أقباط مصر.. بين الاغتراب والثورة

“ليكن بدمي ختام سفك دماء المسيحيين” .. قالها جاثيا علي ركبتيه متضرعا للسماء، البابا بطرس الأول البطريرك السابع عشر للكرازة المرقسية قبل دقائق من قطع رأسه في الأسكندرية بأمر من الملك مكسيميانوس الوثني سنة 311 ميلادية، فلقب منذ وقتها بخاتم الشهداء. بيد أنه وبعدها بألف وسبعمائة عام تحديدا، وبعد مرور 20 دقيقة علي بداية عام 2011 للميلاد، استشهد العشرات من المسيحيين بالأسكندرية ذاتها، بعد التفجير الإجرامي لكنيسة القديسيَن مار مرقص الرسول والبابا بطرس خاتم الشهداء!
لم يكن مستغربا أن تتجه أصابع الاتهام للجماعات الاسلامية المتطرفة خاصة من السلفيين الجهاديين بتدبير هذا التفجير البشع، خصوصا مع تصعيدهم لخطاب الكراهية الطائفية ضد الأقباط حينئذ، عبر القنوات الفضائية ومنابر بعض المساجد، واتخاذهم من قضية وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة ذريعة لذلك، ومع تهديد سابق من تنظيم القاعدة ببلاد الرافدين للكنيسة القبطية باستهداف مماثل لما وقع لكنيسة سيدة النجاة ببغداد، والذي راح ضحيته العشرات قبل تفجير الأسكندرية بشهرين.
لكن ما كان غريبا للبعض هو استشعار الجمهور الواسع من المصريين بما فيهم الأقباط أن الجريمة الشنعاء وراءها شيطان آخر، شيطان يستخدم الخطاب الطائفي والطرائق الطائفية البغيضة للجماعات الإسلامية المتطرفة لتحقيق أهداف أخرى للتغطية علي الاحتجاج الشعبي المكتوم علي التزوير السافر لصالح الحزب الوطني في انتخابات مجلس الشعب 2010 أو صرفا للأنظار بعيدا عن الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات العمالية المتصاعدة حينذاك، أوللضغط علي البابا شنودة للسيطرة علي السخط القبطي المتصاعد ضد الاضطهاد والتمييز والذي تبدى أثناء أحداث العمرانية قبل التفجير بأسابيع. شيطان لا يتورع عن تدبير الجريمة والإشراف علي تنفيذها ثم يمشي في جنازة شهدائها ثم يفتح تحقيقات وهمية يتهم فيها العشرات ثم يأتي بأحدهم مثل الشهيد سيد بلال ويعذبه حتي الموت ليعترف بجريمة يعرف جيدا أنه هو نفسه قد اقترفها. شيطان يعرفه المصريون كلهم: جهاز مباحث أمن دولة مبارك بقيادة حبيب العادلي.
كانت لهذا الادراك العميق مقدمات، فالأوضاع الكارثية للأقباط زادت سوءا خلال سنوات حكم مبارك الثلاثين. فبمقتل السادات علي يد جماعات الإسلام السياسي المسلحة ومع تنامي تلك الجماعات وتوغلها وتحديها لدولة مبارك وجهازه الأمني، لم يكن من جهاز مباحث أمن دولة مبارك إلا أن زاد علي الأقباط تضييقا بغرض المزايدة على الجماعات الإسلامية الجهادية والمتعاطفين معها وذلك لتصوير دولة مبارك أنها دولة تحافظ علي الإسلام ولا تفرط فيه محاولة دحض وصف الجماعات لها بدولة الكفر. فانخفض مرة أخري السقف الذي يمنع الأقباط من تقلد المناصب العليا في المؤسسات الحكومية مثل الجيش والشرطة والقضاء والجامعات وغيرها ، كما عانى الأقباط ومعهم الكثير من القوى الديمقراطية في محاولة لإقرار قانون دور العبادة الموحد حيث أصبح بناء الكنائس والأديرة أو حتى ترميمها جحيما مرهونا بالموافقة الأمنية، يقابل في أغلب الأحيان بالرفض لأسباب واهية أو بدون أسباب. وعلي الرغم من تشدق مبارك ونظامه في سنواته الأخيرة بكلمة “المواطنة” إلا أنه لم يمسس المادة الثانية بالدستور في تعديلات 2007 (والتي لم يكن لها من غرض إلا تقنين التوريث وتثبيت اقتصاد السوق الحر)، بل في المقابل ترك النظام الساحة مفتوحة للآلاف من الكتب وشرائط الكاسيت ومن بعدها القنوات الفضائية مثل “الناس” و”الرحمة” لتتبنى خطاب التكفير وتطلق الدعاوى التكفيرية، وتعمل علي التحريض المباشر ضد الأقباط وإشعال نيران الطائفية و الكراهية بل ووصل ذلك الخطاب إلى منابر المساجد دون محاسبة من أحد.
في وسط كل تلك الأجواء الطاردة والقوانين المجحفة والإهانات التي كثيرا ما يتعرضون لها وللأسف علي يد فقراء المسلمين الذين يلجأون لتفريغ القهر والاضطهاد الذي يعانونه فيمن هم أضعف منهم، ازداد إحساس الأقباط بالاغتراب مما أدى إلى زيادة التفافهم حول المؤسسة الكنسية التي ازداد بالتالي نفوذها بصفتها الممثل السياسي لملايين الأقباط والمدافع عن حقوقهم. وأخذت الكنيسة تلعب بشكل سلطوي بتلك الورقة مع النظام فتضغط حينا عليه وتتهاون في أحيان أخرى كثيرة خاصة عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن فقراء الأقباط. أدى كل ما سبق ذكره إلى زيادة مطردة في أعداد الأقباط المهاجرين إلى الخارج خاصة من الطبقات العليا والوسطي التي تستطيع إلى ذلك سبيلا، آملين في حياة ينعمون فيها ببعض السلام خارج جحيم الاضطهاد في بلدهم. ومع تزايد المهاجرين من الأقباط علي مدار السنوات الأخيرة، زاد تأثيرهم بالخارج عن طريق جماعات ضغط شكلوها فيما تم تسميته بجماعات أقباط المهجر، فلم ينقطع وصالهم إذا عن قضايا بلدهم وخاصة فيما يخص الأقباط، لكن عابهم أن اقتصرت رؤيتهم لحل قضية اضطهاد الأقباط في مصر على طريق التدخل الأجنبي والضغط من جانب الدول الامبريالية علي النظام في مصر لتحسين أوضاع الأقباط.
بداية الثورة
لم يكن غريبا إذا أن تبدأ الثورة المصرية في يوم 25 يناير، يوم عيد الشرطة، وأن يشارك قطاع واسع من الأقباط في المظاهرات وأن يحتلوا الميادين مع رفاقهم في الثورة ضد نظام مبارك القامع للجميع والمستغل لكل الكادحين والمستبد علي كل المختلفين. تابعنا جميعا ذهول العالم من الصور الآتية من الميدان بصلوات المسلمين يحميها مسيحيون وصلوات المسيحيين يحميها مسلمون كما تابعنا أيضا عدم المساس بأي كنيسة طيلة الثمانية عشر يوما علي الرغم من الغياب التام للشرطة بعد هزيمتها النكراء يوم 28 يناير أمام المتظاهرين. فالثورة ضد الاستبداد والاستغلال هي “كرنفال المضطهدين” تسقط كل الحواجز التي تفرق بين البشر وتكشف عوار وقبح الطائفية والذكورية والعنصرية والطبقية وترتقي وتنتصر للقيم الإنسانية العليا من عدالة و مساواة وحرية.
وبتنحي مبارك وتسلم المجلس العسكري أمور البلاد، بدأت الهجمة الشرسة للثورة المضادة في التصاعد. ودوما ما تلعب الثورات المضادة علي حلقات الوصل الأضعف بين الصفوف الثورية، فكان من الطبيعي أن يشعل المجلس العسكري الطائفية مرة أخري بشكل غير مباشر أول الأمر من وراء ستار تيارات من الإسلام السياسي (خاصة السلفية منها) والتي ظهرت لأول مرة علي ساحة العمل السياسي العام بعد اندلاع الثورة. في تلك الأجواء المستعرة، لم يكن غريبا أن يأتي استفتاء مارس على التعديلات الدستورية حاملا معه روائح الطائفية الكريهة، فتم اختزال الحوار الدائر حول تلك التعديلات وتصويرها على أنها تعديل للمادة الثانية من دستور 71 والتي لم تشملها أصلا التعديلات، ومن ثم أطلقت منابر الكثير من المساجد تلك الحملة الشعواء بأن التصويت ب”نعم” هو تصويت للإسلام و أن التصويت ب”لا” هو تصويت ضده.
زاد هذا بالطبع من حدة الاستقطاب وكان من ضمن نتائجه البغيضة عودة الإحساس بالاغتراب لدي الأقباط. نما هذا الإحساس وتزايد مع بداية هجمات متفرقة علي الكنائس والأديرة في اطفيح وإمبابة وغيرها، ومع تصاعد خطاب التحريض مرة أخري من بعض شيوخ السلفية علنا علي الفضائيات، مما دفع بعض المجموعات القبطية والقوي الثورية والديمقراطية للقيام بمسيرة سلمية حاشدة من دوران شبرا إلى مبنى ماسبيرو للمطالبة بحقوق الأقباط المهدورة وللمناداة بوقف الخطاب التحريضي ضدهم. وكانت المأساة، فقد قامت الشرطة العسكرية بمذبحة مروعة ضد المتظاهرين السلميين ودهست مدرعاتها الكثير منهم وأسقطت طلقات بنادق ضباطهم الشهداء. سقط 27 شهيدا علي الأقل من الأقباط والمئات من المصابين علي يد الشرطة العسكرية، ذراع المجلس العسكري القمعية، والتي أراد من وراءها أن يسحق الحراك الثوري ويوقفه بالدم وأن يعطي إشارة باستخدام القوة المفرطة ضد أي خروج علي سلطته، وفي نفس الوقت أن يغازل تيارات الإسلام السياسي التي ينسق معها سياسيا بشكل علني والتي اكتفت بعار الصمت إزاء المذبحة إن لم تقف في صف العسكر.
لم تفت تلك المذبحة البشعة من عضد الثورة ومسيرتها واستمرت المقاومة ضد هجمة الثورة المضادة بقيادة المجلس العسكري وانضمت لها الكثير من الحركات القبطية مثل اتحاد شباب ماسبيرو وأقباط من أجل الثورة وأصبح من رموز تلك المقاومة في المواجهات التالية العلم الشهير للشهيد مينا دانيال. جاءت الانتخابات البرلمانية بمجلسي شعب وشوري أغلبيتهما من حزبي الحرية والعدالة والنور اللذين لم يتوقفا عن زيادة شعور الأقباط بالاغتراب عن طريق خطابهم المعبأ برائحة الطائفية الكريهة.
بداية من الاستفتاء علي التعديلات الدستورية والانتخابات البرلمانية وامتدادا إلى الانتخابات الرئاسية، دأبت القوي السياسية المختلفة علي فرض محور رأسي للصراع في المجتمع يتناحر علي جانبيه، الإسلامي من جانب والمدني العلماني من جانب آخر. وكان من المتوقع والطبيعي أن ينحاز الأقباط في معظمهم إلى الجانب المدني في مواجهة الجانب الإسلامي حتى ولو وصل الكثيرون منهم في تلك المواجهة إلى مساندة مرشح الثورة المضادة أحمد شفيق والتصويت له في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية – ليس حبا في شفيق بالذات وإنما خوفا من أخطار صعود التيارات الإسلامية – خاصة مع استمرار سيطرة المؤسسة الكنسية علي القرار السياسي لغالبية الأقباط.
والثورة المستمرة
وصل مرسي لسدة الرئاسة، ومن ورائه مكتب الأرشاد، ليصبح عضوا في نادي الطبقة الحاكمة وليتخذ موقعه في قيادة الثورة المضادة. فبدأ بعدم المساس بالجمعية التأسيسية المعيبة لكتابة الدستور والتي وعد قبل توليه الرئاسة بتغييرها لتشمل كل طوائف المجتمع وقواه الاجتماعية المختلفة، وبالتالي استمرت نفس الجمعية التأسيسية القديمة بغالبيتها من الإخوان والسلف الذين لم يفوتوا فرصة دون فرض طرحهم للمواد ورفضهم للتوافق وإصرارهم علي تمرير ما يرونه، بذريعة أغلبيتهم البرلمانية المؤقتة والتي ب”شرعيتها” فرضوا علينا دستورا من المفترض أن يكون ممتدا. كان لهذا الاصرار علي العناد في عدم إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية أثره في الانسحابات المتتالية للقوي السياسية “المدنية” وللهيئات المدنية وبالطبع لممثلي الكنائس المصرية الثلاث من الجمعية. سيذكر التاريخ بكل خزي تلك الواقعة التي قدم فيها الغرياني لمرسي مشروع الدستور المصري بعد بداية الثورة عن هذه الجمعية ممهورا بتوقيع أعضائها الخالين من أي قبطي.
قام حكم الأخوان أيضا بتكريم طنطاوي وعنان وقلدهما أرفع الأوسمة متغاضيا عن جرائمهما في ظل نظام مبارك ومذابحهما في ظل تصدرهما لسدة الحكم بعد التنحي ومنها مذبحة ماسبيرو كما قام بالحفاظ على كل جنرالات المجلس العسكري أو نقلهم، بل قام بتقوية تحالفه مع العسكر من خلال الدستور، فالمواد ١٩٥ و١٩٧ و١٩٨ بالإضافة للمادة ٦٤ تعطي صلاحيات للمؤسسة العسكرية غير مسبوقة تتيح لها الحفاظ على إمبراطوريتها الاقتصادية وعلى آلية استخدامها للسخرة في العمالة وتحكمها بالقرار السياسي الخاص بالأمور السيادية من خلال مجلس الدفاع الوطني وتفرد لها الظهير الدستوري والقانوني للمحاكمات العسكرية للمدنيين.كل تلك المواد التي تم إقرارها في الدستور تمت من خلال لجنة تأسيسية أغلبيتها الساحقة من الإخوان والسلف، الذين وللغرابة حشدوا من سنة قبلها ضد وثيقة السلمي لاعتراضهم على مواد عسكرية أقل فجاجة بكثير مما أقرها دستورهم.
تحالف آخر قام به الإخوان مع رجال أعمال مبارك تبدى في الأيام الاولي لحكم مرسي وتفجر في الشهور الأخيرة بالمحاولات الحثيثة التي يقودها الملياردير الإخواني حسن مالك في التصالح مع زبانية الفساد ومصاصي الدماء من مليارديرات مبارك. الاستراتيجية الإخوانية واضحة في استمرار سياسات الليبرالية الجديدة التي تبناها نظام مبارك في مطلع الألفينات بل وتنفيذ شروطها الأكثر إضراراً بملايين الفقراء من المسلمين والمسيحيين، بتصور مختل عن سيطرتهم الوهمية علي الاحتجاجات المتوقعة نتيجة لظهيرهم الجماهيري الذي يتقلص كل يوم. ذهابهم لصندوق النقد الدولي بقرضه الذي يحمل شروطاً تطيح تماماً بكل مطالب “العيش” و “العدالة الاجتماعية” وإحجامهم المكشوف عن إقرار الحد الأدنى للأجور في جميع القطاعات والحد الاقصي للأجور بالقطاع العام وقطاع الأعمال ورفضهم إقرار الضرائب التصاعدية علي الأرباح الرأسمالية للأفراد والشركات وهروبهم الشائن من رفع ميزانية الصحة والتعليم والخدمات العامة من نقل وصرف صحي وغيرها … يوضح تماماً أنهم ينتهجون نهج مبارك وسياساته وأنهم ارتضوا الاصطفاف ضد مطالب الملايين وحلم الثورة وأهدافها. كل ذلك تم دسترته أيضاً من خلال مواد دستورهم ولعل أبرزها في هذا الشأن المادة ١٤ التي تذبح الملايين بربط الأجور بالإنتاج وليس بالأسعار.
هذا التحالف المضاد للثورة وأهدافها زادت حدته بصدارة قيادات الأخوان للمشهد السياسي ومن خلفهم ظهيرهم من شيوخ السلفية أو المبررارتية “المحايدين” وبثهم لخطاب ينضح بالطائفية ضد الأقباط وضد الحريات العامة والخاصة وتصاعد لتهديد مساحات حرية العقيدة والرأي والتعبير والإبداع. كل تلك العوامل فجرت موجة ثورية جديدة ضد مرسي وحكومة الأخوان بعد الإعلان الدستوري في 21 نوفمبر نزلت فيها الملايين في محافظات مصر المختلفة منتفضة ضد الاستبداد واستمرار نفس سياسات النظام بل زيادة رقعة أضرارها. شارك في تلك الموجة المستمرة قطاع واسع من الأقباط والذين انضموا لمسيرة الثورة ضد السلطة وحركهم في ذلك فزع مبرر من سياسات وأداء سلطة مرسي ومكتب الإرشاد ومن ورائه السلفيين. لكن المهم رصده أن قطاعا واسعا أيضا من الأقباط الذين انضموا للحراك الجماهيري الأخير كانوا من فقراء الأقباط الذين حركهم كغيرهم من فقراء البلاد الضغط المتصاعد علي سبل معيشتهم واستمرار السياسات المتسببة في إفقارهم وبؤس حياتهم.
جاءت أحداث الخصوص وما تلاها من اعتداء بربرى على كنيسة ماري جرجس بالقرية وقتل العديد من المسيحيين لتشعل مرة أخرى غضب ملايين المصريين خاصة مع ضعف البيانات الرئاسية المصرية والتي فتحت بشكل مستتر الطريق لخطاب طائفي كريه من شيوخ الجوامع والفضائيات مما أدى إلى تجييش فرق من المتطرفين لتهجم على جنازة قتلى الخصوص وتعتدي بشكل إجرامي على مقر الكاتدرائية. ولم يكن موقف الشرطة من الأحداث غريبا، فالتمييز ضد المسيحيين مؤسسي والطائفية صناعة الدولة المصرية من عهد السادات، ولم تزد فقط إلا فجاجة وقبحا في عهد الإخوان لكن جوهرها لم يتغير في شىيء. أدت تلك الأحداث الطائفية المتعددة مع الفشل الواسع لمرسي وإدارته إلى انضمام ملايين الأقباط مؤخرا” لحملة تمرد والانخراط فيها بنشاط ملحوظ وعودة الأمل لقطاعات واسعة منهم أن تغييرا قادما يلوح في الأفق القريب. فالتهديدات الصريحة من قبل عناصر من الإخوان المسلمين والجهاديين بذبح الأقباط يوم 30 يونيو، لا تزيدهم إلا إصرارا على المشاركة الواسعة وعلى التخلص من هذا الحكم العفن وعلى استكمال مسيرة الثورة نحو مستقبل لا يحمل أيا من طائفية عقود مضت.
ما نراه ونطرحه كمخرج وحيد لتحرر جميع المضطهدين من نير القهر والظلم والاستغلال هو انتقال محور الصراع في المجتمع إلى محور أفقي خلال المخاض الثوري – بازدياد الوعي الجمعي بوحدة نضال المضطهدين من فقراء المسلمين والأقباط في المصانع والغيطان والشركات والجامعات والنقابات والميادين وغيرها من المواقع المختلفة ضد الطبقة الحاكمة بأضلاعها، من قيادات المؤسسة العسكرية وقيادات الإخوان مع ظهيرهم من شيوخ السلفية ورجال الأعمال. هذا الثالوث الشيطاني الذي تم برعاية أمريكية ومباركة صهيونية وتمويل خليجي وتحميه في الداخل كلاب الداخلية المتشرسة الجاهزة لقمع أي انتفاض ضد هذا الحلف.
لكن وحتي الوصول لتك النقطة المتقدمة من الصراع الطبقي، يجب علينا كيسار مناضل الوقوف بمنتهي الحزم إلى جانب كل المساعي المطالبة بحقوق الأقباط ورفع التمييز عنهم ورفض وفضح الخطاب التحريضي ضدهم والوقوف بشراسة أمام المحاولات الدنيئة للتهجير القسري لهم من بلداتهم وقراهم، فمحاربة الطائفية والوقوف ضد اضطهاد المسيحيين فرض عين على كل ثورى▪