مشهد متكرر.. ضحايا جدد.. والجاني واحد
شهيد بيشيّع شهيد

طعنة جديدة في جرح لم يلتئم..
جريمة طائفية جديدة.. خمسة من القتلى، وعشرات المصابين، وبيوت ومحلات تحرق بساكنيها الأبرياء.
روايات هزلية عن “الشرارة” التي أشعلت المعركة، إحداهم بالطبع تتحدث عن “قتاة” تعرضت للمعاكسة. وتصريحات رسمية، وغير رسمية، لا تقل هزلية.. تصريحات تساوي بين المعتدي والضحية، وتتهم “طرف ثالث” بإشعال “الفتنة” وبعضها يطالب “الأقباط” بالهدوء مع تهديد مضمر.
جنازة للضحايا، ولمزيد من الحذر تخرج بعيدا بعيدا عن بؤرة الأحداث (الخصوص)، إلى الكاتدرائية بالعباسية. ومرة أخرى.. تصطف جحافل الداخلية، وبالمصادفة يحتشد “مواطنون شرفاء“، ومن السهل افتعال أية مشادة، ليبدأوا عملهم الذي أتوا من أجله، والذي سبق أن قاموا به من قبل؛ الاعتداء بالأسلحة البيضاء والمولوتوف والحجارة على المشيعين والمتظاهرين، وبمنتهى التبجح يصرخون “المسيحيين بيضربونا”.
بالطبع تبدأ الداخلية في التعامل، وهذا حسب التصريحات الرسمية سابقة التجهيز، ولكن حسب روايات متظاهرين، فإن عصابات البلطجية، ومنهم عصابة “كريم بسكوتة” الذي لمع نجمه في الاعتداء على المعارضة بحماية الشرطة العسكرية، قد أتت من ناحية قوات الداخلية التي حمتها خلال اعتداءها بل ونظمت عمل أفرادها ووجهتهم للمناطق التي احتمى بها المتظاهرين (أقباط ومسلمين) داخل الكاتدرائية وحتى في مستشفى الدمرداش.. الطريقة نفسها والعصابة نفسها التي هاجمت جنازة “الشهيد مينا دانيال” في نوفمبر 2011، كما تروي شقيقته ماري دانيال.
والمتوقع بالطبع، أن يسقط ضحايا بين مصاب وقتيل، وتخرج مظاهرات او جنازات لتشييع ضحايا جنازة الضحايا.. وتمتد من جديد سلسلة من كلمات “اعتداء..ضحايا.. جنازة”.. ثم “اعتداء..ضحايا.. جنازة”… وهكذا
مشهد متكرر
مشهد تكرر لعدد من المرات ربما لا تسعها الذاكرة، ففي الشهور الثلاثة الأولى لهذا العام على سبيل المثال:
– في بورسعيد، في 27 يناير 2013، تخرج مظاهرة للتنديد بالمحاكمة المسرحية التي قضت بإعدام 21 متهم، وتبرئة ساحة الشرطة والجيش من مذبحة الألتراس، ليحصد الأمن أرواح ما يقرب من 30 شهيد جدد تركزت إصاباتهم في مناطق الصدر والرقبة والرأس، علاوة على أكثر من ثلاثمائة مصاب على أقل تقدير.
– في جنازة شهداء اليوم السابق، تقوم الداخلية بتكرار الأمر نفسه، فيسقط سبعة مصابين جدد، وأكثر من أربعمائة مصاب، وتسقط نعوش بعض الضحايا على الأرض. ثم تتوالى الأحداث المعروفة ويعلن مرسي حالة الطوارئ لمدة شهر في كل مدن القناة، فيكسرها أهل القناة منذ الساعة الأولى.
– ولا يقتصر الأمر على بورسعيد فحسب بل وفي أية جنازة لأي شهيد، فيتم الاعتداء على جنازة الشهيد صلاح الجميعي (18سنة) وهو عامل حلواني، والضحية رقم 48 لمسلسل القتل في بورسعيد، والذي عانى لمدة 50 يوما من إصابة برصاصة في الظهر قبل أن يتوفى وتشيع جنازته في بلدته بالدقهلية.
– جنازة الشهيد حسن شعبان الذي قتل تحت التعذيب في سجن “برج العرب”، في فبراير 2013، تتعرض للاعتداء من بلطجية، يمنعوا المشيعين والمتظاهرين من أداء الصلاة عليه في القائد إبراهيم، وينصاعوا إلى التهديدات والضغوط التي مارسها عليهم الأمن في ليلة الجنازة، وينقلون الجتمان للدفن في بني سويف.
– جنازة محمد الجندي، الذي تم التعتيم على أسباب وفاته، 13فبراير 2013، تتعرض للاعتداء من بلطجية.
ولأن الثورة المضادة تحركها نزعة انتقامية واحدة، تتعرض جنازة المعارض التونسي شكري بلعيد في فبراير 2013، للاعتداء من بلطجية أيضا، يطلقون النار ويحرقون السيارات لتفريق الجنازة، التي رفعت شعارات تنديد بحكومة “النهضة” الإسلامية.
جنازة الشهيد محمد الشافعي، في الخامس من مارس 2013، عند مسجد عمر مكرم، تتعرض لإطلاق الغاز بكثافة على المشيعين، ثم تشتبك قوات الداخلية بالمتظاهرين عند كوبري قصر النيل، ويتحرش شرطيون بزي مدني بالمشيعين.
الجاني هو الجاني
يتكرر المشهد بالجرائم الجارية، وللأسف لا نتوقع أن ينتهي بها، فالبلطجية المتصدرين للمشهد، هم عصابات من الكلاب الشرسة التي رباها النظام ورجاله لاستخدامها وقت الحاجة.
ومهما تغيرت وجوه هذا النظام: مبارك.. العسكر.. الإخوان..أو غيرهم. حتى لو كانت هناك صراعات داخلية بين أجنحة وقطاعات متنافسة في النخبة الحاكمة، فلا يجب أن يلهينا البحث عن تفاصيلها، التي تُسرب لنا عمدا. سيظل النظام هو النظام، على أتم استعداد لاستخدام أقذر الاسلحة “البلطجة” وأخطرها وهو “الطائفية” كي يبقى محتفظا بسيطرته.
وسوف يمارس المزيد والمزيد ن الضغط لاستنزاف الثوار وخنق الجماهير، فبينما نهرع نحو ساحة المواجهة في الخصوص أو العباسية، يرتكب النظام جريمه جديدة ضد عمال السكة الحديد المضربين من أجل حقوقهم، وفي ليلة أحداث العباسية يتم رفع أسعار عدد كبير من السلع التموينية، بينما تواصل حكومة الإخوان إجراءات بيع مصر لأصدقائهم القطريين، مع انتظار قرض البنك الدولي. ولسان حالهم يقول “جوعوا.. وموتوا.. بل واذهبوا إلى قبوركم.. في صمت”.