بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

شفيق: “سِلّم” العسكر

أحمد شفيق

كان المقصود بهذا المقال هو نقد البرنامج الانتخابي لمرشح الرئاسة الفريق “أحمد شفيق”، ولكن نظراً لعدم تمكننا من الحصول على نسخة من هذا البرنامج لأن الموقع الرسمي للحملة على الإنترنت يخلو من أي إشارة للبرنامج، ويكتفي القائمون على الموقع بسرد قدرات الفريق الخارقة في شتى المجالات مثل قدرته على إعادة الأمن في يوم وليلة وتوفير مليارات الدولارات وإنعاش الاقتصاد بشكل فوري وتوفير فرص عمل لملايين الشباب، مع التأكيد على أنه الأقدر والأفضل للرئاسة في هذه المرحلة الحرجة والهامة من تاريخ مصر لما يتمتع به من موهبة خاصة في الإدراة والتخطيط، وعلاقات دولية واسعة، كل هذا دون أي توضيح أو كشف عن الآلية أو الكيفية التي سينفذ بها الفريق كل هذه الوعود – اللهم سوى أنه سيعيد الأمن باتصال تليفوني مع رجال الشرطة يأمرهم فيه بالعودة إلى العمل على حد قوله هو في أحد البرامج التلفزيونية – في أمر أشبه بخطابات مبارك السياسية المليئة بالوعود الوردية في أوائل حكمه في فترة الثمانينيات.

لذلك ولعدم وجود نسخة من البرنامج كما أن سبق وذكرنا، فليس أمامنا إلا البحث في تاريخ المرشح السياسي وإلقاء الضوء على أهم وأبرز محطاته التاريخية التي تؤهله لا لأن يكون رئيساً لأول جمهورية بعد ثورة يناير، بل لأن يكون من أكبر رموز الفساد التي لابد وأن يكون مكانها الطبيعي خلف القضبان.

أحمد شفيق من مواليد عام 1941، تخرج من الكلية الجوية عام 1961، وتدرج في المناصب العسكرية إلى أن أصبح رئيساً لأركان القوات الجوية عام 1996 حتى عام 2002، والتي تعتبر أطول فترة لقائد القوات الجوية في مصر، ليصبح بعدها وزيراً للطيران المدني، المنصب الذي ظل فيه إلى أن اندلعت ثورة يناير 2011 ليعينه الرئيس المخلوع رئيساً للوزراء خلفاً لأحمد نظيف في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي المشتعل آنذاك. إذاً نحن أمام رجل ليس محسوباً على النظام القديم وحسب وإنما هو أحد الفاعلين فيه وبقوة، ويدل الحرص على بقائه دائماً واحد من رجال السلطة في المواقع المختلفة التي اعتلاها على أنه من المقربين المرضيّ عنهم، بما يعنيه هذا من اندماج كلي في منظومة الفساد التي كان يقوم عليها نظام مبارك وولائه التام له.

شفيق رئيساً للوزراء
يوم السبت 29 يناير 2011، أصدر الرئيس المخلوع قراراً بإقالة حكومة “أحمد نظيف” وتعيين “أحمد شفيق” خلفاً له. لنجد أن “شفيق” – وياللعجب – لم يعين سوى سبعة وزراء جدد مع إبقاءه على العدد الأكبر من الوزراء المسيطرين على أهم الوزرات في التشكيل السابق لحكومة نظيف، لتصبح يوم 12 فبراير 2011 أي صبيحة تنحي المخلوع، هي نفسها حكومة “تسيير الاعمال” التي يكلفها المجلس العسكري بتولي زمام الأمور لحين تشكيل وزارة جديدة.

اشتهرت تلك الوزارة بإسم حكومة “تهريب الأموال” و”تنظيم المستندات” وإلا فما هو تفسير اختيار مبارك “شفيق” لرئاسة الوزارة في وقت حرج مثل الذي كان يمر به إلا إذا كان ضامناً لولاءه. إن وجود شفيق في رئاسة الوزراء أتاح لمبارك الفرصة لتهريب ما تبقى من أموال والتخلص من مستندات من شأنها فضح الكثير من خفايا النظام داخلياً وخارجياً. ولشفيق عدة أحاديث تلفزيونية بعد توليه رئاسة الوزارة في يناير كانت على مسمع ومرأى الملايين ليس في مصر فقط بل في العالم بأسره، وهو يمتدح في مبارك ويصفه بالرئيس الوطني المخلص مؤكداً على عدم رحيله ورافضاً للاعتراف بالثورة مطلقاً عليها اسم “حركة” لا تعبر عن أغلبية الشعب المصري. وبعد يومين من تولي شفيق للوزارة في ظل مبارك حدث الهجوم الشهير على ميدان التحرير والذي عرف بـ”موقعة الجمل” والذي يحاكم بتهمة التحريض عليه رموز من النظام السابق أمثال فتحي سرور ومرتضى منصور وبعض رجال الأعمال المقربين من النظام بما لا يدع مجالاً للشك بأن مؤامرة مثل هذه يستحيل أن يتم تدبيرها دون علم رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه على أقل تقدير.

لقد أعاد “شفيق” أثناء توليه للوزارة تنظيم رجال مبارك بشكل جديد، فعيّن وزير الداخلية “محمود وجدي” المعروف بمهندس التعذيب في معتقلات الداخلية، الذي أكد بعد أيام من توليه الوزارة على براءة الشرطة من دم الشهداء واصفاً ما قاموا به من قتل عمد للمتظاهرين بالدفاع الشرعي عن النفس. كما استعان بـ”ممدوح مرعي” وزيراً للعدل وهو المعروف بأنه أخفى ملفات فساد كثيرة كانت تطول مسئولين كبار في النظام السابق، حتى أنه أصدر أوامر لوقف التحقيقات في بعض قضايا الفساد مما دفع حوالي 56 قاضياً من القضاة الشرفاء في شهر فبراير 2011 للتقدم ببلاغ ضده إلى النائب العام. وكذلك وقع اختياره على “محمود لطيف” العضو السابق في مجلس إدارة الشركة المسئولة عن تصدير الغاز للكيان الصهيوني ليصبح وزيراً للبترول، مثلما أبقى على العديد من كبار رجال النظام في أماكنهم أمثال صفوت الشريف وفتحي سرور وزكريا عزمي دون إشارة لإمكانية محاكمتهم أو حتى عزلهم.

شفيق وزيراً للطيران المدني
حقيقة الأمر أن “شفيق” ذاته يتحدث عن فترة توليه رئاسة وزراة الطيران المدني أكثر مما يتحدث عن رئاسته للحكومة. ونجده في كل أحاديثه يتباهى بإنجازاته الخارقة وتطويره الفذ لعمل الوزارة بشكل عام ولمطار القاهرة وما أدخله عليه من تعديلات وتجديدات بشكل خاص. وأمام حديث شفيق عن خبراته وكفائته ونزاهته تأتي شهادات العاملين في وزارة الطيران المدني من مهندسين وطيارين وموظفين التي تؤكد فساده وتورطه في صفقات مشبوهة.

بتاريخ السبت 12 مارس 2011 تقدم عدد من الموظفين والعاملين بوزارة الطيران المدنى، بـ24 بلاغاً للنائب العام ضد الفريق أحمد شفيق وزير الطيران المدنى ورئيس مجلس الوزراء السابق، يتهمونه فيها بإهدار المال العام، وذكر العاملون فى بلاغاتهم أن شفيق، قام بإرساء العديد من الأعمال الإنشائية بالمطار رقم 3 ورقم 2 بالأمر المباشر على أصدقائه خاصة على صهر علاء مبارك “مجدى راسخ” وصهر جمال مبارك “محمود الجمال” بملايين الجنيهات. كما اتهموا شفيق ببيع 300 ألف متر من الأراضى الكائنة بزمام وزارة الطيران المدنى لرجل الأعمال “فهد الشبكشى” بسعر جنيه واحد للمتر، و300 ألف متر للسيد “وجدى كرارة” بسعر واحد جنيه للمتر، وأربعة آلاف متر لشركة مورتيل العالمية وذلك لبناء فندق بمطار 3 بالأمر المباشر وبدون مناقصة وهذا الفندق يمتلك فيه رجل الأعمال “فهد الشبكشى” حصة 50%.

وأضاف البلاغ أن شفيق، قام ببيع الطائرات المملوكة لمصر للطيران واستبدالها بطائرات جديدة غير مملوكة لمصر للطيران بل مؤجرة بنظام الشراء التأجيرى وبأقساط دائنة لأصول مصر للطيران بنظام الرهن، وقام بإدراج الطائرات المباعة بميزانية مصر للطيران على أنها إيرادات بدلا من أصول ثابتة للتغطية على الخسائر والأموال المنهوبة من الشركة، حيث بلغت خسائر شركة الخطوط الجوية بمصر للطيران بمفردها 500 مليون جنيه مصرى فى ميزانية العام السابق تحت علم الجهاز المركزي.

وذكر البلاغ أن الوزير السابق قام ببناء ممر رابع بمطار القاهرة وكذلك برج مراقبة جديد تكلفتهما مليارا ومائتين وخمسون مليون جنيه على الرغم من وجود 3 ممرات وبرج فقط، مضيفاً أن كثافة حركة الطيران بمطار القاهرة لا تستدعي هذا الإنفاق قائلين أن مطار فرانكفورت بألمانيا به 3 ممرات فقط على الرغم من أن كثافة الطيران ثلاثة إضعاف حركة الطيران بمطار القاهرة .كما قام ببناء مول تجاري أمام صالة 2 بتكلفة قدرها مائة مليون جنيه ولم يتم استغلاله تجارياً، حيث فشل المشروع لعدم تحقيق أى عائد مجزى فتم تحويل المول إلى كافتيريات ومحلات مغلقة لا تدر أى إيراد وجاء هذا الفشل نتيجة لدراسة الجدوى الخاطئة والمجاملة فى إرساء عقود هذه المشاريع على بعض المعارف والمقربين.

هذا غير استغلال “شفيق” لنفوذه في عسكرة وزارة الطيران المدني وذلك بتعيينه حوالي ستمائة لواء وعميد متقاعد وإلحاقهم بوظائف في وزارة الطيران المدني بمرتبات بلغت حوالي 9 ملايين جنيهاً شهرياً. كما قام بنقل ثلاثة من أصدقائه المقربين للعمل كمديرين لمكاتب مصر للطيران بالخارج، وهم محمد الكردي مدير مكتبه، وعبد الحميد شلبي لواء قوات جوية ومدير الأمن بالوزارة، وأحمد البلتاجي الملحق العسكري بفرنسا، ووصل مرتب كل منهم إلى حوالي 20 ألف يورو شهرياً.

يؤكد شفيق في كل أحاديثه أن ما قام به من “إنجازات” إبان توليه وزارة الطيران المدني ما هو إلا جزء بسيط مما يحلم به وينتوي إنجازه في حالة فوزه في السباق الرئاسي. وتلك هي الحقيقة الوحيدة المؤكدة، أن فساد شفيق وهو وزير لن يُقارن بفساد شفيق الرئيس، بل وسيُضاف إليه سجلاً وافراً من القمع والقهر الذي سيتصدا بهما – حال فوزه – للثورة.. ولكم في تاريخه عبرة يا أولي الألباب.