مسخرة المحليات
ربما تكون انتخابات المحليات التي ستجرى في الثامن من أبريل القادم هي الأولى من نوعها التي تحظى بكل هذا الضجيج والصخب، فبخلاف الانتخابات البرلمانية ـ الشعب والشورى بدرجة أقل- كانت معركة انتخابات المحليات محسومة دائما للحزب الوطني، لكن انتخابات المحليات هذا العام تتخذ طابعا مختلفا ليس بين القوى الأساسية المتصارعة عليها ـ الحزب الوطني والإخوان- لكن أيضا داخل الحزب الوطني، فمع اقتراب فتح باب الترشيح شنت حكومة الحزب الوطني حملة اعتقالات واسعة لكوادر الإخوان المسلمين الذين ينوون الترشح في الانتخابات، بطول مصر وعرضها، كما شهد الحزب الحاكم نفسه صراعات ضارية بين أجنحته المتنافسة للسيطرة على مقاعد المحليات. هذه الحالة من الحراك المرتبطة بانتخابات المحليات تعود في جوهرها لحالة الحراك السياسي التي شهدتها مصر خلال السنوات السابقة، فقد أصبح للحزب الوطني منافس قوى على الساحة السياسية هم الإخوان، استطاعوا انتزاع 88 مقعدا في مجلس الشعب في انتخابات 2005، ويعلن عن عزمه خوض أي انتخابات ستحدث في مصر.
تأكد ذلك بعد تأجيل انتخابات المحليات قبل عامين بحجة إصدار قانون جديد لتنظيم عملها، وكانت الحجة مفضوحة لأنه ببساطة القانون لم يصدر حتى الآن، وكان واضحا للجميع أن النظام يكسب وقتا لترتيب أوراقه ضد الإخوان. وهو ما حدث بالفعل، وتجلى ذلك في الهجمة الشرسة ضد الإخوان من اعتقالات بالجملة ومحاكمات عسكرية وغيرها من الملاحقات، والغريب في الأمر أن الإخوان “بلعوا” الطعم وما زالوا يتحدثون عن خوض الانتخابات في إطار اللعبة السياسية الديمقراطية!، ووقفوا صامتين أمام هذه الحملة الشرسة التي تعرضوا لها.
لكن البعد السياسي في المنافسة مع الإخوان لم يكن العنصر الوحيد الذي يدفع الحزب الوطني للاستماتة على الفوز بالمحليات واستمرار إحكام قبضته عليها، لكن هناك أيضا عنصر الفساد، فالمحليات تمثل بالنسبة لصغار الحزب في القرى والمدن والمحافظات “الفرخة التي تبيض لهم ذهبا”، فهي منبع للثروات الطائلة للعديد من أعضاء الحزب لما تتمتع به المحليات من اختصاصات تمسك بأحشاء المصالح المباشر للمواطن العادي، وهو ما يفسر حالة التناحر الشديد بين أعضاء الحزب للفوز بمقاعد المحليات.
انتخابات المحليات لا تعدو كونها “مسخرة” انتخابية جديدة من مساخر الديكتاتور مبارك، يديرها مباحث أمن دولته، ورجال أعماله في لجنة السياسات بزعامة الوريث.