلاف، وهي موالية لقوى 14 شباط – السلطة. وأدت الاشتباكات إلى قتل 4 مواطنين وإصابة العشرات.

أحداث يوم الخميس كانت رسالة موجهة من قبل السلطة إلى المعارضة ومفادها أن التصعيد في الشارع – وهو حق ديمقراطي لأي معارضة في أي بلد – سيواجهه عنف وفتنة كرد. الفتنة، سياسية كانت أم مذهبية، هي سلاح السلطة في كسر المعارضة، خصوصا وأنها لم تنجح في تحويل الجيش إلى أداة قمع لتحقيق مصالحها.

الخطير أيضا هو وجود غطاء دولي لتصعيد يوم الخميس بهدف تحجيم المعارضة اللبنانية. صادف أن كان هذا اليوم هو يوم مؤتمر باريس 3، وهو مؤتمر اقتصادي من أجل دعم لبنان وقد حصد 7.6 مليار دولار. هنا أطرح تساؤلات:

1 – كيف يمكن دفع مبالغ هائلة لبلد، والشرط الأساسي لأي دعم مادي هو الاستقرار الأمني في ذلك البلد؟ كيف يدفع المجتمع الدولي والاقتتال حاصل أمامه على الشاشات؟
2 – عندما تتبرع كونداليزا رايس بـ 770 مليون دولار، وفي نفس اليوم يأتي حزب الله في المرتبة الثانية بعد القاعدة على لائحة الإرهاب على لسان بوش، ألا يعد هذا شرطا/ضغطا سياسيا؟

بإمكان السلطة وقوى 14 شباط، في هذا التوقيت الخطير للأزمة اللبنانية، أن تنجح بإبعاد الصراع السياسي القائم عن الشارع، وهذا لا يعني تراجع أو خسارة للمعارضة، بل فقط تغيير في الأساليب والإستراتيجية لتحقيق أهدافها، خصوصا وأن الشارع وسيلة وليس غاية أو هدف في حد ذاته.