بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

مشاهد من مأساة المواطن السيناوي

السيناوي والسلطة

تتعامل نظم الحكم الطبقية المركزية مع أطرافها الجغرافية على أنها مصدر للثروة أو مناطق لحماية أمنها القومي. وفي حالة سيناء نجد أن نظم الحكم المتعاقبة من الفرعونية حتى الناصرية كانت تعتبر سيناء منفى وساحة حرب لصد العدوان. أما البشر، فقد كانوا آخر شيء يلفت انتباه الحكام. فسكان الأطراف، وخاصة سكان سيناء، مشكوك في ولائهم وانتمائهم!

المواطن السيناوى ظل دائما رهن الاختبار والعقاب على مدى آلاف السنين. ففي مصر الفرعونية نجد لوحة شهيرة يؤدب فيها الفرعون مصريا من سيناء بنعاله. حيث إن سيناء كانت آنذاك المنفى للمجرمين الذين كانوا يعاقبون بقطع أنوفهم. ولذلك كان الاسم القديم لمدينة العريش “مدينة مجدوعي الأنوف”. سيناء كانت أيضا منطقة إقصاء لموظفي الدولة المغضوب عليهم الذين كانوا يرسلون إلى هناك عقابا وتنكيلا.

لم يختلف الاحتلال البريطاني عن هذا في شيء. حيث قام الإنجليز بمنع دخول السيناويين إلى بلاد النيل (منطقة ما بعد قناة السويس) دون الحصول على تصاريح تحدد تاريخ الوصول والمغادرة ومكان الإقامة. وقد وضع الاحتلال العديد من نقاط التفتيش والجمارك بين سيناء والدلتا وكأنك آت من بلد آخر.

أما حكام يوليو فقد تعاملوا مع سيناء على أنها صندوق من الرمال وأرض للمعركة القادمة مع العدو الإسرائيلي. إذ نجد أنهم أخرجوا سيناء من خطتي التنمية الاقتصادية الأولى والثانية. بل أنهم ورثوا سياسة الاحتلال الإنجليزي، فاستبدلوا الحاكم العسكري الإنجليزي بعسكري آخر من حرس الحدود المصري أبقى على الوضع كما تركه الإنجليز.

وفي كل الأحوال استمرت حكومات العسكر في إقصاء أبناء سيناء من دخول الكليات العسكرية ومن شغل المواقع القيادية والوظائف الدبلوماسية والمواقع الإعلامية وكل ما له صلة بأجهزة الدولة. أما عند التجنيد، فالسياسة هي استبعاد السيناوي من الأسلحة القتالية.

ومنذ عام 1979، أي منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد، تخلت الحكومة عن سياسة الحكم العسكري لسيناء، واتشحت شبه الجزيرة برداء الإدارة المدنية وأصبح لها مجالس محلية ونواب في المجالس النيابية. ولكن الحقيقة هي أن الممارسة الفعلية ظلت كما هي.

السيناوي والأرض

رغم امتلاك أهل سيناء لأرضهم منذ مئات السنين، إلا أن الحاكم العسكري البريطاني أراد بيع أراضي سيناء إلى أهلها! وبالطبع رفض أبناء سيناء دفع مليم واحد عن أي فدان أرض اعتدادا بملكياتهم التي يحوزونها منذ سنوات طوال.

نفس السيناريو تكرر أثناء الاحتلال الصهيوني. حيث رفض أبناء سيناء عرضا بتوثيق ملكيتهم لأراضيهم مقابل تدويل سيناء والتنازل عن مصريتهم. أتى هذا الرفض عام 68 خلال مؤتمر الحسنة الشهير.

وبعد كامب ديفيد وعودة سيناء للسيادة المصرية، ظلت الحكومات المتعاقبة ترفض الاعتداد بملكية أبناء سيناء لأرضهم، مرة بحجة أن سيناء مسرح عمليات حربية، ومرة أخرى بحجة أن أراضي سيناء من أملاك الدولة.

وآخر القرارات بهذا الشأن هي التي أصدرها أحمد نظيف بشأن أراضى سيناء ومبانيها. فلحل مشكلة الملكية سيتم طرح الأرض في المزاد العلني، وهو ما يعني خصخصة أراضي سيناء وخصخصة الأمن القومي المصري! حيث يتيح هذا القرار الحق لأصحاب رؤوس الأموال أيا كانت جنسياتهم شراء الأراضي والمباني. وسيؤدي هذا بلا شك إلى طرد أصحاب الأرض الأصليين بعد أن يقوم المستثمرون بشراء أراضيهم.

وللعلم فإن الوضع في سيناء لا يقوم على الملكية الخاصة في الأراضي بل على حيازتها. وتوجد عدة قرارات لتنظيم حيازة الأراضي والمباني في سيناء. ففي عام 99 صدر القرار رقم 297 الذي حدد ثمن متر الأرض (التي من حق المواطن أن يقيم عليها مبنى مساحته لا تزيد عن 40% من المساحة الإجمالية للأرض) بخمسين قرشا. ثم صدرعام2000 القرار رقم447 ليرفع القيمة إلى ثلاث جنيهات للمتر. أما آخر قرار فقد كان لوزير الدفاع، وهو يمنع التملك في سيناء ويعطي حق انتفاع لمدة خمسين عاما. ثم تلا ذلك قرار رئيس الوزراء ببيع سيناء في المزاد العلني.

السيناوي والتطبيع

بتوقيع مصر اتفاقية “الكويز” تم فتح الباب على مصراعيه لتدخل الصهاينة في سيناء والإقامة الدائمة فيها بحجة الإشراف على المنتجات المصدرة عبر ميناء العريش البحري الذي يتم العمل فيه على قدم وساق لتوسعته بمسافة 3 كم.

من ناحية أخرى يتم الآن استكمال خط السكة الحديد إلى رفح بعد أن توقف عند بئر العبد، ويتم أيضا إنشاء خزان مياه ضخم يمده خط 1000مم بالمياه شرق العريش عند حي الريسة. كل هذه المشروعات ليست لخدمة أبناء سيناء ولكن لخدمة المستثمرين. وهذا في الحقيقة ما يفسر لنا جانبا من أسباب تعنت الحكومة وعدم اعترافها بملكية أبناء سيناء لأراضيهم في حين أقرت لكل سكان المحافظات الحدودية بملكياتهم. هذا هو أيضا ما يفسر التجريدة الأمنية على أهالي سيناء لزرع الرعب في نفوسهم حتى يتعودوا على التعامل مع الصهاينة، ولكي يتم وضع يد الدولة على أي أرض تختارها إسرائيل بدون معارضة. وهكذا تسعى الحكومة إلى تفريغ سيناء من أهلها بالاعتقالات، ومن العاملين والمقيمين بها بالتقطير عليهم في صرف حافز الـ 80% المقرر لجذب العمالة إلى المنطقة.