عمرو موسى.. الخيانة رجُل

"آخر منصب رسمي توليته كان منصب وزير الخارجية، وخرجت من هذا المنصب منذ 11 عاما، وتحديدا في 2001، وبالتالي فقد انتهت علاقتي بالنظام السابق قبل سقوط نظام مبارك بـ 11 عاما، وعندما سقط نظام مبارك لم أكن من بين شخوصه أو أركان حكمه".
هكذا يتبرأ "موسى" الآن وينفي تهمة انتمائه للنظام القديم، وحقيقة الأمر أنه لم يكن منتمياً وحسب، بل هو أحد أركان النظام القديم وأحد أهم رموزه التي عملت بدأب وعلى مدار سنين طوال لترسيخ وتدعيم هذا النظام وسياساته الداخلية عن طريق توطيد العلاقات الخارجية المشبوهة مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. يدعي موسى أن علاقته مع النظام انتهت منذ أكثر من عشر سنوات باستبعاده إلى رئاسة جامعة الدول العربية ويتناسى السيد "موسى" أنه ومنذ أن عمل كملحق بوزارة الخارجية المصرية عام 1958 وإلى أن أصبح وزيراً للخارجية عام 1991 ظل مثالاً للموظف المطيع الممتثل لأوامر رؤسائه والمنفذ للسياسات التي تضعها القيادة السياسية للدولة دون وجود أي احتمالية للمناقشة، فما بالنا بالمعارضة التي يتحدث عنها الآن.
كيف يتنصل الآن وهو من خرج على الملايين من المصريين في يناير 2011، وقبل أيام من التنحي، يلعنها واضحة وبحسب تصريح خاص أدلى به لشبكة سى إن إن الإخبارية الأمريكية، "إننى أعتقد أنه يتعين أن يظل الرئيس مبارك في منصبه حتى نهاية فترة تفويضه". ومن غير المقبول إطلاقاً أن يبرر "موسى" قوله هذا بأنه كان مجبراً في ظل تخبط الرؤى السائدة في تلك الفترة وإذا قبلنا بهذا التبرير – على مضض – فبما يبرر تأييده لترشح "مبارك" لفترة رئاسية جديدة عندما سئل عن هذا في أحد البرامج التلفزيزنية عام 2010 فأجاب نصاً: "طالما الرئيس مبارك سيرشح نفسه، فأنا عارفه كويس وطريقة إدارته للأمور، ولذلك سأصوت له". من غير المقبول أن يعتقد السيد "موسى" الآن أن المصريين ما هم إلا مجموعة من السُذج، يمكن أن يخدعهم بحديث عن معاداة أو معارضة نظام ظل وجهاً من وجوهه اللامعة حتى اللحظة الأخيرة. والمدهش والعجيب أنه يتوهم أن كلماته وآراءه سوف تقنع المصريين، وربما غاب عنه أنه يتحدث إلى شعب ثار ضد الظلم والطغيان، فلا يستطيع أحد أن يخدعه مرة أخرى.
نموذج للعمالة
عندما سئل المرشح المحتمل عن موقفه من الكيان الصهيوني، أجاب بأنه يتعامل معه باعتباره خصم لمصر. والخصم كما هو معروف في مرتبة أدنى من العدو، إذاً هو لا يرى هذا الكيان عدواً، بل خصماً سيأتي حتماً أوان المصالحة معه. ولكننا لا نندهش هذه المرة، فتحديداً إجابة "موسى" تلك تلخص الكثير من أسباب اختيار مبارك له سواء في منصب وزير الخارجية أو ترشيحه ودعمه له بناءاً على التوصية الأمريكية في منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية عام 2001. فالمطلوب هو الموظف المطيع الذي يضع يديه في يد العدو ويدافع عن مصالحه. ولقد شهد الدور المصري الخارجي تراجعاً وتذيلاً ملحوظاً في الفترة التي تولى فيها "موسى" وزارة الخارجية ومن بعدها رئاسة جامعة الدول العربية.
وتاريخ الرجل كافي لإدانته، فمن إعداد بيان غزو العراق عام 1991، ثم عام 2003، إلى جلساته الخاصة مع "بول بريمر" الحاكم الأمريكي للعراق على رمال البحر الميت، وزيارته التاريخية قبل شهور للعراق لتأكيد الاحتلال.
مرشح صهيوني بامتياز
على عكس ما يحاول موسى تصدير نفسه باعتباره "كارهاً" لإسرائيل، أسس موسى تحالف كوبنهاجن، والذي شارك فيه مثقفين وسياسيين مصريين مع جنرالات موساد، للتطبيع مع العدو الصهيوني عام 1997. وهو من عقد مؤتمر شرم الشيخ عام 1996 لإدانة "إرهاب" المقاومة الفلسطينية لأنها مارست النضال المسلح ضد العدو الصهيوني، وحضر المؤتمر 30 دولة عربية وأجنبية بفضل الجهود "الخارقة" لوزير الخارجية.
والدور الذي لعبه "موسى" فى إفساد الحوار الفلسطيني الفلسطينى معروف للجميع، وكان واضحاً للعيان أنه كان انعكاساً للنظام في كل مواقفه تجاه القضايا العربية. وخلال فترة رئاستة للجامعة العربية لم تتخذ الجامعة أية قرارات في صالح العرب، بل وصل الأمر بموسى أنه كان يدعو المقاومة الفلسطينة لوقف ضرباتها على إسرائيل وفي نفس الوقت لم يُدن العدوان الإسرائيلي على غزة. ملأ "موسى" الدنيا ضجيجاً وثرثرة حول أن الدول العربية هي خط أحمر لا يمس، وفي نفس الوقت لا يحرك ساكنا أثناء الأزمات، بل نراه يكتفي بالشجب والإدانة مثلما رأينا مع فلسطين ولبنان والعراق وليبيا والصومال.
أما بالنسبة لصفقة تصدير الغاز لإسرائيل، فقد اعترف "موسى" بصحة ما نشر في بعض الصحف حول الدور الذي لعبه في صفقة تصدير الغاز لإسرائيل، وأوضح أن الهدف كان التصدير إلى منطقة غزة وليس إسرائيل فقط، وأن الوثيقة التي تسربت هي إحدى الوثائق التى تبادلتها مصر وإسرائيل بعد مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد في أكتوبر عام 1991. وصرح "موسى" بأن المؤتمر فتح الباب أمام المفاوضات السياسية المباشرة بين الدول العربية المحتلة أراضيها وإسرائيل، ومن ثم عقدت منذ عام 1992 سلسلة مفاوضات مباشرة فى الولايات المتحدة بين الأردن وإسرائيل، وسوريا وإسرائيل، ولبنان وإسرائيل، وفلسطين وإسرائيل، وأجرى على هامشها ما سمي بالمباحثات متعددة الأطراف، بهدف تنشيط التعاون الإقليمي لمناقشة قضايا عديدة من بينها موضوع التعاون فى مجال الطاقة ومن بينها صفقة تصدير الغاز. وقال "موسى" أنه يطالب بفضح كل المتورطين في هذه القضية طالما أن هناك مستندات قد تسربت لأنه – وعلى حد قوله – كان منفذاً لسياسات لا قبل له بمعارضتها.
موسى وثورة يناير
بعد نجاح ثوار مصر في اقتحام مقار أمن الدولة في العديد من المحافظات، وقعت في أيديهم وثيقة أمنية تفضح كيف أن "موسى" كان يتم توجيهه أثناء الأيام الأولى للثورة بأوامر من جهاز أمن الدولة المباركي. وذلك لاستغلال شعبيته في محاولة إقناع معتصمي التحرير بالتراجع عن مطالبهم وإنهاء الاعتصام، والاكتفاء بالوعود التي قدمها المخلوع من إظهار عدم نيته في الترشح لمدة رئاسية جديدة بعد انتهاء مدته في يونيو 2011، وهو ما فشل فيه موسى وغيره.
بعد كل هذا التاريخ الحافل بالفساد والعمالة والانحياز لمطالب الأعداء لا أتصور أن ينخدع الثوار في هذا الرجل. رجل النظام الذي "لا يرى داعٍ لمحاكمة مبارك"، رجل الخطابات العنترية والأفعال المخزية لا وجود له في مصر الثورية، مصر التي لا تزال تجاهد وتنتفض ضد نظام لا يزال ضارباً في أعماقها، وإن إسقاط مثل هذا الرجل في الانتخابات الرئاسية هي ضربة مؤلمة وموجعة ستسددها مصر لمعسكر أعداء الثورة، أبناء النظام القديم وعلى رأسهم عمرو موسى.
اقرأ أيضاً: