ندوة مركز الدراسات الاشتراكية:
مستقبل الثورة المصرية بعد الانتخابات الرئاسية
في هذه الأثناء، وبعد تسارع الأحداث السياسية على الساحة، تمر الثورة المصرية بمنعطف خطير قد يحدد ملامح الأيام القادمة. فما بين تصارع القوى الإصلاحية وسطو العسكر على السلطة تكمن الأسئلة حول مصير الثورة المصرية ومستقبل شعب انتفض ضد الاستبداد والفقر والاستغلال.
فكيف ستستمر الثورة المصرية؟ وما هي عوامل نجاحها؟. للإجابة على مثل تلك الأسئلة، عقد مركز الدراسات الاشتراكية ندوة تحت عنوان" مستقبل الثورة المصرية بعد الانتخابات"، مساء الأربعاء 20 يونيو، لمناقشة أوضاع الفترة المقبلة وبحضور سامح نجيب عضو قيادي بحركة الاشتراكيين الثوريين.
في البداية أكد سامح أن ما نسميه انقلاب ناعم هو في الحقيقة انقلاب فعلي للعسكر ظهرت بوادره في حل مجلس الشعب وقرار الضبطية القضائية ثم فرض الإعلان الدستوري المكمل تحضيرا للمواجهات القادمة، وفي خلال ذلك حاول المجلس العسكري تأمين جانبه بمجلس الدفاع الوطني ( يضم 11 جنرال جيش بالإضافة لستة مدنيين يوافق الجيش على ثلاثة منهم)، كل تلك الإجراءات السياسية أكدت الانقلاب بعد طرح أحمد شفيق لانتخابات ما بعد الثورة ودفعه بالتزوير إلى الإعادة بالجولة الثانية، كان ذلك جزءا في إطار تعزيز قدرات العسكر بعدم تقديم آية تنازلات تؤدي لتسليم السلطة للمدنيين.
المجلس العسكري يقود الثورة المضادة
ولكي نفهم مستقبل الثورة المصرية في مرحلة ما بعد الانتخابات، علينا معرفة أولا موقف المجلس العسكري وأسباب انقلابه الصريح، فهو المجلس الذي تم تعيينه من قبل المخلوع مبارك ليصبح جزءا من منظومة فساده، حيث تبدو الأسباب منطقية بمحاكمته بمجرد إعطاء الشعب مزيد من الصلاحيات، فهذا التحليل مطروح فعلا لكنه في الواقع منقوصا، لإن المجلس العسكري هو جزء من طبقة رجال أعمال رأسمالية متحكمة داخيا في 30% من الاقتصاد المصري، ويلاقي دعما قويا من الإدارة الأمريكية التي تدافع بكل قوتها عن العسكر وهو ما قد يفسر عدم انهيار الجنيه المصري برغم كل تلك الأحداث، كما يمثل المجلس مصالح أمراء وملوك السعودية ودول الخليج التي وجدت في مصر حقلا للاستثمار الأجنبي، كذلك الكيان الصهيوني الذي ارتبطت هيمنته السياسية والاقتصادية في المنطقة بنظام مبارك.
لذلك وجد المجلس العسكري أن الاستبداد هو الدفاع عن وجوده أولا والحفاظ على مصالحه من خلال التحكم السياسي بالبلاد إلى جانب السيطرة الاقتصادية، وفي هذا حاول الحفاظ على البنية الأساسية لنظام مبارك، وعمد إلى تنظيم صفوفه بداخل المؤسسة العسكرية والوزارات والمخابرات والأجهزة الأمنية بدرجة مترابطة إلى حد أن الثورة لن تنتصر إلا بتطهير كل مؤسسات الدولة من بقايا النظام الممثل للقلب الصلب للدولة.
وطيلة الفترة السابقة عكف المجلس العسكري على قيادة الثورة المضادة من خلال لعب المخابرات على صنع الأزمات الاجتماعية كغلاء الأسعار ونقص البنزين وتراجع الاستقرار، وهي نفس الأزمات التي تم تصديرها منذ اليوم الأول للثورة حيث وجد نجيب أن الثورة المضادة تحالفت تحت رايتها القوى الانتهازية السياسية مثل الإخوان المسلمين الذين عقدوا التوافق والصفقات من منطلق الحصول على عدد أكبر من المقاعد السياسية، لعل هذه التنازلات، مقارنة بحركة الشارع، عاقت الثورة كثيرا وأظهرت عدم مقدرة الإخوان على إكمال الثورة للنهاية وهو الأمر الذي قد يحتاج إلى تعبئة أكبر حشد شعبي ليس فقط في الميادين لكن في الأحياء وأماكن العمل (في ظل محاولات تمريرهم لقانون التظاهر بمجلس الشعب).
مصالح القوى السياسية وحدود الثورة
وهنا أكد نجيب أن كبار الجماعة الإسلامية هم ممن ينتمون للطبقة البرجوازية الرأسمالية (مثل خيرت الشاطر رجل الأعمال) وطبقا لذلك كان السعي المحموم نحو الحصول على مكاسب سياسية لهم فقط دون هدم السياسات الاقتصادية للنظام في مرحلة قد تهدد وضعهم الاقتصادي شخصيا، وهو ما انعكس على الجانب الاجتماعي للثورة الذي تم إخفاؤه تماما في حين كان مطلب العدالة الاجتماعية هو أول مطلب للجماهير وفي قلب ثورتهم، فحتى الآن لم تتحول الثورة المصرية إلى الجانب الاجتماعي، ويخطأ من يظن إمكانية حدوث تغيير سياسي في ظل تركز الثروات في أيدي الأقلية وهو ما يعمل في صالح الثورة المضادة، فعمليا لا يمكن الفصل بين المطالب السياسية والاجتماعية للثورة.
وفي هذه الأثناء التي طغت خلالها الانتخابات على المشهد، وجد نجيب أن الثورة المضادة أعادت الظهور من خلال اللعبة الديمقراطية بطرح مرشح العسكر أحمد شفيق وما تلى ذلك من محاولات النظام لكسب المعركة تحت دعاوي إرهاق الشعب المصري من العملية الثورية، وهو ما ثبت عكسه تماما فأصوات صباحي وأبو الفتوح سجلت أرقام أعلى بكثير من مرسي أو شفيق، ذلك يعني جليا أن الشعب المصري مازال قادر على مواصلة المعركة الثورية.
إلا أن المفارقة التي وجدها سامح في الطرح النهائي للانتخابات بين مرشح الإسلاميين ومرشح العسكر أنه ليس هناك فرق فعلي بين مرسي وشفيق من حيث البرامج الاقتصادية، فكلاهما اعتمد على سياسة الليبرالية الجديدة والسوق الحر، لكن هناك فرقا كبيرا بين نظام سيعتمد على قوته من الشرطة والجيش في مواجهة الثورة والتورط بقوة في سحقها، وبين قوى سياسية اعتادت التذبذب بين المصالح الطبقية من جهة والجماهير الشعبية والقواعد الإخوانية من الشباب الذين يمارسون ضغوطا على القيادات من جهة أخرى، فعلى الرغم أن الإصلاحيين عموما والإخوان المسلمين خصوصا لم يعطوا آية ضمانات حول الفترة المقبلة، لكن نجيب وجد أن هناك قطاع كبير من الجماهير كانت قد أظهرت ثقتهم تجاه الجماعة ليكون هو نفسه القطاع الذي اكتسب وعي ثوري من دروس المرحلة واستطاع تغيير مواقفه تجاه المجلس العسكري ومن وراءه القوى الإصلاحية حيث تراجع تأييده لهم في الانتخابات الرئاسية بعد انتخابات مجلس الشعب، وهنا يكمن الرهان على مستقبل الثورة المصرية باجتذاب تلك القطاعات الشعبية وقطاعات أخرى بداخل الإخوان لصفوف الثورة بوعيها المصقول.
ووجد نجيب أن انتصار العسكر يعني الفاشية في هدم كل الأشكال التنظيمية للثورة كالنقابات العمالية واللجان الشعبية بما في ذلك استهداف الثوار كسبيل لإعاقة وتصفية الحركة الثورية، كما استنكر نجيب على الجانب الآخر وصف "الفاشية الدينية" لفهم الحركات المعاصرة للجماعات الإسلامية، باعتباره مفهوم مغلوط حول جماعة الإخوان المسلمين الرجعية، فالتنظيم الفاشي هو تنظيم يتميز بتماسكه الصلب الغير قابل للانقسام في حين قواعد الإخوان المسلمين ليست كذلك، وهو ما قد يظهر بوضوح في الفترة المقبلة عند فوز مرسي كرئيس بدون صلاحيات حتى يقيم القيادات صفقاتهم مع المجلس العسكري.
وفي هذا الصدد أكد نجيب أن موقف الاشتراكيين الثوريين في الوقت الذي يرحبون بالدخول في جبهات سياسية واسعة، فهم أيضا يرفضون تماما الدخول تحت عباءة أي قوى إصلاحية أخرى. الاشتراكيون الثوريون لم يتحالفوا مع الإسلاميين إلا عند المواجهة مع العسكر وهو ما تحتمه الضرورة الثورية أحيانا في التربص خلف المتاريس لعدو مشترك، وهذا لا يتناقض أبدا أن نتواجد في نفس المعسكر لكن بتنظيمنا المستقل وبياناتنا ورؤيتنا المستقلة.
ودلل نجيب على حملة التشويه التي تعرض لها الاشتراكيون الثوريون في ديسمبر الماضي بعد أن تم تقديم البلاغات من جانب حزب الحرية والعدالة ضدنا، هذا يدلل على عدم التحالف مع الإسلاميين إلا تحت ظروف حتمية تلزمها الضرورة تجاه الثورة دون تنازل أو تفريط، فمازال نقدنا لهم ضد مواقفهم تجاه صندوق النقد الدولي اقتصاديا والإدارة الأمريكية والإسرائيلية سياسيا، كما تسجل أدبيات الاشتراكيين الثوريين نقدا واضحا لمواقف الإسلاميين تجاه المرأة والأقباط وهو ما يعكس موقفنا الصريح دون لبس أو تزييف وبأسس واضحة لا تحتمل التذيٌل أو التراجع.
التنظيم الثوري أولا
أما عن المرحلة الثورية المقبلة، فقد تسائل نجيب عن كيفية مواجهة الانقلاب واستعدادات المواجهة، حيث وجد أن موجات الثورة المصرية تصدرتها التحركات العمالية والمهمشون حيث سجلوا مشاركة واسعة للمظاهرات والاعتصامات أكبر من المشاركة الشعبية في الثورة الفرنسية أو الثورة الروسية التي أطاحت بالقيصر عام 1917. لكن الحقيقة أن غياب التنظيم كان واضحا بكل القوى الثورية، وهو ذلك التنظيم الذي يكون قادرا على توجيه الجمهور للبحث عن بديل ثوري قادر على فضح مواقف القوى الانتهازية والمصالح الطبقية مع المجلس العسكري، كما أن ذلك التنظيم سيكون مدفوعا بفرص أكبر لتحقيق المطالب الاجتماعية للثورة المصرية في ظل أزمة اقتصادية عالمية وفي ظل اتباع الإخوان المسلمين لنفس السياسات الاقتصادية، فهنا ستطفو على السطح أزمات لن تقدم تلك السياسات حلا جديا لها كزيادة الأجور أو تثبيت العمالة المؤقتة.
هناك فرص حقيقية لتطوير الثورة المصرية بجماهيرها الثائرة وفي القلب منها الطبقة العاملة باعتبارها القوة المسيطرة على عملية الإنتاج بتكوين لجان التطهير بالشركات والؤسسات لإزالة بقايا النظام السابق، كما تظهر هناك ضرورة ملحة لإعادة إحياء اللجان الشعبية للدفاع عن الثورة التي تكونت عقب خلع الديكتاتور من أجل التعبئة الشعبية داخل المناطق والأحياء، وأكد نجيب في النهاية أن المواجهات القادمة لابد للتحضير الثوري لها على نحو يقود لاستكمال أهداف الثورة في ظل قلب صلب للدولة مازال يتحكم بها ويحاول إعادة نظام مبارك، بل لا يتردد في إشعال الحرب الأهلية للحفاظ على مصالحه أولا المضادة لمصالح الشعب.
لمشاهدة الفيديو الخاص بالندوة الرجاء الضغط على الرابط