منظمة ثورة مصر وطريق الكفاح المسلح

لقد كان مدى عمق العداء لإسرائيل هو معيار الوطنية طوال الخمسينيات والستينيات وبدايات السبعينيات، إلى أن جاء من غيّر اتجاه الريح، ومسخ حقائق التاريخ، وصور الأعداء في صورة أبناء العم، وتنكر للأشقاء فى الدم. فهل نحاسب أهل القفص لأنهم أبوا أن يتخلوا عن المبد؟أ
من مرافعات أحمد نبيل الهلالي في قضية “ثورة مصر”
لا يمكن فصل الحديث عن “منظمة ثورة مصر”، التى تعد صورة واضحة من صور المقاومة المسلحة للوجود الصهيونى داخل مصر، عما عاصرها من أحداث خلال فترة الثمانينيات من القرن المنصرم، ولا عما تلاها من أحداث بعد القبض على أعضائها فى سبتمبر 1987، ثم صدور قرار الاتهام أثناء اشتعال الانتفاضة الفلسطينية فى فبراير 88، وما أعقبه من صدور الأحكام المشددة فى 1991، ليسدل الستار على حقبة كاملة من حكم مبارك بذل أثناءها الكتاب المدافعون عن النظام أقصى جهودهم لوضع الرتوش وإخفاء الوجه الحقيقى للعمالة، ليبدو أقل فجاجة من حكم السادات.
ثم جاءت التسعينيات بعد ذلك بتصفية بؤر المعارضة المسلحة، سواءً ذات الميول الوطنية، أو التنظيمات الإسلامية المسلحة، التى بررت للنظام شرعية استمرار قانون الطوارىء لخنق أى مقاومة أو معارضة حقيقية. ثم أتى القرن الجديد ليسقط معه ما تبقى من ورقة التوت بعد أن ذبلت ولم تعد تستر شيئا، لتظهر سوءات النظام بكل قبحها، وكان آخرها تواطؤه الواضح ومساهمته فى تصفية الشعب الفلسطينى فى حرب إسرائيل الأخيرة على غزة .
الثمانينيات
جاء خطاب السادات الذى أعلن فيه عن رغبته في السفر إلى القدس “وإقامة سلام شامل ودائم” مع اسرائيل ليرمى بالقضية الفلسطينية ومعاداة الصهيونية فى هوة ركن مظلم وبارد دفع ثمنه آلاف الضحايا الفلسطينين واللبنانيين وأيضا المصريين ضحايا التطبيع والقمع السياسى.
هكذا جاءت حقبة الثمانينيات بجعبة محملة بالأحداث والهزائم والمذابح والتغيرات الجذرية، سواء على المستوى المحلى أو العالمى. إلا أن الأحداث على المستويين ارتبطت بخيوط كانت تتضح تارة وتختفى تارة أخرى، حتى غدت مثل كرة من الخيوط المعقدة، ولعل إعادة قراءة أحداث تلك الحقبة يمكن أن يتيح لنا إعادة فك ما تعقد منها.
استهل السادات عام 1980 بافتتاح السفارة الإسرائيلية بالقاهرة فى شهر فبراير. بعدها تسارعت وتيرة الأحداث من اعتقالات سبتمبر، ثم اغتيال السادات وتولى مبارك مقاليد الحكم. ومنذ تسلم مبارك الحكم توالت الوقائع في بانوراما معقدة: توالد تنظيمات العنف الاسلامى (الجهاد، الجماعة الإسلامية، الشوقيون، الناجون من النار.. الخ) وما صاحبها من عمليات اغتيال سياسي وانتشار الحجاب ثم النقاب بمصر والحديث عنه كظاهرة اجتماعية تستوجب الدراسة، اجتياح لبنان، مذبحة صابرا وشاتيلا، خطف الطائرات، قصف مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية بتونس، حرب العراق وإيران، ضرب المفاعل النووى العراقي، حرب الاتحاد السوفيتي وأفغانستان، زواج الأمير تشارلز وديانا، ظهور خيار الصوبات فى الأسواق “فخر إنتاج زراعات يوسف والى وما تلاه من ثمار مهجنة “، ظهور العيش الطباقي زنة 90 جرام، تدشين قوانين الانضباط، انتفاضة الأمن المركزي، سليمان خاطر، حادث السفينة أكيلى لاورو، انتفاضة الحجارة، استفحال الفساد وظهور وهروب كلا من هدى عبد المنعم “المرأة الفولاذية” وسيد متولي وتوفيق عبد الحي.. الخ وما استتبعه ذلك من تهريب ملايين الدولارات إلى بنوك أوروبا، ظهور شركات توظيف الأموال، أزمة الجنيه المصري، إضراب عمال السكة الحديد، إضراب الحديد والصلب، إضراب إسكو.. الخ، افتتاح مترو الأنفاق، اغتيال ناجي العلى، سقوط كتف أبو الهول، عودة العلاقات الدبلوماسية مع دول الرفض، انهيار سور برلين، و… ظهور وانتهاء ما عرف بتنظيم ثورة مصر!
مبارك في بداية عهده
عندما اعتلى مبارك كرسي الرئاسة أراد أن يظهر بوجه يختلف عن السادات، فاستهل حكمه بالإفراج عن معتقلي ما عرف بأزمة 81، ثم بدأ فى الترويج لعودة مصر إلى أحضان الدول العربية والإسلامية بعد القطيعة التى أعقبت كامب ديفيد. هكذا امتلات جرائد السنوات الأولى من ذلك العقد بأخبار زياراته للدول العربية والأفريقية والإسلامية.
ولاستكمال المشهد التمثيلي، أطلق مبارك أغاني الفترة الناصرية من مخابئها لتضفي على المشهد السياسى انطباعا يؤكد على تمسكه بالقومية العربية والانتماء الإسلامي ومكتسبات “23 يوليو”. لكنه فى الكواليس أكمل مسيرة السادات في التطبيع، ولكن بطرق أكثر حنكة. فبعد توقيع السادات معاهدة كامب ديفيد، خرجت جرائده الرسمية تعلن يوميا، وبصورة مستفزة، عن عقد سلسلة من الندوات عن التطبيع في المحافظات. فامتلأت الجرائد بصور بيجين وديان غيرهما من صقور الصهاينة.
أما مبارك فقد تعلم الكثير واستوعب الدرس الذى أودى بحياة سابقه. لذلك حرص على اتخاذ بعض الإجراءات الشكلية التى أوحت للعديدين باختلافه عن السادات، مع إطلاق دعاية صحفية تؤكد على عرقلة عملية التطبيع، خاصة بعد اجتياح لبنان. كما رفض مبارك السفر إلى القدس أو تل أبيب، وقد استخدم كتاب النظام هذا الموضوع للدعاية لمبارك بأنه، على الأقل، لم يدنس أقدامه بالذهاب إلى إسرائيل.
وقد حاول مبارك الإيحاء كذلك بعدم الارتماء فى أحضان أمريكا وإسرائيل، خاصة مع تأزم المفاوضات حول طابا وانحدارها إلى منعطف أثار الجدل بالداخل وأدى إلى طلب مصر التحكيم الدولي للخروج من الأزمة. وفى خضم كل تلك الأحداث، كان مبارك يقمع الشعب المصرى بيد من حديد، بينما اليد الأخرى تمسك بشدة بيد النظام الأمريكى الذى أراد النظام أن يقبض منه الثمن كاملا.
لم يكن الثمن فقط هو زيادة المعونة الأمريكية، التى بدأ “الرئيس” عصره بالمساومة حولها، ولكن أيضا ضمان بقائه حتى الموت على كرسى الرئاسة وتوريثه إلى أبنائه إن أمكن. وقد جاء فى البداية الرد الأمريكى متوجسا فى أثناء إحدى جولات مبارك الأفريقية والعربية لإحياء منظمة المؤتمر الإسلامى، عندما اتصل به أشرف غربال السفير المصري بالولايات المتحدة ليطلب منه السفر فورا ليمثل بين يدى لجنتي الكونجرس المسئولتان عن زيادة المعونة الأمريكية وليعلن وليؤكد له موافقة الطرف الأمريكي على زيادة المعونة.
أما إسرائيل فقد تعامل مبارك معها خلال السنوات الست الأولى من حكمه بأوجه مختلفة وفقا للأحداث الداخلية والخارجية. فأثناء اجتياح لبنان أعلن تجميد العلاقات وسحب السفير. وأثناء المفاوضات حول طابا لعب مبارك خلال تلك الفترة على كل الأوتار، بداية من عودة العلاقات مع دول الرفض بزيارتهم وإعادة افتتاح سفاراتهم، وكذلك استغلال الفرح الشعبى الذى أعقب كل عملية لتنظيم ثورة مصر ذات الصوت الناصرى والموجهة بالأساس ضد الوجود الصهيونى بالقاهرة، مع الترويج فى الجرائد عن مدى كراهية الشعب المصرى لإسرائيل، خاصة بعد عملية سليمان خاطر داخل سيناء.
لقد استغل النظام كل ما سبق من أجل الضغط على اسرائيل لاستعادة طابا وعرقلة عملية التطبيع إلى حين، مع محاولة خلق أى وزن شعبى له بالداخل عن طريق مناورات تشبه بمب الأطفال، مثل طرد سفير السلفادور بعد أن نقلت السلفادور سفارتها من تل ابيب إلى القدس. ولم تكن مناورات مبارك نابعة بالطبع من شعور وطنى جارف أو من رغبة فى حماية الأمن القومى المصري، بل على العكس تماما أراد أن يؤكد لإسرائيل وأمريكا أنه يستحق أن يجني ثمنا غاليا. فالشعب المصرى يكره الجيران الصهاينة، وهو يستطيع بقمعه وفساده وعمالته أن يلجم الشعب الهائج، هذا غير وزن مصر فى المنطقة، لذلك يجب أن يقبض ثمنا مضاعفا يليق بكلب حراسة مخلص لأصدقائه الأقوياء والأغنياء.
وفى الحقيقة فإن مراوغات مبارك فى عقد الثمانينيات قد خدعت الكثيرين من الكتاب والمثقفين. فعصر مبارك هو عصر التمثيليات الكبرى التى كان اشهرها تمثيلية “الديمقراطية” مع أول انتخابات برلمانية فى عام 1986 شاركت فيها الاحزاب ومعها جماعة الإخوان المسلمين التى تحالفت مع حزب الوفد الجديد لدخول البرلمان، وذلك منذ حل الأحزاب بعد انقلاب 23 يوليو 1952.
إلا أن الشعب الكادح لم ينخدع بدعاية مبارك السياسية، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. فإضرابات الثمانينيات كانت شاهد على تأزم أوضاع العمال وكذب حكومات مبارك. فتحت سياط الغلاء وانهيار القيمة الشرائية للجنيه المصرى وانخفاض الأجور واستشراء الفساد وتهليب الأموال وخروج الفاسدين بسلام خارج حدود الوطن، انفجرت العديد من الإضرابات كان أبرزها وأشدها إضراب السكة الحديد فى 1986.
ثم جاءت انتفاضة أطفال الحجارة بالأرض المحتلة لتعطي مثلا حيا على الصمود والمواجهة. وقد تضامن معها الشعب بكل فئاته وصمد تحت ضربات مبارك الموجعة الذى اعتقل عمال المحلة الذين تظاهروا تضامنا مع الانتفاضة، إضافة إلى اعتقالات أخرى فى صفوف النشطاء السياسيين والطلاب. وفى عز اشتداد الانتفاضة أراد مبارك أن يقدم الدليل على ولائه لأمريكا وإسرائيل بتقديم أعضاء منظمة ثورة مصر إلى المحاكمة مع تشديد العقوبات. وقبل ذلك كان سليمان خاطر هو الضحية الأولى التى قدمها مبارك لاسرائيل لإثبات حسن النوايا. فبعد ان قبض عليه على خلفية قتل عدد من الإسرائيلين بسيناء أعلن النظام أنه انتحر داخل زنزانته!
منظمة ثورة مصر
فى هذه الأجواء ولدت منظمة ثورة مصر فى 1984، ودشنت وجودها بعملية الهجوم على زيفى كيدار أحد أعضاء الموساد عند خروجه من بيته فى المعادى (يونيو 1984). وقد اصيب كيدار بجرح فى يده نتيجة لطلق نارى ونقل إلى مستشفى السلام بالمعادى. وأعقب ذلك ثلاثة عمليات بواقع عملية كل عام حتى تاريخ القبض علي المنظمة فى سبتمبر 1987، ليكون كل عمرها أربعة أعوام.
أسس المنظمة محمود نور الدين، (ضابط مخابرات مصري كان يعمل بالسفارة المصرية بلندن وله علاقات متعددة ومتشابكة مع بعض رجال الحكومة كالدكتور مصطفى الفقي، إضافة إلى علاقاته مع رجال الفترة الناصرية التى انتمى إليها بأفكاره) مع أخوه أحمد عصام وخالد جمال عبد الناصر وثلاثة أعضاء آخرين من القوات المسلحة ونظمي شاهين الذى كان صديقا لأحمد عصام وعمل بعد انضمامه للتنظيم كسائق لمحمود نور الدين، وقام نظمي بتجنيد كلا من حمادة شرف (طالب) وسامى فيشة (كهربائي).
وكما قال نورالدين فى تحقيقات النيابة: “اختمرت فى ذهني فكرة مقاومة الضغوط الصهيونية التى شعرت أنها واقعة على القيادة السياسية فى مصر وتمارسها أمريكا وإسرائيل خاصة في مجال التطبيع، فأسست منظمة ثورة مصر من بعض ضباط القوات المسلحة المصرية وبعض المدنيين”.
إذن أخذت المنظمة، التى رفضت كامب ديفيد، على عاتقها مكافحة الوجود الصهيوني على أرض مصر بالسلاح مع إصدار بيانات لإعلان مسؤليتها عن كل عملية قامت بها، مع الأخذ فى الاعتبار وجود جزء من مصر كان لا زال واقعا تحت الاحتلال أثناء قيام المنظمة بعملياتها، وهو طابا.
وكانت العملية الثانية موجهة ضد مسئول الأمن بالسفارة الإسرائيلية، وقد تمت بعد مراقبة أماكن تواجد البعثة الإسرائيلية بالمعادي. وعلى أثر المراقبة تحدد الهدف. وفى 20 أغسطس 1985 قام أربعة من التنظيم، هم محمود نور الدين ونظمي شاهين وحمادة شرف وسامي عبد الفتاح بإطلاق النار على ألبرت أتراكشى (37 سنة) وزوجته وسكرتيرته الشخصية، والحادث كان بالقرب من بيت السفير الإسرائيلي .وصدر بيان المنظمة ليعلن عن اغتيال أتراكشى وإرساله إلى الجحيم.
أما العملية الثالثة فكانت فى شهر مارس 86 وعرفت بعملية معرض القاهرة الدولي، وجاءت على خلفية مشاركة إسرائيل فى سوق القاهرة الدولي بأرض المعارض بمدينة نصر. وقد خرجت المظاهرات ترفض وتحتج على مشاركة إسرائيل، وهتف الطلبة فى المظاهرات “ثورة مصر طريق النصر”، وذلك بعد أن حفرت المنظمة لنفسها مكانا فى قلوب المصريين. فجاء الرد الفورى باغتيال “إيلى تايلور” مديرة الجناح الإسرائيلى بسوق القاهرة الدولي.
أما العملية الرابعة والأخيرة، فقد وجهت إلى الوجود الأمريكي وارتبطت بعدد من الأحداث، منها ما قاله نور الدين “إلغاء ريجان زيارة مبارك للولايات المتحدة الأمريكية، ورفض الحكومة الأمريكية زيادة المساعدات أو جدولة الديون أو تخفيض الفوائد، علاوة على الضغوط الأمريكية المستمرة للخضوع للمطالب الإسرائيلية المجحفة. أما أقوى دافع لنا للقيام بهذه العملية ضد رجال ريجان فى مصر وأعضاء المخابرات المركزية الأمريكية هو ما شعر به كل المصريين، وباعتراف السيد الرئيس مبارك شخصيا، من ذل ومهانة وإذلال لكرامتنا وكرامة المصريين حين صعدت الطائرات الأمريكية الحربية واختطفت الطائرة المصرية المدنية وأجبرتها على الهبوط وقامت بتفتيش جميع ركابها ولم يحرك احد ساكنا على المستوى الرسمى فى القيادة السياسية، ولذلك قررنا فى ثورة مصر أن نقوم بعمل عسكري ضد الأمريكيين لمحو العار الذي لطخونا به.
أما السبب الرئيسى لخطف الطيارة المصرية، فقد كان هو القبض على أبو العباس الفلسطينى ومعه أربعة من المتهمين بخطف السفينة أكيلي لاورو الإيطالية الذين قاموا بخطف السفينة من أجل المساومة على الإفراج عن 50 فلسطينيا بالسجون الاسرائيلية. حيث وصلت السفينة إلى بور سعيد، وهناك سلم المختطفون أنفسهم وطلبوا نقلهم إلى تونس، فتم نقلهم فى طائرة ركاب مصرية تابعة لمصر للطيران، وأثناء توجهها إلى أثينا بعد أن رفضت تونس استقبالها بناءً على محادثة تليفونية من ريجان إلى الرئيس التونسى وقتئذ بورقيبة، أجبرتها الطائرات الحربية الأمريكية على الهبوط في إحدى قواعد حلف الاطلنطي، لكن وصول قوات إيطالية منع القوات الخاصة الأمريكية من القبض على أبو العباس والمختطفين الأربعة. حيث قامت بتهريب أبوالعباس، بينما مثل المختطفون الأربعة أمام المحكمة الإيطالية .
نظمي شاهين
يتحدث نظمى شاهين أحد أفراد التنظيم والمتهم السادس وفقا لقرارالاتهام عن تنظيم ثورة مصر قائلا: فى 67 كان عندي 12 سنة. كنت فى الاتحاد الاشتراكي وكان عندي وظيفة أثناء الحرب أنا وزملائي اللي من سني، إننا ننادى على الناس يطفوا النور أثناء الغارات، وكنا بندهن النوافذ والسيارات بلون أزرق عشان الضوء ما يبانش للطيران المعادي، وكنا بناخد فرق إنقاذ مع التدريب على كيفية إطفاء الحرائق وبناخد فرق كاراتيه، وكنا بندور على مكاتب منظمة فتح عشان نتطوع فيها .
فى 73 طلعت فى الفوج التاني للاتحاد الاشتراكى للجبهة فى القنطرة شرق، وكان عندى 17 سنة. وهناك استشهد أحد اصدقائى من عابدين اسمه أحمد الجنايني. وكنت من الناس اللى اختاروهم عشان نوصله لأهله لإنى من عابدين وأعرف والد الشهيد. وكان وقتها الناس بتستقبل الشهدا بفرحة وتباهى، وينادوا اهالى الشهدا بأبو الشهيد وأم الشهيد أو أبو البطل. وبعدها رجعت لعابدين لحد ما اتجندت فى 75 .
أنا اتربيت فى الأجواء دي. يمكن عشان كده أنا مش بفهم يعني إيه تطبيع. أنا ليا أخ مصاب فى 67، وليا ابن خال استشهد فى 67، وصديق استشهد فى 73، لذلك أنا مش ممكن أنسى عدائى لإسرائيل أو ممكن فى أى يوم من الأيام اعتبر الصهاينة أصدقاء. ومش أنا بس، أى عمل بتقوم بيه إسرائيل في الأرض المحتلة أو في أي حتة بيفجر جوه المصريين الغضب والرفض وبيوضح مدى كراهية الشعب المصري لإسرائيل ورفضه للتطبيع. وممكن نسمع تعليقات المصريين على القهاوي وفى المواصلات على العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. الموضوع ده مش مرتبط بزمن. حتى الأجيال اللى ما عاشتش الحرب عندها نفس رد الفعل، وده بيأكد إن التطبيع ده خاص بالنظام ومثقفيه فقط ومش بالشعب.
والموضوع فى الحقيقة كمان مش خاص بفلسطين بس، لا دى قضيتنا إحنا كمان. وأي قراءة بسيطة للتاريخ هانلاقي إن كل انتصاراتنا اللى انجزناها على مر التاريخ عشان حماية مصر كانت على ارض سوريا وفلسطين. دى البوابة بتاعتنا، وعشان ننتصر لازم ننتصر من نفس المنطقة دي، فلسطين هى بوابة الأمان لمصر.
فيه كمان تسميات طلعوها بعد المبادرة: مش عارف يعنى إيه طابا المصرية وطابا الإسرائيلية؟ أرض إيه اللى رجعتلنا بالسلام وما فيش جيش هناك؟ كل يوم فىه مصريين بينضربوا على الحدود وماحدش بيتحرك ولا يتكلم. هو ده التطبيع؟ طيب بعد 31 سنة من المعاهدة إحنا عملنا إيه غير التنازل ورا التنازل والانكماش والعدو بيتوسع؟ إحنا أيام الحرب كنا عايشين أحسن من دلوقتي. على الأقل ما كانش فيه الأزمة الاقتصادية الطاحنة دي. السادات خدعنا وقاللنا إن كل طفل هايروح المدرسة وف إيده زجاجة لبن وساندوتش جبنة رومى وبسطرمة وتفاحة أمريكانى. الشعب سقف للازدهار اللي هايحصل وما سقفش للصهاينة. الشعب استقبل كارتر والسادات بالورود فعلا، بس على أمل إن المصري هايتولد إنسان وهايعيش كويس، لكن مافيش 3 سنين وبان بعد الرحلة دى إن كل حاجة غليت وتم منع دبح اللحوم إلا يومين فى الأسبوع والحياة بقت صعبة!
فى 78 خلصت تجنيدى واشتغلت فى شركة ألمانية، وبعدين فى مصنع 54 الحربي على مكنة خراطة. وبعد مبادرة كامب ديفيد مشيت من البلد رحت الأردن وبعدين العراق وبعدين استقريت تماما فى تركيا. وكان من أسباب سفرى رفضي للمبادرة والظروف الاقتصادية السيئة، لأن الاتحاد الاشتراكى تحول إلى مكاتب للحزب الوطنى، ومابقاش فيه أى متنفس أو مناقشات من اللي كانت بتدور في الاتحاد الاشتراكى، وجت فى عابدين مجموعة غريبة علينا سموا نفسهم حزب وطني، وتحولت بعض الوجوه القديمة في الاتحاد الاشتراكى بعابدين إلى الحزب الوطني.
فضلت فى تركيا حتى 84، ثم عدت إلى مصر لأن كان لي صديق قديم اسمه أحمد عصام، كنا زملاء فى القوات المسلحة واشتغلنا سوا فى شركة بفاف الالمانية للملابس الجاهزة، بعتلى إنه عايزنى ضرورى لأن فيه باسبور إنجليزي عايزني أجددهوله. قولتله ابعته، وفعلا جددت له الباسبور، وده كان باسبور أخوه محمود نور الدين، وبعدين بدأ يلح علي أنزل لمصر ضرورى، وفعلا رجعت وقابلته وقاللى إننا لازم نعيش في البلد دى ونشتغل هنا، وقاللى إن أخوه محمود ساب لندن وقرر يعيش فى مصر ويفتح مجلة وطلب مني اشتغل سواق لمحمود، أنا وافقت واستلمت العربية.
فى شهر 12 سنة 84 فاتحنى محمود فى موضوع تنظيم ثورة مصر، وقاللى أنا كنت عامل التنظيم كله عسكري، عايز عن طريقك تشوفلي ناس وطنيين، مش مهم الحالة الاجتماعية، المهم يكونوا مجمعين على كراهية الصهاينة، بالفعل جندت حمادة شرف وسامى عبد الفتاح الشهير بسامى فيشة وأسامة خليل وإسماعيل الجيزاوي، وطبعا وأنا بجندهم مش بقول أى شىء عن التنظيم. اللى نور بيقولهولى بقولهلهم، وبعدين كنت باعرفهم على نور، واللى يقولي أيوه ده كويس فاتح ده أو سيبلي ده أنا أفاتحه. واتكون التنظيم، إلا أنه صفصف فى النهاية على أربعة: محمود نور وحمادة وسامي وأنا وأحمد عصام قائد المجموعة بدل محمود لو محمود مش هاينزل العملية. طبعا أنا رحبت بالانضمام للتنظيم وكنت سعيد جدا. حسيت إنى لقيت نفسى، وبدأت أذاكر وأكمل تعليم لحد ما خدت الثانوية العامة، بس ساعتها كنت في السجن سنة 95.
وكان من شروط الانضمام للتنظيم إن ما حدش يكون له أي ملف في أمن الدولة أو في أي جهة، ويستحسن أنه يكون ماعندوش بطاقة من الأصل لأن ده تنظيم سري وعملياته موجهة ضد أفراد موساد وضباط مخابرات إسرائيلية. إحنا بنبقى مكلفين بالاشتباك مع حد مسلح مش أعزل، حد جامد وقوي هاتضربه بالنار هايضربك بالنار. عشان كده محتاج أشخاص مالهمش ملفات.
عند كل عملية كنا بنقعد مع محمود الله يرحمه ننظم نفسنا فى تشكيلات مراقبة لأماكن تواجد الصهاينة فى المعادى. هم ماكانش عندهم أي شك في إن ممكن أي حد يعمل عملية ضدهم لأنهم طول عمرهم متعجرفين. لحد ما حددنا الهدف، وبعدين رحنا على بيت محمود وقعد يكتب بيان لإعلان المسئولية عن العملية إللي هاننفذها بكرة، وبعدها نوزع البيان على الإذاعات. وبالفعل تاني يوم رحنا نفذنا العملية، وكانت الأولى بالنسبة لي، وكان محمود علي مقعد القيادة وأنا جنبه، وورا محمود حمادة شرف وسامي عبد الفتاح. وطلعنا على المعادى بعربية كنت شاريها ببطاقة مزورة، وكانت أسلحتنا بنادق آلية، وكان سلاحى أنا عوزي إسرائيلى الصنع. ربنا وفقنا فى اليوم وده وقتلنا ألبرت إتراكشي. ودى كانت العملية التانية للتنظيم، العملية الأولى اشترك فيها محمود وعصام ومحيي الدين عدلي وأحمد علي، وأسفرت عن إصابة زيفي كيدار ومحمود نور الدين.
التغطية الإعلامية من جرايد المعارضة بعد كل عملية كانت مش أد كده. كانوا بيستقبلوا العمليات ببلادة وكانوا شايفين إن فيه عناصر مأجورة من دول تانية هى اللى بتقوم بالعمليات دى. لكن ده اتغير خالص بعد القبض علينا .
بعد كده جهزنا للعملية الثالثة في مارس 86 فى معرض القاهرة للكتاب. والفرق الزمني بين كل عملية والثانية كان سنة، لأننا كنا بنعمل مراقبات دقيقة وتدريب على ضرب النار، وكنا بعد كل عملية بنقعد فى البيت شهرين ما ننزلش خالص، بعدها نستأنف التدريبات والتحريات للعملية اللي بعدها.
بالنسبة لعملية المعرض، الطلبة لما عرفوا بمشاركة إسرائيل عملوا مظاهرات وحرقوا العلم الإسرائيلى والأمريكى وهتفوا ثورة مصر طريق النصر واتقبض على ناس كتير منهم، والحكومة بقت فى حرج، فقررنا نختار هدف وكانت إيلي تايلور، ودى كانت مديرة الجناح الإسرائيلي. وشاركت فى العملية دي مع محمود وأحمد عصام وجمال عبد الحفيظ ومحيي عدلي، ودي كانت عملية صعبة لأننا كنا خايفين نصيب أى مصري، عشان كدة سمينا العملية دي بالمغامرة المحسوبة .وكان رد الفعل على العملية إن فيه ناس زغردت وهى خارجة من المعرض بعد ما شافونا بنهاجم الصهاينة. التغطية الإعلامية بعد العملية دى كانت قوية وقالوا إن التنظيم ده قوي ودقيق ومصري وعامل حساباته كويس.
في أواخر 86 وأوائل 87 تم خطف الطائرة المصرية من قبل أمريكا، ففكرنا فى رد فعل قوي يقول لأمريكا اتعاملي مع الحكومة كيفما تشائين، لكن مع الشعب الأمر مختلف تماما. وبدأنا نرصد الأمريكان، وتعبنا معاهم كتير لأنهم كانوا بيغيروا الكود بتاعهم (نمر السيارات الدبلوماسية). وبدأ الأمريكان يعلنوا في الإذاعات إنهم هايدوا مكافأة نص مليون دولار لأي حد يبلغ عن فرد من تنظيم ثورة مصر. وبدأت العملية تبقى صعبة علينا، ده غير إن الجماعات الإسلامية بدأت تقوم بعمليات مسلحة ضد المصريين وضربوا مكرم محمد أحمد، وكان اللي ضربوه جماعة “التوقف والتبين” اللي سمتهم الحكومة تنظيم “الناجون من النار”. وبقى فيه ناس بتتهمنا بضربه. فكلفني محمود إني أبعت بوكيه ورد للأستاذ مكرم ومعاه البيانات بتاعت تنظيم ثورة مصر اللي بتقول إن التنظيم ده مالوش دعوة بأي مصري وممنوع نخدش خدش لأى مصري، وإن عمليات تنظيم ثورة مصر موجهة ضد الصهيونية العالمية وليس ضد أى شخص آخر، ونشر مكرم الكلام ده فى المصور.
وبدأنا نعد لعملية الأمريكان اللي أرهقتنا وتعبتنا. اخترنا مكان العملية في جاردن سيتى من طريق الكورنيش. لكن كان فيه موضوع ماكناش نعرفه، وهو إن مدير التنظيم أحمد عصام وشقيق محمود بلغ السفارة الأمريكية عن التنظيم وقالهم على مكان العملية. لكن هو فى اليوم ده افتعل معايا خناقة وقال إنه مش نازل العملية دي. وكانت الخطة إن الإمريكان هايهاجمونا ويصفوا أفراد التنظيم وياخدوا صيت إنهم أقوى مخابرات في العالم قدرت تصفي تنظيم ثورة مصر. لكن يوم العملية الصبح أجلنا العملية يومين وعصام ما عرفش. وخرجنا بعدها بيومين أنا ومحمود وحمادة وسامي ومحيي عدلى وجمال عبد الحفيظ، لكن اللي هاينفذ أنا وحمادة. واللي حصل إننا اتأخرنا 5 دقائق عن ميعادنا، فقلنا نلحق عربية الأمريكان وهى نازلة من المعادى عند كوبرى مصر القديمة. والمكان ده اتمرنا فيه كذا مرة وما جاش عصام معانا فيه ولا مرة. ونزلت تحت الكوبري أنا وحمادة شرف واشتبكنا مع عربية الأمريكان، واتصاب حمادة في العملية دي بطلقة فى كتفه وحدثت إصابات طفيفة للأمريكان.. لولا إصابة حمادة ورغبتي في إنقاذه كان ممكن أقتلهم بسهولة، لكن أنا كان همي أنقل زميلي للعربية .
بعد العملية دى محمود عمل ورقة أو بيان اسمه المصالحة، وخاصة بعد ما بعتنا بوكيه الورد لمكرم محمد أحمد، وظهر من كده إننا مش إرهابيين وإن إحنا عندنا قضية وممكن نعمل حوار. بناءً عليه محمود قال نظمي هايقود مجموعة وعصام يقود مجموعة تانية وأنا وخالد نطلع من تحت الأرض ونشتغل سياسة. والمجموعة السرية دي مش هاتشتغل إلا إذا لزم الأمر لأن وقتها كان لسه فيه تحكيم حول طابا والمفاوض الإسرائيلى كان شايف نفسه حول طاولة المفاوضات وبيقول لأ ناخد الفندق ده ولأ مش عارف نسيب إيه، وعشان كدة كنا شايفين إن دورنا مهم كورقة ضغط فى يد الحكومة المصرية. لكن الحكومة فى حيثيات الحكم أنكرت ده وقالت إننا بوظنا العلاقات وعرضناها للخطر .
وفى الحقيقة إحنا أصلا ما كانش عندنا موقف ضد النظام الحاكم، لأننا كنا شايفيين إن النظام محرج من موضوع التطبيع، بس مش عارف يعمل إيه، عشان كده كنا شايفيين الحل إننا نوجه سلاحنا ضد الصهاينة والأمريكان الموجودين على أرضنا. لكن ده مش معناه برده إني مع النظام الحاكم. أنا رفضت بعد تحويل مكاتب الاتحاد الاشتراكي إنى أنضم إلى الحزب الوطني. ويمكن عشان كده ماكانش فيه جناح سياسى للتنظيم، وحتى محمود الله يرحمه كان من ضمن كلامه فى التحقيقات إنه لما رجع لمصر مالقاش أي منفذ يعبر منه عن أفكاره الناصرية والحكومة وافقت على الحزب الناصري في 1992 وإحنا فى السجن .وماكناش نعرف أي حد من الناصريين الموجدين دلوقتي، باستثناء الله يرحمه فريد عبد الكريم وكان محمود قابله في إنجلترا. لكن الناس دي شالت على أعناقها موضوع بلورة الفكر الناصري وتوصيله للشعب العربى بالكامل، وده عمل كبير أداه ناس زي الاستاذ حمدين صباحي. عشان كده أنا مش شايف أى ضرورة إن أي حد يقول إنه كان الجناح السياسي لمنظمة ثورة مصر، لأن هما قاموا بدور مهم في خلق وإحياء وترسيخ الفكر الناصري، وأنا أحييهم على ده.
وبالنسبة للحزب الناصري أذكر وأنا في السجن مريت بضائقة، وكنت مسجون انفرادي فبعت والدتى للحزب الناصرى عشان تقابل ضياء الدين داوود، وكان رده عليها: “ياريت ماتجيش هنا تاني عشان أمن الدولة منبه عليه”.
وعن أحمد عصام الذى قام بالإبلاغ عن المنظمة للسفارة الأمريكية، عصام بدأ حياته وطني تماما وأنا عملت معاه عملية المعرض ودي عملية أنا باعتز بيها جدا. كنا واقفين أنا وهو على الأرض وفي إيدنا مدافع، والعملية كان فيها توفيق كبير. لكن هو اتجوز كبير ورزق بتوأم بنتين، وكان عنده غل شخصي تجاه أخوه، وهو اعترف لي إنه بلغ الأمريكان قبل مايتقبض علينا، وكان مزعله أوى إنه بلغ عني لإننا أصحاب من زمان، وهو يعلم مدى وطنيتي، وكان سبب إبلاغه خلافه مع خالد عبد الناصر ومحمود على بعض الأموال، وبسبب هذا البلاغ قضينا فى سجن طرة 15 سنة، 4 سنين فى سجن ملحق طرة و6 سنين فى ليمان طرة و5 سنين فى مزرعة طرة، بينما محمود الذى حكم عليه بالمؤبد 25 عاما توفى داخل السجن في 15 سبتمبر 1998، وإحنا خرجنا فى 2002.
وقت التحقيقات كان فيه كلام عن تشديد العقوبة، واتقال إننا هناخد إعدام. أنا ما كانش فارق معايا، لأني في كل عملية كنت بابقى عامل حسابي إنى استشهد فيها، وما فيش حد فينا إتعرض للتعذيب أثناء التحقيق لأننا اعترفنا، وده شرف لينا، إحنا قمنا بعمل وطني. لكن في المحكمة المفروض إن زكي بدر، وكان وزير الداخلية وقتها، كان هاييجي كشاهد نفى، وكان قبل القبض علينا أعلن إن مش ممكن القبض على تنظيم ثورة مصر قبل 7 أو 8 سنين، وكان فيه اتفاق بين الحكومة وعصام ومجموعته (جمال عبد الحفيظ وأحمد علي، ودول انضموا لعصام في خلافه مع محمود واتسجنوا معاه فى سجن تاني بعيد عننا) إنهم يقولوا كلام ضد محمود يطلعنا مفككين وشوية مرتزقة، وده كلام كان هايريح زكي بدر في الشهادة.
أنا فضحت الاتفاق اللي كانت عاملاه المجموعة دى مع الحكومة، فاتعرضت بعدها للتعذيب الشديد فى سجن الملحق بطرة، ولأن في النهاية الحكومة كانت عايزة تظهرنا للرأى العام كمجموعة مرتزقة ذات أخلاق سيئة بنتعاطى مخدرات، مش زى ما جرائد المعارضة كانت بتقول علينا أبطال وطنيين، وإن مش بس عصام هو اللي خاين لا ده كلهم كده.
عصمت سيف الدولة كان محامي عننا، وهو طالب في المرافعة بتعويض نص مليون جنيه عن التعذيب اللي اتعذبته، وكان المحامي الأساسي عنى أنا ومحمود الله يرحمه أحمد نبيل الهلالي. أما عصمت سيف الدولة ومعظم المحامين كان دفاعهم كله عن خالد عبد الناصر. وطبعا خالد أخد براءة على الرغم إنه كان معانا في التنظيم. هو في الأول هرب برة مصر إلى لندن ثم يوجوسلافيا، وقام أحمد الخواجة نقيب المحامين الأسبق بالسفر إليه لهندسة العلاقة بينه وبين الحكومة، وضمن له حكم البراءة، وبناءً عليه حضر إلى القاهرة وبقى يقف معانا فى القفص، وأنكر كل صلته بالتنظيم، والوحيد اللي مارضيش يعترف عليه هو محمود، لأنه افتكر إن وجود خالد خارج السجن هايخليه يبذل محاولات للإفراج إو لتخفيف الحكم عننا، بالإضافة إن محمود كان فاكره هاياخد باله من بناته. لكن طبعا مافيش أي حاجة من دي حصلت، وكل الكتب اللي طلعت عن تنظيم ثورة مصر كان همها الأول والأخير تبرئة ابن الزعيم مع إسباغ الوطنية عليه لعلاقته بالتنظيم. يعنى من الآخر كانت بتقول إنه وطني وعضو في التنظيم لكن برىء، مش عارف زاى؟ ودى من الحاجات اللي حسستنى بمرارة شديدة، لكن ده قدرنا إحنا أبناء الشعب: نشيل السلاح وندافع عن كرامة الوطن، بينما يجني الرؤساء وأبناؤهم الغنائم.
بعد مرور الـ15 سنة داخل السجن وخروجي، كان عندي ندم شديد جدا إني قتلت هذا العدد القليل جدا من الصهاينة. ولو يرجع الزمن تاني كنت أتمنى إنى أنفذ عمليات أكتر، وكنت أتمنى إن عدد القتلى يكون أكتر من كده، خاصة إن الحكم علينا كان جائر. فأمام قتل اثنان من المخابرات الإسرائيلية أخدنا أحكام مشددة، بينما هما بيقتلوا ويدبحوا كل يوم الفلسطينيين وما حدش بيكلمهم أو بيحاسبهم، ده غير إن إفراج النظام المصري عن جاسوسهم عزام، اللي قابلوه في إسرائيل على إنه أسطورة، عمّق جوايا الإحساس بالمرارة. أنا مش عارف في الحقيقة ليه أبطالنا بنموتهم ونحتقرهم؟ وليه الناس اللي بيتقبض عليها تخابر لإسرائيل بيفرج عنها، أو على الأقل بيتعاملوا أحسن مننا جوه السجن؟
الولاء لكامب ديفيد
تزامن قرار الاتهام لأعضاء المنظمة مع زيارة جورج شولتز وزير الخارجية الأمريكى وقتها لمصر. وقد بدا وقتها أن أمريكا قد أملت الشروط على مصر وأرادت منها تأكيد ولائها لكامب ديفيد عن طريق عدة إجراءات، منها المبادرة المصرية التي طالبت الفلسطينيين بوقف انتفاضتهم الباسلة، إضافة إلى القمع البوليسي للقوى الوطنية المصرية التي تضامنت مع الانتفاضة، ثم فتح باب النشر فى قضية ثورة مصر، وكان قد صدر قرار لحظر نشر التحقيقات بعد القبض على أفراد التنظيم في 17 سبتمبر 1987. ومع صدور قرار الاتهام فى شهر فبراير 88 تم تقديمهم للإعلام على أنهم تنظيم إرهابى مشبوه أعضاؤه مجموعة من المرتزقة المنحلين والمدمنين للمخدرات. وكان الدور الذي لعبته المخابرات المركزية الأمريكية في هذه القضية قد فضح حالة الانبطاح الواضح للنظام المصري.
أخيرا، لم تكن كامب ديفيد مجرد معاهدة صلح منفرد مع الكيان الصهيوني، بل اعتراف كامل وشامل بشرعية هذا الكيان، مع ما استتبعه من تسليم لأمريكا وإضعاف لتسليح الجيش المصرى، ومع ما جره التطبيع من ويلات فى مجال الزراعة والتجارة والصناعة، ثم تحول القضية الفلسطينية إلى سلعة يتم الإتجار بها وبالشعب الفلسطينى على موائد المفاوضات، فتعقد باسمهم مؤتمرات القمة لمزيد من العمالة والتواطؤ والتصفية.
من هنا تأتى أهمية منظمات المقاومة المسلحة للكيان الصهيونى سواء داخل الأرض المحتلة أو خارجها، لأنه ببساطة كيان غير مشروع، حتى لو كان بموافقة الأنظمة الحاكمة التى تحولت إلى أيدى وأرجل له. وفى النهاية فإن وجود الصهانية على أرض مصر، حتى لو اتخذ الشكل الدبلوماسى، هو تهديد لمصالح الشعب المصري الكادح. فلم تكن مصادفة أن العمليات الأربع التى قامت بها منظمة ثورة مصر اتضح بعدها أن الشخصيات التي تعرضت للاغتيال فى كل العمليات كانت من العناصر البارزة في المخابرات الإسرائيلية والأمريكية أقامت بمصر تحت ستار الدبلوماسية التى وفرتها لهم معاهدة العار المسماة كامب ديفيد.
إلا أن وجود تلك المنظمات وحدها غير كاف. فبدون وجود أجنحة سياسية تعمل على توسيع رقعة المقاومة لتضم الشعب الذى يعانى من الفقر والاستغلال والقهر، خاصة مع اشتداد الازمة الاقتصادية واستشراء الفساد وسيطرة الاحتكار، وأيضا بعدما وضح زيف دعاوى النظام. فلقد قالوا لنا أن الرخاء سيعم بعد إحلال السلام، وأن مصر أنفقت على الحروب والتسليح أموالا طائلة، لو تم توظيفها في مجالات التنمية المختلفة سنخرج حتما من عنق الزجاجة، إلا أن السنوات التي مرت بالمصريين بعد توقيع المعاهدة وحتى الآن جاءت كلها عجافا .فلقد تحولنا إلى أجيال رضيت بالموت على فراش التطبيع، مسمومة من المنتجات الزراعية المسرطنة، ومتسربلة بفساد الديكتاتورية الذى أحرق القطارات وأغرق العبارات، وشق لنا طرق وكبارى يقتل عليها كل عام من المصريين أكثر مما قتل فى حرب 67. فهنيئا لنا بالسلام الشامل والدائم! ولتحيا المقاومة ضد الصهيونية والإمبريالية والحكام المستبدين والمستغلين.