مطالبنا هي هي.. عيش حرية.. عدالة اجتماعية

ملايين من المصريين خرجوا يوم الأحد 30 يونيو، بشكل يفوق أكثر التوقعات تفاؤلاً، وتعجز عن تفسيره كافة الآرء.. فما الدافع وراء خروج تلك الملايين؟
لم تصل نسبة المشاركة في الموجات الثورية السابقة هذا العدد، مع الأخذ في الاعتبار درجة الاستقطاب القصوى، التي دفعت الطرف المقابل “الإسلاميين” للحشد المضاد، ما يؤكد تفوق أعداد المشاركين عامة عن كل الموجات الثورية السابقة.
لا يمكن وصف “كل” المشاركين بأن دوافعهم فلولية، فلو كان باستطاعة أي جهاز في الدولة القديمة الدفع بهذه الحشود لما سقط مبارك أصلاً، أو لاستطاع العسكر على الأقل الإمساك بمقاليد الأمور دون عناء.
لا يمكن أيضاً اعتبار الخوف من الإسلاميين هو الدافع أيضاً لخروج كل تلك الملايين، فلا يزال المزاج العام للشعب المصري متدين، وإن كان من الواضح أن هناك رفض واسع لحكم الإسلاميين.
ابحث عن لقمة العيش
ما يقلق المواطن العادي قلقاً دائماً هو “لقمة العيش”، أي أسباب الحياة اليومية من طعام وشراب وكساء وسكن، وتعليم الأولاد، والعلاج والرعاية الصحية، والخدمات والمرافق العامة. والسبب الوحيد الذي يفسر تسامح المواطن الحالي عن موجة “وقف الحال” الحالية –على حد تعبير المتذمرين من الموجات الثورية السابقة- هو أن الحال “واقف خلقه”.
لم يصدق أحد أو يتوقع أن يحل “مرسي” مشكلات مصر خلال مائة يوم كما ادعى برنامجه، ولكن من حق المواطن أن يطالب بأي تغيير ملموس أو “بشائر” لانفراج أزماته بعد المائة يوم المزعومة. لكن ماحدث أن الأزمة تفاقمت.
فبعد أن قدم نظام الإخوان “رشوته” بإجراءات لم تستكمل لتحسين ظروف قطاعات بسيطة للغاية من أساتذة الجامعات، والصحفيين، وصغار ومتوسطي الملاك، وهي الشرائح الاجتماعية التي يستهدفها لتأييده، لم يتقدم خطوة. أما القطاعات الأعرض من الشعب من صغار الموظفين وعمال الخدمات وعمال المصانع، فهؤلاء خارج حسابات الإخوان منذ نشأتهم ولا يمثلون سوى كتل تصويتية. وبالطبع لم يلتفت مرسي للفلاحين الأجراء ولا العمالة المؤقتة في القطاع الخاص ولا القطاعات المهمشة من باعة وأرزقية.
الظلام.. والواد بتاع العشرين جنيه
وبعد أن كانت مصر تصدر الكهرباء عبر خطوط الربط البحرية، أصبح انقطاع الكهرباء أمر دوري ومعتاد، ثم كانت أزمة الوقود الدورية. ولو خرج مرسي وأعلن أن هناك مؤامرة من “فلول” الدولة العميقه ضده، لربما اقنع قطاعات كبيرة، أن تكون في صفه، أو على الاقل ألا تكون ضده. ولكن خطابه الذي أرجع أزمة الكهرباء إلى “الواد اللي بياخد 20جنيه وينزل السكينة”، وأزمة الوقود إلى من يتعمدون الوقوف في الطوابير، زاد من سخط الجميع، وربما كان أقوى دعاية ليوم 30 يونيو.
وفي الواقع لم يكن من المتوقع من جماعة الإخوان سياسة اقتصادية/ اجتماعية أفضل؛ فالجماعة التي تدافع باستماتة عن السوق الحرة، والتي تعادي كل المكتسبات الاجتماعية للستينات (وما أدراك ما الستينات) في عداء من اللحظة الأولى، والتي لم تحاول أن تعارض سياسات نظام مبارك طوال جلوسها في مقعد المعارضة، بل وأيدت طرد الفلاحين بعد صدور قانون الإيجارات الزراعية.
واعتبرت أن ما وصل إليه الشعب المصري من فقر، وما تردى إليه الاقتصاد من انهيار يرجع إلى “الفساد” وليس للخصخصة، وهو ما لا يمكن فهمه بعيداً عن حقيقة أن رجال الأعمال الإخوان كسروا حاجز “المليارات” فقط في عهد مبارك، وانحسرت مشكلتهم في المنافسة مع رجال لجنة السياسات.
أما بعد:
ولكن بعد إسقاط مرسي والإخوان، وانتهاء الاحتفالات – التي بدأت بالفعل منذ اللحظة الأولى – علينا أن ننتبه أن الأزمة الاقتصادية لن تنتهي بمجرد سقوط الإخوان، فالإخوان في الواقع هم جزء من النظام، كان يتنافس لأخذ جزء من الكعكة، وفجأة وجد القطعة الأكبر من الكعكة في متناول فمه، ولا يزال النظام موجود وقائم وبقوة.
الرأسمالية المصرية متمثلة في رجال الأعمال، والقطاع الاستثماري للعسكر، لا يعارضون مرسي من أجل لقمة العيش كما يفعل ملايين المتظاهرين، وإن كانت تهمة “شق الصف” مشهرة في الوجوه، فلا يمكن لأحد أن يستنكر على المتظاهر الذي اسودت عيشته خلال عام كامل، أن يصرخ مطالبا بحقه، الذي خرج من أجله، في أن يحصل على مطالبه الحقيقية، على لقمة العيش.
خلال اعتصام الـ18يوم كان هناك من يرددون – ومعظمهم من الإسلاميين بالمناسبة – أن علينا أن نسقط مبارك، و”كله هيتصلح”.. ولا نحتاج للتذكير أن الأمور تسير إلى الأسوأ. ولا يمكن أن نلدغ من الجحر نفسه مرتين، ولا بديل عن تصدير المطالب الاجتماعية لمطالب المعتصمين.