قانون التظاهر الجديد: السلطة القمعية في مواجهة تجدد الثورة

تكشف مواد القانون الجديد لتنظيم التظاهرات والاحتجاجات عن التوجه الحقيقي للسلطة الاستبدادية الحالية، التي تحاول تحطيم ليس فقط المكتسبات التي انتزعتها الموجات الثورية السابقة في حق التظاهرات السلمية والاحتجاج وحق الاعتصام والإضراب، ولكن أيضاً التجهيز للمواجهة المستقبلية مع قوى الثورة – والتي ستأتي نتيجة تعمق الأزمة الاجتماعية واتساع مطالب الجماهير.
ويتضح ذلك من قراءتنا التحليلية للقانون من خلال 3 محاور:
أول هذه المحاور هو تحليل مواد القانون نفسه، والكشف عن جوهره في ترسيخ الاستبداد والقمع، ومحاولة إعطاء الداخلية الحق في قمع الاحتجاجات بمختلف أشكالها، عن طريق استعمال العنف المفرط، وكذلك منحها الحق في منع المظاهرات والاجتماعات بناءا على معلومات وأدلة قد تدعي من خلالها الداخلية – بوجهة نظرها بالطبع – أنها ضد الأمن العام وخطر على مصالح الشعب!!
المحور الثاني هو موقف القوى السياسية من هذا القانون، سواء القوى الثورية أو القوى السياسية الأخرى المتحالفة الآن مع المؤسسة العسكرية (وخاصة الليبراليين، وقوى اليسار الديمقراطي، والناصريين، وبعض قوى المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية) وذلك بالمقارنة مع موقفهم من القانون السابق المشابه، والذي قدمه أحمد مكي في فترة وجود الإخوان في السلطة.
أما المحور الثالث فهو القراءة السياسية لمضمون القانون، والتي تكشف عن البنية الأساسية لاستبداد النظام الرأسمالي واستغلاله للطبقة العاملة وجماهير الفقراء.
تفريغ التظاهرات من مضمونها وذبح من يخالف قوانين السلطة الحاكمة
في المواد 1 و2 و3 و4 يقوم القانون بالتعريف الإجرائي وتحديد معنى التظاهرات والاجتماعات، وكيفيتها، وأنها عبارة عن “تجمع سلمي للناس يزيد عن 10 أشخاص في مكان عام أو خاص للتعبير عن مطالبهم واحتجاجاتهم السياسية”. فيما لم يذكر القانون بالطبع تعبير الاحتجاج ضد أداء وسياسات السلطات الحاكمة لأن ذلك يحمل دلالات خطيرة ضد مصالح النظام.
في المادة 5 يأتي تفصيلها لمواجهة كافة الأشكال التنظيمية للمظاهرات، وأدواتها التي تقوم بها القوى السياسية، والتي تعبر عن مميزات كل قوة اجتماعية، وتحمل مضمونها الاحتجاجي، وخاصة تنظيمات الإخوان الاحتجاجية (حيث يشمل التركيز على منع وتجريم التظاهر في أماكن العبادة)، وأيضاًً تظاهرات الأولتراس (في منع الألعاب النارية والمفرقعات)، والقوى الثورية الأخرى التي تستعمل الأقنعة مثلاً.
أما المواد 6 و7 و8 و10 و11 و12 و13، فهي أخطر المواد التي تمنح جهاز الداخلية حقوقاً مطلقة في ممارسة الاستبداد، وقمع الاحتجاجات وفضها واستعمال أقصى درجات العنف – حسب القوانين المنظمة لذلك في جهاز الشرطة – حيث يعطيها القانون الحق في استعمال الرصاص الحي في مواجهة الاحتجاجات وقمعها بدون مبررات حقيقية، دون حتى إعطاء المحتجين حقهم القضائي في إدانة استبداد قوات الداخلية.
وبالرجوع للقوانين المقصودة والمنظمة لذلك في جهاز الشرطة نجد أنها أشارت في المادة 13 لقانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 لإجازة صريحة للقتل باستخدام السلاح الناري، وصولاً لاستخدام البندقية الآلية، بلا ضابط مُحْكَم ودون التعرض للمسائلة، وحتى في غير حالات الاعتداء على النفس، وذلك بالمخالفة لكافة المواثيق والمعايير والممارسات الدولية (راجع المبادئ الأساسية لاستخدام القوة والأسلحة النارية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب).
تبدأ سلطة الداخلية في ضرورة إخطارها بتنظيم المظاهرات على الأقل قبلها بـ 24 ساعة، وتسليمها مواعيد المظاهرات وخط سيرها، بل ووسائل الاتصال بين المشاركين والمنظمين للتظاهرات في مشهد عبثي يثير السخرية؛ فالسلطة هنا تطلب من المنظمين تسليم أنفسهم لها عبر إعطائها كل المعلومات الخاصة بالتظاهرات.
ويحدد القانون مساحة محددة للتظاهرات، وأن تبعد مسافة لا تقل عن 50 متراً عن كل الأماكن الحيوية فى الدولة (من المقار الرئاسية، ومقار المجالس التشريعية، ومقار مجلس الوزراء والوزارات والمحافظات، ومقار المحاكم والنيابات والمنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية، وحتى مقار أقسام ومراكز الشرطة، ومديريات الأمن والسجون، والأجهزة والجهات الأمنية والرقابية، والأماكن الأثرية، مع حظر دخول أي فرد لحرم المواقع المشار إليها لنصب منصات أو خيام بغرض الاعتصام أو المبيت فيها).
ولا تنتهي مواد القانون عند إعطاء الداخلية صلاحيات مطلقة في فض المظاهرات بالرصاص الحي، بل أيضاً، وهذا هو الأخطر، الحق في منع الاعتصامات والإضرابات، مما يفرغ التظاهرات والوسائل الاحتجاجية تماما من مضمونها، ويلغي أي قدرة للجماهير على ممارسة حقها الذي تكفله كافة المواثيق الحقوقية الدولية.
ويسير القانون بنفس هستيريا السلطة في فرض عقوبات على المخالفين، حيث يشمل مشروع القانون عقوبة السجن والغرامة من 100 ألف إلى 300 ألف جنيه لكل من عرض أو حصل على مبالغ نقدية، أو أي منفعة لتنظيم المظاهرات أو الاعتصام دون إخطار أو توسَّط في ذلك، ويعاقب بذات العقوبة كل من حرَّض على ارتكاب الجريمة وإن لم تقع.
ويعاقَب بالحبس والغرامة من 50 ألف إلى 100 ألف جنيه كل من ارتكب المحظورات التي نص عليها القانون، كما يعاقب بالغرامة من ألف إلى 5 آلاف جنيه كل من قام بتنظيم مظاهرة، أو موكب دون الإخطار عنها، مع صدور قرار قضائي بمصادرة المواد والأدوات والأموال المستخدمة في هذه الجرائم.
قانون قمعي وقوى سياسية تصفق
لقد وقعت القوى السياسية المؤيدة للقانون، من يسار وليبراليين على السواء، في فخ الانتهازية بتحالفها مع الطبقة الحاكمة وانحيازها إلى مصالحها. هذا علاوة على التناقض الكبير في الموقف؛ فهؤلاء جميعهم كانوا ضد قانون تنظيم التظاهرات الذي قدمه المستشار أحمد مكي أثناء وجود الإخوان في السلطة، وشاركوا في موجة الرفض العارمة التي تصدت لهذا القانون، واتهموه بأنه يرسخ لسيطرة الإخوان على السلطة، وغلق الطريق أمام أية احتجاجات اجتماعية تعبر عن رفضها لسياسات النظام.
وهكذا نجد الآن التحالفات التي تقوم عليها السلطة الجديدة، بتواطؤ كامل من القوى السياسية المشار إليها، بحجة أن الدولة تحتاج لهذا القانون لمواجهة عنف وإرهاب الإخوان، وإرساء الاستقرار والأمن. والإخوان المسلمون هم أيضاً يقعون في تناقض كبير وفاضح، فهم من أيدوا، بل ووضعوا بأنفسهم قانوناً لـ “تنظيم التظاهر” يتطابق تقريباً في مضمونه مع القانون الذي يعارضون اليوم.
من خلال قراءة تحليلية لمضمون القانون وأهدافه السياسية، نرى أنه يعبر عن مرحلة حاسمة في عمر النظام، حيث يسعى القانون لتمرير سياسات السلطة الحاكمة بالعنف والإكراه، مع محاولة القضاء على أية إمكانات لتحركات شعبية أو ثورية ضدها، وهذا يكشف عن الجوهر الحقيقى للسياسات الاقتصادية والاجتماعية للنظام، الذي يحاول إظهار ملامح الدولة الديمقراطية الحديثة (آليات شكلية واستنساخ النموذج الليبرالي مفرغا من مضمونه). ولكنه فى العمق مؤسَّس على الاستغلال الرأسمالي، وإطلاق يد الأجهزة القمعية لحماية هذا الاستغلال، والانحياز الكامل لمصالح طبقة رجال الأعمال والشركات العالمية.
وفي النهاية يفضح هذا القانون أزمة النظام الحالية، حيث تتعمق الأزمة الاجتماعية، ويحاول النظام تفاديها بإجراءات استباقية، تمهد للقمع الدموي للحركات الثورية.
قد يتوهم البعض أن هذا القانون هو لمواجهة الإخوان فقط، ولكنه في الحقيقة قانون موجه ضد توسع الحركة الثورية وصعودها من جديد، ومواجهة خطر الثورة الاجتماعية، ولكن بالطبع ستطيح الاحتجاجات الاجتماعية والشعبية بهذا القانون، كما كان مع قانون حظر الإضرابات الذي سبقه فى عهد المجلس العسكري، إذ تبقى دائما إرادة العمال والفقراء وأصحاب المصلحة في استمرار الثورة هي الأقوى في مواجهة دولة الفساد والاستبداد.