بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

رغم فشل منتخب مصر في إحراز أي هدف.. نجح النظام في إصابة المرمى

“إن كرامة الوطن من كرامة المواطنين، ولن تتهاون مصر في كرامة أبنائها”. هكذا تحدث مبارك قبل أيام أمام نواب مجلس الشعب، في الجلسة التي أعقبت مباراة كرة القدم بين منتخبي مصر والجزائر، في السودان، يوم 18 نوفمبر الماضي، تلك المباراة التي هُزم فيها المنتخب المصري وتحطمت بذلك آمال بعض المصريين في الصعود للمرة الثالثة إلى الفردوس المونديالي.. لكن عن أي كرامة يتحدث مبارك؟!

الجماهير تطالب بالثأر

سبقت مباراة الخرطوم انطلاق أبواق إعلامية، أقل ما توصف به أنها غاية في الانحطاط والقذارة بحيث عملت على إذكاء روح التعصب والعنصرية تجاه المنتخب والشعب الجزائريَين. كانت هذه الأصوات أقل حدة قبل مباراة القاهرة التي كان يتحتم فيها من أجل الصعود للمونديال تحقيق فوز كبير بعد أن كان المشجعون قد فقدوا الأمل منذ شهور قليلة للصعود بسبب نتائج المنتخب المخيبة للآمال. ولكن بعد إتاحة فرصة أخرى بالفوز في مباراة القاهرة، انطلقت كل الأصوات التي تلعب في خندق النظام بالحشد والتعبئة – ذوي المضمون العنصري والمتعصب- لتحقيق النصر التاريخي.

كان السيناريو الجاهز بعد هزيمة المنتخب في مباراة الخرطوم هو تحويل غضب الجماهير من السخط على لاعبي المنتخب والنظام، الذي هيأ الجمهور للفوز والاحتفال، إلى أن سبب الهزيمة هو خشونة لاعبي الجزائر، وإجرام مشجعيهم في المباراة وخارج المدرجات، الذين احتشدوا للأخذ بالثأر من غريمهم المصري، بعد أن انتشرت بينهم أخبار عن مقتل ثمانية من مواطنيهم عقب مباراة القاهرة.

لم يمض وقت طويل حتى بدأ شباب الفقراء العاطلين المصريين الغاضبين -الذين قد تلقوا جرعة عنصرية ثقيلة من الإعلام الرسمي والخاص على حد سواء- في الانطلاق في تظاهرات غاضبة، وصلت إلى حد التوجه لسفارة الجزائر لإحراقها، ومن ثم حدثت المصادمات بين المشجعين الغيورين وقوات القمع وأسفرت عن إصابات في صفوف كلٍ منهما.

استطاع الإعلام الحكومي بالفعل أن ينجح في مهمته في إلهاء شباب المصريين عما يعانونه من فقر وبطالة وضغوط معيشية، وأن يقوم باختزال كل هذه المعاناة في خسارة مباراة، وحرمان من مونديال. كما استطاع من خلال تكثيف غير مسبوق للدعاية أن يوجّه غضب المشجعين الفقراء المصريين تجاه عدو وهمي تم اختلاقه، ألا وهو كل من يحمل الجنسية الجزائرية. ولم يصل هذا الغضب فقط إلى حد الكراهية بل أيضا لاستخدام العنف، كتعبير عن العدائية الصريحة، والدعوة إلى قطع العلاقات وسحب السفراء، في مشهد من الفوضى يذكّرنا بالحرب التي قد قامت بين هندوراس والسلفادور إثر أحداث المباراة الفاصلة المؤهلة لكأس العالم عام 1970.

الوطنية الزائفة

فجأة أظهر النظام ومهلليه أنفسهم في ثوب الباحث الدءوب عن مصالحنا والمدافع النبيل عن كرامتنا، التي تم إهدارها خارج الوطن!! في حين يتم إهدار هذه الكرامة مئات الآلاف من المرات على يد زبانية النظام، ومسئوليه السياسيين، ورجال أعماله، بشكل يومي، في داخل مصر وخارجها.

يتضح لنا أيضا زيف ادعاءات الوطنية لدى النظام المصري في الكثير من المفارقات الممتدة عبر تاريخ حكم مبارك. فلم يحرّك هذا النظام ساكنا جرّاء قتل جيش العدو الصهيوني لعشرات من المصريين، سواء كانوا جنود أو مواطنين مدنيين، منهم أطفال، على المناطق الحدودية مع فلسطين المحتلة، حيث قتل ما يفوق الخمسين مصري بيد القوات الصهيونية منذ توقيع “معاهدة السلام”، أو لم يتخذ هذا النظام أي موقف إزاء تعذيب عمال مصريين في بلدان كالسعودية، أو اختفاء بعضهم في دول أخرى. لكن نظام مبارك انتفض في وجه من أهانوا المصريين بالتعدي عليهم، بعد الهزيمة الكروية.

بينما لم نسمع عن استدعاء أي سفير في أي من الأحداث السابقة، ولا في حرب غزة، عندما كان دم الشهداء الفلسطينيين يسيل أنهارًا، فيخرج علينا علاء مبارك في أحد البرامج التلفزيونية يعلن أنه “إن كان للسفير الجزائري كرامة فعليه مغادرة البلاد”، في تعبير عن غضبه لما أسماه “الإرهاب والهمجية الجزائرية”، هذا طبعا بالإضافة إلى جيش الإعلاميين، والمثقفين، والفنانين، ورجال النظام، ورجال الأعمال، الذين عكفوا على ترديد نفس النغمة بحماسة شديدة، في محاولة للاصطفاف بجانب السلطة، ولإبراز عمق شعورهم الوطني – الزائف.

عندما نتحدث عن الوطنية الزائفة للنظام المصري وحاشيته، يجب أن نتذكر المفارقة الفاضحة عام 2006 عندما رفع مبارك كأس الأمم الأفريقية مع حسن شحاتة، ولاعبي المنتخب في لحظة احتفالية أبهجت المصريين كافة، في حين لم يلفظ –قبل أسابيع قليلة من البطولة- بنت شفة حتى لعزاء الـ 1400 مصري الغارقين في عبّارة السلام، الفارين من الفقر والبطالة، والباحثين عن فرص عمل وحياة شريفة، ربما يجدونها خارج البلاد. هكذا يستخدم النظام المصري كرة القدم –وغيرها- للتغطية الإعلامية على فضائحه وكوارثه ولإلهاء شعب بأكمله عن تواطؤه مع فساد وجشع الرأسمالية المصرية واستهتارها بأرواح الفقراء.

يجب أن نذكر أيضا أن ما يشجبه مهللو النظام المصري من إرهاب وهمجية من جانب الجزائريين، يُمارس بالفعل من قِبل النظام المصري ذاته، وأن من يسميهم الإعلام الحكومي بـ”البلطجية الجزائريين” الذين ارتكبوا “الفظائع” في السودان، قد أطلق النظام المصري مثيلهم من سجون المحلة للسيطرة على انتفاضة أهالي المدينة عشية الإضراب، الذي أعلن عنه العمال في 6 إبريل 2008.