بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

مولد أوباما.. ضجيج بلا طحن

جاء أوباما وانصرف، ولكن لم ينفض السامر، فمازال الكثيرون يحللون ويحاولون قراءة ما بين السطور، وما بين مؤيد مفرط في تفاؤله تجاه أوباما ومرحب بما جاء في خطابه معتبراً إياه بمثابة رد اعتبار للعرب والمسلمين وتعبيراً عن تحول جذري في السياسة الأمريكية، وأخر رافض للزيارة معتبرا انها لم تأت بجديد وأن تغيير الخطاب وتعديل لغة الحوار وتبديل الكلمات لن يغير شيئا طالما لم يقترن بأفعال على الأرض، ما بين هذا وذاك تباينت المواقف.

قد نتفق أو نختلف حول عمق التغير الحادث في السياسة الأمريكية وهل هو تغير مظهري فقط، أم إنه يمس جوهر السياسة ذاتها وعلاقة الولايات المتحدة بالعالم الخارجي، ولكن ما يجب أن يكون واضحاً لنا أن أوباما بكل ما يطرحه من أفكار وبكل ما يمثله من اختلافات عن سلفه هو استجابة لكل المتغيرات التي جرت على أرض الواقع، فالخسائر التي كبدتها المقاومة العراقية لقوات الاحتلال الأمريكي في العراق هي التي اجبرت الولايات المتحدة على إعلان نيتها للانسحاب من العراق بحلول عام 2012، الانسحاب من العراق هو الثمن الذي ينبغي أن تدفعه النخبة الأمريكية الحاكمة للحفاظ على موقعها، هو الثمن الذي يجب أن يقدمه أوباما وإدارته للجمهور الأمريكي، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن الإمبراطورية الأمريكية قد عدلت عن طموحاتها في تدعيم سيطرتها على العالم اقتصادياً وعسكرياً، فالحرب لا تزال تدور في أفغانستان لدعم السيطرة الأمريكية هناك وأوباما هو الشخص ذاته الذي أرسل 21 ألف جندي أمريكي إضافي إلى أفغانستان وخصص 83 مليون دولار إضافية للحرب، وإدارة أوباما هي نفسها التي دفعت النظام الباكستاني لخوض حربه الشرسة ضد حركة طالبان في إقليم سوات ودعمته خلال هذه الحرب سياسياً وعسكرياً.

إعلان أوباما عزمه على الانسحاب من العراق خلال ثلاث سنوات في الوقت الذي يخوض فيه حرب شرسه ضد حركة طالبان في أفغانستان وباكستان خطوتان قد يبدو أنهما متضادتان ولكنهما في الحقيقة يكمل كلمنهما الأخر، اوباما ينسحب من العراق كي يدعم موقفه بين الأمريكيين الذين أرهقتهم حرب لم يجدوا حتي الآن سببا مقنعاً لخوضها، هو يدعم نفسه كي يتمكن من خوض حربه في أفغانستان، والحرب في أفغانستان لا تثير نفس القدر من الغضب والرفض سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو في باقي أرجاء العالم فهي حرب يمكن كسبها بشكل أو بأخر وهي حرب شُنت عن طريق تحالف دولي لايزال قائماً حتى اللحظة، حرب تدعم السيطرة والإمبريالية الأمريكية ولكن دون خسائر فادحة وفي الوقت نفسه الانسحاب من العراقي جعل الإمبريالية الأمريكية أكثر قبولاً.

من هذه الزاوية وبهذه الطريقة يمكننا فهم إلي أي حد يمثل أوباما تغييراً في السياسة الأمريكية، أوباما كبديل لجورج بوش جاء من داخل المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأمريكية نفسها التي أنتجت جورج بوش، جاء لا ليغير هذه المنظومة بشكل جذري ولكن ليغيرها بالشكل الذي يضمن بقاءها واستمراريتها وإنقاذها من فشل سلفه.

خطاب أوباما في جامعة القاهرة لم يخرج عن هذا السياق، فالتقدير الذي أبداه أوباما للحضارة والثقافة الإسلامية والاستشهاد المتكرر بآيات من القرآن، كل هذا كان الغرض منه بالأساس هو خلق حالة من الارتياح والقبول لدي الشعوب العربية والمسلمة لتحل محل مشاعر العداء والكراهية والرفض التي تكرست على مدار السنوات الماضية، هذه الحالة من القبول والارتياح يحاول أوباما من خلالها أن يخلق شكل من أشكال السيطرة أو القوة الناعمة التي تسهل على الإمبريالية مهمتها، والتي تسهل أيضاً على الحكومات والأنظمة العربية والإسلامية التعاون مع الإدارة الأمريكية دون اعتراضات من شعوب المنطقة وبخاصة مع ما قاله أوباما عن حل قضايا المنطقة عن طريق “المشاركة” وهذا يدل على حجم التعاون الذي سيحدث في الفترة القادمة بين إدارة أوباما وبين الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة، وبخاصة مع التهميش الواضح لقضية الديمقراطية في خطابه وتأكيده على أن الديمقراطية لا تفرض بالقوة، وبهذا يسقط أوباما الفزاعة التي كان يستخدمها بوش دائماً للضغط على “حلفاءه” في المنطقة، وهذا يؤكد إلي أي درجة تكون الإمبريالية على استعداد للتخلي عن أكذوبة الديمقراطية إذا ما ظهر أن هذا قد يهدد عروش حلفاء وأعوان تحتاج إلي خدماتهم في الفترة القادمة للضغط ولاستيعاب قوي مثل إيران وحماس وحزب الله.

وكذلك لم يقل أوباما شيئاً جديداً بخصوص الشأن الإيراني، نفس الحديث عن خطر امتلاك دولة لسلاح نووي تهدد به جيرانها وكأن ما تمتلكه إسرائيل – التي لم يذكر اسمها عندما دعي كل دول المنطقة الي الانضمام لاتفاقية حظر انتشار السلاح النووي- ليس بسلاح نووي، أما ما جاء في خطابه بخصوص القضية الفلسطينية فلم يخرج عن حديث جورج بوش السابق عن أمله وتعهده بالعمل على قيام دولة فلسطينية بجانب الدولة الإسرائيلية، وعن التأكيد على حق الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في دولتين متجاورتين تعيشان في سلام دون وضع أي تصور لخطوات عملية لتحقيق ذلك إن كان ذلك ممكناً أصلاً، مع دعوة الفلسطينيين لنبذ العنف وقتل “الأبرياء” دون الإشارة لمجازر الإسرائيليين في قطاع غزة مطلع العام الحالي.

إن خطاب أوباما من قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة أكد على أن الإمبريالية لا تتغير من تلقاء نفسها، وأن ما يجبرها على تغيير خططها هو مقاومة الشعوب لها، وأن الأزمات التي تولدها الإمبريالية بذاتها لذاتها هي ما يحفر قبرها.