انتخابات 2005 وحركة التغيير
كما نرى جميعا، الشغل الشاغل لكل القوى السياسية، وللصحافة والمراقبين، هو انتخابات مجلس الشعب التي ستبدأ أولى مراحلها في النصف الأول من شهر نوفمبر. وكجزء من الحركة السياسية المصرية، انشغلت حركة التغيير هي الأخرى بالانتخابات. فكفاية، والتحالف الوطني من أجل الإصلاح والتغيير، والتجمع الوطني من أجل الإصلاح، والحملة الشعبية من أجل التغيير، جميعهم أعضاء في الجبهة الوطنية من أجل التغيير والإصلاح الدستوري التي ستشارك في الانتخابات بقائمة مرشحين موحدة.
المشاركة والمقاطعة
بالرغم من ذلك فقد علّق اثنين من قيادات حركة التغيير، عبد الحليم قنديل ومحمد السيد سعيد، على الانتخابات التشريعية المقبلة محذرين نشطاء الحركة وقواها من الانجرار إلى الوهم القائل بأن الانتخابات القادمة ستمثل فرصة حقيقية للتغيير. قنديل والسعيد أكدوا، كل بطريقته، أن الانتخابات لن تأتي بجديد هام، وأن الظرف السياسي لن يجعلها هي الجسر إلى الديمقراطية التي ننشدها. قنديل بالذات أكد أن انتخابات نزيهة في ظل الديكتاتور هو طرفة مستحيلة، وأن الانتخابات لن تأتي بمجلس شعب معبر حقيقة عن الشعب، ومن ثم فإن الترويج لفكرة أن الانتخابات ستكون الطريق إلى المستقبل هو ضرب من بيع الأوهام.
هل نتحمس للمشاركة في قائمة الجبهة الوطنية ولتأييدها؟ أم نقبل فكرة قنديل والسعيد ونهمل الانتخابات بوصفها فقاعة لا أهمية لها؟
الحقيقة أن من يحذروننا من الانسياق وراء وهم الانتخابات التي ستأتي بالتغيير محقون. فلن تأتي الانتخابات القادمة بالديمقراطية. ولن يكون مجلس الشعب القادم مجلسا متوازنا فقد فيه الحزب الوطني سطوته وأصبح أداة للتطوير الدستوري والقانوني في اتجاه الحرية. ولكن أبدا لا ينبغي أن نستنج من ذلك إهمال الانتخابات. فالموقف الصحيح في رأينا – برغم محدودية توقعاتنا – هو المشاركة في الانتخابات، واعتبارها خطوة تكتيكية هامة على طريق النضال من أجل الديمقراطية. كيف ذلك؟
صحيح أن من يرّوجون أن البرلمان القادم سيكون هو أداة التغيير مخطئون. ولكن صحيح أيضا أن من يطرحون – بحق – أن التغيير أداته الجماهير وحركتها في الشارع يمكن أن يستخدموا انتخابات مجلس الشعب، والمجلس نفسه، كعوامل مساعدة على طريق تحريك الجماهير وإيقاظها. ومن ثم فالقفز من فكرة عدم أهلية الانتخابات والمجلس القادمين كطريق للتغيير، إلى فكرة اهمال الانتخابات كلية، هو خطأ لا ينبغي الوقوع فيه.
نحن، كاشتراكيين ثوريين، نرى أن البرلمانات لا تصنع التغيير. وبالقطع نحن نمتلك الذكاء الكافي لنفهم أن برلماننا، في ضوء الإطار القانوني والسياسي الراهن، لن يمكنه التغيير إلا إلى الأسوأ!! لكن انظر إلى العملية الانتخابية القادمة. أمامنا اختياران: إما أن نقاطع الانتخابات ونترك ساحة خصبة للدعاية والتحريض والارتباط بالجماهير في مواقع عدة خالية لأعدائنا؛ أو أن نشارك فيها وننشر رؤانا حول نوع التغيير الذي نريده وأساليبه على أوسع نطاق جماهيري ممكن. أي اختيار نختاره؟ أعتقد أن اختيار المشاركة سيكون هنا منطقيا، خاصة وأن العملية الانتخابية ستسمح لحركة التغيير – ربما لأول مرة – بغرس جذور لنفسها في المواقع والأحياء، أي في أوساط الناس العاديين الذين لن يكون ممكنا تحقيق النصر لمطالبنا، ومطالبهم، بدونهم.
كثيرون من الذين دافعوا معنا عن مقاطعة انتخابات الرئاسة في السابع من سبتمبر الماضي ربما لن يفهموا ما نقوله الآن. فبرؤيتهم أحادية الجانب سيكون السؤال: كيف تدافع عن المقاطعة في سبتمبر، ثم تدافع عن المشاركة في نوفمبر؟ إجابتنا بسيطة ومباشرة: قاطعنا انتخابات الرئاسة لأن المشاركة فيها، في ظل التوازن الراهن، كانت ستؤدي إلى محالة إلى إظهار فوز مبارك، وهو كان أمرا حتميا، بمظهر أكثر شرعية. ونشارك اليوم في انتخابات البرلمان لأن المشاركة فيها ستؤدي إلى وضع شوكة – اسمها حركة التغيير – في جنب النظام وحزبه الوطني وستجعلهما في موقف الدفاع عن نفسيهما وتبرير أداءاتهما على مدى العقود الماضية.
الانتخابات والتغيير
الحقيقة أن أفضل طريقة للنظر إلى انتخابات مجلس الشعب القادمة، هي النظر إليها من خلال ضرورات ومتطلبات حركة التغيير في مصر. كانت حركة التغيير الديمقراطي، التي انطلقت في نهايات عام 2004، قد حققت عددا من النجاحات الملحوظة في مطلع عام 2005. لكن هذه الحركة لم تستطع، في الربع الأخير من العام، أن تحشد القوى المطلوبة لمواجهة النظام قبل السابع من سبتمبر. كان هذا حصادا لأزمة جماهيرية الحركة، أي لعدم نجاح قيادات حركة التغيير في دفعها للارتباط بالجماهير وخلق جذور متينة بداخلهم.
اليوم لدينا فرصة للتقدم خطوة واحدة على الأقل على صعيد جماهيرية الحركة. انتخابات مجلس الشعب يمكن أن تمثل جسرا للانغماس في أوساط الجماهير الشعبية وللارتباط بمطالبهم الاقتصادية والاجتماعية. فلو حشد قيادات حركة التغيير قواهم وانخرطوا في المعركة الانتخابية بمنطق الارتباط بالجماهير والدفاع عن مصالحها، لأصبحت الانتخابات مناسبة لغرس الحركة في عدد من المواقع الجماهيرية المؤثرة بطول البلاد وعرضها.
المشكلة أن عددا من قيادات حركة التغيير يهتمون بالانتخابات القادمة من منظور التوازنات الفوقية. بعض القيادات ترى أن وجود نسبة معقولة من عناصر التغيير في المجلس القادم قد يضمن عدم قدرة النظام على تمرير التغييرات التي يرتأيها لتسهيل التوريث لجمال مبارك. القضية إذن بالنسبة لهذه القيادات هو خوض الانتخابات من منظور يهتم بتصويتات المجلس في نهاية الأعوام الستة المقبلة!!
هذا منطق خطأ. هذا منطق لا يفهم كيف سيتم التغيير الحقيقي في هذا البلد. فالدور الوحيد الذي يصح أن ننظر للمجلس من خلاله هو دور تسهيل حركة الجماهير ودفعها للأمام. مشاركة عدد من قيادات التغيير في الانتخابات سيغرسهم في وسط الجماهير وسيربطهم بقضاياهم، من ثم سيبني الجسر المطلوب بين المعركتين السياسية والاقتصادية. ونجاح عدد من قيادات التغيير في الانتخابات وحصولهم على مقعد البرلمان سيوفر لهم فرصة أن يمارسوا الفضح والتحريض الجماهيريين من داخل مؤسسة تحظى بالشرعية لدى النظام الاجتماعي السياسي الراهن، وهو ما سيّوسع من تأثير فضحهم، ومن ثم سيزيد من فرص بناء الحركة الجماهيرية.
إذا كانت تلك هي الرؤية الصحيحة للانتخابات ووظيفتها، فكيف يمكن أن يتم تفعيلها؟ لا يمكن أبدا الاطمئنان إلى دور القيادات الوسطية والإصلاحية لحركة التغيير. فتلك القيادات متذبذبة ومتخوفة من الحركة الجماهيرية. الطريق الوحيد لجعل هذه الرؤية تتجسد في الواقع هو بروز قوة جذرية داخل الحركة تتبنى هذا المنظور وتفعّله. نحن نحتاج إلى بلورة، فكرية وتنظيمية، لتيار جذري في الحركة يلعب دور القاطرة للحركة في اتجاه الجماهير. هذا التيار ليس موجودا اليوم، وإن كانت مادته الخام متوفرة. مهمتنا أن نستخدم الانتخابات البرلمانية لطرح هذه الأفكار على أوسع نطاق ولمناقشتها ولمحاولة استقطاب أوسع عدد من المناضلين الحقيقيين حولها. فربما تكون الانتخابات خطوة ليس فقط على طريق غرس الحركة في حياة قطاعات من الجماهير، وإنما أيضا على طريق بلورة تيار نضالي جذري متماسك وفعّال داخل حركة التغيير.