سيناء: حرب على الإرهاب أم لعبة «دائرة الانتقام»؟

ليست حربا على الإرهاب.. بل هي عملية انتقامية من أهالي سيناء..
هذا ما تؤكده روايات النشطاء والمدونين المستقلين، مدعومة بالصور، وهو الوجه الحقيقي للحملة الشرسة التي يعرضها الإعلام الفلولي (الرسمي والخاص) على أنه حربا على الإرهاب مصحوبا بصور ومقاطع فيديو منزعة من سياقها، ومكررة بشكل فج ومفضوح، بمثابة “توابل” تصاحب خطابها التحريضي العنصري، على لسان مذيعيها أو ضيوفهم الذين تم استدعاءهم لخدمة الغرض نفسه.
أحد المشاهد يرويها أحد النشطاء من قرية “الظهير” التي لم تشهد أي نشاط “إرهابي” ومارس فيها الجيش أبشع صنوف القمع والتنكيل، وحتى السلب والنهب والحرق وبث الذعر بين الأهالي فقط لفعل أي شيء، بينما هم بعيدون عما يسمونه “البؤر الإرهابية”.
هؤلاء الذين يشكلون خليطا مموها ومتشابكا من حاملي الفكر التكفيري – الجهادي، وأصحاب بيزنس الانفاق المقدر بالملايين، والذي لم يكن يمر دون دفع الاتاوات الرسمية من أجل غض الطرف، والمكوي في الحالتين هم سكان غزة المحاصرين، بين نار الغلاء والموت في الانفاق، أو الاختناق التام.
لقد عرضنا سابقا على صفحات الجريدة، وفي أرشيف موقعنا الإلكتروني، بنود كامب ديفيد، التي – باختصار – تشل السيادة المصرية على سيناء وتجعل أكثر من نصفها منزوع السلاح، وهي معاهدة تم “تحزيم” مصر بها لتصبح أقوى من أية اتفاقيات قبلها أو بعدها، و بسبب ارتباطها بالمعونة الأمريكية، ارتبطت بنمو طبقة من المنتفعين من رجال الأعمال والعسكر. لذا أصبح قبول كامب ديفيد هو السؤال الإجباري لكل من يحاول طرح نفسه كحاكم لوادي النيل، ولا يختلف في ذلك مبارك عن مرسي عن السيسي، برغم شعارات “الجهاد” الإسلامية، وشعارات “الوطنية” العسكرية.
على الرغم من أنه لا توجد في تاريخ البشرية معاهدة محصنة ضد التغيير، يروج إعلام النظام هول وفداحة الثمن في حالة المساس بكامب ديفيد. وقد تم تجاوز بنودها بالفعل أكثر من مرة، سواء باعتداءات إسرائيلية، أو بدخول قوات مصرية إضافية، ولكن- مهلا – بعد إذن إسرائيل، ولمطاردة “الإرهابيين” في سيناء، ومن أجل هدم الأنفاق.
وفي ظل هذا التقديس للعهد المبرم مع الصهاينة، لا يسمح لأحد أن يتكلم عن أهالي سيناء ولا عن حقهم في تملك أراضي يعيشون عليها منذ قرون، بينما يُسمح لكل الجنسيات بما فيها الإسرائيليين بتملك تلك الأراضي، لينهل الجميع من ثروات البلاد إلا أهلها.
وبدلا من محاولة علاج سياسات التهميش التي أدت بسيناء إلى تلك الحالة، يتم تبريرها بمنتهى الفجاجة بتخوين أهل سيناء والتشكيك في انتمائهم، وما كان يُقال في الماضي سرا وبين السطور، أصبح الآن علنا.
الإرهاب ليس مجرد أفكار متطرفة تحض على العنف وحمل السلاح، بل لابد له من بيئة، أصبحت جاهزة – للأسف – بسبب حالة التهميش والفقر والجهل التي اُبتليَ بها أهل سيناء. والقضاء على الإرهاب يكون بتجفيف تلك المنابع، وليس بالتنكيل بأهالي سيناء في حملة انتقام وعقاب جماعية تنال من المسالمين في وضع بائس أشبه بسيناريوهات حروب العصابات والقبائل البدائية.
والأولى بمن يصدعون رؤوسنا بشعارات “الوطنية” وأمن “المواطن” أن يعترفوا أن “الوطنية” تقتضي استعادة السيادة الكاملة على سيناء ومواجهة معاهدة كامب ديفيد المخجلة، وأن أمن المواطن يقتضي تأمين احتياجاته الأساسية ماديا ونفسيا، وأهمها شعوره بالانتماء، والذي لن تجبره عليه لا رصاص البنادق ولا “الدوي على الودان” بأغاني مصطفى كامل.