بوابة الاشتراكي

إعلام من أجل الثورة

شتاء مصر الساخن

ما من شك أن مصر تنتظر شتاءاً ساخناً هذا العام. فعلى مدى الشهور القليلة الماضية يبدو أن كل شيء يصب في تعقيد تناقضات الطبقة الحاكمة وفي تعميق مأزقها السياسي والاقتصادي وفي القضاء على القلة الضئيلة الباقية من أي شرعية لها.

وفي المقدمة من هذا، يجيء الوضع الإقليمي. فقد أدارت البرجوازية المصرية موقفها فيما يخص الحرب الإسرائيلية الإجرامية على لبنان وفقا لحسابات تقول إن حزب الله لن يصمد طويلا أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية ومن ثم نحت إلى التوافق –كعهدها- مع الخطوط العامة للأجندة الأمريكية في المنطقة، وأدانت حزب الله قبل كل شيء وكمنت ساكنة في إنتظار أن تجهز إسرائيل عليه. لكن الهزيمة العسكرية والمعنوية التي تلقتها إسرائيل على يد مقاتلي حزب الله والمقاومين هي التي أجهزت على ماء وجه مبارك ونظامه. فالمغامرة –كما وصفها مبارك- صارت مثلا على كل ما تقول سياسة مبارك الخارجية إنه غير ممكن، ودليلا على أن المشكلة بالأساس هي في المصالح التي تمنع من مواجهة السياسة الإمبريالية مزدوجة المقاييس في المنطقة. وهكذا نزع حزب الله رداء الحكمة إياه الزائف عن النظام لتظهر عورته السياسية كما لم تظهر من قبل.

أما أن النظام استغل داخليا انشغال الشارع السياسي والضمير الشعبي بتطورات جرائم الحرب في لبنان ونفذ بليل بعض خططه المعادية للفقراء التي أجلها مرة بعد مرة خوفا من إنفجار الشارع، فحتى هذه معركة لم تنته بعد. فالإرتفاعات الجنونية في الأسعار التي تبعت هذه القرارات برفع أسعار الوقود والمواصلات الكهرباء، أضافت للغليان الموجود أصلا وخاصة مع دخول شهر رمضان. وتعالوا معاً ننظر إلى ما يحدث في أوساط المحامين والمعلمين والأطباء وأسائذة الجامعة الذين يتحدثون لغة المواجهة ويطرحون الإضراب العام على الأجندة لأول مرة منذ عقود. ولا شك أن الوصول إلى صفقات مرضية مع هذه الشرائح الاجتماعية سيكون أصعب فأصعب في ظل الضغوط على الحكومة لاتخاذ المزيد من إجراءات الانسحاب لصالح رجال الأعمال. ويكفي أن نشير هنا إلى تقرير القيام بالأعمال الذي يعده البنك الدولي سنويا والذي وضع مصر في المرتبة 165 عالميا من حيث زخم الإصلاح. وليس غير ذي دلالة هنا جو الغموض والحذر اللذين يصاحبان الإنتخابات النقابية العمالية.

بل تعالوا ننظر معا إلى نموذج آخر هو سائقو السكك الحديدية. فكارثة قطاري قليوب، وهي دليل آخر على فساد النظام ووحشيته في مواجهة الفقراء، لم تنته ككل مرة بمعركة صحافية. فهذه المرة لا تزال تداعيات الأزمة مستمرة بفعل تحركات سائقي القطارات الذين قاموا للدفاع عن أنفسهم رافضين تحمل مسئولية مالا يد لهم فيه.

إضافة لذلك هناك التعديلات الدستورية المزمعة، والتي يؤكد الجميع مرة أخرى أنها على مقاس المركز إياه الذي يشكله التحالف غير المقدس بين عائلة مبارك وحلقتهم الضيقة من رجال الأعمال. أما لماذا يمكن أن يكون هذا إيذاناً بشتاء ساخن؟

فأزمة وتناقضات النظام تتعقدان حقا لكن ذلك لا يخلق مواجهة ساخنة في حد ذاته بغياب مقاومة منظمة. ولربما كان هذا الملمح هو نقطة الضعف والتناقض اللذان واجها حركة التغيير حتى في أوجها بعد معركة المادة 76 واللذان تفاقما من وقتها. إلا أن الإجابة تكمن فيما شهدناه من قبل عند تعديل المادة 76. تناقضات الطبقة الحاكمة وأزمته تجبرها على فتح أبواب مغلقة منذ زمن طويل. لكن هذه العملية ذاتها تفتح شهية الناس لحياة أفضل، وتشعل طاقة التغيير خاصة عندما تجبر نفس التناقضات وتربيطات المصالح حكامنا على أن تفتح هذه الأبواب بتردد وفي حدود لا ترضي أحدا في نهاية المطاف. وواجبنا الذي لاغنى عنه هنا هو ألا نكرر أخطاء السنتين الماضيتين وأن تمد حركة التغيير أيديها للشارع قبل أن تفوتها الفرصة.