عندما حاول الإعلام تبييض وجه مبارك
بينما الغارات الإسرائيلية متواصلة على قطاع غزة، وبينما أعداد الشهداء والجرحى في ارتفاع مستمر، نجد أن أول ما اهتمت به أجهزة الإعلام الرسمية كان تبييض وجه النظام المصري، والقيام بحرب واضحة ضد حماس باعتبارها السبب وراء ما يعانيه الشعب الفلسطيني في غزة.
مما لا شك فيه أن أي متابع للقنوات المصرية وللجرائد الرسمية، لن يخطئ الرسالة التي حاول النظام المصري توصيلها: المشكلة هي حماس، مصر قدمت الكثير من أجل القضية الفلسطينية، السيادة المصرية خط أحمر لا ينبغي تجاوزه، الفلسطينيون ناكرون للجميل المصري وردوا على المجهودات المصرية بقتل ضابط مصري على الحدود.. الخ.
حاولت أبواق النظام أن تحشد الشعب المصري وتعبئه على فكرة أن مصلحته المباشرة هي في تناقض مع مصلحة الشعب الفلسطيني، وأن الواجب يقتضي أن يدافع المصريون عن مصلحتهم أولاً، ثم يتعاطفوا بعد ذلك مع غزة.
طرحت الكثير من الأفكار ، وربما كان أغربها الفكرة القائلة بأن الأمن القومي المصري في خطر، بسبب رغبة فلسطيني غزة، وكذلك حركة حماس في اقتحام الحدود المصرية، والهجرة إلى سيناء للإقامة بها، وهي الفكرة التي لا يمكن وصفها سوى بالعبث، وبأنها خرجت من أشخاص لا يفقهون شيئاً عن حقيقة القضية الفلسطينية، ونضال الشعب الفلسطيني من أجل استعادة أرضه المنهوبة. فلو كان هم الفلسطينيين هو البحث عن أرض بديلة لهان الأمر، ولما أصر الفلسطينيون على النضال من أجل حصولهم على وطن مستقل. الأدهى من ذلك هو حقيقة أن سيناء ليست الجنة، وأن أهل سيناء أنفسهم يعانون الأمرين من تدهور الأوضاع هناك وأن الهجرة في الواقع هي في الاتجاه المعاكس، أي خروجاً من مصر وفي اتجاه إسرائيل.
أما الحديث عن الضابط المصري الذي قتل على يد عناصر حماس ومحاولة ابتزاز مشاعر المصريين بكل الطرق، فهو أمر لا يقدم سوى جزء بسيط من الحقيقة، ويتجاهل أن مصر أغلقت المعابر أمام شعب يُقتل، تركته في المحرقة وأغلقت أمامه الطريق الوحيد الذي يصله بالعالم، فما هو المتوقع في مثل هذه الحالة، شعب يباد ويمنع من الطريق الوحيد أمامه للنجاة؟ النظر للأمر بهذه الطريقة، يفسر لنا بالتأكيد لماذا أقدم أحد الفلسطينيين على إطلاق النار، مما أدى لوفاة الضابط، هذا مع الأخذ في الاعتبار أن حقيقة ما حدث غير معروفة نظراً للتضارب الواضح بين الرواية الرسمية وبين روايات شهود العيان.
انطلق الإعلام الرسمي كذلك في الهجوم على حماس، لمحاولة تحميلها المسئولية على الأحداث في غزة. «لو خضعت حماس ما ضُربت غزة»، هذه هي الرسالة التي يقدمها الإعلام الرسمي، لا جدوى من المقاومة، فهي عمل غير عاقل لن يجر على أصحابه سوى البلاء، فالخطأ أصبح خطأ حماس وليس إسرائيل، فلولا أن حماس رفضت التسليم، ما دُكت غزة دكاً. بهذا المنطق يصبح العدو حماس وليست إسرائيل.
وبالطبع كان لحسن نصر الله نصيب كبير في الهجوم. فما أن خرج نصر الله بخطابه الذي دعا فيه الشعب المصري للخروج في مظاهرات بالملايين، حتى انطلقت أبواب الدعاية في الهجوم عليه. بل أن الهجوم جاء من الكل، حتى من بعض الكتاب غير المحسوبين على النظام. والحجة طبعاً كانت الدفاع عن السيادة الوطنية، فكيف يمكن لهذا الشيعي أن يتجرأ وينتقد النظام المصري، بل كيف يمكن لأحد كائناً من كان أن يفتح فمه ويتحدث ضد النظام المصري ويدعو الشعب المصري للخروج على الحاكم؟؟؟
نسى هؤلاء أن حزب الله، بغض النظر عن أي اختلافات معه، هو أحد أهم قوى المقاومة في المنطقة، وأن هذا الحزب هو الوحيد الذي استطاع إلحاق هزيمة ما بالعدو الصهيوني على مدار السنوات الماضية؟ ونسوا كذلك أن ما قاله نصر الله هو الحق، وأن الحل الوحيد أمام شعبنا المصري لنصرة شعب فلسطين هو الخروج بالملايين للإطاحة بالنظام الظالم الذي يستغل ويقمع الشعب المصري مثلما يحاصر الشعب الفلسطيني. فتحرير القدس لن يأتي حقاً سوى بتحرير مصر.