رؤية للعمل في الأحياء الشعبية
المناضل الاشتراكي كمال خليل يفتح باب المناقشة حول مستقبل حركة التغيير – كفاية بالذات – ويؤكد أن المطلوب هو ارتباط الحركة بالشارع والأهالي في أحيائهم وخوضها نضالات صغيرة جنبا إلى جنب مع المعارك السياسية الكبرى.
القاهرة الكبرى مدينة يبلغ تعداد سكانها 22 مليون نسمة، وتستقبل كل صباح مليونا إضافيا يغادرونها في المساء، وهى من أكبر ثلاث مدن في العالم (طوكيو- القاهرة – نيويورك)، وكانت في الماضي بلد الألف مئذنة أما اليوم فقد تكون بلد المليون مئذنة.
نهر النيل أو شريط السكة الحديد أو شارع رئيسي غالبا ما يفصل بين الأحياء الشعبية وبين أحياء الأثرياء. نهر النيل يفصل بين إمبابة والزمالك، شريط السكة الحديد يفصل بين بولاق الدكرور وأرض اللواء وحى المهندسين، شارع القصر العينى يفصل المنيرة والسيدة زينب وعابدين عن جاردن سيتي.
في قاهرة المعز تتجاور مصر العشة مع مصر القصر، تتجاور أحياء السادة مع أحياء العبيد (يا مصر.. الكهارب اللي والعة في القصور دي.. مسروقة من نور عين حواريكى).
ولأن الإسكان والتعليم والصحة طبقات.. فالأحياء أيضا طبقات. يدخل الأثرياء أقسام الشرطة مرفوعي الرأس.. أما الفقراء فيدخلوها مهاني الكرامة ويخرج منها البعض أمواتا. البطالة تنتشر في أحياء الفقراء.. أما أبناء الأثرياء فليس لديهم مشكلة بطالة. أبناء الأثرياء يتعلمون فى مدارس اللغات والجامعات الخاصة.. أما أبناء الفقراء فإن المدارس الحكومية المكدسة بالتلاميذ قد ضاقت بهم وعليهم. جيوب القمامة ومقالبها تملأ أحياء الفقراء، ومازالت هناك بعض الأحياء لا توجد بها شبكة للصرف الصحي, كما أن العديد من قرى الجيزة لم تدخلها بعد مياه الشرب وتعيش على الطلمبات أو مياه الترع، والآلاف من الكيلومترات من الشوارع لم تذق يوما طعما الأسفلت في كثير من أحيائنا الفقيرة.
الظلم الاجتماعي والاستغلال الطبقي ومذلة الفقر والحرمان تستطيع أن تلمسها وتعايشها في كل شبر وفى كل ناحية على أرض إمبابة وبولاق وأرض اللواء ومساكن الزلزال (في المقطم والقطامية ومدينة السلام) وباب الشعرية وحواري الجيزة والمعادى الشعبية وعابدين والسيدة زينب والجمالية والدرب الأحمر والخصوص والمرج والزيتون والمطرية والوايلي وشبرا الخيمة وحلوان.. الخ.
تختلف المشاكل من حي لآخر وتتنوع، لكن جوهرها وأصلها واحد. إنها أحياء القاع وليست أحياء القمة.. أحياء من لا صوت لهم ولا حقوق.. أحياء المأجورين في سوق العمل.. وأحياء الراكدين في سوق البطالة.
ملايين العمال والموظفين والفلاحين والحرفيين والمهمشين والعاطلين تموج بهم الأحياء الشعبية في القاهرة الكبرى، لا تجمعهم أية رابطة سوى رابطة الفقر، تلال المشاكل فوقهم تثقل كاهلهم، وهذه المشاكل فى أوقات الانتخابات تصبح سوقا للتجارة من أجل مقاعد البرلمان أو المحليات (مراعى الفساد) وخلال كل دورة للبرلمان أو المحليات يكون المبدأ السائد لنواب الحكومة: (( تقديم الخدمة الشخصية مقابل الحصول على الصوت الانتخابي))
أما المشاكل الخانقة للملايين مثل البطالة والانتهاكات المستمرة لجنرالات الشرطة وتدهور الخدمات التعليمية والصحية والثقافية للجماهير، فتبقى دائما دون حلول، بل تتعمق، ويزداد الطين بلة في كل دورة. برلمان أشبه بالمحليات ومحليات يرعى فيها اللصوص، وتزداد معاناة البشر يوما بعد يوم فى ظل نواب وساسة يدعون دائما أنهم أبناء الدائرة الذين يعملون في صمت.. وحقا إنها تجارة رابحة بالنسبة لهم.
انتزاع حقوق البشر لن يحدث إلا بتحرك البشر أنفسهم من أجل انتزاعها.. لن يحدث بترسيخ مبدأ ((الخدمة الشخصية مقابل الصوت الانتخابي)) بل بنسف هذا المبدأ ذاته. التضامن والعمل الجماعي لملايين المقهورين في الأحياء الشعبية في مواجهة كل استبداد وكل طغيان وكل ظلم اجتماعي هو الطريق الوحيد لزرع بذور المقاومة الحقيقية.
كيف نغرس بذور المقاومة ؟ وفق أي منهج ينبغي لنا أن نعمل؟ كيف تنغرس حركة كفاية وسط الجماهير؟ وكيف نرتبط بالجماهير في كل موقع؟ كيف نعمل من أجل تجميع الخيوط ولملمتها لتكون أنوية العمل في كل حي شعبي؟ كيف يمكن لنا أن نعمل من أجل تطوير النواة إلى مرتكز جماهيري.. ثم تطوير المرتكز ليصبح قاعدة جماهيرية؟
القضايا المباشرة هي وسيلة الارتباط مهما كانت صغيرة.. وفى كل موقع ينبغي أن نتحرك من حيث تقف الجماهير لا من حيث نقف نحن. الهدف الأكبر هو خلق الإيمان بالعمل الجماعي بين الناس وتضامنهم بعضهم مع بعض.. لا ينبغي أن نتحرك بين الناس من خلال قضايا سياسية عليا ومجردة.. بل يجب أن نتحرك من قضاياهم المباشرة والملحة.. لسنا بديل عن البشر بل يجب أن نكون يدا للتضامن والمساعدة.
في موقع ما تم تعذيب مواطن أو عدة مواطنين في قسم الشرطة.. إن لم نقف إلى جانبهم.. وإن لم نمد لهم يد المساعدة.. وإن ذهبنا إليهم نحدثهم فقط عن التضامن مع المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان والتمديد والتوريث والتبعية والعولمة الرأسمالية.. سنكون غرباء بينهم.
السياسة ليست رطانة وحذلقة وتعالي على الجماهير.. السياسة النضالية هي الارتباط بمشاكل الجماهير وعدم التعالي عليها.. لن نستطيع أن نتصدى لتوريث نظام الحكم في مصر إذا كنا غير قادرين على التصدي لضابط شرطة يعذب المواطنين ويهين كرامتهم كل يوم.. لن نستطيع أن نخلق حركة تضامن من الجماهير مع المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية ونحن لم نتضامن مع أهالي الحي ضد قسم الشرطة.. كيف يترجم المواطنون تعاطفهم مع المقاومة اللبنانية وهم أصلا لم يتضامنوا مع بعضهم في مواجهة الذل والإذلال اليومي الذي يعشش في أركان حيهم.
كسب المعارك الكبرى لن يأتي إلا بكسب المعارك الصغرى.. وقضايا السياسة مترابطة وغير منفصلة.. كما أن عقول الناس ليست خاوية.. الأزمة بين الجماهير ليست أزمة وعى سياسي بما يدور حولهم (الجماهير اللي إيدها في النار، ومكوية كل يوم فاهمة وعارفه كل حاجة أكتر من النخب السياسية اللي أيدها في المياه الباردة.. الأزمة أزمة تنظيم وكسر حاجز الخوف.. أزمة خلق جسور للتضامن وجسور للمقاومة.)
يجب أن نعمل في كل حي على كسب المعركة الأولى مهما كانت هذه المعركة صغيرة.. كسب المعركة الأولى يزرع الثقة بالنفس ويحفز من أجل كسب المعركة التالية.. أحياء بالكامل أو مناطق ببعض الأحياء لا تتمتع بشبكة مجارى للصرف الصحي.. كيف نخلق حالة من التضامن بين سكان هذا الحي من أجل انتزاع حق آدمي يتمثل في إزالة نظام الترنشات ومآسيها ووجود شبكة للصرف الصحي؟ الملايين والمليارات تنهب من خزائن الدولة بينما هناك آلاف من البشر يحتاجون إلى ضخ الأموال من أجل أبسط حقوق لمواطن يعيش في بداية الألفية الثالثة كما يقولون.
أيضا على أبواب هذه الألفية قرى عديدة في محافظة الجيزة مازالت تعيش على مياه الترع والطلمبات.. والملايين في طوابير من أجل رغيف عيش (يوميا)، والملايين من ساكني الشقق وأصحاب المحلات يعانون من الإتاوات المفروضة على فواتير الكهرباء بحجة رسوم النظافة، و الملايين من الشباب في سوق البطالة ( لا عمل … ولا زواج …ولا مستقبل).
يجب أن ننخرط مع هذه المشاكل وغيرها.. ونسعى من أجل خلق كتل جماهيرية متضامنة تدافع عن مصالحها وتنتزع حقوقها.. فهل نتقدم؟