بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

ساحة سياسية

مداخلة مع الحركة الشعبية الديمقراطية للتغيير

إن لم نخطو خطوة للأمام..فإننا نتراجع خطوات للخلف

إن النشطاء السياسيين في مصر، بما في ذلك العناصر المتقدمة من الحركة الاجتماعية، يمثلون قلة يسيرة للغاية وسط شعب بلغ ثمانين مليون نسمة، تواجههم دولة عسكرية، قد تضعف، لكنها ليست بالهشاشة لتنهار أمام حركة ضعيفة التأثير. هكذا، نحن كمجموعة من المغامرين الذين يخوضون بحرا عالي الأمواج، عليهم أن يظلوا يُعمِلون أذرعهم وأرجلهم بلا كلل، ليس ليتقدموا خطوة فحسب، بل لكي يظلوا محتفظين بمواقعهم، فتوقفهم لحظة، لا يعني سوى أن تجرفهم الأمواج، إن لم يبتلعهم البحر للأبد.

لا أهدف بكلامي مط الشفايف، و الانتظار على المقهى حتى يتكون الحزب الثوري، وحتى تتحرك الجماهير، لكنها أفكار ترددت في عقلي، فقصدت كتابتها، لعلها تنتظم أكثر، ولعلها تكون محل نقاش بين من يهمهم الأمر.

ماذا بعد غد:

عشية الانتخابات الرئاسية السابقة 2005، كنت مع بعض الزملاء في ميدان التحرير، نستغل آخر فرصة متاحة لنا، قبل ان نصبح على انتخابات، يفوز فيها مبارك، بالطبع، ونجد الحكومة تهشنا بيديها "يالله…كل واحد يلعب قدام بيته"، وكان السؤال الذي يتردد في ذهني، وبالتأكيد لدى الكثيرين، "ماذا سنفعل بعد غد.." فالنتيجة، كما قلت، وكما نعرف، كانت بديهية، اللهم إلا إذا حدثت معجزة..ولم تحدث المعجزة، وكلامي عن الأسباب والنتائج، سيكون أشبه باختراع العجلة، باختصار، إن "الحركة ظلت نخبوية.." حقا نخبوية في شخصياتها وطابعها، ومطالبها، ونطاق فعاليتها…

الحركة الاجتماعية، ماذا عنها، وأين هي الآن، هل يمكن أن نختلف حول محدودية مطالبها، التي كانت في بعض الأحيان تحسين شروط التصفية، وانتزاع القليل من الجنيهات المتأخرة للعاملين، وأكثر النجاحات إبهارا كانت هي الضرائب العقارية، فهل أفرزت الأخيرة قيادات جديدة، وهل أفرزت إطار ديمقراطي قاعدي، هل تسعى للارتباط بقطاعات قريبة منها مهنيا، سواء بالدفع لتكوين نقابات مستقلة جديدة، أو بالتضامن الإيجابي الفعال، أي غير الرمزي، مع التحركات الأخرى. أم تتحول بالتدريج لإطار متكلس، وربما أسوأ(إنه بالفعل سؤال مجرد وليس تعريض)

إن ما حدث، في كثير من الأحيان، أننا إما أن نذهب بـ"وسط البلد" إلى هناك، أي بالنشطاء ووسائل الإعلام إلى مواقع الاحتجاج، وإما أن نجذب بعض عناصر الاحتجاج إلى وسط البلد، حيث الكاميرات والصحف أكثر، وحالة التكالب على المواقع الساخنة، حتى نصبح ذات يوم أمام عناصر انتفخت ذواتها وتشوهت، وانفصلت تدريجيا في الواقع عن طبقتها، وليست عناصر متقدمة من الحركة الاجتماعية…

عفوا…ليس قصدي هو الإجحاف، إنني أدرك أن جهدا كنحت الصخر، يبذله مناضلون شرفاء، يدفعون عمرهم ثمنا لقضيتهم، كما لا أرمي إلى التعريض بأي اتجاه، يرى أن ما يفعله هو الصواب، أو أنه المتاح والممكن في الوقت الحالي. ليس مقصد حديثي هو "من يبني؟ ومن يركب الموجة؟"، "من يدفع الحركة للامام؟، ومن يقتلها بدافع التنافسية الحمقاء؟"…فلا أحد يحتكر الحقيقة والصواب، وبالطبع لست انا.

        إن ما أعتقده، وهو ليس بجديد حتما، أن التحركات السابقة، على اختلافها كما وكيفا، اكتفت بالتفكير في "الغد" فقط، ولم تتعداه لـ"بعد غد"، بالطبع سيكون من الإجحاف تعميم الحكم، فلم تكن تلك هي سمة تفكير كل من نشط في التحركات، كما لم تكن الظروف الموضوعية مواتية في جميع الأحوال.

        إنني أحاول من كل ما سبق، استحضار صورة، ليست دقيقة بالضرورة، من أجل محاولة صياغة فكرة لما يمكن أن نفعله "بعد غد". لقد انخرطنا في المعركة الانتخابية، مدركين أننا لسنا بالثقل الذي يسمح لنا بالتأثير في المقاطعة أو المشاركة، انخرطنا فيها باعتبارها "معركة" لا يجوز أن ننعزل عنها، وعلينا في كل موقع أن نحدد الهدف الأصح. مواقع يجب أن نفضح فساد مرشحي النظام فيها، وأخرى نفضح التزوير والقمع في اللجان، بينما في مواقع ترشح فيها عناصر نزيهة علينا أن ندعمها. وفي جميع الأحوال نحن ندرك أن النتيجة محسومة، بشكل أكثر سفورا من أي وقت مضى. ولا حاجة للتذكير بموجة القمع والإخراس المنظمة، من بينها المؤامرة على جريدة الدستور، والبلطجة في جامعة عين شمس، والاعتقالات بالجملة والقطاعي، انتهاءا باتهام الناشط يوسف شعبان بإحراز المخدرات، وهو يعكس درجة من الوحشية والانحطاط لا مثيل لها.

        أخلص من ذلك أن تفكيرنا يجب ألا يقتصر على يوم "الغد"، المحسوم بالفعل، أيضا لكي لا نصاب بالإحباط، ولكن ماذا عن "بعد غد". إن نشاطنا في الدوائر الانتخابية سيكون بلا جدوى إن لم يثمر عن علاقات بعناصر من تلك الدوائر، لكن  نسبة النجاح في ذلك، لأسباب عدة، غير عالية. لذا فمن الأجدى التركيز على دوائر بعينها، مثل السويس(دائرة سعود عمر)، ودمنهور(عائشة أبو صمادة)، وربما غيرها ولكن دون تشتيت، والشرط هو كون المرشح يتمتع بدرجة من الشعبية، تسمح بتشكيل نواه لـ"لجان شعبية" لا يقتصر نشاطها على الحملة فحسب، بل يستمر في حالة نجاحه، وهو أمر صعب كما أسلفنا، أو في حالة إخفاقه.(كُتبت هذه المداخلة، قبل الجولة الأولى من الانتخابات، وأعتقد ان النتيجة، وحتى نتيجة الإعادة، اليوم، لن تغير شيء)

"لجان شعبية" يُفترض بها تبني برنامج بسيط يمس احتياجات منطقتها بشكل مباشر، تعمل على تحقيق بنوده، منفصلة أو مجتمعة، حسب طاقتها. على أمل أن يؤدي نشاطها إلى ربط نضالها بنضالات مواقع أخرى، ورفع سقفه. مثل هذه اللجان ستؤدي إلى اتساع حقيقي للحركة، يتميز بنوعية مختلفة من النشطاء، وهو هدف أساسي للحركة. والأهم من ذلك أنه يعد ضمان لبقاء الحركة حية، وضمان لعدم انطوائها على نفسها وبالتالي تآكلها.